المعتزلة.. وقضية خلق القرآن (6)
    الخميس 22 مارس / أذار 2018 - 05:09
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    ملخص ما سبق.. المعتزلة من الفرق الكلامية «علم الكلام هو علم الدفاع عن العقيدة» وإمامهم الظاهر هو واصل بن عطاء، وسموا بالمعتزلة لاعتزاله أستاذه الحسن البصرى فى مجلسه، حين اختلفا حول مرتكب الكبيرة، وكان البصرى يراه منافقا، وواصل يراه فى منزلة بين منزلتين، فلا هو بمؤمن، ولا هو بكافر، وهو خالد فى النار إذا خرج من الدنيا بلا توبة، والمعتزلة ينتصرون للعقل على النقل، ويخضعون كل أمور العقيدة لحكم العقل حتى النصوص القرآنية، وينكرون الغيبيات، ومنها عذاب القبر، والصراط والميزان الحسى والمادى، وينكرون علامات الساعة، ولا يعترفون بالسحر والجن. إلى قضية خلق القرآن.

    وكان السؤال: هل القرآن قديم قدم الحياة والنشأة، مجيد ومحفوظ فى اللوح منذ اليوم الأول لخلق الكون، ملازم مع الله «غير مخلوق»؟ أم هو «محدث ومخلوق مع الأحداث والوقائع»، يسايرها وينزل متواترا ومتتابعا معها، أى أنه قريب العهد وليس قديما؟ هل القرآن قديم قدم الله؟ أو جعله الله قرآنا عربيا بعد وجود اللغة العربية، وكلمة «جعلناه» أى خلقناه، وجاء القرآن بعد وجود اللغة، فهل هو لهذا محدث ومخلوق؟ أهل السنة يرون أن القرآن قديم وغير مخلوق، قديم قدم الله والكون واللغة والزمان والمكان. والمعتزلة يقرون بخطأ هذا، فكيف يتساوى الخالق بالمخلوق؟ والخالق هو الله والمخلوق من كان من خلقه ومنهم القرآن. ويأتى الحديث عن تأييد المعتزلة لفكرة خلق القرآن على أمرين، الأول: كيف يكون القرآن قديما قدم الله لم يخلقه ولم يحدثه، وفى القرآن أحداث ووقائع وقصص فى الأزمان الأولى وما تلتها، وتناولها القرآن وتحدث عنها على ترتيب نزولها، فالله قد كلم آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وداوود وعيسى بن مريم ومحمد، كلاما على النحو الذى جاء فى الآية «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء». ثم هذه القصص التى أخبرنا بها الله فى القرآن بعد نشأة الخلق بأزمان متباعدة، يخبرنا فيها عن أحوال الأمم الماضية والأنبياء السابقين، وأخبار الصالحين والملائكة والشياطين «نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين»، والقصص كثيرة كانت قبل البعثة، والأحداث كانت كثيرة ومتلاحقة بعد البعثة، جاءت على تفاصيلها فى القرآن، منها حديث المرأة التى تجادل الرسول فى زوجها «قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير» وكذلك حديث الإفك عن السيدة عائشة، ويقول القرآن فيه بعد وقوعه «إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير» وهى واقعة قصها القرآن بعدها بشهر وأيام وبرأها مما زعموا وادعوا عليها. وكذلك حادث زواج الرسول من السيدة زينب وتتابع القصة وأحداثها وتفاصيلها «أمسك عليك زوجك واتق الله» ثم يتبعها «وتخفى فى نفسك ما الله مبديه» يليها «وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه» ثم يحسم الأمر «فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج»، وهذه حادثة مارية القبطية وحفصة بنت عمر، يقصها القرآن بعد وقوعها «وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا، فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى العليم الخبير»، وهى قصة يمكن الرجوع إليها فى كتب التفاسير، وقد سبقتها الآية «يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك»، كل هذه الأحداث والقصص، التى جاءت فى القرآن بعد البعثة وقبلها، تؤكد أن القرآن محدث، ساير القصص والأحداث وتتبعها ونقلها، كل حدث وقصة فى حينها، على تفاصيلها الخاصة وأشخاصها وخصوصياتها، وهذا يتنافى تماما أن يكون القرآن قديما قدم الخلق والنشأة، ومحفوظا يوم خلق الله الأرض، فكيف يحمل كل هذه الأحداث ويكون مكتوبا ومحفوظا قبلها؟. الأمر الثانى الذى يرجع إليه المعتزلة حول خلق القرآن «محدث» أن القرآن كان يناقش المناهضين له من كل الأديان والمشركين والمنافقين، يجادل ويحاور من يجادله ومن يحاوره، «ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا»، والجدال يتسع ويضيق مع اتساع وضيق المجادلين وقضاياهم وما يقبلون وما يرفصون، فلا يعرف النبى فى أى أمر سيخوضون معه اليوم أو غدا، فكان يرجئ أحيانا أمر الإجابة ليوم أو أكثر حتى يسمع كلام الله، وهذا ما قاله الغزالى لاحقا «إن القرآن من أوله لآخره محاجة مع من كفروا به وأنكروه»، وقاله أيضا طه حسين حديثا «فإن أول العهد بالإسلام كان النبى فى مكة وأصحابه مستضعفين، وكان الجهاد جدليا» (مجادلة) وكان النبى يقوم بها وحده، يجادلهم بالقرآن، ويقارعهم بالآيات، وهو كلما بلغ فى ذلك حظا انتصر له من قومه فريق حتى تكون له حزب...». فكيف يكون القرآن غير مخلوق وهو يجادل المناهضين له كل يوم بحديث وحجج وبراهين ليست معلومة للنبى. هذه حجج المعتزلة فى خلق القرآن، ولقد أمر الخليفة العباسى المأمون، بجمع قضاة كل الأقاليم فى بلاد الخلافة، من أقر منهم بخلق القرآن أبقاه فى منصبه، ومن امتنع منهم بالإقرار بخلق القرآن أقصاه من عمله، ومن رفض من الشهود قضية خلق القرآن لا تقبل شهادته فى المحاكم، ومن أقر بها قبلت شهادته. والإمام أحمد بن حنبل امتحن فى هذه القضية وحبس فى عهد الخليفة المعتصم حين رفض قبول فكرة خلق القرآن، وضرب بالسياط وحبس عامين، حتى أطلق سراحه الخليفة المتوكل الذى طارد المعتزلة وقتل منهم من قتل، وفر منهم إلى الكوفة من استطاع إلى ذلك سبيلا، وخرج أحمد بن حنبل يتولى فقه السنة فى الشام، وتولى فلول المعتزلة والشيعة فقه الشيعة فى العراق، وكانت كارثة العقل، وهى القضاء على الفكر المعتزلى وتغليب النقل على العقل.

    adelnoman52@yahoo.com
    "المصري اليوم" القاهرية

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media