زعيم “القوة المجتمعية” لـ "شركة النفط الوطنية" يهددني ويطلب التهكير!
    الأحد 18 مارس / أذار 2018 - 21:03
    صائب خليل
    على صفحة المقالات الخاصة بي، نشرت مقالة حول قانون شركة النفط الوطنية، محذرا من خطر رهنه ثروة العراق بحجزها ومصادرتها كما يتيح القانون الذي يعتبرها ملكا للشركة ويفقدها بذلك سيادتها القانونية.

    وبعد اقل من ساعتين من نشر المقالة هاجم الصفحة عشرات الشباب الداعمين للقانون، وقدموا أنفسهم على انهم "العصابة"، مستخدمين اللقب الذي أطلقته عليهم في المقالة. ملأت الصفحة بالتعليقات التي تهاجم المقالة، البعض منها بخشونة والأخرى بأدب، لكنها جميعا كانت خالية من أي محتوى ولم يورد أي تعليق على أي اعتراض محدد على أي من نقاطها الخطيرة. 
    استمرت الحملة على صفحتي في صباح اليوم التالي، واستنتجت منها ان الغالبية الساحقة منهم عبارة عن مجموعة مخدوعة تتصور انها تقوم بعمل "عظيم" لخدمة العراق دون ان تفقه حقيقة موقفها. ولذلك دعوتهم إلى مناظرة في المساء، لمناقشة الاعتراضات من خلال مقالة أخرى مبسطة. 
    فندت في مقالتي الجديدة الادعاءات التي جاءت لتبرير القانون المذكور ونقاط المديح التي دبجها لها كل من وزيري النفط السابقين، عادل عبد المهدي وإبراهيم بحر العلوم والنائب عدنان الجنابي مثل "تغيير الاقتصاد الريعي" وتقليل الفساد والفقر والفارق الطبقي عن طريق صندوق المواطن وتأمين الأجيال عن طريق صندوق الأجيال، وبينت أن كل تلك المبررات خرافات لا أساس لها، مؤكدا خطورة القانون لإتاحته للشركات حجز أموال العراق. (للمزيد حول الريع، انظر مقالة "تبديد "نعمة " الثروة النفطية وتجريد الدولة العراقية من مسؤولياتها" للاقتصادي صبري زاير السعدي المتخصص بالريع النفطي، وهو يرفض ادعاءات معدي قانون شركة النفط الوطنية، ويدعو لإلغائه)(1)

    جدير بالذكر ان هؤلاء هم من لقبهم عادل عبد المهدي بـ "القوة المجتمعية" ووصفهم هكذا: "ان هذا القانون -بهذه المضامين- ما كان ليرى النور لولا "قوة مجتمعية" من ثلة من الشباب المخلص، الواعي، المثقف، المنتشر في القطاع النفطي، وخارجه.. والذي آلى على نفسه انجاز هذه المهمة. شباب لا ينتمون لحزب، او تيار، او تفكير محدد.. ولا يتلقون توجيهاً من أحد، لكنهم يتصلون بالجميع، ويستمعون لأهل الاختصاص والمعرفة بكل تواضع وحرص.. قيادتهم من أنفسهم.. يتداولون الراي بكل حرية واريحية وديمقراطية عبر المواقع والاتصالات واللقاءات المباشرة.. يمولون أنفسهم بأنفسهم..”. 

    في المساء جاء هؤلاء وقدم أحدهم نفسه ممثلا عن المجموعة للمناقشة، واسمه "مصطفى جبار سند" تشير صورة صفحته إلى انه مهندس في شركة نفط البصرة. قدم سند إجابات مخيبة وغير منطقية، فادعى مثلا ان تقليص الأموال التي تصل الحكومة سيجبر الحكومة على البحث عن "عن مصادر اخرى لتمويل موازنتها" ويقلل الفساد ويشجع القطاع الخاص.
    افترض المهندس مصطفى كذلك أن الشركة ستكون "بعيدة عن صراعات السياسة" (كيف؟) وإنها يجب ان تمتلك السلطة للاستيلاء على "ما تحتاجه من العقارات العائدة للدولة بدون بدل"! بحجة أن القوانين العراقية "موروثة عثمانية" وأنها تتقاطع مع بعضها فـ "تذهب بشخص للإعدام وتخرجه بريء لنفس الشخص" حسب تعبيره! 

    وحين بينت له أن صندوق المواطن الذي يعد بالقضاء على الفقر، لن يمنح المواطن أكثر من 36 دولار في العام الكامل، أكد صحة حساباتي ثم أضاف بأن الغاية من الصندوق "فلسفية وليست رقمية"! ثم نصحني أن اقرأ عن الفكر الاقتصادي لأفلاطون وارسطو حتى آدم سميث و "ماركوس" (كتبه هكذا)! 
    وعن حجز أموال الشركة أنكر هذا الاحتمال، رغم ان من نبه عليه كان خبير الأمم المتحدة ومستشار المفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة. وعن قولي بان الأجيال بحاجة الى المدارس وإلى عدم توريثها الديون، وليس صندوق فيه مبلغ من المال، قال ان الصندوق مستنسخ من النرويج والكويت. ثم فجأة قال: آسف ختمت النقاش معك استاذ صائب وتسمحلي بالانسحاب"!! 

    بعد ذلك سألني بعض من بقى متواجدا، عن رايي في السيد مصطفى فأخبرتهم رأيي الصريح، وحين لم يعجبهم صار هناك بعض التصعيد في الكلام، فإذا بمصطفى يكتب مهدداً: "والله تندم لأن طبعتك بختم.. اجيبك أجيبك"! 
    كان من الواضح انه يشعر انه زعيم عصابة لا غير. 
    سخرت من تهديده، لكني ذهبت بعد ساعة إلى صفحته لأجد اول منشور له يطلب "متطوعين هكرز"! 
     

    في صباح اليوم التالي كان الإعلان مازال موجودا وبدأت ردود "العصابة” عليه.. 

    هؤلاء إذن هم "القوة المجتمعية" التي دفعت بهذا القانون إلى التصويت! وعدا هذا الأسلوب الشديد الهبوط، لا يبدو على جماعة الضغط هذه ان أي منهم قد ادار مشروعا في حياته، بل انهم من الكسل أنهم اعترضوا على طول مقالتي الأولى التي لا تزيد عن صفحتين فوعدتهم باختصارها، ولا اعتقد ان أياً منهم قد قراها على كل حال، فأين هذا من المهمة التي تتطلب ساعات طويلة من القراءة يومياً؟ 

    ربما يقول أحدكم، انهم استشاروا الخبراء. وهذا ممكن في نقاط بسيطة محددة، لكن ليس في وضع المخطط العام للمشروع وهيكله! وكيف يمكن لجهلة ان يحكموا على آراء الخبراء؟ ماذا يفعلون إذا تناقضت هذه الآراء؟ كيف يمكن لمجموعة منقادة لرئيس يسوسها أن تعطي رأياً في اقتصاد بلد؟ وأي رئيس هذا الذي يهدد ويطلب الهكرز علناً؟ وكيف لا ينتبه من يتبعه الى ذلك؟ وإذا كان هذا أسلوبه في نقاش على الانترنت فكيف كان أسلوبه في الضغط على نواب المجلس للتصويت على القرار؟ 
    ولماذا استثني من الاستشارة كبار خبراء النفط مثل فؤاد الأمير او أحمد موسى جياد أو حمزة الجواهري وامثالهم؟ 

    لم أجد سوى تفسيرا واحدا لكل هذا.. ولم أجد ما يناقضه فيما رأيت..
    إن هذه مجموعة مغرر بها عن طريق قيادي أو أكثر، تم تدريبه في مراكز التدريب الامريكية المشبوهة في العراق او خارجه، على ما يسمى "قيادة الجماهير". وهي الطريقة التي استعملتها اميركا وإسرائيل في "الثورات الملونة" لأحداث الانقلابات على نظم أوروبا الشرقية التي وصلت الى الحكم عن طريق ديمقراطي وكانت لا تروق لأميركا وإسرائيل، ثم امتدت لتقوم بتجارب لتغيير أنظمة البلدان العربية إلى ما هو أكثر سوءاً منها واشد استعداداً لتنفيذ برامج إسرائيل، كما حدث في مصر بنجاح، وربما بفشل في تونس، ولأجل التدمير التام في سوريا. 

    هؤلاء لن يحملوا السلاح ولن يذبحوا الأبرياء، فمهمتهم تحريض وقيادة مجموعة لذبح النفط فقط وتسليمه إلى من ارسلهم. ويبدو أن ذلك مخطط ليتم بخطوتين: الأولى عزل تلك الثروة عن الحكومة المنتخبة بحجة انها فاسدة وفاشلة في كل الأحوال، ووضع تلك الأموال في "شركة". والثانية بإيجاد حجة مناسبة لحجز أموال تلك الشركة ووضع قوت الشعب في قبضة اعدائه. ويؤكد ذلك أيضا كثرة الحاح القائد في المناقشة وعلى صفحته، على الخصخصة واقتصاد السوق. 
    إنهم يستخدمون ذات التقنيات التي تتبعها العصب الدينية المتطرفة، للحفاظ على وحدة صفوفها و"هيبة" قيادتها، كما شرحها بشكل جميل الكاتب مصطفى حجازي في كتابه القيم "حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوات الأصولية". وقد نبه الكاتب إلى شدة التشابه الخفي بين اقتصاد السوق وثقافته والدعوات الأصولية وثقافتها، وقد نشرت مقالا حول هذا الكتاب لمن يحب الاطلاع. (2)

    إن نقطة ضعف هذه المجموعة هي ان أعضاءها يمكن ان ينتبهوا في أية لحظة لحقيقة الخدعة التي وقعوا فيها، والجهة التي تحركهم تعرف ذلك، إلا انها تأمل ألا يتم قبل إتمام المهمة المطلوبة منهم. فأبطال الثورة البرتقالية في أوكرانيا، والتي ربما كانت اول الثورات الملونة، سرعان ما اكتشفوا انهم كانوا فريسة خدعة كبيرة، وأن الحكومة الليبرالية التابعة لأميركا التي جاءوا بها بدلاً من الحكومة التي اسقطوها، كانت الأسوأ، لكن الأوان كان قد فات وحققت الخطة أهدافها. 
    والسؤال بالنسبة لنا اليوم، إن كان بالإمكان وقف تلك المؤامرة قبل التحقيق النهائي لأهدافها الخطرة، التي اقتربت منها كثيراً. فالنواب، في غفلتهم وتعرضهم كما يبدو للضغط والإغراء، أو ربما لجهلهم، قد صوتوا على ذلك القانون. ونلاحظ إضافة الى السرية التي اتبعت في مناقشته، فقد اختير الوقت ليكون في خاتمة الدورة الانتخابية وحل مجلس النواب، للاستفادة من الاستعجال أولا، ولعرقلة إمكانية التراجع ثانيا. 

    هذه هي حقيقة القانون وحقيقة من سعى لإقراره، السؤال الآن هو أن نجد طريقة لوقف تنفيذه قبل فوات الأوان. 

     (1) صبري زاير السعدي: تبديد "نعمة " الثروة النفطية وتجريد الدولة من مسؤولياتها
    https://www.facebook.com/FreePeopleNotFreeMarket/posts/1326841367416834
    (2)  حرية السوق والأصولية- شراكة الاضداد في حصار الإنسان// صائب خليل 
     http://www.tellskuf.com/index.php/authors/1054-saib/70512-ot076.html 

    مقالات أخرى للكاتب حول الموضوع: 
    مجلس النواب يصوت على قانون يتيح لأميركا تجميد ثروات العراق! 
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1756506127739782
    نقاط مناقشة لقانون شركة النفط الوطنية صائب خليل...
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1757627147627680
    كيف يريد بحر العلوم تفكيك العراق بـقانون شركة النفط الوطنية؟ 
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1759552820768446
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media