«عبده موتة» فى الجامعة البريطانية
    الجمعة 16 نوفمبر / تشرين الثاني 2018 - 06:43
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    لم يكن «عبده موتة» أستاذاً زائراً، أو محاضراً متفرغاً، أو خبيراً اقتصادياً مرموقاً، أو أديباً مفوهاً، أو شاعراً طروباً، أو طالباً منتسباً من منازلهم، بل كان أحد معلمى ومدرسى أعمال البلطجة فى مصر، يعلم الأجيال الصاعدة إتقان التلويح بالسنجة، والتوقيع بالدم على جسد الضحية، وتحصيل أمواله وتنميتها من بيع المخدرات وفرض الإتاوات، وسهر الليالى على أجساد النساء، والاحتفاظ بـ«نمبر ون» ليس فى العلم، بل فى كل هذه المثالب وهذه العيوب، وأصبح المثل والقدوة بين الشباب، وبدلاً من اعتبار أعماله السينمائية مثالاً نتجنبه ونستبعده ونعتزله، ونشاهدها لنهجرها وننفر منها، ندعو صاحبها إلى حرم الجامعة، منارة العلم، وقبلة العلماء، ليلقى حضرته محاضرة عن جهده وعرقه وطريقه الشاق الطويل فى إفساد الذوق العام، وسهره الليالى فى إرساء دعائم حب الجريمة والمجرمين المثال والقدوة بين الأجيال المقبلة، والإعداد الجيد للأبحاث والدراسات لزيادة الإنتاج للسوق المحلية من أفلامه المقبلة الهابطة، التى ترفع كفاءة الإجرام، وتجور على الأعراف والأخلاق والقيم، وتتعدى على حدود القانون، وترفع ميزان البلطجة ومعدل الجريمة، وسط هوس وتدافع الطلاب، ويغنى لطلابها رائعته التى تعادل أطلال إبراهيم ناجى، «نمبر ون» على مسرح الجامعة، ويتراقص على أنغام موسيقاها كالخلعاء، ويشير بعلامة «نمبر ون» فى تحد لكل العلوم والفنون، ويصبح العلم والعلماء الرقم الأخير فى معادلاتنا، لم يعد أمام الجامعة قدوة سواه، ومثالاً شبابياً غيره يحتذى به، وخلا مسرح الجامعة تماماً من المسرحيات الهادفة، واللقاءات العلمية، والندوات الثقافية، والموسيقى العربية، وأصبح عرشها فارغاً، وفراشها وثيراً لعبده موتة، وكأن الجامعات الخاصة الهادفة للربح فى المقام الأول، تدغدغ مشاعر الطلاب، كسباً لودهم، واستمالة لرضاهم، وتسويقاً بشتى طرق الإعلان للفوز بطلاب جدد، يفضلون ويعتبرون «موتة» مثالاً ونبراساً وهدياً، حتى لو كان هذا الود وهذا الرضا فى غير محله وضد مصلحتهم، ولم يكن من حق الجامعة أن تساير هذا الهوس الذى يخالف الأعراف العلمية، ويناهض تهذيب العقول، ويخاصم الذوق العام، ويعتدى على حق الطالب المنضبط الملتزم، حتى لو كان الكثير من الطلاب وهم الأغلبية للأسف مناهضين لهذا، شاخصين لغيره، فلو تركنا الحبل على الغارب لمعظم طلابنا للأسف الشديد، لأصبح عبده موتة عميداً لكلية الطب والتشريح، وشعبولا فناناً مبدعاً غير متفرغ فى كلية الفنون الجميلة، وبوسى عالمة بالمعهد العالى للفنون، والسبكى وزيراً للثقافة ومعها التموين والإبداع، فلم يقع حظى فى الحقبة الأخيرة، على نهاية احتفالية أو مؤتمر أو ندوة فى كلية من الكليات، إلا كان ختامها «رقص وطبل وهز وسط» من طلابها، وليس مناقشة أو حواراً أو جدلاً فى محتوى ما مضى، كما فى الجامعات على مستوى العالم، ولكن للأسف هذه بضاعتنا، فلو كنا منعنا هذا الغث عنهم داخل الجامعات، لما كنا نبحث ونصبو إلى السمين الآن «ونرقع الجديد بالرث»، ولا أدرى هل للجامعة البريطانية حصن العلم، وحوض المعرفة، وسكن ودار لعظماء سكنوا يوماً ديارها أمثال الدكتور أحمد حمزة والدكتور مصطفى الفقى، من عارض أو رفض هذا، وطالب باستبداله بعالم من العلماء من مصر أو بريطانيا، يشرح لطلاب الجامعة كيف أن مشاكل العالم لن يحلها سوى العلم، وأن إرساء أسس البحث العلمى أصبح ضرورة ملزمة، وبناء قاعدة علمية أصبح واجباً قومياً وشعبياً لنهوض الأمة، بدلاً من قواعد البلطجة لأمثال هؤلاء، أو أصر على الاستعانة بأديب من أدباء مصر الذين يرضون بالقليل بدلاً من مئات الألوف التى لهفها عبده موتة من الجامعة، ليرسى دعائم المواطنة مثلاً، وقبول الآخر وفن الاختلاف فى الرأى، أو رأى أن يستعين بليلة فى رحاب الموسيقى العربية، لتغذية الروح، ولنظافة الأذن وتنقية وفلترة ما يسمعه الطلاب، ربما يقول قائل لن يجد كل هذا إقبالاً أو قبولاً من أكثر الطلاب، وأقول فلنستجب لكل خبيث وكل رقيع وكل فاسد لأولادنا إذا ما أصروا عليه، ونرضى أن نقدم لهم القدوة الفاسدة على طبق من الفضة لإرضاء أمزجتهم، فإذا كنا وهم صغار يبكون ويصرخون ولا نلتفت إليهم إذا رغبوا فى اللعب دون المذاكرة، أو شراء لعبة لا تناسب أعمارهم، أو الخروج من البيت فى موعد أو مكان غير مناسب، لحسن تربيتهم وفلاحهم وصالحهم، فما بالنا نستجيب للتافه والردىء والساقط وقت أن كبروا واستوعبوا ولا يبكون؟ وهذا عذر مذموم ومرفوض، وليست هذه رسالة الجامعة، ولا يحق لها التنازل عنها فى سبيل المكسب المادى، أو انضمام طلاب جدد هذا هدفهم ومنتهاهم، فهى رسالة أرقى وأعظم، وإلا بالله عليكم قولوا لى ما هى أسباب انهيار التعليم الجامعى إن لم يكن هذا أحد أهم أسبابه؟

    adelnoman52@yahoo.com

    "الوطن" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media