الكاتب والمفكر يوسف زيدان يحقق أمنيته بالتجوال في شارع المتنبي
    الأحد 14 أكتوبر / تشرين الأول 2018 - 19:52
    [[article_title_text]]
    (المدى) بغداد: زينب المشّاط - تزامناً مع إقامة معرض أربيل للكتاب 13، وزيارته الى كردستان العراق، مُعلناً عن رغبته بالجلوس في شارع المتنبي، والتواصل مع الناس هنا في بغداد، مؤسسة المدى تُضيّف الكاتب والمفكر التنويري المصري يوسف زيدان في بيت المدى في شارع المتنبي صباح يوم الجمعة الفائت وسط حضور جماهيري كبير لم يشهده بيت المدى من قبل، في جلسة قدمها رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة المدى عدنان حسين مُرحباً بالكاتب وقال "نرحب بك في بغداد التي تحبكم وتحبونها، سيكون برنامجنا مع الاستاذ يوسف أن يقدم حديثه عن سفرته الاولى الى بغداد، نشاطة وإنجازاته وبعدها سنفتح مجال الاسئلة والحوار ."

    عام 656
    في بداية كلمته عبّر الكاتب يوسف زيدان عن سعادته لزيارته بغداد، ذاكراً "حين زرت شارع المتنبي اليوم ورأيت ما رأيته تأكدت ان هذه البلاد لن تموت."
    تحدث زيدان عن احتلال المغول الى العراق ذاكراً " أرغب بتذكيركم ان سنة 656 مع الاجتياح الهمجي لبغداد ولا اقول مغولياً لان الوقت الذي دخل فيه هولاكو بسبب مشكلة شخصية عنده كان ابن عمه بركة خان يحذره من دخول بغداد ويحذره من اقتحام بغداد فلما لم يمتثل لامره قطع طريق الامدادات وهزمه هناك ، لذلك لم يكمل هولاكو مسيرته التوسعية، وانا احاول ان اشير من خلال كلامي هذا إلى أن الهمجية نزعة إنسانية لاترتبط بجماعة معينة ، ولأن هذا الاجتياح الهمجي خلّف على اقل التقديرات 800 الف قتيل وأعلاها مليوني قتيل، واختفت بغداد عاصمة الدنيا من خريطة الانسانية لزمن طويل تالٍ، لكنها عادت، وكان اختفاؤها مرهوناً بتدمير الكتب."

    الخداع 
    يتحدث زيدان عن كيفية الخداع في المناهج التدريسية والاقوال المنقولة ويقول "حين كنا صغاراً كانوا يقولون يخدعوننا أن هولاكو وضع الكتب في نهر دجلة كي تعبر عليها الخيول، برأيي هذا تصور ساذج فالكتب القديمة لا يوجد ما هو اخطر عليها من الماء، النار التي تحرق الكتب خطرها اقل من الماء، ذلك ان الماء يجعل الصفحات تلتصق ببعضها البعض و يؤدي الى التصاق الاوراق لان الحبر المستخدم للكتابة آنذاك حبر نباتي، كان ما حصل من اتلاف الكتب هو عملية طمس للروح في هذه المدينة ، أما اليوم وفي هذا الشارع لا اجد سوى علامة الروح، ذلك ان الذي يكتب لا يموت والذي يقرأ لا يندثر وعندما استعادت بغداد ذاتها رويداً وعادت الى الوجود وتعرضت الى صراعات عنيفة تجري بين السفاحين من الصفويين والعثمانيين بدعاوى نصرة المذهب الذي كان كله كذباً يخدع به العوام ليموتوا من أجل أشخاص لا يموتون ."

    بكيتُ بغداد
    يشير زيدان الى بقاء المدينة "بغداد" مهما واجهتها من أحداث صعبة ويقول ان "هذا الشارع هو شهادة بقاء لهذه المدينة وهذا الكيان الملحق بها الذي امتد من الخوارزمي الى آخر الدنيا، ولكنه لم يختف مع مرور أتعس عامين على هذه المدينة وهما عام 656 للهجرة، والآخر 1991 ميلادي، وانا لا اذكر لأني نشأت نشأة صعيدية، وكانوا يقولون لي في الطفولة ان الرجال لا يبكون (وهذا تفسير خاطئ) ، وحين توفي والدي او غيره لم أبكِ، لكنني يوم رأيت الدبابات الامريكية تعبر حد الجسور في المساء وكان لا يصح في وقتها ان يبكي الرجل امام زوجته يومها بكيت وكنت اعرف ما الذي سيجري في المتحف العراقي، ومكتبة صدام التي كانت الاصل الذي نشرت منه كتابي الشامل في الصناعة الطبية."

    أسماء كبيرة
    كانت في بغداد أسماء كبيرة من المفكرين وأعلام الفن والادب والثقافة والمعرفة والعلوم، أولئك الذين اشار اليهم يوسف زيدان خلال حديثه قائلاً " أين كانت مصر وأين كان إنتاجها في ذلك الوقت؟." مُشيراً الى ان النتاج المصري كان نحيلاً جداً في ذلك الوقت ولم يتجاوز ان يتمثل برسائل لاغير، وقداستمر الحال في مصر على تبادل الرسائل وحتى وقعت واقعة سقوط بغداد، وكأن الزمان ضغط زراً ليظهر في مصر استجابة لحالة الفراغ المعرفي الذي حصل في بغداد، ظهر علاء الدين ابن النفيس الذي وضع كتابا شاملا في الناحية الطبية وجلال الدين السيوطي والمقريزي والعمري وثم ما لاحصر لهم من المؤلفين ، لم يكن هذا ديدن المصريين، لكننا حين تسقط بغداد لابد لمصر ان تلبي نداء الإنقاذ ، وحين تتوجع بغداد والعراق يتألم مصر والمصريون، وأذكر هنا حين وقعت حرب 1991 كان هنالك شاعر مصري وهو محمد عفيفي مطر قال "لابد ان ندعم صدام حسين." فأجابه أحدهم إن " صدام مستبد ودكتاتور" قال الشاعر "أنا مستعد ان أقبّل قدم الدكتاتور من أجل العراق." عاتبته في قوله هذا، فأجابني وقال إنّ العراق أهم من اللحظة التي نحن فيها."

    اطمئنان
    ما جاء به الجهل من تداعيات، كان واحداً من محاور حديث زيدان الذي اشار الى ان الجهل هو السبب الاساس في ظهور الطغاة، وظهور الافكار الارهابية والرجعية كأفكار داعش، وذكر أن "مجيئي الى شارع المتنبي هو رغبة للاطمئنان على العراق ولو كانت الناس تقرأ أحياناً كتباً مزورة ، بالطبع يبقى الكتاب الاصلي هو الافضل ولكن دع الناس تقرأ فحين أرى لمعان المحبة في عيون الشباب أجد ان هنالك املاً وان الغمة ستنكشف عن جميع الامة كما فعل المقريزي حين اجتاح مصر الوباء حتى ابنته ماتت لم يستسلم للزمن وقال كشف الغمة عن جميع الأمة وقال لايجب ان ننصدم من عنت الواقع وشدته وحزنه هنالك ما هو أشد اذا عاينا الحالة نتصور ونتوهم انها حالة قصوى لكن هذا البلد العظيم مر بما هو أشد وعبر منه وأنا أعرف ما يمر به هذا البلد ،وتعيين المرض هو أول طرف العلاج."

    الجهل
    ما إن انطلقت المداخلات خلال جلسة يوسف زيدان، الذي اشار الى انه اكتفى بأحاديثه وهو يحب ان يستمع الى جمهوره الآن حتى وجّه له أحد الحاضرين سؤالاً عن متى ينتهي تقديس الشخصيات التاريخية الدموية؟ ليجيب زيدان قائلا " تنتهي حين يتحرك الذهن حركة صحيحة رشيدة منطقية يكف عن استقبال الخداع الذي يتم به حشو الناس عبر الميديا والمناهج الدراسية المخطوءة، وينتهي حين ينتهي جهلنا."

    عزازيل 
    في رواية عزازيل وحكايات المخطوطات سُئل يوسف زيدان الى أي حد كانت الاحداث حقيقية في القصة، فأجاب ان كل مافي الرواية هو محض خيال ، وهذا أدب أنا لم أبتدعه فهو كما في رواية دون كيخوته، أما بالنسبة للاسماء المختارة "فنحن نختار شخصاً وهمياً ندخله مع اشخاص حقيقيين وضمن احداث حقيقية على ان لا نتلاعب بمصداقية الشخصيات والاحداث الحقيقية ومن حقنا فقط التلاعب بالشخصية الخيالية." في الرواية هنا يجب ان نشير الى ان الامر خاص بمن يهتم بالكتابة والكتابة التاريخية على وجه الخصوص كونها شديدة الخطر بالنسبة للكاتب حيث يتحرك بفراغات سكت عنها التاريخ ، وعلى الروائي الذي يكتب رواية تاريخية أن يتحرك لكي لا يخدش الوقائع الحقيقية."

    أزمة نوبل 
    سُئل زيدان عن الراحل طه حسين خلال الجلسة وقال "الحديث عن طه حسين وعزل طه حسين وكل ما عايشه هذا الرجل في حياته من مضايقات وكانوا يسمونه بالوزير الأعمى، عانى طوال فترة حياته ومأساته يعرفها الصغير والكبير، كذلك عانى نجيب محفوظ هذا أديب نوبل العظيم، فأنا أذكر كيف ان يأتي شخص يطعنه بسكينة في رقبته وهو رجل فوق الثمانين وكانت حجته ان محفوظ كافر، هذا المجرم الذي طعنه هو ايضا ضحية للافكار السياسية المتطرفة والذين يستغلون هذه الافكارعلى وفق أهوائهم الشخصية."

    ضبط اللفظ
    عن إحدى ملامح يوسف زيدان الفلسفية، هي ضبط اللفظ يذكر أن "ضبط دلالة المفردات إحدى القضايا الاساسية التي أعمل بجهد فيها منذ مطلع الالفية نشرت مقالات كثيرة في هذا الامر وإذا تحدثنا ونحن غير متفقين على معنى المفردة والكلمة ودلالتها ، فكل من درس الفلسفة يعرف ان هنالك تشابهاً بين تأملات ديكارت .كل من كتب عن حياة ديكارت قال إنه ذهب الى فرنسا ليستعين بعرب ليقرأ مخطوطات عربية وهناك تشابه بينه وبين الغزالي في كتابه التأمل لديكارت وكتاب المنقذ من الظلال للعزالي ولكن كان الغزالي أكثر مصداقية وديكارت أكثر مسرحية."

    الإسراء والمعراج
    عن حدث الإسراء والمعراج أشار يوسف زيدان إلى أن الحدث ليس دقيقاً فبغض النظر عن مخطوئية كلمة المعراج التي هي بالاساس يجب ان تكون العروج، سنذكر بالتأريخ أن المسجد الاقصى لم يكن مبنياً بعد، النبي عرج في الزمن المكي الهجري السابق، والاقصى بني على يد عبد الملك بن مروان عام 70 للهجرة، وفي الوقت الذي عرج فيه النبي لم تكن هنالك قدس وكانت هنالك كنيسة القيامة في منطقة إيليا.

    الإسلام والإنسانيّة
    أحد المداخلين سأل يوسف زيدان عن أسباب دفاعه عن الإسلام اليوم، بالرغم من انه ناقد للإسلام فقال زيدان " أنا لا مع ولا ضد الاسلام أنا مع الانسان ، رسالتي وأطروحتي الدراسية كانت عن عبد القادر الجيلاني كان فقيها حمبليا ، بالتالي عبد القادر الجيلاني لا اجد لديه اي تطرف تجاه مذهبه و أعتبره رصيداً حضارياً، كذلك ابن سينا الذي عرف بانه شيعي إسماعيلي وهو لم يكن كذلك في اسلوبه الواقعي هو كان مفكرا وعالماً كبيرا وانا مع هذه الناحية البعيدة عن المذهبية والقريبة للانسانية ."

    مداخلة نقدية
    ضمن الجلسة تداخل الناقد فاضل ثامر قائلا ان " زيدان واحد من اهم الكتاب التنويرين القلائل في الوطن العربي وهو من المفكرين الذين حاولوا قراءة التاريخ والفلسفة فهو مثقف موسوعي وهو مدير قسم المخطوطات في مكتبة الاسكندرية ، يذكرني بقصة لستيفان تسفايج عن شخص قضى عمره في مكتبة سجيناً لها فأنا اجد ان زيدان سجين المكتبة وفاجأنا بعزازيل عام 2008 واستطاع ان يحصل على جائزة البوكر حتى ان احد رجال الدين المطارنة في مصر اثار عنه ضجة وهدده بسببها، وكنت اتصور اني معني باجتهاده في الرواية ولكن الفكر الهائل وجدته باللاهوت العربي وغيرها من الكتب." ليقوم ثامر بعدها بإهداء الكاتب نسخة عن كتابه النقدي الذي قدم فيه دراسة عن رواية عزازيل .

    التصوّف
    أشار أحد الحاضرين الى نزعة التصوف في كتابات زيدان، التي وظفها بشكل اكاديمي، فذكر زيدان "نعم أنا أعنى بفنية هذا التوجه، المتصوفون يمتلكون رؤاهم العلوية امثال محيي الدين بن عربي، هذا هو التصوف الذي أعرفه أنت تؤسس لمعرفة نفهم منها المعلومة، المتصوفة لديهم اطار معرفي تأويلي، كتاب تفسير القرآن بالقطع ليس لمحيي الدين بن عربي انما لكمال الدين القاشاني ولكنه نسب الى ابن عربي."

    استقراء لوضع العراق 
    في ختام الجلسة تحدث زيدان عن رؤاه لوضع العراق مستقبلا وقال "أنا أؤشر ان هذا البلد لن يسقط ولن يخرج من التاريخ سينهي مشاكلة وسيعرف أبناؤه ان المذهبية سمّ مقيت وسينتصرون على الفساد المستشري، المشهد الثقافي العراقي عانى من حروب وويلات كثيرة ولكن بقاء هذا الشعب حي هذه شهادة لهم كبيرة، ففي تاريخ العراق السابق تعرضت البلاد الى عظائم وويلات أشد واستطاعت ان تعبر منها ولا بد ان نؤمن اننا نعبر الازمة، واليوم انا مطمئن ان هذا البلد لم يمت."
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media