سُـبـل الخلاص من الفسـاد في العراق
    الخميس 22 نوفمبر / تشرين الثاني 2018 - 07:31
    د. مؤيد عبد الستار
    اصبح الفساد في العراق ثقافة ، بهذه العبارة عبـّر رئيس وزراء العراق  و وزير خارجيته السابق عن الحالة الكارثية للوضع العراقي الغارق في الفساد . 
    وبملاحظة بسيطة ونظرة سريعة على تاريخ  حياة سيادته  نجد انه انتقل بين ليلة وضحاها من معارض مفلس يعيش على المعونة الاجتماعية في بريطانيا الى قابض على صولجان الثروة والبذخ  بعد  تسنمه المناصب الرفيعة إثر  التغيير الذي حصل في العراق وسقوط نظام العصابة الصدامية الذي خلفته اكثر من عصابة متلفعة باسماء دينية وقبلية وقومية .
    ولكي يصبح الفساد ثقافة لابد له من مثقفين يرسمون  له السبل والطرق التي يسلكها ، و من الغريب ان يكون على رأس هؤلاء رجال دين حسبناهم اتقياء واذا هم لصوص فاقوا عصابات المافيا ، ولم يظهر بينهم لص نبيل مثل ارسين لوبين او روبن هود  .
    بمقارنة بسيطة بين تغيرين يعقدهما العراقيون ، يلمسون لمس اليد ، الهوة الشاسعة والمفارقة المبكية ، فما ان يقارنون  بين التغيير الذي حصل في العراق بعد سقوط النظام الملكي وقيام جمهورية 14 تموز 1958 والانجازات التي حققتها بملايين قليلة من الدنانير وبين الفشل في تقديم انجازات مشهودة  بعد التغيير الذي حصل عام 2003 وسقوط النظام الصدامي ، رغم  الثروة المليارية  التي انهالت على الخزينة من موارد النفط ، سيجدون ان الفساد هو الاساس الذي خلخل هيكل التغيير المنشود ، فاستيلاء فئة طفيلية تدعي الورع والتمسك بالتقاليد البالية والخرافات التي انطلت على جمهرة كبيرة من المواطنين الذين كانوا اسرى المعتقدات الغيبية اللا منطقية وغير الحضارية سهلت على اللصوص الضحك على ذقون المواطنين المخلصين لعقائدهم والمستسلمين لزعمائهم من رجال دين وشيوخ عشائر ورموز قومية .
    تقول انجيلا ديفز لانستطيع القضاء على العنصرية بشكل فعال ، قبل ان نتمكن من القضاء المبرم على كامل النظام القائم على اساس عنصري . 
    وبالقدر الذي تكون مقولتها صادقة ، فهي تصدق على النظام القائم على أسـس الفساد ، فاستبدال  كلمة العنصرية بالفساد في مقولة انجيلا  ديفز  سيؤدي الى نقل المقولة الى الواقع العراقي .
    النظام السياسي القائم في العراق في الوقت الحاضر يقوم على الفساد ، ولذلك استنتج رئيس الوزراء السابق مقولته ان الفساد ثقافة وفي الحقيقة ان مقولته بحاجة الى قلبها راسا على عقب فنقول ان الثقافة في العراق فاسدة  وهي الثقافة التي اشاعها فكر رئيس الوزراء السابق ومن سار على خطاهم في نشر ثقافة الخرافة والركض في مطاردة الاشباح والاوهام والخزعبلات من اجل اغراق المواطن بالخرافات وتزييف وعيه لاستلاب حياته وحاضره ومستقبله ، وهو ما يجد تجلياته في ارتهان العراق الى الديون رغم ثروته النفطية وعجز البلاد عن اطعام ابنائها من ارض الرافدين المعطاء التي كانت توصف بارض السواد نسبة الى كثافة الزراعة فيها فاصبحت اليوم ارض ملتحفة بالسواد لكثرة البؤس والبائسين فيها .
    لذلك لا سبيل  الى الخلاص من الفساد الا بمواصلة الاحتجاج على السلطة وانضاج الظروف الملائمة الى كنس الفاسدين بسواعد قوية تستطيع دك معاقل الفساد سواء أكانت في الخضراء ام في الغبراء  . 

    ثورة ماركس في نظرية المعرفة 
    (  ولعل أبلغ تعبيرعن تخبط الفلاسفة هذا، هوالكلمات المقتضبة، لكن العميقة جدا، التي جاءت في الأطروحة الحادية عشرة لماركس ضد فويرباخ. تقول تلك الكلمات: « إن الفلاسفة لم يفعلوا سوى، تفسير العالم بطرق مختلفة... ».
    والسؤال الآن: لماذا ذلك التعدد في التفسيرات ؟ لأن كل فيلسوف، لا يرى في الواقع الشديد التنوع في خاصياته وجوانبه، سوى جانبا واحد مجرد. وحتى مع ذكر كل تلك الجوانب، سواء التي ركز عليها الفلاسفة أو غيرها، فإن ذلك لا يستنفذ الواقع التاريخي في شمولتيه.
    إن « الفكر » الذي امسز إليه هيجل لتأسيس منظومته الفلسفية، موجود فعلا في التاريخ، لكن كجانب فقط ضمن جوانب أخرى لا تحصى.
    وإن « الانسان » الذي طرحه فويرباخ، كبديل « لفكر » هيجل، هو أيضا موجود على أرض الواقع، ولكن بصفته جانبا من الجوانب، لا أكثر.
    ونفس الشيء يمكن قوله عن « الجنس » عند فرويد، و« المعنى الوجودي »، عنا سارتر، و« النسق البنيوي » عند فوكو (وليفي ستراوس، ولاكان، وفي النظريات الأخرى المتشابهة في العلوم الانسانية الحديثة).
    معن هذا أن الفيلسوف، حينما يستبدل نظاما معرفيا بنظام آخر، فإن هذا لا يعني بأنه خرج من الأرضية المعرفية التي يقف عليها الفلاسفة الآخرون، بل يعني فقط أنه خرج من فلسفة ليسقط في فلسفة أخرى من نفس الطبيعة، حتى ولو كانت تختلف عنها في الشكل.
    ما هي الطبيعة الجوهرية للأرضية الفلسفية العامة، المشتركة بين جميع الفلاسفة، رغم اختلافاتهم ؟
    هذه الطبيعة هي: قلب العلاقات الواقعية. بمعنى أن الفيلسوف بدل أن ينطلق في تفسيره للتاريخ، من العلاقات الواقعية الأصلية، التي هي أساس كل شيء، فإنه بالعكس ينطلق من الظواهر.. التعبيرات.. التجليات.. الجوانب.. الفروع، لتفسير التاريخ. إنه يريد أن يفسر الجوهر الأصلي، بالتعبير المظهري لذلك الجوهر، بدل العكس. فمحرك التاريخ بالنسبة إليه، هو إذن التعبير الخارجي للعلاقات الواقعية.. هذا التعبير الذي يتخذ له شكل هذه المنظومة الفلسفية أو تلك، أو شكل هذا النظام الحقوقي أو ذاك، أو شكل هذا النسق البنيوي في الفلسفة (عند فوكو)، أو في التحليل النفسي (اللاوعي عند لاكان)، أو في الاثنلوجيا (عند ليفي ستراوس)، وغيرها.
    فالقول بأن جوهر التاريخ، هو هذا الجانب أو ذاك، كالقول مثلا بأن جوهر الكتاب، هو وزنه، أو شكله، أو لونه، أو لغته... إلخ. فهذه الأشياء جميعها ليست سوى جوانب ثانوية للتعبير عن جوهر أساسي، هو: العلاقة التناقضية بين القارئ والمقروء.
    وحين يقلب الفيلسوف العلاقات الواقعية (العلاقات بين الجوهر وتعبيراته الخارجية)، فإن وعيه نفسه يصبح وعيا مقلوبا. والوعي المقلوب، هو وعي وهمي.. وعي زائف.
    إن الوعي المقلوب بالعلاقات الواقعية، هو ما يسميه ماركس: الايديولوجيا. فالايديولوجيا اذن، ليست شيئا آخر، سوى وعي العلاقات الواقعية.. وعي العلاقة بين الجوهر وتجلياته، لكن بطريقة مقلوبة (تقديم التعبير الخارجي عن الجوهر الأساسي).
    وحين يؤكد ماركس في أطروحته رقم 11، بأن الفلاسفة لم يفعلوا سوى تفسير التاريخ بطرق مختلفة، فإنه يقصد بذلك أن تفسيراتهم ظلت تفسيرات إيديولوجية، أي مقلوبة (وهمية، زائفة).
    ولذلك فالمطلوب هو: التحرر من الوعي الايديولوجي المقلوب. وما هو الطريق إلى ذلك ؟ هو قلب المقلوب.. بمعنى، إقامة علاقة واقعية بين العلاقات الواقعية، (الجوهر من جهة، وتعبيراته الخارجية من جهة اخرى).. وهذا يعني، اعتبار الجوهر معطر أول، وتعبيراته الخارجية على صعيد الوعي، معطى ثان. (وهذا بالضبط هو المقصود بعبارة ماركس الشهيرة: « ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم ».
    بهذا القلب للعلاقات الواقعية المقلوبة، يكون ماركس قد أحدث ثورة عظيمة في نظرية المعرفة البشرية. وعن طريق هذه الثورة المعرفية الجذرية، استطاع ماركس الانتقال من دائرة الايديولوجيا إلى دائرة علم التاريخ.. المادية التاريخية. إن علم التاريخ الماركسي، جعل التاريخ البشري يقف على رجليه، بعدما كان يسير على رأسه. والمحرك الأصلي للتاريخ، الذي سيكتشفه ماركس، انطلاقا من نظرته الثورية الجديدة، هو: العلاقة التناقضية الجوهرية على صعيد الانتاج المادي.. هي علاقات الانتاج بمعناها العام: مع الطبيعة في مرحلة أولى، ومع البشر والطبيعة في مرحلة لاحقة.
    وعلى أساس علاقات الانتاج، قام الصراع الطبقي. إن الصرع الطبقي هو محرك التاريخ البشري الطبقي.
    والمادية التاريخية، ليست علما للتاريخ وحسب، بل هي أيضا إيديولوجيا ثورية للطبقة البروليتارية الثورية. إنها ايديولوجيا ثورية، لأنه: من جهة، لم تفسر التاريخ بهذه الطريقة الايديولوجية أو تلك (كما كان يفعل الفلاسفة)، بل لقد فسرته بالطريقة العلمية الوحيدة الممكنة، وهي المادية الجدلية.
    ومن جهة أخرى، فهي لم تكتف بالتفسير (كما كان يفعل الفلاسفة)، بل لقد أرادت تغيير العالم، من خلال انخراطها الواعي والمنظم، في الصراع الطبقي الواقعي والموضوعي الذي تخوضه البروليتاريا، وهي الطبقة الاجتماعية الوحيدة المؤهلة لاعطاء مخرج ثوري لذلك الصراع. من هنا فإن مفهوم البراكسيس، ومن ثم مفهوم الحزب الثوري، يعتبران مفهومين حاسمين في الماركسية.
    فالماركسية إذن ذات طبيعة مزدوجة. فهي في نفس الوقت:
    1) - وعي تاريخي للحركة العمالية الثورية (وهذا البعد الصريح المتعلق بالوعي التاريخي الطبقي، يعتبر شيئا جديدا جدا بالنسبة لكل الفكر النظري السابق)
    2) - وثورة معرفية شاملة تنزع نحو امتلاك الحقيقة الكلية.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media