اُنظروا إلى الأعلى
    الثلاثاء 11 ديسمبر / كانون الأول 2018 - 21:42
    أبو تراب كرار العاملي
    يخاطبه مُرْشِداً الى الوضعية الأفضل "لا تؤخِّر صلاتك عن أول وقتها، وعليك بأدائها في المسجد وفي جماعة من المؤمنين لكي تُحَصِّل الأجر الأكبر والثواب الأربح، فإننا في دار تزوِّد لن نلبث طويلاً وسرعان ما نعبر الى ذلك المآل الحتمي الذي لا بد منه، شاء العبد أم أبى، استعدٌَ له أو طنَّش وسها، فحذاري أن تُكتَب من الغافلين ومن ثم الخاسرين، فتصيَّد الفرص واغتنم منها ما تُعليك شأناً وترفعك منزلاً وتُحسِنك جِواراً في تلك الدار، بجوار النبي وآله الأطهار"، فيأتيه الرد الجاهل من عبدٍ فقير الباطن متواضع المسلك جاهلٍ لجوهر مصلحته "المهم أنني أُسقِط التكليف عن نفسي بمجرد أدائها غير آبهٍ لباقي مُكَمِّلاتها ونحوها من متفرعات تفاصيلها، فما لي وللانشغال بهذه العناوين التكميلية طالما أن النجاة هي نتيجة محسومة بأقل الجهود دون التكلف والاجتهاد؟"، فيهاجمه التعليق من "الأول" بل ومن كل عاقل مُتَنَوِّر "اُنْظُرْ إلى الأعلى يا عبدَ الله".

    جاءتها صديقتها لترشدها إلى ما هو أكمل وأكثر ضمانةً قائلةً لها "عليك يا أختاه بالحجاب الشرعي الذي لا لبس في إسقاطه التكليف عنك بالكامل، وعدم الاكتفاء بالحجاب الغير مستوفٍ للشروط الشرعية"، لتنتفض في وجهها ـ وتعتريها حالة من الانفعال ـ رادَّةً بعنف وازدراء "عليك أولاً أن توجهي نصائحك للسافرات قبل أن تقومي بإرشادنا"، فينصبّ عليها التعليق ومفرداته "اُنظري إلى الأعلى يا أَمَة الله".

    يتحادثون، يتبادلون أطراف الحديث، يأخذ الحوار مجرى معين بحيث يُغضِبُ البعض أو يجعلهم في وضعية تربطها روابط غير ودّيّة مع مسلكية الحديث، فيمرّر هذا البعض مصطلحات خارج السياق الأدبي قبل أن يلفته أحدهم بضرورة ضبط النفس وعدم الانجرار لمزالق التدهور اللساني، فيأتي التبرير الباطل "أين نحن من أصحاب الشتائم الكبيرة والتعابير الرديئة؟ فهل ستؤثر بضع كلمات "من الوزن الخفيف" سرعان ما تمر مرور الكرام؟"، فذات التعليق يحضر "اُنْظُرْ إلى الأعلى يا عبدَ الله".

    وبشكل عام، في أية وضعية اجتماعية حياتية دينية ما، قد يُقَصِّر الإنسان بها ـ أو بأدائها ـ بشكل جُزئي ـ أو كُلّي ـ فيأتيه أخوه ناصحاً للأفضل والخَيِّرُ مُرْشِداً للأكمل، فعلى المنصوح أن يأخذ النصيحة بعين الاعتبار وعلى المُرْشَد أن يتفاعل إيجابيّاً مع الإرشاد وليس تَكَبُّرياً استعلائيّاً ولا استهتاراً إهماليّاً.

    فعلى الإنسان دائماً أن يطمح للأفضل وفقاً لمعايير أوجدها الله(سبحانه وتعالى) ونقلها لنا أئمتنا(عليهم السلام). فالمعيار إلهيٌّ وليس إنسيّاً، والفيصل هو ما يصدر من الخالق وليس المُشاع بين المخلوقين.

    وعليه أيها العزيز، اِجلب الصلاة بأبهى صورها والمبنية على ثلاثية "كنزَوَيَّة": في أول وقتها، في المسجد وجماعةً.

    وإلى الأخت الفاضلة، اِرتدي الحجاب بهيئته المضمونة العواقب والتي تُوفِّر عليك المساءلة وتُغنيك من العتاب في يوم الحساب، فعليك بالابتعاد عن الزينة وعدم إظهار المفاتن.

    أما الأخ الكريم، اِحذر من لسانك وشطحاته المدمرة وتدهوراته المهلكة، واجعله تحت مراقبة العقل وسيطرة التقوى، ولا تجعله يسرح ويمرح كيفما شاء، فالحرية له في هذه الدار قد تنقلب تَقَيُّداً وحَبْساً في ذلك المآل... فهلّا تنبّهتَ وازددتَ حرصاً قبل فوات الأوان؟
    فقد جاء في الخبر ما مفاده "إنٌَ أَكْثَرَ خَطَايَا ابن آَدَم فِيْ لِسَانِهِ." [الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ميزان الحكمة].

    عوامل مشتركة تجمع بين هذه الحالات المذكورة وغيرها ومثيلاتها التي نجد في طياتها تنافساً بين الكمال والنقص، وتتمثل بأن على المكلف أن يحصد كل الغنيمة، وأن لا يترك للشيطان ـ وأعوانه ـ منافذ يطل برأسه من خلالها كي يفسد المشهد أو يجعله متصدع الحال.

    لا زلنا هنا، نعمة الحياة لم تنفذ صلاحيتها بعد، والقطار على السكة يُكمل سيره، فلنغتنم المقام ونحسن توجيه المسار، وحذاري من الانجرار خلف نماذج ناقصة وشواهد تتربع في أسفل الحال.

    فالمطلوب التقيد بالنماذج العالية والحالات الراقية والتي يرأس كيفية تجسيدها النبي وآله، ومحاولة الرُّقِي الى مراتبها الخلّابة ومستوياتها الخلّاقة والاستعانة بها على مستوَيَيْن:

    الأول: يساعدنا على عدم الالتحاق بالمسارات الناقصة والتي مِلؤها الخسارة والحسرة.

    الثاني: يعيننا على مساعدة الآخرين ـ الغارقين في الوضعيات الهابطة ـ كي ننتشلهم ونمضي بهم إلى كماليات السلوك البشري الممهدة للمراتب العليا في الدار الخاتمة... والمستقر الأصيل.

    شُدّوا العزيمة، اغتنموا الفرص، بادروا، لا تُفَرِّطوا وخذوا من ممركم إلى مقركم... و"انظروا إلى الأعلى".

    [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ].



    أبو تراب كرار العاملي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media