شيء من اللغة.. هل ابن نوح .. ابن نوح؟
    السبت 8 ديسمبر / كانون الأول 2018 - 18:16
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    أرسل لي أمس، أحد الأفاضل، قائلا إنه تابع ندوة متلفزة قال فيها ضيفها أن ابن نوح لم يكن من صلبه، بمعنى أن امرأة نوح كانت زانية، معتمدا على نقاط أهمها:
    أ- إن نوحا كان قد دعا ربه، من قبل الطوفان، أن ينقذ أهله معه من ذلك الطوفان. ووعده الله بذلك. إشارة إلى الآية: (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ)  (سورة هود 40).
    ب- إن تفسير الآية (إنه عمل غير صالح) من الآيات : (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ . قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) سورة هود (45-47)  تعني أن ابن نوح عمل غير صالح، أي إنه ليس من صلب نوح، أي إنه ابن زنا.
    ج- إن الخيانة المذكورة في الآية (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .  (سورة التحريم 10) تعني الخيانة الزوجية.
    ثم طلب رأيي فأقول:
    كل هذا لا أساس له من الصحة، لا من حيث قصة القرآن الكريم لمجريات حياة نوح، ولا من حيث اللغة. وقد سبق أن بحثنا ذلك في (قصص القرآن من الرمز إلى الواقع، بيروت 2012)
    أ- الآية المذكورة في (أ) لا تشير إلى استجابة دعاء نوح، بل هو أمر من الله أن يحمل في سفينته من كل زوجين اثنين، وأهلَه (إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) وهي إشارة واضحة إلى أن مِن أهله مَن سيكون من المغرَقين.
    ب- أما قوله تعالى: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) فلا تعني إلا أنه ليس من أهله، كما إن (أبا لهب) وهو عم النبي الكريم ليس من أهله، وإنك حين تردد الصلاة على النبي وآله أو اهل بيته وصحبه لا تقصد أبا لهب، مثلا. فابن نوح من أعداء نوح لا من أهله. ولا علاقة للنص بالصلب والزنا.
    أمّا (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فلا علاقة له بابن نوح. وقبل أن يتفاجأ القارئ الكريم بما سأقول، أستذكر معكم ما جاء في قصة النبي إبراهيم: (قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)(سورة مريم 47). فهل كان وعد إبراهيم لأبيه عملا صالحا؟ الإجابة في: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ)(سورة التوبة 113-114).
    فإذا كان طلب المغفرة للمشركين عملا غير صالح، فكيف سيوصف طلبُ إنقاذهم أو إنقاذ أحدهم من الهلاك؟ لا شك إنه عمل غير صالح، أيضا. ومعيار ذلك ما جاء في سياق مآل قصة امرأة لوط في الآية 81 من سورة هود: (وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ). فابن نوح يصيبه ما أصاب قومه، ولا يُستثنى أحدٌ من ذلك المصير حتى لو كان ابن النبي نفسه.
    ثم إن ابن نوح إنسان وليس عملا، سواء كان صالحا أم غير صالح. فالمقصود بالآية (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) هو طلب نوح من ربه أن ينقذ ابنه من الغرق. والضمير في (إنه) لا يعود إلى ابن نوح، بل إلى النداء المذكور. وكأن المراد (إن نداءك هذا عمل غير صالح) ومما يساعدنا على قول ذلك ما جاء في النص الكريم نفسه (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ). فمحور النص أن نوحا سأل ربه (ما ليس له به علم)، فوعظه ربه أن يكون من الجاهلين لأن ذلك الطلب بإنقاذ ابنه عمل غير صالح. فلما علم نوح الأمر استعاذ بربه من طلبه ذاك.
    وواضح أن الآيات الكريمة لم تقل لنوح إنه ليس ابنك، أو إنه ليس من صلبك، ولا إشارة فيها إلى ذلك.
    أما الآية الكريمة المذكورة في (ج) وتكملة هذه الحلقة ففي الحلقة القادمة، إن شاء الله.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media