صدام والفخ الامريكي غزو الكويت وحرب الخليج الثانية.. الحلقة السابعة
    الجمعة 2 فبراير / شباط 2018 - 17:29
    حامد الحمداني
    رابعاً: سوريا تدعو لعقد قمة عربية لبحث الغزو

     فور اجتياح القوات العراقية للكويت في 2 آب 1990، دعت الحكومة السورية إلى عقد مؤتمر قمة عربي عاجل لبحث الغزو العراقي، ودعت وزراء الخارجية العرب، الذين كانوا في القاهرة لحضور مؤتمر القمة الإسلامي، إلى عقد اجتماع عاجل للإعداد لمؤتمر القمة، لمعالجة الأزمة.
    وبالفعل وجه الأمين العام لجامعة الدول العربية [الشاذلى القليبي] لوزراء الخارجية العرب، لعقد اجتماع في فندق [سمير أميس]، حيث يتواجد فيه معظم وزراء الخارجية العرب، وتم عقد الاجتماع في تمام الساعة العاشرة صباحاً، بغياب وزير الخارجية العراقي الذي ناب عنه سفير العراق في القاهرة، وجرى بحث الأزمة، والسبيل للخروج منها، وقد وجه وزراء الخارجية العرب استفساراتهم إلى ممثل العراق، لكن المندوب العراقي أجابهم بأنه غير مخول أساساً لحضور الاجتماع، وأن وفداً على مستوى عالٍ سوف يحضر إلى القاهرة، برئاسة نائب رئيس الوزراء [سعدون حمادي].

     ولذلك فقد تأجل الاجتماع حتى الساعة السابعة مساءً، حيث وصل سعدون حمادي والوفد المرافق له، وتم عقد الاجتماع مباشرة، ووقف سعدون حمادي يتحدث أمام المجتمعين عن حقوق العراق في الكويت، وعن تصرفات حكامه بخصوص عدم الالتزام بحصص الإنتاج، وسرقة نفط العراق من حقل الرميلة الجنوبي، وزحف الحدود الكويتية إبان الحرب مع إيران.
    وفي الوقت الذي كان سعدون حمادي يتحدث أمام وزراء الخارجية العرب، وصل عزت الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة إلى جدة، بناء على اتفاق جرى بين الملك فهد وصدام حسين، إثر مكالمة هاتفية جرت صباح 2 آب، ليشرح للملك فهد الدوافع التي أدت إلى إقدام العراق على غزو الكويت من جهة، وليطمئن الملك بأن العراق لا يضمر للسعودية شراً.
     وقد أوضح عزت الدوري للملك أن الكويت هي جزء لا يتجزأ من العراق، وقد تمت إعادة الفرع إلى الأصل، مما أثار استياء الملك فهد الذي أجابه قائلاً: {إذا كان الأمر كذلك فما الفائدة من الحديث إذا؟}.
    وفي نفس اليوم اتصل الملك فهد بالسفير السعودي في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، طالباً منه الاتصال بالحكومة الأمريكية، وحثها على الوقوف بحزم تجاه العراق، وعاد الأمير إلى الاتصال بالملك فهد مبلغا إياه بأنه سمع من مصدر في البيت الأبيض بان قوة مدرعة عراقية تتجه نحو الحدود السعودية، وأن الحكومة الكويتية قد تقدمت بطلب للحكومة الأمريكية للعمل على إخراج القوات العراقية من الكويت.

     وسأل الملك فهد إن كان ينوي تقديم طلب مماثل للولايات المتحدة، ومن المعتقد أن الحكومة الأمريكية قد سربت خبر تقدم مدرعات عراقية نحو الحدود السعودية، عن طريق السفير بندر، لكي ترعب الملك، وتجعله يوافق على نزول القوات الأمريكية، والقوات الحليفة في الأراضي السعودية. 

    وقد أبلغ الأمير بندر الملك فهد أن اجتماعاً هاماً سوف يعقد هذا اليوم برئاسة الرئيس بوش، في مكتبه بالقصر الأبيض، لدراسة الخيارات المتاحة للولايات المتحدة للتصرف إزاء الغزو العراقي للكويت، و كان الملك فهد في تلك الساعات الرهيبة في أقصى حالات القلق، وكان تفكيره يدور حول الظروف المحيطة بالغزو، وفي ذهنه ستة أسئلة يريد الإجابة عليها وهي: 

    1ـ هل كان أعضاء مجلس التعاون العربي على علم بالغزو؟
    2 ـ هل أجرى صدام حسين مشاورات معهم قبل الغزو؟ 
    3ـ هل سيكتفي صدام باحتلال الكويت، أم سيحاول غزو السعودية؟
    4 ـ كيف سيكون رد الفعل الأمريكي تجاه الغزو؟
    5ـ ما هو موقف الدول العربية تجاه الغزو؟ 
    6 ـ هل بإمكان الدول العربية إقناع العراق بالانسحاب من الكويت؟

     خامساً: خلية نحل في القصر الأبيض الأمريكي؟ 

    كان الرئيس الأمريكي بوش على موعد مع مجلس الأمن القومي الأمريكي، في غرفة العمليات الخاصة المحصنه ضد التصنت، وكان هناك في انتظاره [ديك  تشيني] وزير الدفاع، و[جيمس واكنز] وزير الطاقة، و[روبرت كميت] مساعد وزير الخارجية، و[كولن باول]، رئيس أركان الجيش، و[نورمان شوارتزكوف]، قائد قوات التدخل السريع، و[ريتشارد دارمان] وزير الخزانة، [ووليم وببستر]، مدير وكالة المخابرات المركزية، والجنرال [ برنت سكوكروفت] مستشاره للأمن القومي.
     كانت الأفكار التي تدور في ذهن الرئيس بوش، والتي طرحها على الحاضرين تتلخص بما يلي:
    1 ـ أن الولايات المتحدة يجب أن تلعب الدور الرئيسي في الأزمة.
    2 ـ أن لا تفاوض، ولا أنصاف الحلول مع النظام العراقي.
    3 ـ أن تسعى الولايات المتحدة لتعبئة الرأي العام الدولي ضد العراق.
    وبعد أن فرغ الرئيس جورج بوش من حديثه مع الحاضرين، تحدث وزير الطاقة عن آثار عملية الغزو على سوق النفط، والمخاطر الناجمة عنه، ثم تلاه وزير الخزانة، الذي أقترح فرض حصار اقتصادي شامل على العراق. (7)

     ثم جاء دور العسكريين، وهو بيت القصيد في ذلك الاجتماع، حيث أقترح كولن باول توجيه ضربة جوية فعالة وحاسمة للعراق، وتطبيق خطة التدخل السريع والمسماة [1002 ـ 90] وضرورة تحشيد الولايات المتحدة، وحلفائها قوة كبيرة تستطيع دحر القوات العراقية، وتدمير آلته الحربية، والبنى التحتية للاقتصاد العراقي. 

    كما جرى النقاش حول ضرورة الحصول على موافقة السعودية على الحشد العسكري الأمريكي على أراضيها، وانتهى النقاش بالمقررات التالية: 
    1 ـ الاتصال بالملك فهد، والحصول على موافقته على حشد القوات في السعودية.
    2 ـ العمل على إغلاق أنابيب النفط العراقي المارة عبر السعودية، وتركيا.

    3ـ الطلب من السعودية، ودول الخليج تقديم الأموال اللازمة لهذا الحشد، وتكاليف الحرب.
    ثم تحدث وزير الدفاع [ديك تشيني] عن الخطة المعدة للتدخل السريع،  [1002ـ90] موضحاً مراحل تنفيذ هذه الخطة، والتي تتلخص بما يلي: 
    1 ـ المرحلة الأولى: 
    وتقضي بالعمل بأسرع وقت على ردع القوات العراقية من محاولة غزو السعودية، وذلك بإرسال فرقة مدرعة، وعدد من حاملات الطائرات المزودة بصواريخ كروز، وتوماهوك، مع عشرة أسراب من الطائرات الحربية، وبالإمكان تأمين ذلك خلال شهر.
    2 ـالمرحلة الثانية:
     وتقضي بإكمال التحشيد في السعودية، لكي يكون للولايات المتحدة وحلفائها  قوة ضاربة، لا تقل عن 250 ألف عسكر مجهزين بأحدث الأسلحة والمعدات، قبل المباشرة في تحرير الكويت.
    3 ـ المرحلة الثالثة:
     توجيه ضربات جوية لكافة المرافق الحيوية للعراق، بدء من المطارات العسكرية، والاتصالات، والرادارات، ومراكز تجمع القوات العراقية، وآلياته العسكرية، وانتهاءً بكل المرافق الحيوية، ومنشاته الاقتصادية، وطرق مواصلاته، وجسوره. 
    4 ـ المرحلة الرابعة:
     الهجوم العسكري البري لتمزيق القوات العسكرية العراقية، وإخراجها من الكويت، عن طريق القيام بالتفاف خلف القوات العراقية، من الأراضي السعودية، والدخول نحو الأراضي العراقية، لقطع الاتصال مع القوات العراقية في الكويت.(8)
    أسرع الرئيس بوش، بعد الانتهاء من الاجتماع، إلى طلب الملك فهد على الهاتف، لأخذ موافقته على نزول القوات الأمريكية والحليفة في السعودية.
    كان الملك فهد متردداً في جوابه، وقد تملكه الخوف من ردة فعل صدام حسين، وما يمكن أن يسبب نزول قوات أجنبية في الأراضي السعودية من مشاكل خطيرة مع العالم الإسلامي، وقد عرض عليه الرئيس بوش أن تكون القوات الأمريكية والحليفة بغطاء عربي، وذلك بدعوة الدول العربية للمساهمة بقواتها في الحشد، بحجة تحرير الكويت.

    وفي تلك الأثناء كانت المحاولات تجري على قدم وساق، من قبل الملك حسين، والرئيس المصري حسني مبارك، المجتمعان في الإسكندرية، لعقد مؤتمر القمة العربية، والعمل على إقناع العراق بالانسحاب من الكويت، وحل المشاكل العالقة بين البلدين بالطرق السلمية.

    لكن الرئيس الأمريكي بوش، سارع للاتصال بالرئيس  المصري حسني مبارك وأبلغه أن الخيار الوحيد لإخراج العراق من الكويت، هو الخيار العسكري، وأن وقت القمم قد فات، أضاف بوش أن غزو الكويت عمل عدواني لا يمكن قبوله من قبل الولايات المتحدة، ونعتبره تهديد مباشراً لأمن الولايات المتحدة، وأن الكونجرس، والرأي العام الأمريكي، ووسائل الإعلام يطالبوننا بالتصرف عسكرياً، وليس بقرارات الإدانة، وقد أعلنا موقفنا من العدوان رسمياً، ونحن ثابتون على موقفنا من صدام حسين الذي تحدى الولايات المتحدة، ونحن بدورنا قبلنا التحدي، وأن الولايات المتحدة سوف تتصرف وحدها، بصرف النظر عن قبول غيرها التنسيق معها، أم لا.

    كما اتصل الرئيس بوش بالملك حسين، وأبلغه بقرار الولايات المتحدة، بالتدخل العسكري، وكان بوش يفتعل أقصى حالات الغضب، وقد حاول الملك حسين تهدئته، وطلب منه إعطاء فرصة للجهد العربي، ولو لمدة 48 ساعة، لكن بوش كان مصراً على دفع الأمور نحو المواجهة بكل تأكيد. 

    لقد وقع صدام في الفخ الذي نصبته له إدارة بوش في الكويت، وحلت الفرصة الذهبية لتدمير القوة العسكرية للعراق، وتهديم بنيته الاقتصادية، تدميراً شاملاً.

    وفي لقاء الملك حسين والرئيس مبارك في الإسكندرية، سأل الملك حسين الرئيس مبارك إن كان قد استطاع التحدث مع صدام حسين، فكان جواب مبارك أنه لا يود التحدث معه لأنه خدعه حين قال له إنه لن يهاجم الكويت، مما سبب له إحراجاً كبيراً له وصل إلى حد اتهامه بخدع حكام الكويت. 

    وفي النهاية أقترح الملك حسين على الرئيس مبارك أن يتوجه بنفسه إلى بغداد، ويتحادث مع صدام حسين، بينما كان رأي مبارك عقد قمة مصغرة في جدة، شرط موافقة صدام حسين على الانسحاب، وعودة الشرعية.
     وفي المساء اتصل مبارك بصدام حسين، وابلغه أنه اتفق والملك حسين، على عقد قمة مصغرة في جدة، وأن الملك حسين سيتوجه إلى بغداد ليشرح لكم أهداف  وشروط هذه القمة. 
     لكن مبارك عاد وأبلغ الملك حسين، بعد المكالمة، بان الحكومة المصرية سوف تصدر بياناً تطالب فيه العراق بالانسحاب من الكويت، وعودة الشرعية، وقد رجاه الملك حسين تأجيل ذلك إلى ما بعد القمة المنوي عقدها في جدة، لئلا تؤدي إلى مضاعفات تفشل المساعي المبذولة لحل الأزمة، وكان من الواضح أن الرئيس مبارك لا يستطيع مخالفة رأي الولايات المتحدة، التي كانت تملي على حلفائها الحكام العرب ما تريد.

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media