وَمَضَتْ... أَجْمَلُ الأُمَّهات
    السبت 20 أكتوبر / تشرين الأول 2018 - 09:14
    أبو تراب كرار العاملي
    شهيدٌ، ثانٍ وثالثٌ: ثلاثة أبناء في سبيل الله. لم يتم الاكتفاء من جيلٍ واحد، لينتقل العطاء ويجد نفسه في جيلٍ آخر مع شهيد رابع في مرتبة "الحفيد". ابنُ مَنْ هذا "الحفيد"؟ ابنُ قائدٍ فريدٍ استحق - عن جدارة وبإخلاص - لقب "قائد الانتصارَيْن". هذا خلاصة ما أثمرته أمٌّ صالحةٌ فارقتنا مؤخراً وأنتجه أبٌ صالحٌ فارقنا منذ فترة. مسيرةٌ جهادية حافلة بالعطاء، مسارٌ وَلائيٌّ ينبض عِشقاً لمحمد وآل محمد ويُترجم عمليّاً - وأرجو وضع خَطَّيْن تحت كلمة "عمليّاً" - هذا النهج الحسيني المبارك.

    من المعلوم أنه في عالم الإيعاظ والإرشاد، وتوجيه الناس وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، قد نجد توجهات عديدة تُتَّبَع في هذا السياق: منها النظري، وأخرى ذات طابع عملي، وصنف ثالث - ولعله أكملها - يجمع بين المنهجَيْن، ولا يخفى أن العامل المشترك بين الجميع هو إخلاص العمل وصفاء النية، وكينونة العمل خالصاً لوجه الله تعالى دون رياء يخرق في البَيْن فينسف العمل ويُحْبِط وَهْجته ويبيده عن بكرة أبيه كأنَّ شيئاً لم يكن.

    استطراداً في الصنف الثالث: كم من الجميل والرائع أن تأتي الموعظة الكلامية في سياق العمل لِتُزرَع في أفئدة المُتَلَقّين وتُؤتي أُكُلَها بشكل تفاعليّ فيأتي الحصادُ خَصْباً تتفرّع منه أنوأع التأثير آخذةً أشكالاً شتّى تَصُبّ جميعها في خانة الإرشاد التكاملي والتقدم نحو مزيد من الخير والتَّوعُّظ وتهذيب النفوس وحسن الاقتداء بالأنوار الإلهية - الذين هم أهل لذلك - واتباع السبيل المرجو للتقرب الى خالق الوجود والذي من أجله - جلَّ وعلا - ينغمس المرء في الصالحات والأعمال المباركة وترويض الأرواح لما فيه خيرها وصلاحها.

    في خطبة سماحة العشق - الأمين على الأرواح والعيال والأوطان (حفظه الله وأدامَ ظلَّه الشريف) في مناسبة تأبين المرحومة الحاجة "آمنة سلامة" (أم عماد)، أشار سماحته لنقطة ملفتة مهمة، تتعلق بتأثير المرحومة على مَنْ تلقاهم وتجتمع بهم. من هنا، لا بأس بالمرور على ما نقله السيد "محمد الصافي" (سدده الله لكل خير) عندما أورد - على المنبر - ما معناه: "زرنا قبل مدة تقريباً قبل شهر عائلة من عوائل الشهداء في لبنان في حزب الله وعائلة مغنية هذه العائلة المُضَحِّية، وقعدنا وْيْ أمهم الكبيرة، واسيناها وقرينا الفاتحة، كانت صبورة وأعطتنا درس بالصبر، قالت يا سيد، الناس - فَقَدْنا أبناءنا - قَعَدْ تِجِي تْواسينا وتْلَبِّسنا - بالحرف الواحد - وتْوَكِّلْنا وتقعد يَمنا من الصبح لِلّيل، تقول لكن زينب مينو كان يجي يَمها، الله الله الله... قعد تسمعون يا ناس لو ما تسمعون، هذه المَرْأة من عائلة مغنية في لبنان في حزب الله يمكن تسمع كلامي الآن وتشهد مقامي وتستذكر الحديث اللي جرى بيني وبينها. تقول زينب مينو إجا واساها، مينو إجا لَبَّسْها، تقول احنا شو الناس وِيّانا من الصبح لِلّيل، تْواسينا وتْلَبِّسنا وتْحاكينا وما تخلينا نستوحش أبداً، تقول انا هاي صورة الناس في كفّة وانا أباوِع زينب مينو كان يَمها، الله الله الله...".

    خطيبٌ ينقل وحضورٌ يتفاعل كما يظهر في التسجيل المصور، أي أننا أمام امرأة أحسنت في التنظير والتطبيق. بل أن روعة الذكاء هنا تكمن في التوقيت المناسب لإقحامها الموعظة الكلامية، وعندما يتجلّى الإرشاد في هكذا مورد، يجد طريق الوصول الى النفوس نافذاً على أكمل وجه، وعندما يخرج الدرس العملي الى العلن من شخص قد سبق وطبَّقه ويستمر في التطبيق فإنه يفي غرضَه التعليمي بكل تألق ويُقنِع المتلقي بمجهود يسير دون تكلف عناء المحاججة وطول الشرح والإطناب.

    رحمكما الله أيها الوالدَيْن العزيزَيْن المُضَحِّيَيْن، "أم عماد" و"أبو عماد"، وسهَّل الله عبورَيْكما بين العالمَيْن كما تكرّمتما على الأمة بشهداء أوفياء وقائد مخلص، "رضوان" ومِقدام، فالى الرضوان - إن شاء الله - يا والدَيْ "الرضوان"، الى مقعد صدق عند مليك مقتدر... بجوار النبي وآله.

    ‏[ ﻭَﻟَﻘَﺪْ ﻛَﺘَﺒْﻨَﺎ ﻓِﻲ ﺍﻟﺰَّﺑُﻮﺭِ ﻣِﻦ ﺑَﻌْﺪِ ﺍﻟﺬِّﻛْﺮِ ﺃَﻥَّ ﺍﻟْﺄَﺭْﺽَ ﻳَﺮِﺛُﻬَﺎ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱَ ﺍﻟﺼَّﺎﻟِﺤُﻮﻥَ ‏].

    أبو تراب كرار العاملي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media