الدكتور هادي حسن حمودي يعيد قراءة تاريخ الهجرات البشرية
    الثلاثاء 13 فبراير / شباط 2018 - 20:18
    د. هشام حسن الشمري*
    في سنة 2006، صدر كتاب المفكر العراقي الدكتور هادي حسن حمودي (التاريخ السياسي العُماني) وفيه إشارات عابرة عن أصل البشرية. ولكنه عاد واستوفى دراسة الموضوع في سنة 2012م في كتابه (قصص القرآن من الرمز إلى الواقع) ونسج على نفس المنوال إضافاته في كتاب (عُمان.. التاريخ الجيوسياسي منذ أقدم العصور) 2017م. وفي شباط/ فبراير الجاري نشر مقالا بمناسبة اكتشاف (إنسان تشيدر) في المملكة المتحدة واتفاق الباحثين هنا أن الهجرات البشرية بدأت من جنوب الجزيرة العربية باتجاه وادي الرافدين قبل أربعين ألف سنة، ومنها وصلت هجرة لأوربا قبل عشرة آلاف سنة.
    وإنه بناء على هذه المراجع أستطيع أن أفهم أن المفكر العراقي الدكتور هادي، ينظر إلى مراحل البشرية بمنهاج مخالف للسائد من الأفكار، وذلك من خلال النقاط التالية:
    1- يقسم علماء التاريخ والأجناس البشرية الزمن إلى تاريخ وما قبل التاريخ.
    الدكتور هادي يرفض هذا التقسيم، ويقول: لا شيء قبل التاريخ. والزمن مقسم إلى أحداث مؤرّخة، وأحداث غير مؤرخة. وبالتالي فلدينا مصطلحان (التأريخ) بالهمزة وهو شامل للحقب المؤرخة، ولدينا مصطلح التاريخ بلا همزة وهو دال على كل شيء غير مؤرخ.
    2- ويرى الأستاذ الباحث أن ثمة متناقضات في العصور التي قالوا عنها أنها ما قبل التاريخ، إذ هم يضعون لها تواريخ محددة ومعينة يختلفون في تحديدها، حتى في نشأة الكتابة التي قالوا إنها بداية التاريخ أرجعها بعضهم إلى ستة آلاف سنة قبل المسيح وآخرون قالوا إنها في الألف الرابع قبل المسيح. وإن اتفقوا على أن الكتابة كانت ذات نشأة سومرية.
    3- تحدث عن الموضع الذي ظهر فيه الإنسان الأول الذي تحدد الأديان إسمه بـ(آدم). ولم يضع له الآخرون اسما. وقال: (لا توجد إلا إشارة التوراة أنه ظهر في (شرقيّ عدن). وأما نظرية النشوء والارتقاء الداروينية فتضطرب في هذا التحديد. وتعددت الاجتهادات، لاحقا، ما بين إنسان الناينتردال في شمال العراق، وإنسان أفريقيا، وغيرها. ولم تقتصر الاختلافات على مكان ظهور الإنسان الأول، بل اختلفوا كثيرا في تاريخ ظهوره).
    4- وبناء على هذا يبين اقتناعه (بأنّ موطن الإنسان الأول كان (شرقيّ عدن). وهو موضع غير محدّد بدقّة. ورغم ذلك يرى السيد الباحث أنه لا يعنِي إلا المنطقة الجنوبية من عُمان، على أساس أنّ التصوّر القديم لجغرافيّة جنوب الجزيرة العربيّة، كان يضع عُمان في شرقيّ عدن، على ما بينه في الكتاب المذكور. 
    ويستشهد بما نشرته لورين إيفانز في كتابها (Kingdom of the Ark) عن التأثيرات الشرقيّة للحضارات الأسكتلنديّة القديمة التي أكّدتها حفريات وكشوف أثريّة عديدة يعود تاريخها إلى عدة آلاف من السنين قبل الميلاد. واسكتلندا كما هو معروف تقع في شمال المملكة المتحدة. ويتفق الباحثون أن تلك التأثيرات وصلت إلى شمال المملكة المتحدة نتيجة هجرة أولا ونتيجة تواصل ثانيا.
    5- ويزيد الموضوع تأكيدا بلجوئه إلى نظرية انفصال القارات التي ظهرت أول مرة سنة 1912م، ويراها تعبيرا علميا عن طوفان نوح. ومن المتيقن أنها كذلك.
    6- وبالنتيجة يصل إلى تقرير أنه لا بد من الاعتراف بأنّ ذلك الإنسان الأوّل قد ظهر في الإطار الجنوبي من جنوب الجزيرة العربيّة، وفي (شرقيّ عدن) بالتحديد.
    7- ويرى السيد الدكتور أن شرّاح التوراة، ومفسري القرآن الكريم، قد وهموا حين جعلوا الهند موضعا لهبوط آدم، وكذلك لاستواء سفينة النبي نوح، ذلك الاستواء الذي بدأ به الخلق الثاني للعالم بعد الطوفان. ويرى أن سفينة نوح رست في نفس المكان الذي هبط إليه آدم. معتمدا على تحليل لغوي لكلمة (الجوديّ) الواردة في الآية: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)( سورة هود 44) ويقرر كونها (لفظة عربية صحيحة قديمة تدل على الطريق المستوي الذي زالت عنه المياه. وهي الأرض الرملية الممهدة للسالكين. وجاء في أمثال العرب: (مَن سَلَك الجَدَدَ أمِنَ العثار). ويتطور الجذر (جدد) إلى (جود) فيظهر لفظ (جود) ووصف به الحصان فقيل (جواد) وكذلك الرجل الكريم، وإنّما سُمّي بذلك لسماحته وسهولة مخالطته، تماما كالسهولة الملحوظة في جوادّ الطريق الذي يأمن فيه السائر من العثار. وللآن ما زال العرب يسمّون الطريق الممهّد: جادّة.
    هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّه ليس في كل بلدان العالم قديما وحديثا جبل باسم (الجودي). ولا يُعقل إن ترسوّ السفينة على جبل ذلك أنها لم ترسُ إلا بعد أن (غيض الماء) أي: ذهب ونقص وعادت الأرض إلى طبيعتها. فمن الأولى أن يكون رسوّها على شاطئ (جوديّ) أي رملي ممهّد للسالكين. وهناك حيث نزلوا سيؤسسون حضارة جديدة).
    ثم يجعل من ظهور النبي هود في الأحقاف دليلا آخر على صدق رؤيته، خاصة وأنه لا يوجد في كل العالم جبل اسمه الجودي. وعلى الجبال لا تقام الحضارات بل في الوديان وحول الأنهار.
    وفي آخر مقاله عن إنسان تشيدر يقول: (وإني لأتوقع أن إخضاع الهياكل العظمية المكتشفة في المقابر القديمة في عُمان لتحليل المورثات، وإعادة تشكيل الوجه والجمجمة بالأبعاد الثلاثية، سيجسد هيئة الإنسان في تلك الحقب المتمادية في القِدَم. كما إن البحث عن آثار تلك الحقب في أعماق البحر سيغني الدرس العلمي كثيرا).

    -----
    * مؤرخ أكاديمي عراقي – نيوكاسل – المملكة المتحدة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media