الحريق والطريق!!
    الجمعة 15 سبتمبر / أيلول 2017 - 07:03
    د. صادق السامرائي

    تعرض الواقع الحضاري العربي لحريقين مروعين , أولهما عند سقوط بغداد والآخر عند سقوط الأندلس , وفي الحالتين تم الإجهاز على الفكر العربي ,  وذلك بإحراق الكتب التي قام بها هولاكو في بغداد ومحاكم التفتيش في الأندلس , التي أبادة معظم ما أنتجه العقل العربي العلمي والمعرفي.
    وبعد هذين الحريقين المروعين , دخل العرب في محنة الضياع والخراب والتيهان والخنوع والإستعباد من قبل الآخرين , فبعد أن كانوا سادة الدنيا ومناراتها أصبحوا عبيدها وأذلتها والمتسولين في دروبها , فما قامت للعرب قائمة بعد الحريقين الحضاريين الذين إستهدفا الهوية العربية والعقل العربي والذات العربية في جوهرها ومنطلقات كينونتها الكبرى.
    وأسهم العرب أنفسهم بإذلال أنفسهم وتمزيق وجودهم القوي , وقد بدأ ذلك المسار التدميري منذ أول حرب أهلية وقعت بينهم ومضت معاركهم الداخلية إلى يومنا هذا , وهي مؤيدة ومؤججة من قبل ذوي المصالح والأطماع والتطلعات.
    ولا يزال العرب لا يستفيقون من غفلتهم ويتواصلون العمه في دروب الخسران والهوان , وقد تجلى ذلك ببشاعة مقرفة في القرن الحادي والعشرين , حيث تتوفر الأسلحة المدمرة التي يشتريها العرب من أعدائهم , الذين يوفرون الأسواق المتنامية لإستعمالها وشراء المزيد منها.
    وما يسمى بالإنقطاع الحضاري أو نومة الأمة  والتي تجاوزت الخمسة قرون , طفح فيها كيل الجهل والأمية وفاض حتى أغرق القرن الحادي والعشرين , لا يمكن إلقاء اللوم فيه على جهة واحدة , فأسبابه متعددة أولها العرب أنفسهم ومن ثم الحريق والحريق , وما أعقبهما من إستعمار وإستعباد للعرب من قبل أنظمة وإمبراطوريات متعددة , تفكر بمصالحها وقوتها ولا يعنيها من أمر العرب ووعيهم وثقافتهم شيئا , بل تجد في الإمعان بتجهيلهم وسيلة للسيطرة عليهم وإمتلاكهم وترسيخ تبعيتهم وخنوعهم.
    ومهما إجتهدنا باللوم وإسقاط الأسباب على الآخرين , فأن العلة في العرب وفي العرب دوما , وكأن فيهم طاقة سلبية تنخرهم وتقضي على وجودهم القوي , وإلا كيف يمكن تفسير ما حصل في القرن العشرين وما يحصل في القرن الحادي والعشرين , والعرب أكثر وعيا وثقافة ومعرفة مما كانوا عليه في بداية القرن العشرين؟!!
    أ ليس العرب هم الذين يقومون بأفعال إنتحارية مدمرة لما يشير إليهم ويدل على أنهم من أبناء العصر , وأنهم إندحسوا في الغابرات وما تعلموا كيف يؤسسوا للعقل العربي العلمي والصناعي والإبتكاري والإبداعي الكفيل بتحقيق التميز الحضاري اللائق بالعرب؟!!
    فالعرب إحترقوا ومن عجائبهم أنهم يستطيبون الإحتراق , فيحرقون أنفسهم بنفطهم ويتمتعون بدخانه ولونه الأسود , فيذرفون الدموع ويلطمون وينوحون , ويرددون "هو الذي فعل" ,  والدنيا من حولهم في مهرجانات بهجة وإبداع وسرور!!


    د-صادق السامرائي

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media