حكومة حيدر العبادي في الميزان
    الثلاثاء 4 ديسمبر / كانون الأول 2018 - 11:22
    د. أسعد كاظم شبيب
    مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
    تكاد تُسلم حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي (2014 - 2018) حقائبها إلى الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي (2018 - ) بعد شد وجذب بين الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات الأخيرة، لكن الرجلين بالنهاية كانا أكثر إيجابية بالقبول بتداول السلمي للسلطة، وتقديم الرسائل الودية المتبادلة وهي مبادرة ديمقراطية تحسب لهما، وبالخصوص لحيدر العبادي على اعتبار أنه رئيس الحكومة قبل بتوجه الكتل الفائزة داخل مجلس النواب باختيار رئيس وزراء جديد، وطالما انتهت فترة حيدر العبادي برئاسة الحكومة، فلنا أن نضعها في الميزان، ونقيم الرجل ما له وما عليه، ونحن نراقب حكومة العبادي واجهت ملفات شائكة عديدة نجحت في بعضها وأخفقت في أخرى، ومن تلك الملفات مايلي:
    أولاً: ملف تنظيم داعش
    سيطر تنظيم داعش على مناطق عراقية واسعة بدءاً بمحافظة الموصل من شمال العراق في بداية شهر حزيران من عام 2014 وهي الفترة كان يدير الدولة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وعدت مرحلة سيطرة داعش على محافظة الموصل ثم مناطق أخرى من شمال غرب بغداد أخطر مرحلة أمنية مر بها العراق بعد عام 2003، وبعد تسنم حيدر العبادي رئاسة الحكومة في قصة طويلة لا نريد الخوض بها، تعهد الرجل منذ البداية باسترجاع الأراضي من سيطرة داعش.
    لكن كيف حقق هذا الوعد بسحق تنظيم داعش وطرده من العراق؟، عمل الرجل على جهتين: الأولى: أعاد هيكلة القوات العسكرية الرئيسية باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وطور المؤسسات العسكرية الهامة كجهاز مكافحة الإرهاب، وقوات الشرطة الإتحادية، وإيجاد نوع من التفاهم مع القوات الشعبية الساندة التي انبثقت أثر فتاوى الدفاع المقدس التي أعلنها السيد السيستاني ضد تنظيم داعش. 
    أما الجهة الأخرى التي عمل معها حيدر العبادي فهي التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ووظف عوامل المقبولية التي حظي بها كشخص بديل ومقبول عن سلفه المالكي، من قبل الدول المشتركة في التحالف الدولي ومنها كما ذكرنا الولايات المتحدة إلى جانب بريطانيا وفرنسا وكندا والدانمارك وأستراليا ودول أخرى، وبعد توظيف العوامل الداخلية والخارجية استطاعت حكومته من تحقيق إنجاز عسكري ضد تنظيم داعش ودحره من مدينة إلى أخرى وصولاً إلى عاصمة خلافته المزعومة في محافظة الموصل، فكان ذلك الإنجاز بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات من تشكيله للحكومة العراقية.
    ثانياً: ملف استفتاء الكُرد
    من الملفات التي فاجأت حكومة العبادي التعامل مع الاستفتاء الذي قرر الكُرد إجراؤه بعد تحرير الموصل مباشرة وذلك بعد تحديد يوم 25 أيلول من عام 2013 كيوم تأريخي يقرر الكُرد بموجبه الإنفصال عن العراق وضم المناطق المسيطر عليها بحكم سياسة الأمر الواقع والمناطق المتنازع عليها إلى أقليم كُردستان، إذ إن الكُرد كانوا يشعرون بأن الحكومة الإتحادية في بغداد وقواتها العسكرية منهكة من جراء حربها العسكرية والمخابراتية مع تنظيم داعش، لكن المفاجئة أن حكومة العبادي منذ ما قبل الاستفتاء وحتى مراحل ما بعد إجراؤه لم تعترف به ورفضت كل مخرجاته، وذهبت إلى أبعد من ذلك حينما أرسلت قواتها العسكرية إلى تلك المناطق وأخضعتها لسيطرة القوات العراقية الإتحادية متجنبة في الوقت ذاته الدخول بحرب مباشرة مع الكُرد، موظفة في السياق ذاته، الرفض الإقليمي وبالتحديد رفض تركيا وإيران لمسألة إنفصال الكُرد، وكذلك تحذير الدول الكبرى كالولايات المتحدة من خطورة المضي بالاستفتاء. 
    وعلى أثر ذلك قدمت حكومة العبادي على خطوات إضافية منها: التعامل مع حكومة إقليم كُردستان بإجراءات رادعة كالإيعاز بتوقيف العمل بالمطارات والمنافذ الحدودية ووصلا إلى تعيين محافظ جديد لكركوك ومساواة حصة إقليم كُردستان مع المحافظات العراقية الأخرى.
    ثالثاً: ملف الفساد المالي والإداري
    من الملفات التي ورثتها حكومة العبادي والتي بدورها ستورثها لحكومة عادل عبد المهدي ملف الفساد الذي أستشرى في مؤسسات الدولة وصل إلى مرحلة بيع وشراء المناصب الثلاثة ووزارات الدولة والوظائف العليا وفي الاستثمار وفي العقود ناهيك عن التشريعات والجانب الإداري، فمن الملاحظ أن حكومة العبادي لم تتعامل مع هذا الملف بطريقة منشودة وذلك لأسباب نرجعها إلى الآتي: إن العبادي ذاته هو من ذات الطبقة السياسية الحاكمة وما يشملها قد يشمل العبادي ذاته، ثانيا قد يكون عجز العبادي عن معالجة ملف الفساد، فهمه لطبيعة الخارطة السياسية وطريقة تشكيل العملية السياسية، كما قد يكون هناك ضغطا سياسيا وحتى أمنيا قد ينسف حكومة العبادي نفسها إذا ما إتخذت خطوات جريئة بإتجاه مكافحة الفساد بعيدا عن الإجراءات الروتينية.
     بالحقيقة هذه الأسباب وأن كان بعضها قد يشكل عائقا فعليا لكن ذلك لا يبرر بطء العبادي وبالتالي فشله الذريع في معالجة هذا الملف خصوصا وأنه كان يحظى بدعم من قوى برلمانية عديدة وشعبية ومرجعية بصورة مباشرة لاسيما بعد هزيمة داعش من العراق.
    وهذا الملف لو نجح فيه العبادي إلى جانب الملفات السابقة لكان غير الكثير من موازين القوى داخل العملية السياسية وكسب به العبادي بعداً وطنياً تاريخياً فضلا عن المكاسب الآنية في مجال كسب الانتخابات لصالح إئتلافه مما قد يجعله يشكل الحكومة بأريحية لكن الذي حصل هو بالعكس من ذلك واكتفى بمرحلة ما بعد داعش بإطلاق الشعارات والوعود، كما أن هذا الملف قد يكون من الملفات التي أنهت حظوظه بولاية ثانية خصوصا بعد تأكيد المرجعية الدينية على وقع الاحتجاجات المتكررة بضرورة توفر الحزم في شخص رئيس الوزراء والقادر على أن يعالج ملف الفساد والملفات الشائكة الأخرى كملف الخدمات وتوفير فرص العمل.
    رابعاً: ملف الخدمات
    أحد الملفات التي ظلت مهملة منذ سقوط النظام البعثي السابق وإلى اليوم ملف الخدمات وإعادة بناء المدن وتوفير الحياة الكريمة كحق أساسي من حقوق الإنسان العراقي، وبعد أن فشلت الحكومات السابقة في تحسين واقع الخدمات في البلد استمرت معاناة المواطنين وركود الحياة العامة في البلد في حكومة العبادي التي عادة ما تبرر الفشل الحاصل إلى التقشف أثر إنخفاض أسعار النفط منذ نهايات عام 2013، لكن هذا التبرير يدلل مرة ثانية على غياب الحلول وإيجاد البدائل التي من الممكن لا تعالج ملف الخدمات فحسب وإنما تقضي على مشاكل أخرى كإيجاد فرص العمل للعاطلين من كافة الشرائح ومنهم خريجي الجامعات والمعاهد عبر فتح المجالات الصناعية والزراعية والسياحية كبدائل هامة قد لا تكون مساندة إلى الإقتصاد النفطي فقط وإنما بديلا عنه.
     لكن لم نلحظ أي تقدم ملموس في هذا المجال وأخذ يسوء الوضع العام من يوم إلى آخر خصوصا مع أجواء الطقس الحارة في فصل الصيف وإنقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وشحة المياه وعدم توفر المياه الصالحة للإستعمال البشري في أكثر من محافظة ومنها محافظة البصرة، ولعل هذا الملف كان بمثابة القشة التي أنهت طموح العبادي بولاية ثانية وسببا أساسيا في إندلاع الاحتجاجات الشعبية في منتصف هذا العام.
    خامساً: ملف الاحتجاجات
    اختلف تعامل العبادي مع الاحتجاجات بصورة متباينة ففي احتجاجات عامي 2015و2016 التي كان فيها التيار المدني والتيار الصدري طرفا أساسيا فيها، تعامل العبادي بنوع من الذكاء والمرونة، ربما من أجل ضمان عدم سحب الثقة منه أو إزاحته عن رئاسة الوزراء أو على الأقل يدرك أهمية الصدريين ككيان سياسي وشعبي له ثقله في العملية السياسية وبالتالي باعتبارهم حلفاء داعمين له، وربما كان هذا الدعم سيستمر إلى حد الأحداث التي شهدتها البصرة في قبال منافسيه من حزبه كالمالكي وشخوص آخرين يحضون بدعم كبير من إيران، لكن هذا التعامل أختلف في مرحلة بعد انتخابات عام 2018حيث توسلت حكومته بمنطق التصادم مع المحتجين وحالات القتل التي طالت العزل وتكرر ذلك في أكثر من محافظة كالبصرة والنجف والديوانية وبغداد وبابل وكربلاء، بدل الإحتواء كما في الاحتجاجات السابقة، وبغض النظر عن الدوافع والجهات المشبوهة في كل ما حصل من عمليات الحرق، لكن علينا أن نقر أن هناك شرائح منتفضة لها أهداف مطلبية في مدن عراقية عديدة، وهناك قسوة في استعمال القوة إتجاه هذه الشرائح وإذا كان هناك من أراد إفتعال ذلك من أجل أسقاط العبادي لاسيما وهو على أبواب ولاية ثانية كان عليه أن يمنع ذلك ويعالج أسبابه ومغذياته قبل أن تستغل، هذا إذا ما ذهبنا مع الافتراض الذي يقول بأن الأحداث العنيفة التي شهدتها البصرة ومدن أخرى كانت مفتعلة.
    وبعد عرض الملفات أعلاه يتبين أن رئيس الوزراء حيدر العبادي قد أصاب في بعضها وفشل في أخرى في ظروف ومرحلة غاية بالتعقيد داخليا وخارجيا وأهم أوجه هذا التعقيد هو ملف الإرهاب والأوضاع الإقليمية المضطربة المحيطة بالعراق، وأتصور بعد النصر على داعش فإن الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي في وضع داخلي أفضل مما قد يسمح لها أن تحقق إنجاز في معالجة الملفات وتقدم بإتجاه إعمار البلد وتوفير الخدمات والحياة الكريمة لأبناء الشعب العراقي كافة وهو ما سيوفر استقرار سياسي وإقتصادي وإجتماعي يساهم في تقدم الدولة العراقية، أما إذا ما فشل فأن الشعب العراقي سيكون له وقفة جديدة لا تطال حكومة عبد المهدي فحسب، وإنما قد تشمل العملية السياسية.
    * مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
    http://mcsr.net
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media