قبل اعمار الوطن .... يحتاج انساننا العراقي العليل ...العلاج أولا...!!
    الثلاثاء 13 فبراير / شباط 2018 - 20:19
    أ. د. حسين حامد حسين
    كاتب ومحلل سياسي/ مؤلف روايات أمريكية
    بعد الخراب الفضيع الذي لحق بوطننا العزيز كثمن لهزيمة ارهاب داعش ، تصبح مهمة الاعمار والبناء من المهمات الكبرى التي ينتظرها الجميع ، ولكن ، هناك مهمات اخرى تفرض نفسها بشكل اعظم واكثر جسامة بسبب ما تتسم به من خطورة مباشرة على حياة الانسان العراقي كمشاكل اساسية جديدة كنتائج مباشرة لارهاب داعش نفسه والذي قاد الى تدهورفي "الصحة النفسية" بشكل عام ، كمرض ما يسمى علميا "اضطرابات الكأبة النفسية لما بعد الصدمة"  
    Post-traumatic stress disorder
    ان مرض اضطرابات الكابة لما بعد الصدمة، من الامراض الخطيرة جدا ، حيث ينبغي على الدولة العراقية أولا النظر بواقعية الى ما يعانيه شعبنا من اسلوب حياة بلا هدف بشكل عام ، وحيث يستمر يعيش وكما يبدو لعنة"الكوارث والانهيارات الاخلاقية والاجتماعية وعدم التصافي فيما بينهم. وان كانت اعمارنا ومقاديرنا "بيد الله الكريم الرحيم سبحانه" ، لكننا هنا نتكلم عن احتمالية كبيرة لانهيارات في القدرات الحياتية الجماعية وخصوصا قدرات الانتاج الجماعي لشعبنا نتيجة هذا المرض الذي يفتك بشعبنا، ناهيك عن وفيات مفاجئة ومؤسفة متوقعة. وسيكون الموت هذه المرة لا سمح الله ، كنتيجة لهذا المرض الذي اصبح متلازما كنتيجة للارهاب ، ونتائج اهماله ستتحملها الدولة العراقية في عدم رعايتها لشعبنا. 
    ومن هنا ، تصبح مسألة البحث عن وسائل وحلول لمعالجة لما يعانيه العراقيين اليوم من الامراض النفسية والعصابية التي اجتاحت الذات لعراقية وتأثيراتها الاحقة على الاجيال القادمة من تخريب الصحة وعلل في الشخصية ، نأمل من حكومة الدكتور العبادي، التحرك السريع في توكيلها هذه المهمة الى وزارة الصحة ، والبدأ بتشكيل فرقا من أطباء العلاج  النفسي للكشف والدراسة لتلك النتائج الصادمة "نفسيا" لاحداث الارهاب على الشخصية العراقية ودراسة خصائصها السريرية على المرضى العراقيين الذين يعانون من أثار تلك الصدمات والوصول الى نتائج عملية لمعرفة مقدار ردود الافعال والاضطرابات لما يسمى ب"نتائج بعد الصدمة". وعليها وضع خطط شاملة لعلاج المرضى من خلال نهج دوائي ونفسي محكم في التواصل مع نتائج تلك البحوث من وجهة النظر البيولوجية.  فالانسان العراقي اليوم بحاجة وقبل كل شيئ الى تلك الخطط العلاجية الشاملة للامراض النفسية التي تفترسه اليوم ، وتوفير المصحات والمستشفيات الخاصة ودور الرعاية الصحية والترويحية للتصدي لهذه المعانات التي يعيشها عدد هائل من شعبنا من اطفال وبالغين وما يطلق عليه من مصطلح (اضطرابات الكأبة النفسية لما بعد الصدمة ) ، صدمة الارهاب.  
    "Post-traumatic stress disorder ."
     فاثار الارهاب الكارثي والتفجيرات وملازمة الخوف للنفس العراقية بشكل متواصل وما عاناه شعبنا وما يزال يعانيه من قتل عشوائي واغتيالات وسفك دماء وموت مفاجئ لافراد العائلة الواحدة، قد ترك في ذات الانسان العراقي اثارا خطيرة ، وأورثه امراضا نفسيه وعصابية سلوكية يجب عدم الاستهانة بها او السكوت عن اثارها، قادته واضطرته الى اللجوء للادمان الواسع على الكحول وتعاطي المخدرات والتي راحت تنخر في نفوس وعقول الشباب خاصة ، وحتى بين الكهول . حيث ينبغي على الحكومة العراقية ووزارة الصحة والمؤسسات الصحية المعنية ووسائل الاعلام ان تبادر بشكل مباشر في التدخل من اجل وضع حلولا من خلال البرامج العلاجية لهذه المشاكل العصية والتي تهدد شعبنا، وتدارك الامور قبل فوات الاوان. 
    أن ظاهرة الادمان وتعاطي المخدرات من الظواهر التي عانتها جميع شعوب العالم نتيجة رعب الحروب والدمار والموت الجماعي . كما وان مرض ،"اضطرابات الكابة ما بعد الصدمة" من الامراض الشائعة بين الشعوب التي خاضت حروبا وعانت من الارهاب . ولكن المشكلة ان هذه الاضطرابات النفسية التي يعانيها العراقيين اليوم ، ليست مقصورة فقط على ابطالنا المقاتلين العراقيين وبجميع صنوفهم العسكرية، ولكن الخطر يتعداهم الى معانات شعبنا باجمعه. فموت الانسان العراقي خلال لحظات وهو في الشارع ، حدث كبير يهز اعماق الشخصية التي تتوقع نفس المصير. ويجب المبادرة للقضاء على نتائج هذا الغزو الرهيب للمخدرات في الشارع العراقي . فهي ظاهرة شاذة وعميقة وهادمة . فالعراقي عاش في الماضي بترفع عن الهبوط لمستوى الادمان وتعاطي المخدرات ، اللهم سوى حالات فردية كان ينظر من خلالها الى متعاطي المخدرات باحتقار . ولكن المشكلة اليوم هي من المشاكل الجوهرية الكبيرة لمعانات العراقيين وتهدد بانفجار شعبي مفاجئ ضد المجتمع ، وتقود أيضا الى ظاهرة الانتحار. 
     ففي الولايات المتحدة وحدها هناك  اكثر من 
     حالة تم تشخيصها لمرض "اضطرابات الكأبة النفسية لما بعد الصدمة"، 450.000 
    ولكن نظرا لتوفر المصحات النفسية والعلاجية هناك ، كانت لها دور كبير في تعافي الكثيرين من هذه الكارثة بحيث عاد الكثير منهم في كفاءة وباقل خطورة على انفسهم وعلى المحتمع.
    يجب علينا ان نفهم ، أن شعبنا العراقي فقد الامل في الحياة، بعد ان تعرض الى هزات كبرى ومتوالية من النواحي النفسية والعقلية والفكرية والاجتماعية وما نتج عن ذلك اضطرابات ما بعد صدمة الارهاب. وهذه الحالة المرضية يمكن أن تحدث بعد كل صدمة عنيفة يتعرض لها الشخص. والدراسات تشير إلى أن ما يصل إلى 8٪ من سكان الولايات المتحدة قد تعرضوا الى اضطرابات ما بعد" صدمة" سبتمبر11- 2001" في مرحلة ما من حياتهم . ولكن الرجال والنساء العسكريين يتعرضون ولمخاطر أكبر. 
    وهناك عوامل أخرى تساهم في اضطراب ما بعد الصدمة أيضا، بما في ذلك دور الجندي في الحرب، وكذلك الحالة السياسة المحيطة بحالة الحرب. "ومن الأعراض الأكثر شيوعا للاضطراب الناتج عن الحدث الصادم ، هي :
    (الكوابيس المتكررة والأرق والشعور الدائم بالخوف وفقدان الاهتمام بالاشياء من حول المريض، والغضب والهيجان وصعوبة في التركيز وعدم الشعور باي شيئ جميل في الحياة.  وسهولة الانزعاج
    وهذه الأعراض قد لا تظهر على المريض إلا من بعد مرورعدة أشهر أو سنوات بعد وقوع الحدث الفعلي، أوأنها قد تأتي وتذهب، لكنها لا تزول من تلقاء نفسها بل تحتاج الى علاج. وإذا استمرت مع مرور الوقت، فانها تقود الى تعطيل الحياة اليومية").(*) 
    فليس عجبا ان نرى في عراقنا اليوم تفشي ظاهرة تعاطي الادمان على المخدرات والكحول كوسيلة للهروب من الواقع ومحاولات نسيان حالة الخوف الملازم للماضي بمأسيه من ارهاب وقتل وتهديد الحياة .
    فما يحتاجه شعبنا من مسلتزمات هو أن تتم معالجته من النواحي النفسية من خلال توفير الدولة العيادات والمصحات الترويحية العلاجية من الادمان على الكحول والمخدرات، ومعالجة الصدمات النفسية التي تعرض لها كثيرا وباستمرار وخصوصا عائلة الشهيد.  فهذه مسؤولية الدولة العراقية امام ما يعانيه من أمراض وعلل شتى، وخصوصا فيما يتعلق باعادة بناء وتأهيل الانسان العراقي وتوفر الحياة الجديدة له. 
    أن بث الامل والتفاؤل والامن وألامان والامل في نفس العراقي من خلال برامج علمية محسوبة النتائج من اجل تطلعه الى غد مفعم بالتصافي الاجتماعي والوجداني الاخوي ، من شأن ذلك ان يعيد الاصالة العراقية التي سحقتها ارادات الفساد والكفر بالوطن . فتسخير الخطط العلمية والاعتماد على الكفاءات الطبية والعلمية يدا بيد مع النواحي العمرانية للبلد في القضاء على الفساد والمفسدين وإعادة نشاطات النمو الاقتصادي والخدمي والصحي وبرامج التعليم وتوفير الضمان الاجتماعي وضمان الموارد المائية وعدم الخضوع أوالانجرار وراء عواطف الانتماءات المذهبية ألتي لم تقدم لنا سوى الشحن الطائفي والصراعات الدموية والقتل اليومي الذي لا يزال جزءا من حياة ابناء شعبنا العراقي الواحد ، كفيلا بجعلنا نخطوا خطوات جريئة في ميلاد البيئة العراقية التي تعاني من الشلل ومنذ زمن بعيد!   
    هذه البرامج والخطط المطلوبة من اجل شعبنا، سوف لن تحقق ما نتطلع اليه وسوف يكون مصيرها الفشل، بدون توفر الارادة والتصميم والدوس على العواطف وعلى الضعف والهوان الانساني القائم من خلال رفض الصداقات النفعية الفاسدة والولائات للفاسدين وعوائل السياسيين بعضها مع البعض الاخر، وعلى حساب الحق والمروءة والرجولة و التحزب من اجل المحسوبيات واهواء الفاشلين. 
    أما إذا اقتصر الاعمار العراقي المزمع على بناء العمارات والبيوت والابنية والجسور والشوارع النظيفة، رغم اهميتها ، ولكن اذا ما تم اهمال حياة العراقي نفسه ، فسوف لن تجد تلك العمارات والمساكن من سيقطنها بتلك السعادة المرجوة التي من اجلها ستبنى هذه المعالم الحضارية.
    حماك الله يا عراقنا السامق... 
     
    (*)Brian Walker | Disposable Heroes Project "HERO" – Hammond, LA, Jul 12, 2017.  
    2/13/2018
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media