فضيلة إمام المسلمين.. عفوًا
    الأربعاء 28 نوفمبر / تشرين الثاني 2018 - 21:37
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    إذا كانت السنة القولية «المرويات» قد دونت بعد مائة عام أو أكثر، وقد نهى الرسول عن تدوينها فى حياته، حتى لا تختلط بالوحى، فكيف كان المسلمون يصلون بعد وفاة النبى حتى تدوينها؟ ليس هذا هو المثال يا سيدى الإمام، فالناس تصلى كما رأت الرسول يصلى «السنة الفعلية المتواترة» وقبل البخارى ومسلم وكتب التراث بقرنين. ليس فينا من يرفض السنة النبوية، ولا نطالب باستبعادها أو نطعن فى رواتها من الصحابة والتابعين، أو أقوال الأئمة أو الفقهاء أو العلماء جملة وتفصيلا، إلا أن العنصر البشرى فى النقل، قد يصيبه السهو أو الخطأ، فالبخارى جمع ستمائة ألف حديث، انتخب منها ما جاء فى صحيحه، بعد قرنين من الهجرة، وهى مدرسة توسعت فى الأحاديث عكس مدرسة الرأى عند «الإمام أبوحنيفة» وهو يسبقه إلى الفترة المحمدية، وخالف فيما روى عن النبى الكثير، وكان متشددا فى قبول الروايات، فحين قالوا عن الرسول (البيعان بالخيار مالم يفترقا) قال إذا وجب البيع فلا خيار، وحين وقالوا: كان النبى يقرع بين نسائه إذا خرج فى سفر، قال: «القرعة قمار» فهو لم ينكر السنة، بل لم يطمئن لقولها عن النبى، ويقول «كل ما خالف القرآن ليس عن الرسول وإن جاءت به الرواية» فلا يجزم أحد بأن السند عن الرسول أو من سيرته الشريفة قطعى الثبوت فى بعض المرويات. ونحن من هذه المدرسة، فلا نقبل أن نتحول إلى غابة، الحكم فيها ليس لقانون أو لحاكم، بل للغلبة وللقوة، أو من كان دمه أذكى أو أعلى (من شروط القصاص فى القتل العمد، ألا يكون المقتول أنقص من القاتل بكفر، وإن قتل المسلم كافرا، أو قتل المعصوم بالإسلام زانيا محصنا، فلا قصاص على القاتل لأن المقتول أنقص منه) «المرشد فى الفقه الشافعى كتاب الإقناع الصف الثالث الثانوى». ونرفض أن تزهق الأرواح بحديث يتعارض مع روح الله وحق الله «وإذا كان المقتول مرتدا وقتله معصوم فلا قصاص عليه لحديث بن عباس» من بدل دينه فاقتلوه «نفس المصدر السابق، مخالفا ماجاء بالقرآن» فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر «والآية» لا إكراه فى الدين «تحت دعاوى أن السنة تنسخ القرآن. ولا نرضى يا سيدى أن يقيم الفرد حدود الله بنفسه دون الرجوع إلى حاكم أو دولة» وإذا كان المقتول زانيا محصنا والقاتل معصوما فلا قصاص عليه لاستيفائه حد الله «نفس المصدر السابق» وأذكر فضيلتكم بشهادة الشيخ الغزالى فى مقتل د. فرج فودة أمام المحكمة بهذه الفتوى. نحن لا نرفض جهاد الدفع فى صد العدوان، لكننا نرفض جهاد الطلب، ولدينا كتاب مبين يهدى إلى الإيمان «وجادلهم بالتى هى أحسن» والآية «ليس عليك هداهم» حين يقرر أكثر أهل السلف «أن آيات السيف نسخت آيات الصفح والموادعة والعفو، ولا يختلف العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم على أنه يلزم على المسلم عند القدرة ابتداء الكفار بالقتال ولو لم يقاتلوا المسلمين» وهو جهاد الطلب بالاجماع «استنادا إلى حديث فى وضع خاص (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا....» قد تم سحبه من واقعة محددة، وظرف خاص، إلى وجوبه فى كل زمان وفى كل مكان، فتتحول حياتنا إلى قتال وغزو وفتك بالأبرياء. ولا نوافق يا سيدى فكرة الاستضعاف والاستقواء التى يروج لها السلف وهى مأخوذة من تراثنا، وعن بن تيمية «فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف فليعمل بآية الصفح والعفو، ومن كان أهلا للقوة فليعمل بالآية «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وهذا نهج بعض المسلمين حين يهاجروا مستضعفين ومقهورين من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفر فتؤمنه من خوف وتطعمه بعد جوع، فإذا اشتد عوده رماهم. ونرفض يا سيدى أيضا ألا نميل إلى السلم كما أمرنا ربنا «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» ولا يصدنا عن هذا ما قاله الشافعى «لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين، على ما فعل الرسول فى صلح الحديبية، لأن الأصل هو فرض قتال المشركين، حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون، فكيف نسحب سلاما وافقه رسول الله لمدة معلومة على استقرار السلام العالمى لمصلحة الناس أجمعين. نرفض يا سيدى قتل تارك الصلاة حتى لو جحدها وأنكرها، ويستتاب تاركها سهوا ثلاثة أيام ثم يقتل «كتاب الروض المربع» الصف الأول الثانوى الأزهرى، هل اضطلع أحدكم على الغيب وشققتم عما فى صدره، فربما يعود يوما صالحا قواما. لا نرضى يا سيدى أن يحرم غير المسلم من إقامة شعائره لرواية «لا قبلتان فى أرض واحدة» وأن يعامل فى بلده ذميا وفى عهدة مسلم، حتى يوم القيامة يحمل عنا أوزارنا وأخطاءنا، وصاحب الحق يقول «ولا تزر وازرة وزر أخرى». وأسأل فضيلتك سؤالا بريئا فى حضرة مقامك العالى، من أين جاءتنا داعش والقاعدة وطالبان والوهابية والسلفية بكل هذه الدماء وكل هذه المصائب؟ من أى ربع ومن أى باب؟ الأمل فيكم فى رفع هذه الأسانيد، عن نبى الرحمة والسلام.


    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media