الزهاوي مسرحياً للدكتور علي الربيعي
    الجمعة 19 أكتوبر / تشرين الأول 2018 - 19:41
    نبيل عبد الأمير الربيعي
         تميَّز الدكتور علي محمد هادي الربيعي بدعم المكتبة العراقية والعربية بعناوين جديدة غير مطروقة سابقاً من قبل الكُتّاب والباحثين, وصدر عن دار الفرات للثقافة والإعلام لهذا العام (2018م) في مدينة الحلة كتابه الموسوم (الزَّهاوي مسرحياً), رصد الربيعي فيه دور الشاعر والفيلسوف جميل صدقي الزهاوي (1863م-1936م) في مجال المسرح, ونحن نعرف أن الزهاوي كان شاعر العقل ومعري العصر, وكان وفيلسوفاً ومحدثاً, إلاّ أن الدكتور الربيعي أثبت بالدليل القاطع إن الزهاوي كان مسرحياً من خلال أحد النصوص المسرحية للزهاوي.

        نقدم لمحة موجزة عن حياة الدكتور علي الربيعي : فهو من مواليد مدينة الحلة عام 1967م, حاصل على شهادة البكلوريوس فنون مسرحية عام 1989م, وشهادة بكالوريوس آداب تاريخ عام 2000م, وحاصل على شهادة الماجستير في تاريخ وأدب المسرح عام 2001م, وشهادة الدكتوراه في فنون مسرحية عام 2004, شغل الوظائف التالية : رئيس قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة/ جامعة بابل (2009م-2013م), وعميد كلية الفنون الجميلة/ جامعة بابل (2013م-2017م). له أكثر من (12) مؤلفاً في مجال تاريخ الأدب والمسرح العراقي, واسهامات اليهود والمسيح في المسرح العراقي, والمسرح المدرسي في الحلة وتاريخه في العهدين الملكي والجمهوري.

         استهل الدكتور الربيعي كتابه بمقدمة بَيَّن لنا فيها أن كتابه هذا كان (من المفترض أن يظهر قبل مدة طويلة من الآن), فقد عقد الربيعي منذُ سنين أو ما يزيد على ذلك إلاّ أن انشغاله بعمل آخر قد استبقى الكتاب في أدراج خزانته, إلاّ أنه عقد النيّة مؤخراً على إخراجه إلى فضاء القراءة ولم يعدِّل فيه أو يضيف شيء عليه بل بقي على الصورة أو الهيأة التي كتبه فيها في المرة الأولى.

         حملَ الكتاب ثلاث فصول, الأول منها خصص لحياة الزهاوي وآرائه الإصلاحية والتحديثية والأسباب والدوافع التي تقف ورائها, ففي ص17 يذكر الربيعي قائلاً : (لقد عاش الزهاوي في حقبة تعالت فيها الأصوات الداعية إلى الإصلاح والتحديث في النظم السائدة, فقد بدأت عجلة الحياة تأخذ مجرى معاكساً, وبدأت مظاهر الحضارة تصل إلى الشعاب والأودية العكرة, وبدأ الناس يتطلعون إلى كلِّ ما هو جديد بعدما تلمسوا مباهج المستحدث وجنوا فوائده). كان الزهاوي صريحاً في طرح أفكاره الحداثوية من خلال ثلاث لغات كان يقرأ بها (العربية والتركية والفارسية), وبجرأة شاعر وفيلسوف يدعو الأمة إلى الابتعاد من الأفكار السلفية المقيتة والتطلع نحو الإصلاح والحداثة. ولعل التعدد اللغوي والتنوع الاثني في حياته, كان له بعض الأثر في تكوين شخصيته التي تجاوزت الانغلاق والتعصبات القومية والفئوية.

         أما الفصل الثاني من الكتاب, فقد سلط الدكتور الربيعي الضوء على دأب الكتاب المسرحيون منذُ ظهور المسرح في العراق في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين على أهمية المسرح والنص المسرحي, ففي ص23 يذكر الربيعي قائلاً : (على الرغم من أهمية هذه المسرحيات كونها تشكل اللبنات الأولى في صرح المسرح العراقي, إلاّ أنها بقيت تفتقر إلى مقومات بنائية, وأخرى فكرية تحديثية تساير المسرحية المكتوبة في بلاد الشام ومصر في ذلك الوقت, إلاّ أن الحال تبدل مع تشكل الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921م إذ أصاب الثقافة العراقية ومنها المسرح حراك عنيف قائم على التبدل والإحلال). من هذا يتبين لنا أن الكُتّاب المسرحيين بدأوا يصححون مسارهم ليتماشى مع مسار اقرانهم من المسرحيين العرب, وأخذوا ينشدون التحول والإحلال في مسرحياتهم, ومن نتائج التحول التحديثي ظهر لنا كُتّاب مسرحيون جُدد آمنوا بقضايا العراق الجديد, وتقدم في مقدمتهم جميل صدقي الزهاوي في مسرحيته (ليلى وسمير) الصادرة في صفحات الجزء العاشر من مجلة (لغة العرب) في بغداد عام 1927م.

        تضمنت المسرحية دعوة الزهاوي الاصلاحية من خلال مسرحيته هذه, ووجد في المسرحية وسيطاً يبث فيه دعواته الإصلاحية فضلاً عن شعره ودواوينه ومقالاته التي سطرها في المجلات المصرية والعراقية, ويذكر الربيعي في ص33 قائلاً : (أحسب أن الذي قاد الزهاوي إلى ولوج المسرح والكتابة فيه أمران, أحدهما خارجي والآخر داخلي, فعلى الصعيد الأول, فإن المسرح بدأ صوته يعلو في العالم العربي وأخذت الأقلام الحُرة والمثقفة تتدافع للتأليف فيه وفي مصر بشك ملحوظ, وإن زيارة الزهاوي لمصر سنة 1924م وإقامته مدَّة من الزمن هناك جعلته يشاهد العروض المسرحية ويبدي فيها رأياً... أما على الصعيد الداخلي, فإن الزهاوي أراد أن يعود مرة ثانية إلى عرض موضوعات وآراء عصرية حديثة آمن بها في العقد الأول من القرن العشرين, ودافع عنها طويلاً ), لذلك وجد الزهاوي في نفسه هوى إلى الكتابة في هذا المجال. كما كان للحقبة الزمنية التي تميزت بها العاصمة بغداد بحراكها الفكري والسياسي والاجتماعي وما شهده العراق من صدور الدستور لعام 1908م والهرج والمرج السياسي في العقد الأول من القرن العشرين كان الدافع لكتابة الزهاوي في مجال المسرح, لتبيان سخطه على الولاة العثمانيين في المسرحية, فصور مفاسدهم وهم ينهبون خيرات البلاد.

        مسرحية ليلى وسمير مسرحية حوارية بين شخصيات تدير الاحداث الدرامية بين (سالم بك) وولده (سمير), وقد رسم الشخصيات المسرحية وبنائها وخصوصاً الشخصيات النسائية منها (ليلى ووالدتها وصلّوحة وابنتها), فقد افلح الزهاوي في تصوير الشخصيات والاحداث الدرامية بشكل انسيابي, إلا أنه وقع في خطأ كبير أنه جعل طوب أبو خزامة شخصية مسرحية وثبتها في قائمة الأسماء, يذكر الربيعي في ص49 قائلاً : (في حين أنه مدفع يرد ذكره على لسان الشخصيات, وهذا الخطأ الذي وقع فيه الزهاوي يعطينا انطباع بأنه كان يعتقد بأن أي شخصية يرد اسمها في متن النص هي شخصية مسرحية).

        أما في الفصل الثالث من الكتاب فقد نقل الدكتور الربيعي نص المسرحية كما هو عليه مستنسخاً من (مجلة لغة العرب) بشكل منضبط كما جاء في المجلة, الذي مضى على نشره تسعة عقود من تاريخ 1927م, وهي مدة كفيلة بأن يجعل منه نصاً نادراً وعزيز المنال, والكثير من قراء المسرح والمهتمين بهذا المجال لم يتسن لهم قراءته أو الاطلاع عليه, فكان الدكتور الربيعي السباق في تسليط الضوء على هذا المجال الذي طمرته الأوراق والكتب ونسيان الكُتّاب لهذا النص المسرحي.

        وختاماً نقول الكتاب يعتبر دراسة وثائقية لرحلة ماتعة في تاريخ المسرح العراقي, وجهد مائز يستحق الثناء والاعجاب, فقد تناول الدكتور الربيعي فيه تاريخ النص المسرحي للراحل الزهاوي, لإعلاء راية الأدب والمسرح, مستعرضاً محطات ممتعة من حياة الزهاوي وتاريخه الأدبي والفكري الاصلاحي والمسرحي.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media