عقول بين العلم والخرافة.. عن إعصار فلوريدا
    الجمعة 15 سبتمبر / أيلول 2017 - 07:19
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري

    لو كانت نعم الله توزع على عباده المؤمنين دون خلقه، لكانوا أولى الناس بإحسانه وكرمه وعطاياه، ولفتح عليهم من كنوزه وخزائنه ما أرضاهم وأسعدهم، وأزاح عنهم شظف العيش، ويسر لهم سبل الحياة، وما ترك منهم فقيراً ولا محتاجاً إلا فرج عنه، وأسعده وسر باله وخاطره. ولو كانت نقم الله توزع على الكافرين دون خلقه، لكانوا أقرب الناس إلى أذاه وتقتيره وشحه وغضبه، وما طالهم من منح الله واحدة أو معروف واحد، وما فاز الكافر منهم بشربة ماء، وما أصاب الجاحد منها لقمة عيش، وما نجا من الأعاصير والرياح مارق أو مشرك، ولضاقت الأرض عليهم بما رحبت، ولأثقل عليهم فى الرزق، عبرة وآية وعظة للموحدين، وإعذاراً وإنذاراً للفاسقين والملحدين. ولو كان لنعيم الدنيا من صاحب وحبيب، لكان الموحدون الخاشعون الراضون أولى بصحبته ومحبته، وكان الفقر والحاجة للكافرين والمارقين رفيقاً وصاحباً وخليلاً، وكان المؤمنون هم الفائزين بنعمه وإحسانه، وكان الكافرون هم الخارجين من رحمته وحنانه، فعرفنا ولزمنا جماعة المؤمنين بنعيمهم، وأقلعنا وهجرنا جماعة الكافرين بشرورهم، وما ضل أحد بعد. ولو كان خراب البلاد ودمارها وهلاكها انتقاماً من الله، لما أقاموها وعمروها بعد خرابها ودمارها، وما أعادوا بناءها بعد هجرانها، وما أعادوا الأمن إلى ربوعها، والرضا والقبول لمن نزحوا منها وهجروها، ولما مات فى إعصار فلوريدا خمسة من البشر أو أقل، بل كان الأولى أن يموتوا جميعاً، ويفوز بالنجاة والحياة آلاف المسلمين الذين ماتوا فى رحاب الله فى مِنى. سبعة ملايين نسمة ينزحون ويرحلون ويغادرون بيوتهم من المدن بدقة ونظام دون تدافع أو تزاحم أو فوضى، ولا نسمع صوتاً أو صراخاً أو عويلاً، بل التزام وانضباط وتنفيذ للتعليمات، حتى مرت العاصفة بسلام، لم يمر منها آلاف الحجيج حين تدافعوا وتكدسوا وتسارعوا فى مِنى فماتوا وهم فى رحاب الله، ولم ينجُ المئات فى قطار الصعيد ولم يفلتوا من الموت والحرق وهم بسطاء فقراء، ذاهبون لصلة الرحم والقربى، أو مئات الغرقى فى الباخرة «السلام» منهم معتمرون، ومنهم ساعون إلى الرزق عائدون إلى بيوتهم يرجون لقاء الأهل والأحبة، أو موت العشرات من زوار بيت الله من سقوط رافعة لم نعرف له سبباً وهم فى رحاب الله وجواره، فلو كان انتقام الله بعدد الأموات، فبلادنا يمرح فيها عزرائيل ويحصد الأرواح ليلاً ونهاراً، ولا يمر على غيرنا إلا كسوفاً وخجلاً، ولو بخراب الديار لكانت بيوتنا أكثر بيوت عباده خراباً ودماراً، وكنا لهذا نحن المقصد والهدف والمراد. ولو كان غضب الله يسير الجبال والزلازل والأعاصير، على من ظلم ومن سرق ومن أكل مال الغير، ما تبقى على ظهر الأرض من الظالمين دياراً، وكنا أول من أصابنا سهم العدل والقصاص فى مقتل. فلا كانت حرائق الغابات فى إسرائيل منذ عام انتقاماً لمنع الأذان، فقد أطفأوها فى مهدها، وعاد الأمن والخير يرفرف عليهم، ومنعوا الأذان وكذلك يفعلون. ولا كان إعصار تسونامى غضباً من الله، فقد أطاح فى طريقه بمئات المسلمين، وأعيد البناء والعمران أعظم مما كان، وذهب من مات من المسلمين مع غيرهم تحت كتل الطين والديار. ولن تكون أعاصير فلوريدا الحالية قصاصاً ولا انتقاماً لأموال النفط التى لملمها ترامب من بلاد المسلمين وفقرائهم. ظواهر الكون الطبيعية لها أسبابها العلمية، فلا يسيرها ملاك إذا جاءت بالخير، ولايتهم فيها جن أو شيطان إذا حملت الشر. الظواهر ونتائجها معصوبة العينين لا ترى طريقها ولا تشمه ولا تعرف سبيلها، فتحمل الخير إلى الساعين إلى الله، والشر إلى الساعين إلى المواخير. هذه الظواهر لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، ويراها الإنسان ويسمعها ويتعامل معها بالعلم والدراسة. إلا أننى أتعجب لهذا التشفى، والرغبة العارمة فى الانتقام، والفرحة فى مصائب الناس، وتمنى زوال النعمة عن الغير، وسواد القلوب والنفوس، كلما حدثت كارثة فى مكان من دول العالم، وكأننا لا نحمل للناس إلا شراً وسيفاً وذبحاً، ونفسر الأمر كالبلهاء، أنه انتقام من الله، وننسى أن مصائبنا وكوارثنا أكثر مئات المرات، فحوادث الطرق فى بلادنا، تفوق فى عدد ضحاياها عدد ضحايا الطرق فى العالم كله، ولو مرت ظاهرة علينا مرور الكرام، وحفت فى جلبابنا، لخربت الأرض وسكنت الشياطين الديار، ومات الملايين، وحشرنا كيوم الحشر الأعظم. فليست آيات الله هى الانتقام، آيات الله فى خلقه هى المحبة والسلام والخير لكل البشر فهم خلقه وعياله. تعلموا الدرس وشاهدوا الفرق بين إخلاء مدن بكاملها بالتخطيط والدراسة، وتدافع الحجاج فى مِنى، هو الفرق بين عقل مرتب ومنظم، وعقل ملوث وخرب تسكنه الخرافات وأساطير الأولين، وتواكل الكسالى الخائبين.

    adelnoman52@yahoo.com

    "الوطن"  القاهرية

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media