كردستان بين القضية و المشروع
    الثلاثاء 19 سبتمبر / أيلول 2017 - 18:35
    حازم الكرعاوي
    أنه شيئ حزين عندما لا نجد كعراقيين السبيل لرسم صوره مشرقة لمستقبل بلدنا في هذه الايام, مهما كنا إيجابيين لابد لنا أن نصطدم بحقيقة الواقع العراقي المر. فكلام بعض الاخوه الكرام من أنه لن يصطدم الكرد الانفصاليين و باقي مكونات الشعب العراقي, ما هو إلا ضرب من الخيال الذي لا توجد له دلائل على الارض. و أن مكونات الشعب العراقي بخلفياتهم التأريخية و الفكرية و بالتعقيد الاقليمي الذي هم في وسطه قادرين على أن يتخطوا كل المؤثرات و القوى المتحاربه و يجعلوا من كردستان الدولة و العراق الدوله الأم جارتين متحابتين قادرتين على أن يقدموا أنموذجأ حضاريأ. رغم أني أتمنى ذلك من كل قلبي و لكن كما نقول بالعامية لا طيرون علينه فياله رجاءاً.  أذاً دعونا أن نكون واقعيين و لنحاول فهم المشهد من خلال إطارين:

    الكرد ضمن الإطار العراقي:

    1) هناك قناعة تامة لدى العراقيين, ان البرزاني و كل من لف لفه هو انفصالي  وما بقائه ضمن العراق إلا لتوفير الاسباب الطبيعية للأنفصال, فمنذ اليوم الاول عمل على إضعاف بغداد. و من باب التذكرة السريعة لبعض الاعمال التخريبية: عرقلة أقامة جيش عراقي قوي, دعم تكوين فدرالية الجنوب و الغربية لأحداث التقسيم الناعم, أيواء المجرمين و قتلة البعثيين و المطلوبين قضائيأ, بيع النفط خارج سيطرة بغداد, إغراق السوق العراقية بمواد فاسدة من خلال مرافئ حدودية تابعة لسيطرتهم, نهب موارد الدولة من النفط و الكمارك, إنهاك مؤسسات الدولة بالفساد المستشري, خيانة الضباط الأكراد في الجيش العراقي لأسقاط الموصل, الاستيلاء على معدات الفرقة الثانية والثالثة والرابعة بعد هروب قياداتها في حزيران الاسود...وما هذا إلا نزر يسير من الانتهاكات الصارخة التي تشير إلى ان البرزاني و جلاوزته هم من قطيع الذئاب التي ساهمت في أن يكون "العراق دولة فاشله" كما يؤكد هو و أعوانه

    2) بلد يأن من هجمة أرهابية وحشية و جراحاته ما زالت تنزف وأذا بالبرزاني يستثمرهذه الفرصة الدموية و قبيل الانتهاء من داعش يعلن عن الاستفتاء (أي  الانفصال) بعد التمدد القسري في المناطق المتنازع عليها و عمليأ ضمها للأقليم و إعلانها حدود الدم. بألله عليكم هل توجد رائحة توافق أو شراكة في هكذا تصرفات؟ بل هي الانتهازية و الرقص على جراح وطن بالكامل

    3) إقليم تحكمه الدكتاتورية العائلية و لا وجود حتى للديمقراطية الصورية, فرئيسه منتهي الصلاحية و برلمانه معطل منذ سنتين و لم يجتمع إلا لتوفير الطمغة المطلوبه. ناهيك عن أن هناك عائلة أقطاعية أخرى تتحين الفرص للخروج من القمقم. أي منظومة حكم هذه التي سوف تدير شؤون الدولة المزعومة على الحدود الشمالية للعراق؟ بل هي خلطة مهيئه لكل من يريد أن يستثمر الدم الكردي العراقي لأبقاء المنطقة في لهيب مستمر

     4) إن كان الوضع السياسي فاسد فالوضع الاقتصادي للأقليم أفسد, الكل يعلم ان الاقليم لم يسدد رواتب موظفية بعد توقف بغداد من ضخ الاموال في الميزانية الكردية على أساس نسبة ال 17%  والتي هي أساسأ مبالغ فيها.في ظل 40% بطالة يحق للمواطن الكردي أن يتسأل أين أموال ما يقارب ال 700 ألف برميل من النفط المصدريوميا عن طريق جيهان؟ حجم الفساد المالي يقدر ب 211 مليار دولار خلال 2004- 2014 حسبما صرح به الاقتصاديين الكرد أنفسهم , بألاظافة إلى القضايا المرفوعه في المحاكم الدولية من قبل شركات النفط  ضد حكومة إلاقليم لعدم سدادها الدفعات المستحقة.

    5) ماذا سيكون وضع العرب والتركمان و باقي الاقليات الاخرى في ضل دولة قومية دكتاتورية ككردستان ؟ ونحن نعلم عشرات القرى العربية قد تم إزالتها و هجر أهلها قسرأ, و التغيير الديموغرافي جارٍ على قدم و ساق في جميع المناطق لا سيما كركوك. هذا يحدث في ظل اقليم فماذا سوف يحصل في ظل دولة؟

    6) و ماذا عن الحقول النفطية المشتركة و كذلك باقي الموارد الطبيعية؟   هناك ما يقارب ال 30 مليار برميل من الاحتياطي النفطي في المناطق المتنازع عليها في كركوك فقط بألاضافة إلى نينوى و ديالى. خاصةً و أن حكومة الاقليم قد باشرت بألضخ من حقول كركوك و أستغلال إنشغال بغداد في الحرب ضد داعش. هل يعقل أن دولة كردستان سوف تلتزم بالعهود أكثر من إقليم كردستان؟ وهو كأقليم بدأ بتصدير النفط العراقي لأسرائيل, ألا يحق لنا أن نرتعب من كيف سيتصرف هؤلاء كدولة؟
    لذلك المشهد الكردي ضمن الاطار العراقي لا يطمئن بخير و لوحده يشكل سبب لأشعال المواجهه العسكرية.

    ألكرد ضمن الاطار الاقليمي:

    1) العلاقة الاسرائيلية البرازانيه قديمه, فالكيان الاسرائيلي منذ الايام الاولى عمل على خلق علاقة متينة مع مصطفى البرزاني و دعمه في محاولاته للاستقلال عن العراق. لا لسواد عيون الاكراد بل لأضعاف العراق و تشتيته و لأيجاد موطئ قدم لأسرائيل على حدود تركيا و إيران قرب المثلث مع روسيا, و الكل يعلم ما معنى هذا التواجد لأكراد تركيا ولأكراد أيران. الشواهد على هذه العلاقة القديمة الحديثة كثيرة و لم تقتصر على الدعم العسكري و المخابراتي كما في السابق بل تعدت إلى أنشاء مراكز مخابراتيه متقدمه و شبكات تهريب المخدرات و ترويجها في العراق. و من يريد المزيد من التفاصيل ليبحث عن بدير خان و كتاب الموساد في العراق و دول الجوار, و كذلك عن الصحفي الباحث سيمور هيرش و بحثه كيف خلقت إسرائيل أسطورة القاعدة و عن تصريحات حسين علي كمال وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأستخبارات السابق في 2004

    2) تركيا, إيران و سورية : ما يقارب العشرين مليون كردي في تركيا يتواجدون في 19 محافظة من أصل 90 محافظه تركية تتوزع عل المناطق الشرقية و الجنوب شرقية التي تحد إيران, العراق و سوريا. و ما يقارب العشرة مليون كردي في إيران يتوزعون على أربع محافظات ملاصقة للحدود التركية و العراقية. و في سورية ما يقارب المليونين يتوزعون على ثلاثة مناطق ملاصقة للحدود التركية و العراقية. من هنا ندرك ان تخوف تركيا و أيران و سوريا ليس نابعأ من مصالح إقتصادية أو جيوسياسية بل هو تخوف وجودي لهذه الدول من مشروع كردستان الكبرى. فحقيقة إيجاد نواة دولة في شمال العراق لا يعدو أن يكون إلا إعلان حرب على حدود تلك الدول. و لا أعتقد الردود التركية و الايرانية على الاستفتاء دعت أي مجال للشك في هذا الامر

    3) السعودية, إسرائيل و أمريكا: لا قيمة لمواقف الدول العربية القزمة كدول الخليج ألأخرى و مصر حيث الكل يدور في فلك السعودية بعد إخصاء قطر و التي هي أساسأ إسرائيلية الهوى. يعتبر اللوبي الصهيوني و اللوبي السعودي الاقوى في التأثير على سياسات أمريكا. و الموقف الامريكي خجول يدعو للتأجيل و ليس للرفض على لسان مبعوثها لدى العراق برت مكورك. موقف السعودية الذي لم ينفيه أو يعارضه بشكل صريح أي أمير رفيع لحد الان هو ما جاء على لسان اللواء أنور ماجد عشقى- عراب التقارب السعودي مع الكيان الصهيوني . في كلمة له أمام "مجلس العلاقات الخارجية" بواشنطن قال حرفيا الآتي: "العمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية لأن ذلك من شأنه أن يخفّف من المطامع الإيرانية والتركية والعراقية التي ستقتطع الثلث من هذه الدول لصالح كردستان.. وأرجو التوفيق والسلام في الشرق الأوسط". كما و شاهدنا مؤخرأ تمحور السعودية ضد تركيا ناهيك عن عداوتها الابدية  لأيران, لذلك تعتبر كردستان منطقة نزاع مناسبة ومهيئة لهذه المحاور كما كان ولا زال العراق و سورية قبلها.

    وهكذا ايها السادة أن الحديث عن استقلال كردستان أو عدمه لا يختصر فقط على رغبة الاخوة الاكراد أوحتى رغبة باقي العراقيين لعدم سفك المزيد من دماء أبنائنا الزكية,  بل هي قضية تمتد و تؤثر في الكثير من المعادلات الدولية. لطالما تمنيت أن تكون الديموغرافية و الجغرافية الكردية مختلفة حتى يتسنى للكرد إقامة دولتهم. و لكن في ظل التأثير الاسرائيلي لم تعد القضية الكردية وصاحب القضية مسعود و من قبله أبوه مصطفى يمثل المصلحة الكردية بل يمثل بالدرجة الاولى أصحاب المشروع الذين إستثمروا بالانفصاليين الكرد منذ بداية ستينتات القرن الماضي و كلنا يعلم أن الاستثمار لابد أن يأتي أكله ولو بعد حين. و لذلك دولة كردستان بالدرجة الاولى تخدم عنجهية و أنانية مسعود و أصحاب المشاريع الاقليمية في المنطقة كأسرائيل و السعودية و لن تخدم الشعب الكردي المسكين الذي طالما كان ضحية المؤامرات و المنافع الضيقة.

    و في الختام نقول أن من مصلحة العراق بكل أطيافه أن يحارب مئة سنة أخرى و لا يساهم في خلق دولة توسعية ثانية في المنطقة, لأن وجوده أول ضحاياها.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media