إبن رشد وثورة العقل الموؤدة!!
    الجمعة 23 فبراير / شباط 2018 - 02:40
    د. صادق السامرائي
    إبن رشد العربي القرطبي (1126-1198) ميلادية ,  ثائر عقلي وفيلسوف لبيب عمل جاهدا لإحياء العلوم العقلية ورفع رايات يعقلون ويتفكرون ويتدبرون , فحاول التوفيق ما بين الشريعة والحكمة , وتحرير العقل من أصفاد التبعية والإذعانية والخنوع والجمود , ودافع عن العقل ووقف ضد الساعين لتدميره وإلغاء دوره , فرد على كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي بكتاب تهافت التهافت , وتواصل بنشاطاته الفكرية لإستنهاض العقل العربي من غفوته وغفلته وإطلاق جوهر ما فيه من المكنونات الحضارية.
    ولا أريد الخوض في تفاصيل حياته لأن ما يهمني هو دعوته إلى العمل العقلي والإبداع اللازم لصناعة الحضارة المتوافقة مع قدرات الأجيال في عصورها المتعاقبة , فهو من كبار علماء زمانه وتولى قضاء إشبيلية وقرطبة وكان من المقربين لخلفاء الموحدين خصوصا المنصور , الذي قربه ودمره في ذات الوقت بسبب وشاية فقهاء الدين , الذين شعروا بأن توجهات إبن رشد تزعزع سلطاتهم الدينية وهيباتهم الإجتماعية والسياسية , ففعلوا ما فعلوه من الوشايات والمكائد التي إنتهت بإحراق كتبه وإتهامه بالزندقة والإلحاد ونفيه إلى مدينة "اليسانة".
    وتم إشاعة وترسيخ مفهوم أن الفلاسفة والذين يعقلون ويتدبرون ملحدون وزنادقة , وعلى الناس أن يبتعدوا عنهم ويحتقرونهم ويحرقوا كتبهم ويمتنعوا عن تداول آرائهم.
    وفي هذا الوقت إهتمت أوربا - التي كانت تعيش في ظلمات عصورها - بفكر إبن رشد ورؤاه وتصوراته , وإنطلقت فيها حركات إعمال العقل والفكر , وبفضل هذه التفاعلات إستطاعت أن تتحرر من عصور الإنحطاط وتبدأ ثورتها المعرفية , التي توجتها المنطلقات البيكونية المعتمدة على التجربة والعلم فوصلت بأحوالها إلى ما هي عليه اليوم.
    بينما العرب إجتهدوا في قتل فكر إبن رشد وإسكات دعواته العقلية والتدبرية والتفكرية , فتمتعوا بعصور إنحطاط حالكة منذ وفاته وحتى اليوم , حيث لا يزالون يحاربون العقل ويتبعون ذوي العمائم واللحى من الذين يتاجرون بالدين ويسخرون العباد لتمرير رغباتهم وأهوائهم وما يبتغون من متاع الدنيا ولذائذها , وهم من ألد أعداء الدين وأشد خلق الله نفاقا ومراءاة.
    وكان إبن رشد منوِّرا عقليا شجاعا ومقداما فوضع المتاجرين بالدين في مواقف صعبة تهدد مكانتهم مما حدى بهم للقضاء عليه وإعدام فكره ومنطلقاته المبنية على الأدلة والبراهين العقلية والحقائق الساطعة , فهم يريدون مَن يتبع ويقبع , ويفترضون أن الناس جهلة لا يعلمون وهم الذين يحتكرون المعارف والعلوم , وما على الآخرين إلا أن يقولوا آمين.
    ومن المعروف أن مصطلحات فاسق , كافر , مارق , ملحد وزنديق وغيرها قد طغت على المسيرة العربية ولا تزال فاعلة في المجتمع العربي , فما أن ينهض إنسان يدعو إلى العقل وإستخدامه حتى هبت بوجهه العمائم واللحى لأنها تشعر بالتهديد وأكالت عليه هذه التهم وخوفت الناس منه ووضعته في أقفاص الإتهام , فتنهال عليه الأقلام المغرضة ووسائل الإعلام , ويتم التشهير به في الخطب والمحافل , حتى يتقرر إغتياله أو الحكم عليه بالسجن المؤبد , لأنه قال يا أمة يعقلون أين العقل , أو يا أمة " إقرأ" لماذا لا تقرؤون؟!!
    وهذا السلوك أدى إلى ترسيخ مفاهيم وتفاعلات الإنحطاط الوخيم الفاعل بالوجود العربي منذ وفاة إبن رشد وحتى اليوم , ولن تستعيد الأمة كرامتها وقدراتها الحضارية إن لم تعود إلى عقلها وتستحضر حكمتها ورشدها , وتعمل بقدرات العقول المتفاعلة الفاعلة لا المنفعلة الخالية من حثالة لب أو رشاد مبين.
    فهل سنعيد لإبن رشد عزته وكرامته , وللعقل هيبته وحضوره في واقعنا المنحط الممنوع من إعمال العقل؟!!
    أم أن في ذلك كفر وإلحاد وزندقة ومروق وفسوق , يا أمة خجلت من وجودها الأمم؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media