صدام والفخ الامريكي غزو الكويت وحرب الخليج الثانية.. الحلقة التاسعة
    الثلاثاء 6 فبراير / شباط 2018 - 22:30
    حامد الحمداني
    ثالثاً: مؤتمر القمة العربي في القاهرة يبحث الأزمة:

     بعد تكامل وصول الوفود العربية، تقرر عقد القمة في صباح يوم الجمعة المصادف 10 آب، ومن دون أن يسبق ذلك مؤتمر لوزراء الخارجية لإعداد جدول أعمال للمؤتمر، وقد أعترض الوفد العراقي على هذا الإجراء، وطالب أن يسبق ذلك اجتماع لوزراء الخارجية، لوضع جدول الأعمال، ومناقشة وتقديم التوصيات للملوك والرؤساء لمناقشة الأزمة بصورة مباشرة .
     إلا أن الاعتراض كان قد ُرد بحجة عدم وجود الوقت الكافي لعقد اجتماع لوزراء الخارجية، وأن الأمر سيترك للملوك والرؤساء لمناقشة الأزمة بصورة مباشرة. 
    وفي تلك الأثناء، قدّم وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، مسودة قرار إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الشاذلي القليبي، طالباً منه طبع نسخ منه وتوزيعه على الملوك والرؤساء قبل دخولهم القاعة.

    أحدث المشروع هرجاً كبيراً في قاعة الاجتماع، واحتج العقيد القذافي عليه، وكان يشير إلى أن مشروع القرار قد تم وضعه من قبل الولايات المتحدة، باسم السعودية، وكان أهم ما ورد في مشروع القرار، هو أن القمة تستجيب لطلب السعودية ودول الخليج الأخرى بنقل قوات عربية إلى السعودية، لتنضم إلى القوات الأمريكية والحليفة، وفيما يلي نص القرار:

    { إن مؤتمر القمة العربية المنعقد في القاهرة  يومي 19 و20 محرم 1411 هجرية، الموافق ليومي  9 و10 آب/ أغسطس 1990 ميلادية:
    بعد الإطلاع على قرار مجلس الجامعة العربية، الذي أنعقد في دورة غير اعتيادية في القاهرة يومي 2 و 3 ، آب 1990، وبعد الإطلاع على البيان الصادر عن المؤتمر التاسع عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي صدر في القاهرة، في الرابع من آب 1990.
    وانطلاقاً من أحكام ميثاق الجامعة العربية، وبشكل خاص الفقرة الرابعة من المادة الثانية، والمادتين 25، 51، وإدراكاً للمسؤولية التاريخية الجسيمة، التي تمليها الظروف الصعبة، الناجمة عن الاجتياح العراقي للكويت، وانعكاساته الخطيرة على الوطن العربي، والأمن القومي العربي، ومصالح الأمة العربية العليا يقرر‍‍‍‍‍‍‍‍:
    1ـ تأكيد قرار مجلس جامعة الدول العربية الصادر في 3 آب 1990، وبيان منظمة المؤتمر الإسلامي في 4 آب 1990. 
    2ـ تأكيد الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي، رقم 660 ، بتاريخ  2 آب 990 و 661  بتاريخ 6 آب 990 ، ورقم 662 بتاريخ 9 آب 1990، بوصفها تعبيراً عن الشرعية الدولية.
    3ـ إدانة العدوان العراقي على الكويت الشقيقة، وعدم الاعتراف بقرار العراق ضم الكويت إليه، ولا بأي نتائج أخرى مترتبة على غزو القوات العراقية للأراضي الكويتية، ومطالبة العراق بسحب قواته منها فوراً، وإعادتها إلى مواقعها السابقة على تاريخ 1 آب 1990.
    4ـ تأكيد سيادة واستقلال الكويت، وسلامته الإقليمية، باعتباره دولة عضو في الجامعة العربية، وفي الأمم المتحدة، والتمسك بعودة نظام الحكم الشرعي الذي كان قائماً في الكويت قبل الغزو العراقي، وتأييده في كل ما يتخذه من إجراءات لتحرير أرضه، وتحقيق سيادته. 
    5ـ شجب التهديدات العراقية، واستنكار حشد القوات العراقية على حدود المملكة العربية السعودية، وتأكيد التضامن العربي معها، ومع دول الخليج العربي الأخرى عملاً بحق الدفاع الشرعي، وفقاً لأحكام المادة الثانية من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ولقرار مجلس الأمن رقم 661 في 6 آب 1990 على أن يتم وقف هذه الإجراءات فور الانسحاب الكامل للقوات العراقية من الكويت، وعودة الشرعية إليها.
    6ـ الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى لنقل قوات عربية لمساعدة قواتها المسلحة، دفاعاً عن أراضيها وسلامتها الإقليمية ضد أي عدوان خارجي. 
    7ـ تكليف الأمين العام لجامعة الدول العربية بمتابعة تنفيذ هذا القرار، ورفع تقرير عنه خلال 15 يوماً إلى مجلس الجامعة لاتخاذ ما يراه في هذا الشأن. (10)
    أحدث مشروع القرار هذا هيجاناً للوفد العراقي، الذي صار يسأل أمين عام الجامعة العربية عن مصدر هذا المشروع، وكيف تم وضعه، وكيف تسنى وضعه دون مشاركة الوفود المشاركة في المؤتمر، وكان ردّ الأمين العام أنه لم يكن المسؤول عن وضع ترتيبات المؤتمر، وقد ردّ طارق عزيز مطالباً بإجراء تحقيق رسمي حول الموضوع، لكن الأمين العام أجابه بأن الأمر ليس في يده، وأن من الأفضل أن تتفاهم الوفود مع بعضها، دون توريط الأمانة العامة للجامعة في ما لا تملك سلطة عليه، وقد علق أحد مستشاري الملك حسين على المشروع قائلاً:
    {إنني اشعر أنه مشروع مترجم عن الإنكليزية، وليس كتابة أصلية باللغة العربية}. (11)
     وكان يعني في قوله هذا، أن المشروع قد وُضع من قبل الولايات المتحدة. أما العقيد القذافي فقد امسك في يده بنسخة من المشروع وصار يصيح بأعلى صوته:
     {إذاً فهذا هو ما يريدونه منا إن نختم بأصابعنا عليه؟}!!. (12)
    ثم التفت إلى الشيخ زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قائلاً له: 
    {لماذا تلجئون للأمريكان لحمايتكم؟ لماذا لا تختصرون الطريق
    وتطلبون حماية من حكومة إسرائيل مباشرةً؟}.(13)
    لكن الرئيس مبارك أسرع للإعلان عن بداية جلسة المؤتمر، رغم كل الاعتراضات، وبدأ بإلقاء كلمة الافتتاح، وتحدث عن انعكاسات الغزو العراقي للكويت، واصفاً إياه بالخطب الجلل، الذي لم تشهد له الأمة العربية مثيلاً من قبل، وقال محذراً: {إن الواجب أن نتحرك في إطار عالم اليوم، ونتحدث بلغته}.(14)
     وكان بذلك يشير إشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة قد أصبحت في واقع الحال تحكم العالم، تحت مظلة ما أطلقت عليه بالنظام العالمي الجديد!!.
    وبعد انتهاء مبارك من إلقاء خطابه أنفض الاجتماع على أن يعقد مرة أخرى بعد صلاة الجمعة، وتناول الغداء، وأخذ قسط من الراحة، وعاد المجتمعون في الساعة الرابعة والنصف عصراً.
    كان الجو عاصفاً خلال الاجتماع، ووقعت مشادة حادة بين الوفدين العراقي والكويتي، أصيب على أثرها وزير الخارجية الكويتية، صباح الأحمد الصباح، ونقل إلى المستشفى.
     وادعى طه ياسين رمضان أن حكومة الكويت قد تآمرت مع الولايات المتحدة على العراق، وان الولايات المتحدة كانت تنوي إنزال قواتها في الكويت للاعتداء على العراق، ورد عليه الشيخ سعد، ولي عهد الكويت، ورئيس الوزراء، نافياً الإدعاء العراقي، وذكر بان الكويت كانت قد أبدت استعدادها للتنازل عن ديونها على العراق، والبالغة 30 بليون دولار، ولكن دون إعلان رسمي، وأن الكويت اعتذرت عن تأجير جزيرتي بوربا، وبوبيان، زمن الحرب العراقية الإيرانية لكي لا تُتهم الكويت بالتعاون مع العراق ضد إيران. 

    ثم تحدث الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد قائلاً:
    {إننا مطالبين بان نجد وسيلة عربية بحتة لحل الأزمة، وإلا فإننا نكون قد ضيعنا كفاح أجيال، إن أجيال من شعوبنا قضت عمرها في محاربة الاستعمار، ولا يعقل أن نجد الآن من يمهد الطريق للاستعمار لكي يعود إلى بلادنا من جديد بقوته العسكرية}. (15)

    أما ياسر عرفات فقد أقترح إرسال وفد يمثل ثلاثة من ملوك ورؤساء الدول العربية إلى بغداد للقاء صدام حسين، وإقناعه بسحب قواته من الكويت. إلا أن اقتراحه رفض، فقد كان واضحاً أن المؤتمر لم ينعقد إلا ليوقع على مشروع القرار الذي وضعته الولايات المتحدة لإعطاء المبرر للحشد الأمريكي في السعودية، وتحت غطاء عربي، وقرار رسمي يصدر عن القمة، وإن أية محاولة لحل الأزمة لم تكن في الحسبان، فلقد قُضي الأمر، وبُوشر بالحشد والإعداد للهجوم المرتقب على العراق، وتوجيه الضربة القاضية له، ونزع أسلحته، وتحطيم بنيته الاقتصادية والاجتماعية لكي لا يستطيع النهوض من جديد لعقود طويلة.
    ونهض الرئيس المصري حسني مبارك لينهي النقاش بطلب إقرار مشروع القرار الذي وضعته أمريكا قائلاً:{ إن لدينا قرار وزعناه في الصباح، وسوف أطرحه الآن للتصويت}.
    ورغم اعتراض العديد من الوفود أصرّ مبارك على التصويت على القرار، وطلب من الوفود الموافقين على مشروع القرار رفع الأيدي، خلافاً لنظام التصويت المعمول به بالجامعة العربية والذي ينص على الإجماع. أخذ مبارك يعدّ الموافقين، وقد بلغ عددهم 11 عضواً، ورفضه كل من العراق وليبيا، فيما تحفظت عليه كل من السودان، وفلسطين، وموريتانيا، وامتنعت عن التصويت كل من الجزائر واليمن والأردن.

    وسارع مبارك إلى إعلان موافقة الأغلبية على القرار، ورفع الجلسة وسط هياج، واحتجاج العديد من الوفود، وكان طبيعياً أن الولايات المتحدة أرادت أن يصدر القرار، بأي شكل من الأشكال، حتى ولو أدى ذلك إلى انهيار الجامعة العربية، فقد كان القرار غير دستوري، بموجب ميثاق الجامعة الذي ينص على الإجماع، وأدى ذلك إلى وقوع انقسام خطير في صفوف الأمة العربية‍، ما تزال تعاني منه حتى يومنا هذا.

    وهكذا أفتتح قرار القمة العربية الطريق أمام الولايات المتحدة لتنفيذ الخطة المسماة [2000ـ90] تحت غطاء الشرعية العربية، ‍وأخذت الولايات المتحدة تجمع إلى صفها بقية الدول الأوروبية وغيرها من الدول الأخرى، وأقنعت الاتحاد السوفييتي بتأييد إجراءاتها، ولم يبقَ أمامها سوى إنجاز التحشد المطلوب، وأصبح نشوب الحرب مسألة وقت لا أكثر.
     أما الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسكرتيرها العام، فلم يكن لهما أي دور فاعل في الأزمة، وغدا مجلس الأمن أداة طيعة بيد الولايات المتحدة، وبدأت تتوالى القرارات ضد العراق، كما أرادها بوش،  وأخذت القوات بالتجمع في الأراضي السعودية استعداداً لليوم الموعود. 

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media