الصدريون والحوار 3– اقتراحات أولية
    الجمعة 9 نوفمبر / تشرين الثاني 2018 - 14:25
    صائب خليل
    رغم بعض التوترات التي صاحبت الحلقتين السابقتين فأن بوادر إيجابية من بعض الأخوة الصدريين الذين تعاملوا مع الموضوع الحساس ببساطة وثقة بالنفس شجعتني على اكمال الموضوع، والذي أعلم ان مجرد تقبله ومناقشته يحتاج إلى الكثير من التواضع والتفهم من جانب الصدريين، حيث يبدو وكأنه تم وضعهم في موضع الاتهام. الأمر ليس كذلك بالتأكيد. الصدريون هم التيار الوحيد الذي اشعر بإخلاصه الوطني من جهة، وخطأ قرارات قيادته في رأيي من الجهة الأخرى، والافتقار إلى إمكانية الحوار من الجهة الثالثة، لذلك كتبت هذه السلسلة بأمل ان نثبت أسس الحوار، لعلي اقنعهم او يقنعوني أو نصل الى حل وسط. وحتى لو لم يتحقق أي من هذا فيكفي أن نكون قد تمكنا من مناقشة خلافاتنا ومعرفة أين نختلف، وبلا توتر وشتائم، لكي يعتبر ذلك إنجازاً كبيرا. 
    في هذه الحلقة اقدم بضعة اقتراحات محددة لتطوير أسلوب النقاش. وتمثل هذه النقاط اهم ملاحظاتي للخلل في مناقشة الصدريين من وجهة نظري. ومن المتوقع ان يرى الصدريون أيضا ملاحظات أخرى حول خلل طريقتي للنقاش، او طريقة الاخرين للنقاش معهم، وبالتأكيد من المفيد ان يسمع كل ملاحظات الآخر. لنبدأ أذن:

    1- إيمانكم العميق بالصدر، من حقكم تماما، لكن تذكروا أنه لا يشارككم فيه الجميع، وإلا لكان الجميع صدريين. وبالتالي ليس من الضروري أن يكون من يخالفكم، حتى بشدة، لا "ئبن زنه" ولا حتى "حاقد على آل الصدر" ولا "قلم" مأجور ولا "من ايتام الولاية الثالثة". إنهم ببساطة لا يصدقون بكل ما تصدقون، ولا تقنعهم كل ما يقنعكم من حجج. وسوف انشر في الجزء الأخير من المقالة قائمة بالنقاط التي يختلف فيها معظم الناس معكم لكي يمكن الاطلاع عليها وربما مناقشتها، وبلغة أخرى غير الشتائم أو الاتهام بالحقد على آل الصدر أو القلم المأجور. 

    2- جهزوا أسباباً مقنعة للآخرين وليس لكم: من لا يؤمن بمقتدى الصدر، يحتاج إلى أسباب مقنعة ليقتنع بما يقوله، لذلك يجب ان تجهزوا أسباباً مقنعةً للنقاش. ولاحظوا ان ما يقنعكم من الأسباب قد لا يكفي لإقناع غيركم. مثلا، لو قلتم أن سبب عدم محاسبة المفوضية الفاسدة وطردها، هو أن ذلك سيجعلها تحت سلطة "جماعة المالكي" (وهو مثال واقعي حدث في اول محاسبة للمفوضية قبل سنوات)، أو "جماعة إيران". أو بررتم إنهاء اعتصام مجلس النواب بحجة ضرورة أن لا يسيطر عليه "جماعة المالكي"، أو أن "تنصيب عبد المهدي كان ضروريا لدرء الفتنة بين الأحزاب المختلفة". فهذا يبدو بالنسبة لكم سبباً جيداً وكافياً، لكن هل هو كاف بالنسبة للآخرين؟ لا! لأن اسم "المالكي" ليس قبيحاً بالنسبة للآخرين كما هو لكم لأسباب تاريخية، فتجربتكم معه لم يخضها الآخرون مثلما خضتموها. لذلك فهو بالنسبة لهم ليس سبباً كافياً للاحتفاظ بالفساد لأجل تجنبه. والحقيقة، إن كان الخيار الوحيد هو بين "جماعة المالكي" (على سبيل المثال) وبين الفاسدين في المفوضية، فقد يفضل معظم الناس "جماعة المالكي"، حتى لو اعتبرتموهم انتم أسوأ الخيارات. تذكروا هذا الفرق، وابحثوا عما يعتقد به الآخر، من اجل احراجه حتى ان لم يقتنع. 

    3- تذكروا أنه حتى النبي نفسه لم يستطع أن "يهدي من يشاء" إلى الإسلام، وهذا ينطبق على الجميع وانتم بضمنهم، ومهما كانت الفكرة "واضحة" و "صحيحة" برأيكم، فقد لا يراها الآخرون هكذا، وربما لن تنجحوا في اقناع الكثيرين منهم. فأنتم لستم افضل من النبي ولا تعليمات مقتدى أوضح من الإسلام. لذلك يجب ان يكون لديكم استعداد لتقبل رفض فكرتكم والتعامل وباحترام، مع من لم تستطيعوا اقناعهم ولم يستطيعوا اقناعكم. 

    4- كونوا قساة على أنفسكم بالأسئلة: من الطبيعي أن لا يسأل المرء نفسه أسئلة صعبة حين يكون متعاطفاً مع موقف ما ويريد ان يصل اليه. لكن من يختلف معه سيكون بلا شك أكثر قسوة في اسئلته. ومن يريد التفاهم مع الآخرين وإقناعهم، عليه ان يتوقع اسئلتهم وأن يتفهمها، لا ان يقيسها بما يحب هو من أسئلة. في المثال أعلاه، لا يكفي الجهة المقابلة ان تقولوا أن إزالة الفاسدين سيتيح لـ "جماعة المالكي" أن يسيطروا على المفوضية او مجلس النواب، بل يجب ان تثبتوا أن ذلك سيحدث فعلاً، وان تتخيلوا الأسئلة التي سيسألونها، مثل: أين ذهب بقية نواب الكتل كلها لتصبح السيطرة لجماعة المالكي على مجلس النواب؟ هل كل البدائل لأعضاء المفوضية هم من "جماعة المالكي"؟ هل لن يسمح للتيار والآخرين مثلا أن يشاركوا في انتخاب أعضاء المفوضية البديلة؟ هل يعني هذا بأن جميع المرشحين خارج "جماعة المالكي" هم من الفاسدين؟ ألا يعني هذا العجز عن إيجاد بديل أمين آخر، تزكية لجماعة المالكي دون غيرهم؟ إن كان جماعة المالكي أيضا فاسدين، فما الذي يمنعكم من كشفهم واستبدالهم لاحقاً، أو حتى منعهم من الترشيح إن توفر الدليل؟ هل هناك مؤشر مثلا ان "جماعة المالكي" سيتحكمون برئاسات اللجان إن تمت إزاحة الفاسدين من رئاسة مجلس النواب؟ إن كان الأمر كذلك، لماذا لا يضع الصدريون شروطهم المنطقية بشأن اختيار تلك الرئاسات، فإن رفضها "جماعة المالكي"، كانت الحجة ضدهم؟ إذن كيف سيسيطر المالكي عليها؟
    وبالنسبة لقصة عبد المهدي، من الطبيعي ان يسأل الناس أولاً ما هي الفتنة التي ستحدث؟ هل هناك دليل عليها؟ هل اشترطت الأحزاب فعلا ان يكون عبد المهدي هو المكلف لترضى؟ هل هناك دليل على ذلك؟ طيب من كان مرشح الصدريين لو كان الأمر متروكاً لهم، ولم يرشحوه درءاً للفتنة؟ لماذا عبد المهدي مرفوض من الصدريين ولم يقبلوه إلا درءاً للفتنة؟ إن كان سبب الرفض مهم، هل بحثوا عن طريق اقل خطورة لدرء الفتنة؟ يجب ان لا يقتنع المرء من اول جواب على سؤاله، ودون ان يتحقق من صحته.

    في تعليق على حلقة سابقة كتب الصديق حيدر مهدي مزعل مبرراً تراجع الصدريين عن بعض وعودهم: "اشاطرك الراي يوجد من القرارات قد اصبحت في مهب الريح لكن هذا نابع من المعارضة الشديدة له او من باب لا امر لمن لا يطاع". 
    والحقيقة انني لم أر أية معارضة لمعظم القرارات التي تراجع التيار عنها، ولم اشهد اية محاولات له لفرضها. فإن كانت هناك معارضة ومحاولات يثق بها الصدريون لمجرد ان قيادتهم قالت ذلك، فأنا باعتباري خارج التيار احتاج الى دليل لأصدقها، وإلا كان بإمكان أي كان ان يقول لي أي حجة بلا دليل.
    وكتب أيضا: "فمقتدى الصدر اثبت للآخرين انه معلم بالسياسة والنجاح الذي حققه شاهد حي لذلك"

    بالنسبة لي كشخص خارجي لم يثبت مقتدى الصدر أي شيء، فالنجاح يجب ان يقاس بمقدار ما حققه من وعود وعد الشعب بها، أو من برامج حددها، ولا اظن أن احداً يدعي ان هناك وعود تم تحقيقها. أما ما حققه من سلطة متعاظمة على الساحة السياسية فيمكن تفسيره بمواقفه التي تمثل حسب وجهة نظرنا تخليه الفعلي عن الصراع مع الأمريكان وتحويل بوصلة الصراع إلى ايران او على الأقل مساواتها مع اميركا المعتدية (رغم تصريحات تشير الى العكس من ذلك).
    أي باختصار: من الضروري لمن أراد القدرة على النقاش، ان يكون قاسياً على نفسه في طرح الأسئلة، لتشمل ما يسأله الآخرون ايضاً، وان يسارع لطرح أسئلة المقابل حتى قبل ان يطرحها هو! وإلا فإن الناس لن تقتنع، وهذا الجبن في طرح الأسئلة القاسية، سيسبب العجز في الجدال لاحقا. إن التعود على وضع النفس مكان الآخر والبحث عن اسئلته ومناقشتها بأمانة وقسوة على النفس، مسألة ليست سهلة وتحتاج إلى إرادة وتمرين. 

    5- طالبوا قادتكم بأجوبة وشرح: ربما يكون هذا اصعب جزء في القصة كلها، فالتيار الصدري، وإن لم يكن الوحيد في هذا، هو اكثر جهة تتجنب جماهيرها طرح الأسئلة على قياداتها، حتى إذا وصل الأمر الى السيد مقتدى الصدر، بدا السؤال الذي يحمل رائحة الشك، صعباً جداً، والمناقشة بالتأكيد من المحرمات! فالجو السائد هو أن السيد مقتدى حكيم ويعرف ما يفعل، وحتى حين يقرر شيئا عكس ما نتوقع، فليس ذلك لأن ما يفعله غير منطقي، بل لأننا "لا نفهمه"! إنه نفس منطق الكثير من الحزبيين الشيوعيين عندما يريدون التشكيك بمقولة لماركس في اجتماع حزبي أو النازيين عندما يتحدثون عن هتلر. هؤلاء لن يقولوا أنهم "لم يقتنعوا" بل يقولون على الأغلب "لم نفهم"، هذا إن فتحوا فمهم. هذه الرهبة من المقابل والإيمان بكل ما يقوله، بالتأكيد تقليد لا يمت لمدرسة آل الصدر التي تحث على التعلم والسؤال، بأية صلة! 
    فالحكيم الواثق من نفسه، لا يختبئ من الأسئلة خلف هالة من القدسية، ولا ينزعج حين تطرح الأسئلة عليه وحتى الشكوك، بل يكون سعيداً بها لأنها تعطيه الفرصة لشرح موقفه وزيادة وعي وقناعة وصلابة اتباعه وقدرتهم على الدفاع عن تلك المواقف امام الآخرين، وإظهارهم بمظهر الإنسان الناضج الذي يعرف إلى أين يذهب، ليس "الطرطور" الذي يقال له إذهب الى اليسار فيركض، ثم يقال له إلى اليمين فيعكس اتجاهه، كما حدث بشكل محرج جداً مع قيادي من نواب التيار في اعتصام مجلس النواب. وكما حدث بعد زيارة سيد مقتدى للسعودية، والتي من الطبيعي ان يرفضها من يرفضها عندما يفعلها غيره من العراقيين، خاصة أن الزيارات تعبر عن دعم دبلوماسي، في الوقت الذي كان للسعودية أسوأ المواقف تجاه العراق واليمن وفلسطين، ومن الطبيعي أن غير الصدريين ليسوا مستعدين ان يقبلوا فرضية أن السعودية قد تغير مواقفها بفضل تلك الزيارة، وهو ما لم يحدث بالفعل، وكان على الصدريين أن يطالبوا قياداتهم بالأجوبة بدلا من ان يحاولوا التملص من الجواب بمختلف الطرق.

    من الواضح أن السيد مقتدى لا يوضح سياسته حتى لقياديي التيار، ليمكنهم من اتخاذ الموقف السليم مسبقاً، بل حتى لم يكلف نفسه بتنبيههم إليه قبل ان يعلنه في الإعلام، ولم يتح لهم حتى التظاهر بتبديل موقفهم على أساس ما، غير طاعة الأوامر الصادرة من الصدر! والسؤال هنا: ما هي مصلحة التيار الصدري وصورته عند الناس ان يظهر قادته انفسهم، كأنهم طراطير يقودهم القائد بلا شرح، لا كلمة لهم ولا يمكن الثقة بأي موقف يتخذونه أو وعد يعدون به؟ والسؤال الثاني هو لماذا يحرج القائد قياداته التي تأتمر بأمره بهذه الطريقة؟ اليس السليم ان يهيئها بدلا من مفاجأتها بتغيير موقفه حالها كحال بقية العالم؟
    إن كان هذا هو موقف السيد مقتدى من قادة التيار، فيبدو أن دعوته لشرح مواقفه لجمهوره، طموحاً بعيد المنال. لكن هذا لا يغير من الحقيقة شيئا: لن يمكن بناء أية جسور حوار مع اتباع التيار الصدري، ما لم يكن لديهم فرصة لطرح الأسئلة حتى الصعبة منها، ولمناقشة سياسة التيار بحرية. وإن كانت القدسية تقف هنا بوجه الأسئلة، فهي تقوم بعزل التيار عن بقية الشعب، بكل بساطة. 

    إن تقصير الجماهير بمطالبة القيادة بالأجوبة، لا تنم دائما عن الحب وحده لتلك القيادة، بل كثيراً ما تعني الكسل في التفكير، أو الخوف من القيادة وعدم الثقة برد فعلها على السؤال أو النقاش عندما يحمل رائحة تشكيك. كذلك فأن التقصير في طرح الشكوك والاسئلة يحرم القيادة من الاتصال المباشر وردود الفعل الجماهيرية اللازمة لتصحيح موقفها، وهي بحاجة اليها إن كانت الجماهير تعتقد فعلا بأن قيادتها غير معصومة.

    في الحلقة التالية والأخيرة سأقوم بطرح عدد من نقاط الخلاف بين الصدريين ومعظم الآخرين، لنستعملها كتجربة لتطوير النقاش. وافكر في ان اشترط ان يبدأ أي نقاش بتحديد نقطة الخلاف واقتطاع الجملة المعترض عليها من المقالة بشكل اقتباس، وتوضيح ذلك الاعتراض. وهكذا سنختتم هذه السلسلة آملين ان تكون قد قدمت شيئا لتزييت الحوار بين العراقيين عموماً، والصدريين وغيرهم بشكل خاص. 
    المقالات السابقة: 

    الصدريون والحوار 2- أربعة اشكالات تمنع الصدريين من الحوار!
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2068497939873931 
    الصدريون – من اجل استعادة الحوار 1- السياسة وحاجز التقديس
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2065488463508212
    ما حدث بين الصدريين ورئيس الحكومة المكلف يعني الكثير لمستقبل العراق - صائب خليل
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2057649684292090
     
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media