الإستفتاء حرب
    الجمعة 22 سبتمبر / أيلول 2017 - 06:20
    هيثم الغريباوي

    اضحى الحديث عن استفتاء بارزاني والرامي الى الاستقلال بإمارة محكوماً بالتصنيف اما للتأجيج او التهدئة سواء على صعيدي تأييد الانفصال او رفضه. ولا يهم كيف سيتم تصنيف طرحي هذا من قبل الموافقين والرافضين بقدر ما يهم وفقط هو مصير العراقيين وشكل بلدهم بعد دحر داعش والعقلية الداعشية على اختلاف ازيائها وألسنتها وتحالفاتها داخل العراق وخارجه.


    ان ما يجدر الابتداء به هو ان "الاستفتاء البارزاني" هو ثمرة مُرّة من جملة الثمار المُرّة للسياسات الشاذة التي ابتدعتها أحزاب التغيير بعد سقوط نظام الشيطان البعثي الداعشي. ففي نظرة خاطفة الى الوراء يمكن للمراقب رؤية الأهوال التي عاشها العراقيون والتي تسبب بها التخبط المريع لسياسيي الراهن العراقي. لن اشير الى الخسائر المادية المهولة، ولا السرقات الجهنمية، ولكن سأكتفي بكمّ الضحايا من الشهداء والجرحى ومصائر ذويهم، فإنهم المبدأ الأهم عندنا في معادلة الربح والخسارة والنصر والهزيمة، بحكم ان بناء أنظمة الدول وبناء الأوطان يرمي الى رفاه المواطن الانسان.


    دعوني اوزع الخطايا التي اقترفتها الأحزاب السياسية بحق العراق الجديد كل بحسب حجمه وحجم خطيئته، لقد كان واضحاً منذ سقوط نظام الجريمة خبث الحزبين الكرديين الرئيسين في التأسيس للقواعد الهشة للدولة الناشئة عززه عشو الأحزاب الشيعية وجنون الأحزاب السنية وعمقها العربي المرتشي والمسلوب، وعمالة بعض التيارات العلمانية وعلى رأسها اياد علاوي صاحب مكرمة نسبة الـ 17% ورئيس افسد حكومة شكلها حيث شرّعت للنهب. فأول خطيئة كارثية تمثلت بإشتراع دستور مهلهل فلسفيا وقانونياً وصياغة لأنه كان منتجاً سياسياً بحتاً ومشوباً بسفسطات عاطفية؛ في الوقت الذي يقوم القانون على أساس مبدأ واحد ومهم الا وهو ان "القانون خالٍ من العواطف" لأنه يعالج معاني الحق والباطل والصح والخطأ وهي أولى بالرعاية من "الخطية" و"الميخالف" – أقول مرة أخرى، ذلك من حيث المبدأ - .


    لطالما عامل الاكراد حكومة المركز بمنطق الابتزاز وليّ الذراع والاستهانة وكذا تجاوزوا على العرب وسائر الأقليات في مناطق نفوذهم حتى بلغت الجرأة بجنود اكراد قتل مواطنين عراقيين من النخبة في قلب العاصمة بغداد وبدون تردد وبدم بارد كما في حادثتي المرحومين الإعلامي محمد بديوي، ومعاون مدير بلدية الدورة المهندس ثائر الكرعاوي. ومما لا ينساه العراقيون هو موقف الاكراد من السعي لإبقاء العراق ضعيفاً والعمل على تهوينه في المحافل الدولية على ايدي هوشيار زيباري الذي تولى الخارجية العراقية على مدى دورتين، وتضعيفه داخلياً من خلال حث دول العالم على عدم تسليح الجيش العراقي بما يمكنه من ترسيخ الوضع الأمني ومحاربة الإرهاب. ولا ادلّ على ذلك من احتضان الاكراد لكل المتورطين بالإرهاب ممن اندسوا في العملية السياسية وتأمين الملاذ لهم ولقواعدهم في السابق، والتنسيق مع داعش في اسقاط الموصل وصلاح الدين بتواطؤ الضباط والمنتسبين من أبناء تلك المناطق ثم الاستيلاء على أسلحة وعتاد الوحدات العراقية التي كانت مرابطة في تلك المناطق.


    اليوم ليس امام الحكومة العراقية ومعها الأطراف المناهضة للإستفتاء والانفصال سوى التعامل مع دعوى بارزاني للاستفتاء على انها إعلان حرب وحسب. فإن إصرار بارزاني على الانفصال بهذا المستوى يؤكد في جانب منه الى ان الاكراد مدفوعين بضمانات دعم من الخارج مفتوحة، وقد لا تكون صادقة ولكنها كافية لتوريط الطرفين في حرب أخرى وإدامة البيئة المثالية للوجود الدولي في العراق وحقن الوقود في دوامة الحرب والدمار. نعم الحرب مكلفة بلا جدال، ولكن عدم خوضها أكثر كلفة على مستقبل العراق والعراقيين خاصة من أبناء المناطق المختلطة اذ انهم الحلقة الأضعف في هذا الخضم. بكلمة أوضح على حكومة المركز وهي مقبلة على مفاوضات مع البارزانيين والطالبانيين ان لا تقرهم على شيء إضافي بعد كل المكاسب الفاحشة التي حصلوا عليها، وان تضع في حسبانها انها لن تحارب حزبي طالباني وبارزاني وحدهما بل ومَن ورائهما من قوى خارجية. والا فإنه ليس بيد بارزاني وطالباني ان يكونا جارين جيدين للعراق كما يدعي ما اذا استقلا؛ كيف وهو أسوأ واخطر شريك في العراق الحالي؟ اذ ان من يدعمهم للإستقلال سينيط بهم دوراً مؤذياً للعراق خاصة وللمنطقة عامة.


    بالمحصلة، فإن بارزاني لا يهدف الا الى إقامة إمارة منفلتة وملعباً للعابثين مستغلا ضعف العراق، وإلا فإن دولة كردستان المزعومة تمتد من أرمينيا شمالاً الى علي الغربي جنوباً ومن أذربيجان شرقاً الى اللاذقية غرباً، فهل تجرأ على ان يطرح الاستفتاء في تركيا او ايران؟ أم ان حلمه ضؤل ليقتصر على حدود مدن العراق الشمالية وقصباتها؟ 

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media