ليس كل ما يقوله عامر عبد الجبار ذهباً
    الأحد 18 نوفمبر / تشرين الثاني 2018 - 17:09
    صائب خليل

    كان للمهندس عامر عبد الجبار الفضل الأول في فضح مخططات تدمير ميناء الفاو، والدور الأمريكي القيادي في المشروع، وتبني توابع اميركا في الكويت والعراق تنفيذ هذا المخطط، وشرح التفاصيل المتعلقة به بشكل كبير ومقنع، وخلق الوعي الجماهيري العراقي بهذه المؤامرة. ونذكر للأستاذ عامر أيضا تنبيهه لحقيقة الدعم النفطي لحكومة الأردن، وحقائق أخرى مهمة، وهذا ما يشكر عليه ولا ينسى كفضل له.. ولكن!
    لكن يقال "ليس كل ما يلمع ذهباً" وهذا ينطبق على ما يقوله ويتبناه الأستاذ عامر أيضا. على صفحة الأستاذ عامر على الفيسبوك وجدت الفيديو المرفق(1)، والذي يطرح فيه عدد من مواقفه، وأسجل عليه الملاحظات التالية:
    لا اريد أن اطيل الحديث عن خطة الأستاذ عامر التي زادت كمية "ضخ" النفط (ما يسمى بإنتاج النفط، وأنا ارفض هذه التسمية) بشكل مؤثر، لكني اضع عليها علامات استفهام، فموضوع كمية النفط المستخرج مسألة في غاية التعقيد وتتطلب دراسة هيكل استخراج وتخزين ونقل وتصدير النفط لذلك البلد، ووضع سوق النفط العالمية وتأثير الأسعار واتفاقات أوبك.. الخ، لذلك لا أرى مصداقية في نسب زيادة هذا الضخ إلى دراسته الخاصة، واكتفي بهذه الملاحظة حول الموضوع.

    ثم نأتي الى خطة الأستاذ عامر فيما يتعلق بزيت الحصة التموينية الذي يستورد من تركيا حسب ما ذكر، واقتراحه البديل في دعوة تركيا لاستثمار أراض (بور، كما يقول) لزراعة عباد الشمس بعقد يمتد 25 عاماً. وفكرة أستاذ عامر هي انه إن قطعت تركيا عنا المياه، فسيمكننا في حينها ان نقطعها عن "مزارعها" في العراق، وهكذا تحل مشكلة الصراع على المياه بين العراق وتركيا، حسب الأستاذ عامر.
    وهنا يتوجب علينا ان نثير بضعة أسئلة: أولاً ما هي كمية الزيت المستورد من تركيا؟ وهل المقصود من منح الاستثمار لتركيا ان يكون لشركة حكومية ام شركة تركية خاصة؟ إن كان المقصود لشركة خاصة، فهل تكفي مصلحة شركة تركية خاصة للضغط على تركيا الدولة لتحترم حصة العراق المائية؟ وإن كانت حكومية فهل لدى تركيا مثل هذه المشاريع الحكومية؟ لماذا تفترض أن تركيا سترحب بمثل هذا العرض كأمر مؤكد، وتكون أرباحها منها بالحجم الذي يمكن التأثير من خلالها على سياستها مع العراق؟ وما هي شروط ذلك الاستثمار الذي يفترض ان يقدم لتركيا مثل تلك الأرباح الكبيرة؟
    ثم ان فكرة استخدام مزرعة الزيت للضغط على تركيا غريبة، فقطع الماء عن مزارعها سيعني ببساطة قطع الزيت عن الحصة التموينية، وهذا اخطر بالنسبة للحكومة العراقية مما هي خسارة الأرباح بالنسبة للحكومة التركية! في الحقيقة ان مثل تلك المزرعة يمكن ان تستخدم من قبل تركيا للضغط على الحكومة العراقية وليس العكس!  وإذا كانت أرباح تركيا الآن بهذا الحجم من زيت الحصة التموينية، فلماذا لا نستخدمه للضغط عليها الآن لتحديد حصة المياه، بالتهديد بتحويل ذلك الاستيراد إلى دولة ثانية مثلا؟
    وأهم من كل ذلك: إن كانت مثل تلك المزرعة بهذه الجدوى الاقتصادية الكبيرة، فلماذا لا يقترح الأستاذ عامر ان يقوم العراق بها بدلاً من الاستثمار الأجنبي، كقضية اقتصادية مهمة، وبعيداً عن الصراع على المياه مع تركيا؟

    الاعتراض الآخر على جولات التراخيص، علامة استفهام كبيرة أخرى على أستاذ عامر، فجولات التراخيص، وانا مسؤول عن كلامي، والذي كونته من متابعة دقيقة لتلك الجولات منذ بدايتها ومع اهم خبراء النفط العراقيين وقرأت عنها معظم ما كتب من مقالات واسهمت في توضيحها في اكثر من مقالة، أقول جولات التراخيص من أفضل العقود التي وقعها العراق على الإطلاق للفترة ما بعد 2003! وما يثار عليها من حملة تشويه قادها عادل عبد المهدي وغيره، إنما هي مدفوعة من قبل شركات النفط لتغييرها إلى عقود مشاركة انتاج او شيء مشابه، كما هي الحال مع عقود كردستان التي تعطي الشركات أربعة اضعاف ما تعطيه عقود بغداد، وفق دراسة اشرت اليها في احدى تلك المقالات قبل بضعة سنوات.
    ويعتبر الأستاذ عامر ان تلك العقود تمثل اكبر هدر للثروة في العراق.(2) بل هو يؤكد أن جولات التراخيص هي السبب في الأزمة الاقتصادية في العراق وليس انخفاض سعر النفط!(3)
    ويشرح ذلك قائلا "وأما السبب الفعلي  للعجز في الموازنة هو كلف الانتاج الباهظة التي تدفعها الحكومة لصالح شركات جولات التراخيص". ويبدو ان الأستاذ عامر اخذ تلك "الكلف الباهظة" من المصادر التي تسعى للتشهير بعقود تلك الجولات، والتي تخطئ أو تتعمد الخطأ بحساب كلفة البنية التحتية موزعة على بضعة سنين بدلا من عمرها الحقيقي الذي له اضعاف تلك الفترة، وكما وضحنا في المقالات الخاصة بجولات التراخيص.
    يلمح الأستاذ عامر انه تم تهميشه بسبب نقده لجولات التراخيص وأنه كان ضحية لموقفه ذاك، والحقيقة التي يعرفها الجميع ان العكس هو الصحيح، وان الهجوم على جولات التراخيص كان من الشراسة ان الدفاع عنها هو الذي كان صعباً رغم الحقائق والأرقام، فكأن من يدافع عنها يدافع عن الشيطان الرجيم، حتى ان مهندسها الشهرستاني توقف عن الدفاع عنها وترك الأمور للإعلام يسرح لوحده.
    الطريقة التي يناقش فيها الأستاذ عامر، جولات التراخيص، تلقي بظلال الشك الشديد على قدرته على انجاز الخطة العملاقة لزيادة "ضخ" النفط العراقي، أعلاه، والتي نسبها الى نفسه. وفوق ذلك فأن مشاركة الأستاذ عامر في الهجوم على جولات التراخيص ليس نقطة مضيئة له، إنما علامة استفهام.

    في مكان آخر يكتب عامر عبد الجبار عن "انخفاض سعر الدينار" وكأنه مشكلة اقتصادية(4). فكتب ان سبب الانخفاض هو تحديد الحكومة السابقة (حكومة المالكي) كمية الدولارات التي يسمح للبنك ببيعها. وبعد ان اعترض على اجراء الحكومة وبأنه " تدخل في شؤون استقلالية البنك المركزي وتناقض قانون البنك والية عمله"، دعا الحكومة (حكومة العبادي) الى بيع المزيد من الدولارات من قبل البنك المركزي، لكي يرتفع سعر الدينار قياساً بالدولار. إضافة الى ذلك دعا الى البيع المباشر وليس من خلال مكاتب الصيرفة، وهذا الأخير نتفق معه تماما، أما الجزء الأول فنقف بالضد منه تماما.
    لا يعطينا الأستاذ عامر رأيه في "استقلالية" البنك المركزي و "آلية عمله" التي يقلق على التدخل فيها. فهذه الآلية التي وضعها بريمر، ويحرص الأستاذ عامر على احترامها، ليست سوى واحدة من اخطر الألغام التي وضعها الأمريكان على الاقتصاد العراقي!
    وفوق ذلك لا يخبرنا الأستاذ عامر عن سبب رغبته في رفع سعر الدينار، ولا بين لنا فائدته الاقتصادية! فالمعلوم لدى الاقتصاديين أن لكل من ارتفاع سعر العملة وانخفاضها فوائد وأضرار للدولة التي تملكها، وان غلبة الواحدة على الأخرى تعتمد على نوعية اقتصاد تلك الدولة وظروفها وردود الفعل التجارية على تغير سعر الصرف. والعراق ليس لديه صناعة يصدرها عدا النفط الذي يصدره بالدولار وليس الدينار، لذلك لا نعرف ما الفائدة الاقتصادية للعراق من رفع سعر الدينار بالنسبة للدولار أو خفضه؟ والحقيقة ان الغالب الأعم المعروف هو ان الدول تسعى بجهد إلى خفض عملتها وليس الى رفعها، كما يدعوا الأستاذ عامر! والصراعات بين الولايات المتحدة والصين مثلا في هذا المجال، هو اتهام كل للأخرى بأنها تعمد على خفض عملتها بشكل افتعالي! فلماذا يريد أستاذ عامر ان نرفعها نحن، بل أن نبيع المزيد من الدولارات من اجل هذا؟
     
    في مقال اخر يكتب الأستاذ عامر عن سعيه الذي كلل بالنجاح في استخدام شركات أمنية اجنبية لتأمين المطار، بدلاً من العراقية، وكان سعيداً برفض مجلس الوزراء، تقرير وزير الداخلية الداعي الى العكس.(5) والغريب هنا ان الأستاذ عامر لا يأخذ بنظر الاعتبار في هذا الأمر إلا كلفة أداء المهمة، وكأننا نعيش في عالم لا يقلقنا فيه سوى السعر، ولا يوجد فيه أي تآمر أجنبي على أمن العراق، وأن تحكم شركة امنية اجنبية فيما يمكن أن يمر من المطار، ليس مشكلة أبداً! إننا نعتقد ان إسرائيل التي تتحكم في نسبة عالية جدا من الشركات الأمنية العالمية، يمكنها ان تخترق هذه الشركة وان تجعلها تمرر ما تريد في الوقت المناسب الحرج وعند الحاجة. وأنها مقابل ذلك يمكنها ان تقدم عرضا ذو كلفة قليلة، وهي تفعل ذلك بالفعل في أوروبا. نحن نرى ان تأمين المطار لا يحتاج إلى شركات اجنبية، وأن هناك اكثر من دولة مستعدة لتدريب كادر عراقي على استعمال الأجهزة، وان هذه هي الطريقة الوحيدة المعقولة لأية دولة، دع عنك دولة في مثل وضعنا، فما هو رأي الأستاذ عامر بهذا؟

    وأخيراً وجدت على صفحة الأستاذ عامر عبد الجبار على الفيسبوك العبارة التالية باللون الأحمر والخط الكبير: وزارتا النفط والنقل ليس محاصصةً بل استحقاق مهني للبصرة لأنها تمتلك أفضل خبراء النفط والنقل في العراق.. وعواقب تهميش البصرة وخيمة.(6)

    ماذا يعني "استحقاق مهني" للبصرة؟ هل هناك "استحقاق مهني" للموصل أو بغداد أو الديوانية مثلا؟ إن لم تكن "استحقاق" هي كلمة المحاصصة الأكثر صراحة فما هي المحاصصة؟ وكيف يكون الاستحقاق المهني لمدينة ما؟ هل هناك إحصاء بين لنا ان البصرة " تمتلك أفضل خبراء النفط والنقل في العراق"؟ وأنه لا يوجد خارجها من يمكن ان يصل الى تلك الخبرة؟ لماذا يجب استبعاد مرشح مناسب لهذه المناصب، من الحلة مثلاً، لمجرد انه ليس بصرياً، رجوعاً إلى "الاستحقاق المهني"؟ ولماذا يكون العكس هو "تهميش للبصرة"؟ وهل ان التهميش لمدينة يقاس بعدد الوزراء الذين ينتمون لتلك المدينة، ام بتقديم الخدمات الجيدة لها وتأمين حصتها من الميزانية والعناية بالناس فيها وبمواردها الطبيعية وبيئتها وخصوصيتها مثلا؟ هل نريد ان نثبت الإحساس بين الناس، بأن  المدن في سباق محاصصة وزارات، كما هو الحال بين الاحزاب؟ اليس هذا الكلام عن التهميش، ركوب الموجة المشبوهة التي تستهدف وحدة العراق بدون تفكير بنتائجها، وتجاهل ما يثير ذلك من مشاعر مناطقية انفصالية في لحظة زمنية في غاية الخطورة؟

    ملخص الموضوع، إننا لا نتهم الأستاذ عامر عبد الجبار بتقصد الضرر، لكننا ننبه الى الأخطاء التي في بعض مواقفه. وإننا مع اعتزازنا بدور الأستاذ عامر في توضيح ملابسات ميناء الفاو والربط السككي، والعديد من المواقف الممتازة الأخرى مثل المساعدة على طرح مسالة "الخاوة" النفطية العراقية للأردن، والتي نتفق فيها تماما مع الأستاذ عامر وسبق ان كتبنا عنها العديد من المقالات، وكشفه او طرحه للعديد من نقاط الفساد على طاولة البحث، فأن ما طرحه من مشاريع أعلاه كلام غير علمي، وقد يكون مناسباً للمقابلات التلفزيونية السريعة أمام جمهور لا يملك الخبرة اللازمة لطرح الأسئلة المناسبة لاكتشاف الخطأ. لذلك، ورغم وقوفنا مع العديد من مواقف الأستاذ عامر، فمن الواضح أن ليس كل ما يصدر عن الأستاذ عامر عبد الجبار ذهباً.

    (1) فيديو مقالة "ليس كل ما يقوله عامر عبد الجبار ذهباً"
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/videos/322528038568955/
    (2) مدونة عامر عبد الجبار للإصلاح الاقتصادي في العراق -الجزء الثالث - مركز النور
     http://www.alnoor.se/article.asp?id=243976
    (3) الازمة الاقتصادية في العراق سببها جولات التراخيص وليس انخفاض سعر النفط
    http://www.alnoor.se/article.asp?id=313577
    (4) اسباب انخفاض سعر الدينار العراقي مقابل الدولار والحلول المقترحة - مركز النور
     http://www.alnoor.se/article.asp?id=278261
    (5) الشركات الامنية العالمية يمكن ان تحقق امن افضل وكلفها لا تقارن بنفقات الوزارات الامنية
     http://www.alnoor.se/article.asp?id=212234
    (6) وزارتا النفط والنقل ليس محاصصةً بل استحقاق مهني للبصرة
    https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1071985736308127&id=332390116934363

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media