المليشيات المسلحة في العراق واقع مظلم ومستقبل مجهول
    الجمعة 14 ديسمبر / كانون الأول 2018 - 08:59
    حيدر عبد الحسين الشيخ
    هناك قاعدة معروفة راسخة في التاريخ تشير دلالتها الى أن دمار المجتمعات لايأتي من عدو خارجي بقدر ما يأتي من عدو داخلي متعاون مع العدو الخارجي، فلولا خيانة الداخل لما استطاع المتربص الخارجي مهما بلغ من القوة ان يفكك ويدمر اي مجتمع في العالم، فكلما كان المجتمع قوي ومتماسك ومؤمن بهويته الوطنية كلما كان اشد صلابة امام الاخطار الخارجية.
    عندما يتوفر في اي بلد ما مجتمع مؤمن بهويته الوطنية وتاريخه و قضاء عادل يحكم بين الناس بالعدل ولا يظلم احدا، سيكون ذلك البلد حتما عصي على التفكك والدمار مهما بلغت قوة الاعداء، فدمار العمران يمكن ان يعاد بنائهِ اما دمار المجتمعات وتفككها فمن المستحيل ان تبنى من جديد .
    في الحرب العالمية الثانية عندما دمرت القوات النازية مدينة لندن قال حينها رئيس الوزراء البريطاني " تشرشل" مقولته الشهيرة ; طالما ان القضاء والعدالة بخير فكل البلد بخير" رغم ان الدمار عم كل لندن وضواحيها.
    كان بداية ضهور المليشيات في العراق بعد سنة 2003 اي بعد غزو الولايات المتحدة الامريكية للعراق، ويطلق مصطلح المليشيات على الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون والتي تقاتل بالوكالة لحساب احزاب داخلية نفعية متسلطة وكذلك لحساب دول اقليمية "معروفة" محيطة بالعراق لها اهداف بعيدة المدى تحققها من خلال تلك المليشيات على حساب أمن وأستقرار ومستقبل العراق.
    عمدت القوات الامريكية منذ دخولها العراق الى حل وتفكيك الجيش العراقي الذي كان يعتبر واحد من أقوى جيوش المنطقة رغم أن الهدف المعلن من قبل امريكا كما زعمت كان فقط الإطاحة بنظام صدام وتأسيس نظام ديمقراطي جديد للعراق، لكن تبين فيما بعد ان الهدف الرئيسي هو تفتيت وتقسيم العراق الى طوائف وكانتونات متحاربة فيما بينها وتسليمه الى احزاب عميلة تعمل على خدمة مصالح الامريكان ومصالح دول اقليمية اخرى.
    حيث عمدت تلك الاحزاب التي جاءت على ضهر الدبابة الامريكية و التي لاتزال تحكم العراق اليوم الى تأسيس ميليشات مسلحة لتحقيق مصالحها ومصالح بعض الدول.
    برزت المليشات المسلحة بقوة على الساحة العراقية أبان الحرب الاهلية في العراق سنة 2006 والتي أدت الى مجازر وكوارث بحق الشعب العراقي من كافة قومياته ومذاهبة وخصوصا الابرياء الذي قُتِلوا بحوشية وخلفت تلك الحرب عشرات الالاف من الضحايا من نساء واطفال وشيوخ وشباب، فَرُهن الوضع الامني في العراق آنذاك بمزاج الاحزاب السياسية اذ كلما اختلفت تلك الاحزاب حول مصالح نفعية معينة كلما اشتدت الحرب ضراوة وفتكا بين المليشيات والضحايا دوما من الابرياء المدنيين.
    اما في سنة 2014 وخصوصا بعد سقوط بعض المحافظات العراقية الغربية على يد داعش الارهابي تشكلت ارضية خصبة للاحزاب السياسية لتأسيس ميليشيات جديدة بحجة محاربة داعش فقام كل حزب بتشكيل فصيل مسلح ضمن ايدلوجيات خاصة به حتى تمت عسكرة الشعب بشكل لم يسبق له مثيل من قبل ، فالاسلحة اخذت تباع وتشترى في الشوارع وتضاعفت كمية الاجرام في عموم العراق .
     أستغلت الاحزاب حالة الفوضى والانقسام في العراق ودعمت بكل قوة تلك الميليشيات حتى اصبح العراق البلد الاول ربما في العالم لكثرة الميليشيات وتفرعها في البلد، اذ يحتوي العراق اليوم ما يقارب 60 فصيل مسلح من مختلف القوميات والمذاهب وكل فصيل هو عبارة عن جيش مصغر مدجج بمختلف الاسلحة له ايدلوجية خاصه به وكل تلك الفصائل والميليشيات تلعب دورا محوريا في تشكيل الحكومة العراقية فلا قانون يعلو فوق صوت المليشيات، وكان نتيجة ذلك على المجتمع العراقي كارثيا حيث قادت تلك المليشيات حملات قتل واعتقالات واسعة ضد المعارضين المدنيين والمنتقدين وكل من يقف بوجه الاحزاب المسؤلة عن تلك الميليشيات ففي الاشهر الاخيرة قادت مليشيات الاحزاب في مدينة البصرة والناصرية السماوة حملات قمع واسعة ضد المتظاهرين السلميين المطالبين بإبسط الحقوق والخدمات الاساسية من ماء وكهرباء وتخليصهم من البطالة الا ان بطش الميليشات للمتظاهرين السلميين ادى الى اجهاض تلك المطالب المشروعة رغم ان العراق يعد من الدول الغنية التي تمتلك ثروات نفطية هائلة.
    لم تقف الميليشيات عند حدود العراق الجغرافية بل تم استخدمها من قبل ايران وبعض دول الجوار لشق نفوذ وتحقيق مصالح سواء كان في سوريا او من خلال تهديد اسرائيل، وكإن العراق فيه صفر مشاكل ومتطور اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وقوة وعظمى لاتقهر حتى اخذت تلك المليشات بتهديد دول قوية جدا كإسرائيل ويريدون من خلال ذلك إدخال العراق وشعبه المنهك اساسا من الحروب والويلات والأزمات في حروب اقليمية ليس له فيها ناقة او جمل.
    إضافة الى مانتج عن هذه الميليشيات من قتل وتدمير وعسكرة للمجتمع وخصوصا بين فئة الشباب العاطلة عن العمل والذين تتراوح اعمارهم بين 16-25 سنة وهم يشكلون اغلبية في تلك المليشيات، إذ لا مستقبل امامهم ولا تنمية حقيقية تنتظرهم من الدولة العراقية الخاوية مما اضطرهم الى الإنضمام في فصائل مسلحة واقعها مرير ومدمر، حيث أصبحت تلك الفصائل البيت الكبير الذي يأويهم ويلبي رغباتهم، فكانت النتيجة إننا نسمع بين يوم واخر عمليات إغتيال وتصفية تطال الناشطين المدنيين الذين يمارسون حرياتهم الشخصية بكل بساطة لكن تلك المليشيات المسلحة المؤدلجة دينيا شكلت عليهم واقعاً مشابها لداعش.
    لايوجد في العراق اليوم صوتا يعلوا فوق صوت وسطوة المليشيات، فالطبقات المدنية المثقفة من اصحاب رأي وكتاب وناشطين مدنيين واقعين تحت مرارة وجحيم الميليشيات.
     مستقبل العراق الى أين؟!!
    واقعا لا احد سيجيب بتفاؤل على هذا السؤال، فالعراق اليوم واقع تحت سطوة الاحزاب الاسلامية وميليشياتها الاجرامية ومستقبله يبعث على التشاؤم والحزن ، إذ من المستحيل ان يبنى العراق ويسوده الامن والعدل والقانون وهو أسير الاحزاب الاسلامية وفصائلها المسلحة، فالمجتمع العراقي اليوم منهك ومتعب جدا في كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ،حيث لاتزال المحاصصة الطائفية هي المبدأ السائد في تشكيل الحكومات العراقية اما ثقة الشعب في هذه الحكومة تكاد ان تكون معدومة بل هناك حالة شديدة من السخط من قبل الشعب ضد الأحزاب وميليشياتها ، اما المحاولات الداعية الى حصر السلاح بيد الدولة فقط باءت كلها بالفشل..!
    نأمل ان يعود العراق بلد الحضارة والتاريخ والعراقة كما كان سابقا سيدا لا عبدا يأتمر بأمر من هب ودب .. وكلنا ثقة بالله سبحانه.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media