مقدمة :
في العام الأول من القرن العشرين (1901) بدأ الحفل السنوي لتوزيع جوائز نوبل حسب وصيّة (الفرد نوبل) .الذي ترك في ذلك الوقت  ثروة قدرها 30 مليون كرونة لهذا الغرض إستمر هذا النهج الى يومنا (عدا بضعَ سني حربٍ عجاف)!
ست فروع تشمل هذه الجائزة الأرقى والأرفع (ماديّاً ومعنويّاً) على ظهر كوكبنا الأزرق!
ثلاثٌ منها علميّة (الطبّ , الفيزياء , الكيمياء) ومثلها إنسانيّة (الأدب ,الإقتصاد ,السلام)!
10 ديسمبر من كل عام هو الموعد السنوي للحفل المهيب يصادف ذكرى وفاة صاحب الجائزة في 10 ديسمبر 1896 !
مضيـّفو الحفل هم الملك السويدي وعائلته ومؤسسة نوبل بفروعها المختلفة!
قاعتي الحفل هما :الأولى konsert huset   , الثانية stadshuset  في العاصمة الجميلة ستوكهولم!
قيمة الجائزة المادية في كلّ فرع أكثر من مليون دولار (فكرة مقدار المبلغ الأصلي للجائزة يعادل راتب 100 سنة للعامل)!
ألفرد نوبل كان صناعي شهير ,عالم كيمياوي فيزياوي من إسرة علماء حقيقية . نال خلال حياتهِ  355 براءة إختراع مسجلّة لأشياء مختلفة ومن دول رائدة  ترعى العِلم والعلماء!
كانت له محاولات عديدة لإنتاج الألياف الاصطناعية وكاميرات الصواريخ للتصوير الجوي كما حاول تصنيع الحرير الاصطناعي والجلود وأشياء أخرى .وعندما توفي كان يملك 90 مصنعاً .لكنّه إشتهر بالديناميت كون هذه المادة كانت مطلوبة جداً في وقته لكنّها خطيرة الإستعمال .
فقام بترويضها تدريجيّاً عبر إضافاتهِ الكيمياوية لبعض المواد الماصّة .بحيث كانت التسمية الأوليّة للمُنتَج (مسحوق السلامة نوبل) ,لكنّه عاد فأسماه الديناميت!
أحزنه إطلاق البعض عليه لقب (تاجر الموت) ,لأنّه كان مناهض عنيد للحروب .إنّما مادته هذه مطلوبة لحفر الترع والأنفاق والقنوات المائية في جميع ارجاء العالَم!
لذا قال نوبل لمثل هؤلاء : [ ديناميتي هذا سيقود لاحقاً للسلام أفضل من ألف معاهدة سلام عندما يُدرِك المرء أنّ كلّ جيوش العالَم يمكن تدميرها بهذا المُنتَجْ ,حتماً سيكون على إستعداد لصنع السلام الذهبي]!
السويديّون شعب مُسالم إنساني الى درجة لا تُصدّق .نادراً ما يمتدحون أنفسهم (عكس العرب كليّاً في هذا المجال) .مع ذلك هم يفخرون بالفرد نوبل ,يقولون عنه مايلي :

Alfred Nobel är en av de mest berömda svenskarna genom tiderna.
Han uppfann dynamiten och tog patent på 355 uppfinningar under sin livstid.
Alfred Nobels testamente gav Sverige Nobelpriset.
Idag är det världens mest kända pris.

(ألفرد نوبل هو أحد أشهر السويديين على مرّ العصور .إخترع الديناميت ,طوّر السيطرة عليه ,نالَ 355 براءة إختراع خلال حياته .وَصيّته جعلت السويد صاحبة جوائز نوبل ,تلك الأشهر عالمياً) !

***
أولاً : الطبّ !

عالمان تقاسما جائزة الطب 2018 هما :
البروفيسور الأمريكي جيمس أليسون (70 عام)!
البروفيسور الياباني تاسكو هونجو (76 عام)!
لإكتشافهم طريقة جديدة لمكافحة السرطان بإستخدام النظام المناعي للجسم!
الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة قالت إنّ طريقة العلاج الجديدة أحدثت ثورة في علاج السرطان وأنّها جُربّت بالفعل وأثبتت نجاحها الكبير مع آلاف الحالات!
كيف تعمل هذه الآليّة الجديدة ؟
في السابق كان علاج السرطان يتّم بالجراحة والإشعاع والعلاج الكيميائي!
لكن العالمين الفائزين بالجائزة هذا العام توصلا (بشكلٍ منفصل) الى طريقة رابعة لعلاج المرض الخبيث ,بإستخدام النظام المناعي للجسم نفسه لمهاجمة الأورام!
T cells جهاز المناعة البشري يحوي خلايا معيّنة تٌسمى (الخلايا التائيّة)..
هذه تعمل على مكافحة الأمراض بأنواعها .لكن عند بدء إنتشار الخلايا السرطانية فإنّها تنتج (بروتينات) معينة تُحاصر الخلايا التائيّة تلك لتعمل كمكابح تمنعها عن القيام بواجبها المعتاد ,فينتشر السرطان!
إكتشاف آليّة عمل الخلايا التائيّة (وهذا ما فعله العالمان) مهّدَ لعلاج حصار الحاجز المناعي للسرطان!
عمليّة كبت (البروتينات) التي تهاجم وتحاصر الخلايا التائيّة سيوفّر بالتالي حماية وتعزيز لقدرة الجسم على مقاومة السرطان!
مرّة اُخرى وبإختصار شديد : وفروا دواء يهاجم البروتينات التي تمنع الخلايا التائيّة في جهازنا المناعي من القيام بواجبها الدفاعي الكامل!
***

ثانياً / الكيمياء  

مَنَحت الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم جائزة نوبل في الكيمياء 2018
 لكل من الأميركية فرانسس آرنهولد ,الأميريكي جورج پی سميث ,والبريطاني غريغوري وينتر ,عن أبحاثهم الرائدة التي عززت نظرية تطوّر الأنزيمات! نصف الجائزة ذهب لـ (فرانسس آرنهولد,62 عام) لإكتشافها وتجربتها أوّل تطور موجّه من الأنزيمات (هذه بروتينات تُحفز التفاعلات الكيميائية) ,تستخدم لتصنيع كل شيء من الوقود العضوي إلى المستحضرات الصيدلانيّة!
بينما النصف الآخر تقاسمه / (جورج بي سميث وغريغوري وينتر) لإيجادهم طريقة جديدة لتطوير البروتينات وإنتاج أدوية تكافح أمراض المناعة الذاتيّة وتعالج السرطان .(لاحظوا العلاقة مع جائزة الطب)!
***
ثالثاً / الفيزياء

 

مَنحت الأكاديمية الملكيّة السويدية للعلوم جائزة نوبل للفيزياء عام 2018 لكلٍ من 
الأميركي آرثر أشكين ,الفرنسي جيرارد مارورد ,الكندية دونا ستريكلاند!
عن إكتشافهم الرائد وبحوثهم في مجال فيزياء الليزر.
نصف الجائزة ذهب الى آرثر آشكين (96 عام) ,صورته على يسار القاريء لإكتشافه الملاقط البصريّة!
والنصف الآخر تقاسمه جيرارد مارورد و دونا ستريكلاند لإكتشافهم منهجيّة جديدة لتوليد نبضات ضوئيّة بكثافة عالية!
***
رابعاً / الأدب!

حُجِبَتْ هذه الجائزة المهمة هذا العام ,بسبب فضيحة التحرّش والإغتصاب لما عُرِفَ في السويد بـ (الشخصيّة الثقافيّة) .علماً أنّ الرجل المَعني طعن وإستأنف قرار الحُكم .وبسبب الحادث تراجعت مبيعات الكتب في معارضها هذا العام !
بالنسبة لي منذُ عام 2013 ولحدّ اليوم كنتُ أحلم أن ينالها (ناطق آخر بالعربيّة) ليس لأنّه عربي لكن ببساطة كونه مُبدع قلّ مثيله في بلادنا البائسة!
أتحدّث عن الطبيب الأديب المصري (علاء الأسواني) ,صاحب روايات نادي السيارات / شيكاجو / عمارة يعقوبيان / نيران صديقة وغيرها .آخر رواياته جمهورية كأن  2018 !
أدناه أسماء بعض المشاهير الذين نالوا جائزة نوبل للأدب في الماضي ,سواء كانوا (كاتب ,شاعر ,أديب ,فيلسوف)!
الشاعر الهندي طاغور 1913، الأديب والناقد الإيرلندي الساخر برنارد شو 1925، الفيلسوف الإنكليزي برتراند رسل 1950، الأمريكي آرنست همنغواي 1954، الروسي بوريس باسترناك 1958 صاحب رواية دكتور جيفاغو لكنّهُ رفض الجائزة (بضغط من النظام آنذاك) ,ومثله فعل الفرنسي جان بول سارتر عام 1964، الشاعر التشيلي بابلو نيرودا 1971، الكولومبي الأشهر غابريل غارسيا ماركيز 1982، الروائي المصري نجيب محفوظ 1988، الروائي التركي أورهان باموك 2006،الشاعر السويدي توماس ترانسترومر 2011 ,الكندية أليس مونرو 2013 ,الروائي الفرنسي باتريك موديانو 2014!
عقبال د.علاء الأسواني وكلّ المبدعين أمثاله!
***
خامساً / الإقتصاد!

(هذه جائزة بنك السويد المركزي في العلوم الإقتصاديّة ,اُضيفت عام 1968)

نال جائزة نوبل للإقتصاد 2018 كلاً من الأمريكيين :
(ويليام د. نوردهاوس 77 عام) و (باول م. رومر 62 عام)!
حسب اللجنة المانحة فإنّ (نوردهاوس) الذي يعمل بجامعة ييل Yale,نالَ الجائزة (لدمجهِ التغيّرات المناخيّة في التحليلات المتعلقة بالاقتصاد الكلي).
جدير بالذكر أنّ (نوردهاوس) كان قد بدأ دراسة التأثير المتبادل بين المجتمع والمناخ في سبعينات القرن الماضي ,عندما إبتكر نموذج يمثل التناسق بين الإقتصاد والمناخ على المدى البعيد !
بينما (باول رومر) الذي يعمل في جامعة نيويورك للإقتصاد نال الجائزة
(لدمجه التطورات التكنولوجية في تحليلات الاقتصاد الكلي)!
يـوران هانسون (السكرتير الدائم للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم) قال :
[إنّ جائزة هذا العام تتمحور حول الإبتكار ,البيئة ,والتأثير المتبادل]!
أضاف هانسون:
[هكذا يمكن دراسة العواقب الناتجة عن القرارات السياسية المُتعلقة بالمناخ كالضرائب المفروضة على ثاني أوكسيد الكربون في ظل شروط علمية مختلفة]!
تذكروا موقف بعض زعماء العالم من الإلتزام بإتفاقية باريس للمناخ  2015 حول إنبعاث الغازات الدفيئة ,(دونالد ترامب على سبيل المثال) علماً أنّ الصين والولايات المتحدة هما الدولتان الرئيستان في هذا المجال!
***
سادساً / السلام!

هذهِ جائزة إنسانيّة سياسيّة بإمتياز على حدٍّ سواء .الوحيدة التي تُمنَح في أوسلو عاصمة النرويج!

فاز بها هذا العام طبيب النسائيّة الكونغولي (دينيس موكويغي ,63 عام) الخبير بعلاج الأضرار الناتجة عن الإغتصاب الجماعي!
مناصفةً مع الشابة العراقيّة الأيزيديّة الشجاعة (نادية مُراد ,25 عام) التي كانت ضمن مئات الفتيات ضحايا الجرائم الوحشيّة لحُثالة الجنس البشري من الإسلاميين الدواعش الذين يلقوون الدعم والمساندة والرعاية من مشايخ الإرهاب الى حدّ الساعة ,ويرفض الأزهر (الشريف) تكفيرهم أو إخراجهم من المِلّة!
وصفت اللجنة المانحة الفائزين ,بأنّهم مُناهضين شُجعان ضدّ إستخدام جرائم العُنف الجسدي كسلاحٍ في الحروب!

***
لقطات من حفل نوبل المهيب 2018 :

 

يبدأ الحفل السنوي كلّ عام نهار 10 ديسمبر في قاعة الإحتفالات الملكيّة وسط العاصمة الجميلة ستوكهولم!
رئيس مؤسسة نوبل يُرحب بالحضور ,الملك كارل غوستاف 16 يلقي خطاب قصير ثمّ يوزّع الجوائز على الفائزين (تتضمن الجائزة قرار لجنة نوبل ومبلغ الجائزة والميدالية الذهبية الرائعة). الموسيقى الكلاسيكية تُعزف في هذه الأثناء .
بعدها إستراحة وتلقّي التهاني والأحاديث الإعلامية القصيرة ومعلومات موجزة يقدّمها الإعلاميون المشاركون للمشاهدين !
المرحلة الثانية لحفل نوبل تبدأ في السادسة مساءً في قاعة ستوكهولم الكبرى .
هناك يستمعون لعزف الأوركسترا الملكيّة السويدية مع الغناء والرقص ويستمتعون بعشاءٍ فاخر لا يُعلن عن تفاصيله حتى اللحظة الأخيرة!
القناة الثانية للتلفزيون السويدي تبّث مباشرة مراسم الحفل بدءً من تحضير القاعة والأشخاص القائمين عليها ,مروراً بالحوارات الإعلاميّة وإنجازات الفائزين وملاحظاتهم ومرافقيهم!
***
ملاحظات و خلاصة :
1/ الجوائز والشهرة والإحترام العالَمي تقع في قمّة (هرم ماسلو) للحاجات الإنسانيّة .إنّما العرب عموماً يكرهون هذه الجائزة الراقيّة, ربّما لكون ثلاث فروعٍ منها تُمنّح لعُلماء حقيقيين خدموا البشرية في (الطب,الكيمياء,الفيزياء),لا علماء دين مُزيّفين فاشلين ملؤوا الدنيا كراهيّةً وقُبحاً ,يظنّون أنّ الله سخّرَ لهم الكفرة ليخترعوا الكهرباء والسيارة والتكنلوجيا والإنترنت ,ليتنعموا بها وهم منبطحين .العرب بعيدون عن العِلم قدر إقترابهم من الخرافات!
حتى العربي (المصري) الوحيد الذي نال جائزة نوبل علمية في الكيمياء (أحمد زويل) نالها كأمريكي رغم عشقه لبلده الأم مصر!
نعم .. العرب يكرهون العِلم لكنّهم يستمتعون بالتكنلوجيا!

2/ من ناحية أخرى ,أنا لا أؤمن بتفاوت البشر حسب العرق والدين والعشيرة!
إنّما لو قيسَ الرُقيّ والسموّ والتفاضل بالعلوم وخدمة البشرية والكوكب بأجمعه فسوف أنحني إجلالاً لذلك الإنسان مهما كان معتقده ,وبالتأكيد (جنسه ولونه)!

3/ أركز كلّ عام على نقطة هامة لتصحيح فَهم الدافع الحقيقي لألفرد نوبل جرّاء
إختراعه الديناميت (بعيداً عن لغو العربان وهذرهم الكلامي وظاهرتهم الصوتيّة)
آلفرد نوبل (الذي كان يتقن ست لغات عالميّة) هو من عائلة عُلماء حقيقيّة فقدَ أخاه الأصغر (إميلي نوبل) بحادث إنفجار خليط النتروغليسرين في المختبر!
هذا الرجل العبقري سعى طيلة حياته للسيطرة على المواد المتفجرة التي تحتاجها الشركات والحكومات لإستخدامها بأمان في فتح الأنفاق والجداول والقنوات! (تذكروا أعظم إنجاز هندسي بشري على ظهر الكوكب / قناة بنما بالطبع)!
لذا فإنّ نوبل (وهذا هو عمله الحقيقي الذي يَستحق عليه الإحترام والتقدير) كان في كلّ مرّة يتلاعب ويطوّر نِسَبْ المواد الماصّة الخاملة التي يضيفها للمواد المتفجرة لتقليل (أو مَنع) تطايرها في جميع الإتجاهات .ولتوفير الأمان في حالة نقل المادة .ما فعلهُ (الفرد نوبل) في الواقع ,أنّـه قامَ بترويض الديناميت!
فإنتقل في هذا السبيل تدريجيّاً نحو سلامة إستخدام تلك المواد المُتفجرّة التي وجدت قبل نوبل بقرون عديدة ( تذكروا البارود في العصور الوسطى)!
لقد إنتقل من (الديناميت) 1867 الى (الجلجلنيت) 1875 الى (البالستايت) 1887 وهذه مادة رائدة من الكوردايت!
فلاحظوا طيلة الفترة وصبره وجهده وإنفاقه أمواله الخاصة لتحسين هذا المُنتَج!

4/ ثالثَ إثنين :
أصبحت (دونا ستريكلاند) هذا العام ,ثالث إمرأة تحصل على جائزة نوبل للفيزياء منذ بدء توزيعها قبل 117 عام .
الأولى كانت الفرنسيّة (ماري كوري / أو مدام كوري) 1903 .
الثانية هي الأمريكيّة (ماريا غوبرت) 1963 .
أربعة خامستهم فرانسيس:
بينما أصبحت الأمريكية (فرانسيس آرنولد) خامس إمرأة تحصل على جائزة نوبل للكيمياء منذ بدئها !
الأولى كانت أيضاً الفرنسية (ماري كوري) عام 1911
(الوحيدة الحائزة جائزتي نوبل في فرعين منفصلين)!
الثانية كانت الفرنسيّة (إيرين جوليو كوري) عام 1935
الثالثة هي الإنكليزية (دورثي هودجكن) عام 1964
الرابعة هي الإسرائيليّة (عادا يونات) عام 2009

5/ بعض الإعلام العربي البائس فرحَ لنيلِ العراقية (نادية مُراد) جائزة السلام ظنّاً منهم أنّها عربية مُسلمة (بينما هي كرديّة أيزيدية) ! لذا صنّفوها مع العرب الفائزين بهذه الجائزة بدءً بالسادات ثمّ عرفات ثمّ البرادعي ,ثمّ الإسلاميّة اليمنيّة توكل كرمان ,وبعدها (رباعي الحوار التونسي)!
أقول لهؤلاء ,بدل أن تفرحوا بفوز عربي (مُحتمل) بجائزة نوبل للسلام ,إصنعوا السلام مع أنفسكم والآخرين ,حافظوا عليه في بلادكم ,تخلّوا عن كراهيّة كلّ مختلف ,ألجموا ألسنة مشايخ الفتنة والكراهيّة الذين يزرعون القتل بكلامهم في كلّ مكان, أليس ذلك أنفع وأعقل؟

6/ من جهة ثانية على العرب أن يدركوا ما يلي جيداً :
في العامين الماضيين شهد العالَم ما يشبه (حملة عالمية) لفضح التحرّش والإغتصاب المسكوت عنه (لكاتب السطور مقال بهذا الخصوص بعنوان التحرّش العالمي والمفاخذة الإسلاميّة البدوفيليّة)!
نتذكر جميعاً كيف سارع أغلب كبار ساسة وفنّاني ومشاهير العالم (المُتهمين) للإعتراف بذنبهم وتقديم إعتذارهم رغم مرور سنوات طويلة في بعض الحالات!
وكيف تعاطفت المجتمعات والشعوب (المتحضرة) مع الضحايا على طول الخط!
لكن الأمر معكوس عندنا ,إذ لم نسمع تقريباً عن سيدة عربية فضحت الجاني .
لماذا بظنّكم ؟ ألكوننا أشرف الشعوب وخير اُمّة اُخرجَت للناس؟
هل أحتاج لذكر بعض الإحصاءات العالمية عن أخطر المدن على النساء؟
لذا فإنّ لجنة نوبل للسلام منحت الجائزة هذا العام لنادية مراد ليس فقط كونها ضحية إغتصاب جنسي داعشي.لكنّها إمتلكت شجاعة نادرة (تُحرَم منها الضحيّة عادةً في بلادنا البائسة) .وصفت مظلوميتها ومحنة قومها الأيزيديين الذين تعرضوا لإبادة الجنس ببلاغة وصراحة .فضحت الجناة أمام الجميع في مجلس الأمن الدولي والبرلمان الأوربي!
لقد قبلها المجتمع الدولي بعطفٍ وحنان ,صارت نجمة لامعة تنافسَ علي دعوتها رؤساء الدول والحكومات!
لقد عظَّموا من شأنها لتشجيع غيرها من ضحايا الإغتصاب الجنسي في العالم ليتخذنّ من نادية قدوة لهنّ!
نعم لقد مثلّت (نادية مراد) صرخة كلّ المقهورات في بلادنا ضدّ الإسلام الداعشي وأسواق النخاسة في دولة الخلافة.
هذا الصوت ( تقول الكاتبة سحر جعارة) وصل مجلس الأمن وطرق أسماع العالم الحُرّ ولقيّ صدىً في كلّ مكان .لكن للإسف لم يلق أدنى إستجابة من (الأزهر الشريف) ,إذ رفض كبيرهم (أحمد الطيّب) لقائها ,أو حتى إصدار إدانة كلاميّة للدواعش بهذا الخصوص!
على كلٍ ,اللجنة المانحة تعلم جيداً ماذا يحدث في المجتمعات المتخلفة في مثل هذه الحالات حيث تقف الغالبية مع الجاني وضدّ الضحيّة وقد يقتلونها غسلاً للعار كما يدعون ..لكنّه عارهم لو يفقهون!

7/ نلاحظ أنّ العُلماء الأمريكان غالباً لهم حصة الأسد سنوياً بجوائز نوبل بالأخص مجالات (الطب ,الكيمياء , الفيزياء , الإقتصاد)!
ليس بسبب تحيّز لجان نوبل (كما يتخيّل المرضى النفسيين) .ولا الأمريكان خارقوا الذكاء أو هم من كوكب آخر أو (مؤامرة صهيونيّة ماسونيّة على مصر)!
إنّما ببساطة لأنّ الحكومة الأمريكيّة عدا كونها ديمقراطيّة تسمح حتى لمعارضيها بالإبداع والتعبير.وتدعم الدارسين والباحثين اللاجئين إليها حتى لو كانوا من دول مُعاديّة . فهي أيضاً تُخصص لأغراض البحث العِلمي جزء محترم من الناتج القومي الإجمالي ,زاد على سبيل المثال عن 130 مليار دولار عام 2010 فقط!
عدد الأمريكان الفائزين هذا العام (6 من مجموع 12) بمعنى 50%
بينما العام الماضي كانوا (8 من 11) ,بمعنى أكثر من 73%
أمّا علماء الإقتصاد الأمريكان الحائزين جوائز نوبل فعددهم 55 من أصل 81 بمعنى تصل نسبتهم الى 61% ,فلا تقولوا نظام رأسمالي متوحش ,هذا هراء!
الإقتصاد الأمريكي تفوق نسبته الـ 25% من حجم الإقتصاد العالمي ,لأنّ الناتج القومي الأمريكي السنوي أكثر من  20.4 تريليون دولار,بينما العالمي أقل من 80 تريليون دولار!
والمساعدات الأمريكية لفقراء العالم (رغم هوجة الأونروا) تفوق الخيال!
***
أخيراً , فإنّ طريق العِلم والأبداع ليس معقّد صعب موحش كما يتخيّل العرب
لكنّه أيضاً ليس مُعبّد بالورود يمكن القفز والطيران خلاله بيسرٍ وسهولة!
العمليّة تدريجيّة تبدأ بطريقة التفكير العلمي والقراءة العلمية المفيدة والإبتعاد قدر الأمكان عن الخرافات بما فيها الطالع والحظ والسحر والجان وتطرّف الأديان!
أقول : كلّ قوى العالَم لا تستطيع أن تُجبر المرء على سلوك الدرب العلمي ,ما لم يرغب ويسعى ويجهد هو لذلك!

[مَنْ يُريد أن يَطير في يومٍ ما ,عليه أن يتعلّم أولاً كيف يقف ,يمشي ,يركض ,يتسلّق ,ويرقص .إذ لا يُمكن للمرء أن يطير الى الطيران]
هكذا تكلّم زرادشت/ نيتشه!
 
الروابط :
الأوّل : الطب
https://sverigesradio.se/sida/artikel.aspx?programid=2494&artikel=7056849

***
الثاني / الفيزياء
https://sverigesradio.se/sida/gruppsida.aspx?programid=2494&grupp=21550&artikel=7057676
***
الثالث / الكيمياء
https://sverigesradio.se/sida/gruppsida.aspx?programid=2494&grupp=21550&artikel=7058627
***
الرابع / قائمة النساء الحائزات جوائز نوبل!
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AA_%D8%B9%D9%84%D9%89_%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9_%D9%86%D9%88%D8%A8%D9%84
***
الخامس / الإقتصاد
https://sverigesradio.se/sida/artikel.aspx?programid=2494&artikel=7061699
***
السادس / السلام
https://sverigesradio.se/sida/gruppsida.aspx?programid=2494&grupp=21550&artikel=7060274

***
الأخير / رابط باللغة السويدية عن ألفرد نوبل ,مخترعاته ,متحفه!
https://www.so-rummet.se/fakta-artiklar/alfred-nobel-en-mangsidig-man

رعد الحافظ
10 ديسمبر 2018