المسؤول عن قتل خاشقجي أدار وقائع الإجهاز عليه عبر سكايب
    الثلاثاء 23 أكتوبر / تشرين الأول 2018 - 19:16
    [[article_title_text]]
    سعود القحطاني
    (رويترز) - أدار وسائل التواصل الاجتماعي لحساب ولي العهد السعودي. ودبر عملية اعتقال المئات من النخبة السعودية. واحتجز رئيس وزراء لبنان. ويقول مصدران في المخابرات إنه أدار عملية القتل الوحشية التي تعرض لها الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول بإصدار الأوامر عبر سكايب.

    سعود القحطاني، أحد كبار معاوني ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واحد ممن تم تحميلهم المسؤولية عن قتل خاشقجي في إطار مساعي الرياض لدرء التداعيات الدولية.

    ويوم السبت قالت وسائل إعلام رسمية إن الملك سلمان عزل القحطاني وأربعة مسؤولين آخرين بسبب جريمة القتل التي ارتكبها فريق اغتيال مكون من 15 فردا.

    غير أن عدة مصادر على صلة بالديوان الملكي قالت إن نفوذ القحطاني في حاشية ولي العهد كان واسعا في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ ارتفع نجمه مع تألق نجم الأمير، لدرجة سيصعب معها على المسؤولين السعوديين تصويره في صورة العقل المدبر وراء الجريمة دون إثارة تساؤلات حول دور الأمير محمد فيها.

    وقال أحد هذه المصادر ”هذه الواقعة لن تطيح بمحمد بن سلمان لكنها أثرت على صورته وهو ما سيستغرق إصلاحه وقتا طويلا إن كان ممكنا أصلا إصلاحها. فالملك يحميه".

    وقد قال القحطاني نفسه من قبل إنه لن يفعل شيئا أبدا دون موافقة سيده.

    وقال في تغريدة على تويتر في الصيف الماضي ”وتعتقد أني أقدح من رأسي دون توجيه؟ أنا موظف ومنفذ أمين لأوامر سيدي الملك وسمو سيدي ولي العهد الأمين".

    ولم يرد القحطاني على استفسارات من رويترز. وقد تغيرت بياناته الشخصية على تويتر في الأيام الأخيرة من مستشار ملكي إلى رئيس الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز وهو الدور الذي كان يقوم به من قبل.

    وقال مسؤول سعودي يوم السبت إن الأمير محمد بن سلمان لم يكن على علم بالعملية التي أدت لمقتل خاشقجي ”وبالتأكيد لم يصدر أمر باختطاف أو قتل أحد". ولم يتسن الاتصال بالمسؤولين في الرياض للحصول على تعليق آخر.

    ومع تنامي الأزمة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية غيرت السعودية نبرتها عن مصير خاشقجي. فنفت موته في البداية ثم قالت إنه مات أثناء شجار وقع في القنصلية والآن تعزو موته لتعرضه للخنق.

    وقال مسؤول سعودي رفيع لرويترز إن القتلة حاولوا التستر على ما حدث وإن الحقائق بدأت تتكشف الآن. ويرفض الجانب التركي هذه الرواية للأحداث ويقول إن لديه تسجيلات صوتية لما جرى من وقائع.

    وقد مرت المملكة بأزمات أخرى في السنة الأخيرة وخرجت منها من بينها تداعيات اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في العام 2017. وقالت ثمانية مصادر سعودية وعربية ودبلوماسية غربية لرويترز إن الحريري تعرض أيضا لإهانات لفظية وللضرب.

    وكان الرجل الذي قاد استجوابه هو سعود القحطاني.
    وتدخلت فرنسا من أجل إطلاق سراح الحريري غير أن العواصم الغربية لم تحاسب الرياض على احتجاز رئيس حكومة وخرج الأمير محمد من تلك الأزمة أكثر جرأة على حد قول ثلاثة مصادر سعودية.

    أما هذه المرة فالأمر يختلف. إذ أن انتقادات بعض العواصم الغربية لمقتل خاشقجي وللتفسير السعودي تتصاعد.

    فقد أعلنت ألمانيا أنها ستوقف مبيعات الأسلحة بينما أصدرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بيانا مشتركا طالبت فيه ”بتوضيح ... عاجل لما حدث بالضبط في الثاني من أكتوبر" تشرين الأول.

    وتأرجح موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقال إنه غير راض عن التحقيق السعودي لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لا يريد تعريض مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية للخطر.

    * مكالمة عبر سكايب
    قال مصدر قريب الصلة من الديوان الملكي السعودي إن الأمير محمد سمح للقحطاني بتحمل مسؤولية ما حدث وذلك درءا لتداعيات مقتل خاشقجي.

    وقال مسؤول سعودي رفيع ثان إنه تم احتجاز القحطاني في أعقاب عزله لكنه استمر في نشر تغريدات بعد ذلك. وقالت المصادر ذات الصلة بالديوان الملكي إنه ليس من المعتقد أنه رهن الاعتقال.

    وفي عملية قتل خاشقجي كان القحطاني حاضرا مثلما كان حاضرا في لحظات أساسية أخرى في إدارة الأمير محمد. غير أن حضوره هذه المرة كان عبر الإنترنت.

    دخل خاشقجي، الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة وكثير الانتقاد للسعودية وقيادتها، قنصلية بلاده في اسطنبول نحو الساعة الواحدة بعد الظهر في الثاني من أكتوبر تشرين الأول للحصول على بعض الوثائق التي تتيح له الزواج.

    وتقول مصادر أمنية تركية إن فريقا من رجال المخابرات يضم 15 سعوديا كان قد سافر على طائرتين إلى تركيا قبل ساعات احتجزه على الفور داخل القنصلية.

    ويقول مصدر عربي رفيع المستوى مطلع على الاستخبارات وله صلات بأفراد الديوان الملكي السعودي إنه تم توصيل القحطاني بحجرة في القنصلية السعودية عبر سكايب.

    وبدأ القحطاني يوجه الإهانات لخاشقجي عبر الهاتف. وتقول المصادر العربية والتركية إن خاشقجي رد على إهانات القحطاني. لكنه لم يكن ندا للفريق السعودي الذي ضم ضباطا كبارا في أجهزة الأمن والمخابرات ولبعضهم صلات مباشرة بالديوان الملكي.

    وقال مصدر في المخابرات التركية إن القحطاني طلب من رجاله بعد ذلك التخلص من خاشقجي. ونقل المصدر عن القحطاني طلب منهم أن يأتوه ”برأس الكلب".

    وليس من الواضح ما إذا كان القحطاني شاهد الوقائع بالكامل التي وصفها المصدر العربي الرفيع بأنها ”عملية فاشلة انحرفت عن مسارها".

    وقال المصدر العربي ومصدر المخابرات التركي إن التسجيل الصوتي للمكالمة عبر سكايب موجود الآن بحوزة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويقول المصدران إنه يرفض إطلاع الجانب الأمريكي عليها.

    وقال أردوغان يوم الأحد إنه سينشر معلومات عن التحقيق التركي خلال خطبته الأسبوعية يوم الثلاثاء. وامتنع ثلاثة مسؤولين أتراك اتصلت بهم رويترز عن التعليق قبل إلقاء الرئيس التركي كلمته.

    وقال المسؤول السعودي الرفيع الذي شرح الرواية السعودية للأحداث، وهي أن خاشقجي كان طرفا في شجار، إنه لم يسمع شيئا بشأن ظهور القحطاني عبر سكايب غير أنه أضاف أن التحقيق السعودي متواصل.

    * صعود القحطاني
    اكتسب القحطاني سمعة في الداخل بأنه المنفذ ولو بالعنف للرغبات الأميرية وبأنه شديد الوطنية. وقد وصفه بعض الصحفيين والنشطاء الليبراليين السعوديين بأنه المقابل السعودي لستيف بانون بسبب جرأة استغلاله لوسائل الإعلام الإخبارية ورسم الاستراتيجيات من وراء الستار.

    وبانون هو مستشار ترامب السابق للشؤون الاستراتيجية.
    وتغنى القحطاني في قصائد شعرية بالأسرة الملكية تحت اسم ضاري. وسماه بعض خصومه على وسائل التواصل الاجتماعي دليم نسبة إلى شخصية في التراث الشعبي العربي لرجل علا شأنه بعد أن كان خادما وضيعا.

    وتوضح بياناته على تويتر أنه درس القانون وبلغ رتبة نقيب في سلاح الجو السعودي. وبعد أن بدأ مدونة لفت نظر خالد التويجري الرئيس السابق للديوان الملكي الذي عينه في أوائل الألفية الثالثة لإدارة جيش الإعلام الإلكتروني المكلف بحماية صورة المملكة وذلك وفقا لما قاله مصدر على صلة بالديوان الملكي.

    والتويجري رهن الإقامة الجبرية ولم يتسن الاتصال به للتعليق.
    وعلا نجم القحطاني بعد اتصاله بالأمير محمد الذي كان ملازما لديوان والده أيام كان أميرا لمنطقة الرياض ثم وليا للعهد قبل أن يعتلي العرش في 2015.

    ولتكليفه بالتصدي لما وصف بأنه النفوذ القطري على وسائل التواصل الاجتماعي استخدم القحطاني تويتر في مهاجمة الانتقادات الموجهة للمملكة عموما وللأمير محمد بصفة خاصة. كما أدار مجموعة على تطبيق واتساب تضم رؤساء تحرير الصحف المحلية والصحفيين البارزين ليملي عليهم سياسة الديوان الملكي.

    وعندما قادت الرياض مقاطعة اقتصادية لقطر في يونيو حزيران 2017 صعد القحطاني هجماته عليها. وحث السعوديين عبر الإنترنت على نشر أسماء من يبدي تعاطفا على تويتر مع قطر مستخدما وسم ”القائمة السوداء".

    وقال المسؤول العربي الرفيع والمصادر السعودية ذات الصلة بالديوان الملكي إن القحطاني لعب دور ”الشرطي السيء" لحساب الأمير محمد بن سلمان في أواخر العام الماضي عندما تم احتجاز 200 شخصية من الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون في حملة موسعة على الفساد.

    وقال المسؤول العربي إن القحطاني أشرف على استجواب الموقوفين.

    * اختطاف
    وقالت بعض المصادر السعودية ومصادر دبلوماسية عربية إن أفضل ما يبرهن على نفوذ القحطاني ربما كان خطف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري العام الماضي.

    اغتاظ السعوديون من عجز الحريري عن الوقوف في وجه إيران خصم المملكة في المنطقة وجماعة حزب الله الشيعية التي تمثل رأس حربة لطهران في المنطقة. وكان الحريري يرأس حكومة ائتلافية من عدة أحزاب تضم حزب الله.

    واستاء السعوديون على وجه الخصوص من عدم قيام الحريري بتوصيل رسالة إلى أحد كبار مستشاري الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي لوقف تدخل إيران في لبنان واليمن. وزعم الحريري أنه نقل الرسالة السعودية، غير أن واشيا زرعه القحطاني في دائرة الحريري سلم السعوديين محضرا بتفاصيل الاجتماع كشف أن رئيس الوزراء لم يفعل ذلك.

    استدرج السعوديون الحريري إلى الرياض لحضور اجتماع مع الأمير محمد بن سلمان. وعند وصوله في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني 2017 لم يكن في انتظاره صف الأمراء والمسؤولين السعوديين الذين اعتادوا أن يستقبلوا أي رئيس وزراء قادم في زيارة رسمية.

    وتلقى الحريري بعد ذلك مكالمة أن الاجتماع مع ولي العهد سينعقد في اليوم التالي في مجمع ملكي.

    وقالت ثلاثة مصادر عربية مطلعة على ما دار إنه عندما وصل الحريري تم إدخاله غرفة كان القحطاني وفريق أمني ينتظرونه فيها. وضرب الفريق الأمني الحريري ووجه القحطاني إليه السباب ثم أرغمه على الاستقالة من منصب رئيس الوزراء في بيان أذاعته إحدى قنوات التلفزيون السعودي.

    وقال أحد المصادر ”قال له (القحطاني) لا خيار أمامك سوى الاستقالة وقراءة هذا البيان. وأشرف القحطاني على استجواب الحريري وإساءة معاملته".

    وقال مصدر آخر إن تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الذي ضمن إطلاق سراحه في أعقاب انتقادات دولية.

    ونسب ماكرون في مايو أيار الفضل لنفسه في إنهاء الأزمة وقال إن زيارته المفاجئة للرياض لإقناع الأمير محمد والدعوة التي وجهها بعد ذلك للحريري لزيارة فرنسا كانت العامل الرئيسي في حل الأزمة. وأكد مسؤولون لبنانيون لرويترز إن سرعة تدخل ماكرون ضمنت عودة الحريري.

    ولم يتسن الاتصال بالمسؤولين السعوديين للتعليق على سير الأحداث أو دور القحطاني فيها. وامتنع مسؤولون فرنسيون عن التعليق على دور القحطاني.

    * عرض العودة للوطن
    قال ثلاثة على الأقل من أصدقاء خاشقجي لرويترز إن الصحفي السعودي تلقى في الشهور التي أعقبت انتقاله إلى واشنطن قبل عام العديد من المكالمات من الذراع الأيمن للأمير محمد يحثه فيها على العودة للسعودية.

    وقال الأصدقاء إن خاشقجي أحجم عن ذلك خوفا من الانتقام منه لكتاباته في صحيفة واشنطن بوست وآرائه الصريحة.

    وأضافوا أن القحطاني سعى لطمأنة خاشقجي الذي كان من قبل رئيس تحرير صحيفة سعودية أنه ما زال يحظى بالاحترام وعرض عليه وظيفة مستشار في الديوان الملكي.

    ونقل أحد الأصدقاء لرويترز عن خاشقجي قوله إنه لم يثق بالقحطاني رغم أنه كان دمثا ومهذبا خلال هذه المكالمات. وأضاف ”قال لي جمال بعد ذلك ’يعتقد أنني سأعود حتى يمكنه أن يلقي بي السجن؟‘"

    وأكد المسؤول السعودي الرفيع الثاني أن القحطاني تحدث مع خاشقجي عن عودته للوطن. ويبدو أن الكمين الذي نصب له في اسطنبول كان وسيلة أخرى لإعادته للبلاد.

    ما مدى ما كان الأمير محمد يعرفه عن خطة مساعده الأمين لخطف خاشقجي؟

    أغلب أفراد الفريق المكون من 15 فردا الذي كشفت عنه السلطات التركية والسعودية يعملون لأجهزة الأمن والمخابرات والجيش والوزارات وأمن الديوان الملكي وسلاح الجو في المملكة.

    ظهر أحد أفراد الفريق وهو العقيد ماهر مطرب ضابط المخابرات الذي يعمل ضمن الفريق الأمني للأمير محمد في صور مع الأمير خلال زياراته الرسمية في وقت سابق من العام الحالي للولايات المتحدة وأوروبا.

    وقال المسؤول العربي الرفيع والمصدر بالمخابرات التركية إن هاتف مطرب استخدم في الاتصال بالقحطاني أثناء استجواب خاشقجي.

    وحاولت رويترز الاتصال بأعضاء في الفريق السعودي لكن هواتفهم كانت إما مغلقة أو كانت عليها رسائل مسجلة أو لم تعد في الخدمة.

    وقال المسؤول السعودي إن اللواء أحمد عسيري نائب رئيس المخابرات العامة شكل الفريق السعودي من رجال المخابرات والأمن. وعسيري واحد من خمسة مسؤولين عزلتهم المملكة من مناصبهم يوم السبت.

    وتقول المصادر السعودية ذات الصلة بالديوان الملكي إن من الصعب تصور ألا يكون ولي العهد على علم بهذه العملية الدقيقة.

    وقال المسؤول السعودي الذي تحدث يوم السبت إن هناك أمرا سابقا ساريا يتيح لمسؤولين صلاحية التفاوض مع المعارضين للعودة للوطن دون ضرورة الحصول على موافقة، غير أن الفريق تجاوز سلطته في حالة خاشقجي.

    وقال مسؤول سعودي آخر على صلة وثيقة بالتحقيق إن القحطاني قرر أن يدبر من نفسه عملية خطف خاشقجي وإنه طلب من عسيري تشكيل فريق، غير أن الخطة انحرفت عن المسار المرسوم لها.

    وربما يكون آخر ما يقدمه القحطاني في خدمة سيده هو تحمل المسؤولية عن هذه الأزمة.

    وقد أصدر العاهل السعودي أوامر بعزل القحطاني وإعادة تشكيل المخابرات العامة من خلال لجنة برئاسة ولي العهد.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media