البطة السوداء !
    الأربعاء 21 مارس / أذار 2018 - 05:14
    هاني الحطاب
    ماذا يحدث لم توجد البطة السوداء ، فعلى من يعلق البط الأبيض  أخطاءه ومشاكله ؟ أن الجواب على هذه المشكلة ،، التي تبدو وهمية ، لم تكن في الواقع سوى ، مدخل ، للبحث في مشكلة تخص سلوك الإنسان ، في تعليق مشاكل البعض ، على فئة صغيرة ،  على فرد  ، أو على دولة ما ، غالباً ما يدعو في كبش الفداء . أو ، حسب ، التعبير الحديث نسبياً  ، الذي ، حل محل ، مصطلح كبش الفداء ،البطة السوداء . وبما أن الإنسان ، جزء الطبيعة ومن نتاجها ، مثل البطوط ، تقود غرائزه ، في كثير من المواقف  ، بأن يبحث عن ضحية  ، كبش فداء ، بطة سوداء ،  عندما تأزم الأمور  ، لكي يعلق عليها مشاكلة ، أو يجد فيها أداة ،  لوحدة ،  ولتكاتف ، أو على الأقل ، يعمل ، على تأجيل النظر  فيها لوقت آخر . ولعل حين كتب ، القاص المشهور للأطفال ، هانز أندرسن ، حكاية البطة السودأء ، والتي لم تكتشف بعد البطة السوداء في أستراليا ، لأن كان يعتقد بوجود البطة البيضاء فقط  .  ولكنه ، هانز أندرسن ، كاتب الأطفال ، اخترع هذه البطة ، وراد أن يعبر فيها عن الضحية ، وكبش الفداء ، والشماعة ، الذين يعلق الآخرين عليها إخطاهم  ، حينما لا يقدرون أن يحلوها بالطريقة الصحيحة والمرضية .  فهو إراد ، أن يعبر  بهذه الحكاية الرمزية ،  عن مرض مزمن في الطبيعة البشرية ، بأن يعلقوا أخطائهم ومشاكلهم ، على فرد ، أو فئة ، أو دولة  ، حين تكون الكثير من مشاكل البشر والمجتمعات ، لا يمكن حلها بطريقة الصحيحة والطبيعية ، لوجود  مصالح متعارضة وتناقضات داخل المجتمع . وعليه ، يعمد ، لحلها بطريقة وهمية أو تأجيله ، ، فعنئذا ، يخترع المجتمع ، أو الجماعة ، أو العائلة ، ضحية ، وكبش فداء ، بطة سوداء ، يلقوا عليه اللوم والمسؤولية ، لكي يتخلصوا مؤقتاً على الأقل من التفكير بالمشكلة . فالسيكولوجية ، التي تقف خلف هذه الظاهر ، واضحت وبينة ، لكل من يمعن التفكير بها ، فهي ، تشير في الغالب ، بأن الحل ، في موقف معين ، ومكان محدد متعذر ، لكونه ، يصطدم مع قوة ، أكبر من أن تخضع للمسائلة واللوم ، فيعمد ، الجماعة ، أو العائلة ، أو المجتمع ، لختراع ضحية ، تؤدي هذا الغرض ، وتنقذ ماء وجه المجتمع ، وليظهر أن كل شيء على ما يرام . ولو رجعنا لتاريخ  ، ليكون شاهد على هذا الحالة ، لوجدنا ، أن قائم  أساساً على هذه السلوكية ، لأن أكثر المشاكل عبر  التاريخ  كانت عصية على الحل بالطريقة الصحية ، فالأقوياء هم من كانوا سادة الموقف  ، والحل ، بالطريقة الصحيحة يتعارض مع مصالحهم ، وضعهم ، لذلك ، نجد دائماً هناك ضحية وكبش فداء ، ربطة سوداء تنسب لها المشاكل ، وتقوم مقام الحل الصحيح  . ففي المجتمعات القديمة البدائية ، حينما تصادفهم مشكلة يصعب حلها ،  كثيراًما كانوا يضحوا ،  بشر ، طفل أو عذراء شابة في سبيل أرضاء الآلهة ، التي كان يعتقد أن سوف تحل المشكلة التي يعانون منها وتسكن غضب الآلهة ، التي قد تكون هي سبب المشكلة التي يعانون منها   . فالضحية ،  كبش الفداء ، غالباً ما تقوم بهذا الدور ، يحل المشكلة  . ولذا ، تبدو ، وكأنها ،  عادة ترسخت  في عقلية البشر منذ فترات تاريخية موغلة بالقدم ، وأصبحت ، بتالي ملازم لتفكير البشر ، في البحث عن ضحية ، وفِي كل المستويات ، بدء من العائلة ، إلى المجتمع والعلاقات الدولية ، حين تأزم الأمور ، لكي تحل محل الحل الصحيح ، الذي يجب البحث عن في تركيبة المشكلة ، فنحن نجد ، غالباً ما يلقي اللوم بعائلة  ما على فرد من أفرادها ، وفِي مجتمع ، على فئة من فئاته ، أو مذهب من مذاهبه ، وفِي العلاقة الدولية ، عادة ما تعلق دولة مشاكلها على دولة مجاورة لها . ولو اقتصرنا، على ما هو معرف وشائع من هذه الحالات ، لبات ، واضح ، بأن يجب أن تكون هناك ضحية وكبش فداء لكي يلقي  علية اللوم ، وحتى  يبقى الحل مؤجل ، مادام ، المجتمع أو الدولة ، أو العائلة ، غير راغبته أو قادر تشخيص المشكلة . وما دام   ، كما قلنا ، أن التاريخ حافل بنماذج على تلك الحالات ، لنأخذ ، من التاريخ الأسلامي ، نموذج ، على تلك  الطريقة في التفكير ، فَلَو سألنا من كان في تاريخ الإسلام كبش الفداء  أو البطة السوداء ؟ لا شك أن أي لقاء نظرة على التاريخ القديم ، يظهر بما لا يدع مجال لشك والتردد ، بأن يجيب فوراً ، بأن الشيعة كانوا هم البطة السوداء ، لا لأن أفكارهم ومعتقدات ، هي كانت من الشذوذ والغرابة ، بحيث تعكر صفو المجتمع ، كما يعتقد الكثير ويبذل جهود كبيرة من غير  طائلة في سبيل أثبات ذلك ، حتى لا يحمل المجتمع أي تحامل ، أو أن هذا المجتمع ، يعمل عن وعي أو لا وعي ، على جعل أحد فئاته كبش فداء ، فكل ما جرى للشيعة وما صابهم ، هو ليس بسبب أفكارهم أو معتقدهم وإنما لكون المجتمع ، يحتاج ، دائماً ، ضحية ، سوى كانت هذه الضحية فرد أو جماعة ، فالمهم أنها تؤدي دورها كضحية أو شماعة لتعليق المشاكل عليها . وشيء طبيعي أن يقوم الجهاز الأيدلوجي للدولة المسيطرة في تبليس وشيطنة تلك الضحية .  وطبيعي أيضاً ، أن تكون لكل فترة ، ومرحلة ، ضحيتها وكبش فداءها ، ما دام المجتمعات تتغير أشكالها وتوجهاتها. وتحتاج لضحية تناسب تلك الفترة . فبعد أن تتغير الممجتمعات ، لا تعود الضحية القديمة ، تؤدي غرضها . فعندما ، خفت حدة ، النزعة الطائفية في المجتمع العراقي الحديث ، مثلاً ، ودخل في مرحلة ما يسمى النهضة ، اصبح من الواجب تغير هوية الضحية ، لذلك ، وجود في الشيوعية ، التي غزت المجتمعات العربية ، كبش فداء جديد . وهكذا ، يعيش المجتمع ، الغير مستقر ، والذي ، لم يحل نزعاته الداخلية ، على مثل تلك الضحايا . وحتى في  النزاعات الدولية ، حينما لا تسود علاقات السلام بينهم يعمدون لفكرة الضحية ، أو العدو الوهمي . فبعد أختفاء شبح الشيوعية ، ونهاية الحرب الباردة ، تحتم ، على أمريكا ، والدول التي تسير في ركبها اختراع ، هذا الضحية ، وكبش الفداء ، أو العدو الوهمي ، لكي تغذي حركة مجتمعاتها ، وتشغله بهموم هذه الضحية . فعمدت أمريكا ، والدولة التي تسير خلفها لختراع روسيا ، والشيعة  . فكبش الفداء في فترتنا  هما روسيا ، والشيعة ، الذان ، هما العراق ، وأيران بشكل خاصة وتابعيهم .  فأمريكا اخترع روسيا عدو وهمي لها ، لكي تستمر في شحذ حركة مجتمعها ، ولكي ، من ناحية ثانية ، تبعد الأنتباه عن مشاكلها الداخلية . وغالباً ، ما تكون الاوصاف ، التي تطلقها ، على هذا العدو الوهمي لا تمت بصلة ، لحقيقة هذا العدو ، ولا تنطبق عليه من بعيد أو من قريب ، فهي كلها ملفقة ، ومخترع القصد منها أثارة الخوف والرعب  من هذا العدو الذي  يتربص بها الفرصة لانقضاض عليها ، لذا على المواطنين أن يكونوا في حذّر ، ويتحدوا لمواجهته . فروسيا الآن هي ، كبش فداء الذي يتوحدون حوله ، رغم أنها اليوم ليس لديها عقيدة خاصة بها أو أيدلوجية تبشر بها وتدعو لها ، فهي ، تعتنق عقيدة الغرب في الديمقراطية ، والحريّة الفردية ، ولكن ، قدر روسيا هو أن تكون كبش الفداء ، تلك النزعة ، التي تسري في الدم البشري منذ القدم ، ما دام منطق العداء ، لم  يحل في العلاقات البشرية . وما يطبق  في الوقت المعاصر في الغرب على روسيا ، من قبل أمريكا وحلفاءها ، يعمل به هنا  في منطقة الشرق . فالشيعة في العراق وأيران ومن يتبعهم ، في الوقت الحالي ، بعد أن طغت  النزعة الدينية وأصبح  لها الصدارة   ، بعد أن  خفت وتلاشت لعقود من الزمن . فالعدو المتمثل في الشيوعية ، قد اختفئ حالياً ، ولا يمكن للمجتمعات تعاني من صراع داخلي أن تواصل العيش بدون أن تجد  لها ضحية وكبش فداء تحمله وزر مشاكلها، فهو ، حتى ، إذا لم .يكن موجد داخلياً فيجب اختراع ، سوى في الخارج أو الداخل . ومن هنا ، باتت روسيا في الغرب هي البطة السوداء الذي يعلق الغرب عليها مشاكله ، وينشد به ووحدته ، لأن هذه الوحدة سوف تتصدع بدون وجود هذا العدو الوهمي ، الذي يجب أن تتركز عليه كل الجهود . وكذلك أصبح الشيعة في العراق وأيران هما البطة  والعدو ، وكبش الفداء اللذان يجب محاربتهما بلا هوادة . وعادة ما يتقبل الناس مثل هذه الطريقة برحابة صدر وكأنها أمر طبيعي ، وكأن ، هو  الحل فعلاً  ، لمشاكل تبدو بلا حل . لكونه  أهون الشرين ، لأن الناس غالباً ما تقبل الحل السهل ، ما دام يبدو لا يكلف ما يكلفه الحل الجذري والحل الفعلي لمشكلة .  فأمريكا مثلاً ، تُخلْق  لها عدو وهمي لكي لا تستخدم  الحل الجذري في مجتمعها ، القائم ، على أيجاد  منافذ لتصدير فائض سلعلها في الخارج ، والتي تواجه بمنافسين آخرين .  وفِي المنطقة العربية ، تعلق ، كل المشاكل بوجود الشيعة وأيران ، حتى لا تحل النزعة الطائفية والوهابية في المنطقة . فالبطة السوداء تبدو فكرة صاحبت البشرية منذ عهود طويلة ، وما زالت تؤدي نفس الهدف  ، رغم اختلافها في الشكل والحجم ، ولكنها بقت تقوم بنفس الغرض ، وهو اللقاء اللوم وتبعية ما يحدث على فرد أو فئة أو دولة  ، لغايات شتى . وحقيقة ، أن فكرة هذا المقالة أثارها ، وحفزنا عليها ، الأستفاء الذي نظم في الدول الأوربية ، بخصوص روسيا ، والسؤال المطروح فيه ، هو ، هل تعتبر روسيا جزء من أوربا ، ومن حضارتها ، أم  لا ؟ ونحن ، نعرف من جغرافية ، ومن تقسيم العالم للقارات ، أن روسيا ، تقع في أوربا ، بغض النظر عن الدول التابع لها في آسيا . أما من الناحية الحضارية ، فهي كذلك جزء من الحضارة الأوربية ، فالديانة ، لروسيا هي المسيحية الأرثودكسية  ، وكذلك الحضارة الأغريقية . وكانت علاقة القياصرة بحاكم أوربا معروفة ، وحروب نابليون ضد روسيا ، ولروسيا مساهما كبيرة في الحضارة الأوربية علمية وأدبية ، فهي لم تكن في يوم معزولة عن أوربا لا في حروبها ولا في مساهماتها . فقد كان أكثر ، رجال عصر النهضة وفلاسفتها ضيوف لدى الإمبراطورة كاترين . ومع هذا هذا كل نجد في الاستفاء الذي جرى في عموم أوربا أ لا يقرون في أنتساب روسيا إلى أوربا ، ليس جغرافياً ، بالطبع ، ولَكن حضارياً ! ولولا تسألنا لماذا هذا الأقصاء لروسيا ، ولماذا القفز على الحقائق  ؟ ولقد قيل ، وعن حق، بأن أصلب الحقائق ، سوى كانت رياضية أو هندسية ، أو علمية ، اجتماعية ، لو وعارضة مع مصالح الناس لعمدو لتغيرها ، أو تكيفها بحيث تخدم مصالحهم . ويبدو الآن أن وأوربا التي  تسير في ركب أمريكا ، بأن تكون روسيا لا من أوربا ولا من حضارتها ، جسم غريبة ، عنها ، لكي  يجعل منها كبش فداء أو بطة سوداء . أنها أرادة القوة وليس منطق الحق والعدل والحقيقية . ففي عالم ، حافل بتناقضات ، يجب أن يكون هناك كبش فداء تعلق عليه كل المشاكل . ولو ، نحن  ، من ناحية آخرى ، أجريناها هذا الأستفتاء الذي جرى  عن روسيا بأوربا  ، في المنطقة العربية ، وطرحنا السؤال هل الشيعة ( خصوصاً شيعة العراق ) جزء من المنطقة ، ومن حضارتها ؟ لا نحتاج هنا لقدرة خاصة لنتكهن  بالجواب  ،  فهو معروف مسبقاً ، ويعد من سقط المتاع . فالشيعة ، عدو منذ فترة طويلة ، من قوميات آخرى ، غير عربية ، فارسية ، هندية ، أو خليط من شعوب مختلفة . فلا هم أصلاً عرب ، ولا حضارياً جزء من من الحضارة العربية ، الاسلامية . وما يقف خلف هذا لتزوير لهوية  الشيعة ، هي نفس الدوافع ، التي  تغرب بها شعوب وفئات عن اصلها وجذرها ، ومنشأها  ، عنيانا به ، دافع ، البحث عن كبش فداء ،  بطة  سوداء . فالشيعة قلما اعترف بهم من قبل العرب السنة ، بأنهم عرب ، وينتمون لنفس الأصل ، الا من باب التواضع والتنازل . لهذا نرى ، وكما قلنا ، أن البحث عن كبش فداء يقف خلف الكثير من الصراعات في العالم ، في مجتمعات لم تبلغ وتصل إلى مرحلة حل الصراع بطريقة جذرية وعقلانية ، ما دام في هذه الحل ضرر كبير على الطبقات المسيطر والمتحكم في السلطة . فليس هذا الصراعات ، كما اعتدنا على تصويرها بأنها صراعات عقائدية وأيدولوجية مترسخت في تلك المجتمعات ، بقدر ما هي تخدام أرادة القوة ، وتبررها . ولذلك سيبقى البحث عن كبش الفداء  واختراعه ، ما برحت  هناك قوى مسيطرة ولا تقبل التنازل عن سلطتها .  

                                                  هاني الحطاب 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media