التعاقب الحضاري للبشر واختلاق الديانات
    الجمعة 23 مارس / أذار 2018 - 18:43
    د. جواد بشارة
        مما لا ريب فيه أن التاريخ البشري المكتوب بدأ في سومر كما قال صاموئيل كرامر ، وإن الكتابة والتفكير المنطقي والوعي واختلاق الآلهة قد بدأ في سومر أيضاَ كما قال جون بوتيرو، ولكن ماذا كان يوجد قبل ظهور الحضارة السومرية المتألقة والمتطورة آنذاك، بمعايير ذلك العصر، قبل قرون عديدة من العصر الحديث، أي ما قبل ميلاد السيد المسيح؟ قبل المضي قدما لا بد من أن نقوم بعملية اختيار للمنهج الذي سيجيبنا على هذا التساؤل. هل سنتبع العاطفة ونتقيد بالمنطق الديني الذي نصت عليه الكتب المقدسة وغير المقدسة التي قدمتها لنا الأديان البشرية عبر التاريخ وتناولت في طياتها قصص الأقدمين، أم سنتحرر منها و ننعطف باتجاه المنطق العلمي والعقلاني ودراسة الأجوبة التي تقدمها لنا المكتشفات الآركيولوجية والحفريات الحديثة في هذا المضمار؟ لأن الإجابات لن تتطابق ولن تلتقي إلا إذا قمنا بعملية توفيقية قسرية خوفاً من خطيئة إنكار الله وعملية الخلق الرباني بصيغة كن فيكون وأسطورة آدم وحواء وإبليس والجنة والنار والعقاب والثواب والتفاحة والثعبان.

        ما سوف يلي لا يعدو أن يكون مجرد فرضيات بخصوص الحضارات الغارقة في القدم والتي لم يقم عليها برهان مادي وعلمي بعد، لكن الدلائل القليلة المتوفر حولها تشير إلى إمكانية وجودها في سياق التاريخ. ستكون أدواتنا، العلم ، والمنطق العقلي والعلمي العقلاني، ومصادر التاريخ المتوفرة بين أيدينا ومساهمات المفكرين والفلاسفة القدماء ، الماديين والمثاليين، والآثار الباقية إلى يوم الناس هذا، بيد أن ذلك لا يعني أننا سنغفل أو نتجاهل مساهمة الأديان المختلفة والمتعددة وتاريخها. ولنبدأ بالسؤال الأهم والأولي لمعرفة الحضارات القديمة ، ألا وهو من الذي أقامها، ومن نحن في واقع الأمر؟ يعيش على هذا الكوكب ، الأرض ، اليوم ما يقرب من ثمانية مليارات من البشر إلى جانب كم هائل من المخلوقات والكائنات الحية الأخرى ، الحيوانية والنباتية والحشرات والأسماك والطيور ، على سطح الأرض وفي الجو وفي أعماق الأنهار والبحار والمحيطات، والحال أننا لو تعمقنا ملياً فسنكتشف أننا جميعاً من مكون واحد، فكلنا أبناء للنجوم، من الجسيم الأولي المكون للمادة إلى الجسم الإنساني المعقد، فلا يوجد اختلاف إلا في الدرجة . ماذا يمثل الإنسان على المستوى الكوني؟ وما هي قيمة الأرض التي يعيش فوقها بالنسبة للكون المرئي والمنظور الذي يحتويها؟ الإنسان على الأرض أصغر من ذرة غبار مقارنة بحجم الكوكب المأهول بكل هذه الكائنات. فنصف قطر الأرض le rayon de la terre هو حوالي 6.378 كلم، وبالتالي فإن قطرها son diamètre يقدر بــ 12.756 كلم أما حجم الأرض فهو 1.083.260 مليون كلم مكعب وهذا يبدو لنا مهولاً لكنه في الواقع لا شيء، مقارنة بالشمس أولاً ، فنصف قطر هذه الأخيرة أكبر من الأرض بــ 109 مرة كما تقدر مساحتها بــ 11.881 مرة أكبر من الأرض إذ يصل حجمها إلى 1.300.000 أكبر من حجم الأرض.

        والحال إن شمسنا تعتبر نجماً صغيراُ بين نجوم مجرتنا درب التبانة أو مجرة الطريق اللبني la voie Lactée ، فقطر نجم بيتلجوس l étoile Betelgeuse، أكبر من قطر شمسنا بــ 300 مرة، وحجمها يقدر بــ 27.000.000 مرة أكبر من حجم شمسنا، فيما يبدو قطر نجم أنتاريس l étoile Antarès أكبر بــ 487 مرة من قطر شمسنا وحجمها 113.000.000 مرة أكبر من حجم شمسنا. وأخيراً مثالنا الثالث هو نجم كانوبوس l étoile Canopus فهو أكبر بمليون مرة من الشمس وهي النسبة التي لا يمكن تخيلها إلا إذا وضعنا برتقالة صغيرة بجانب الكرة الأرضية، فماذا يمثل الإنسان بالنسبة لنجم كانوبوس؟ يقدر محيط الأرض بــ 40.000 كلم، و يتواجد نجم النهار l astre du jour ، أي شمسنا كما يسميها العلماء، على بعد 149.500.000 كلم من الأرض، ويحتاج ضوءها ، الذي يسير بسرعة 300.000 كلم في الثانية، إلى ثمان دقائق لكي يصل إلينا، ما يعني لو إن قطاراً يسير بسرعة 100 كلم في الساعة فسوف يحتاج إلى 173 سنة ونصف لكي يصل إلى الشمس. وأقرب نجم إلينا عدا الشمس هو آلفا دو سونتور Alpha de Centraur ويبعد على مسافة 41.100 مليار كلم عنا ويحتاج ضوئه إلى 4.35 سنة ضوئية لكي يصل إلينا، أي ما يقطعه ضوئه بسرعة 300.000 كلم في الثانية لمدة تزيد على أربع سنوات ونصف. فما هي السنة الضوئية؟ هناك 24 ساعة في اليوم أو 86.400 ثانية في اليوم و 31.536.000 ثانية في السنة والضوء يقطع مسافة 300.000 كلم في كل ثانية من هذه الثواني لمدة عام ما يشكل السنة الضوئية وتعادل 9.460 مليار كلم هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال عام. لذا تم قياس موقع أجمل نجم في سماءنا وهو نجم سيريوس l étoile de Sirius ووجد أنه يقع على بعد 81.100 مليار كلم عنا ويحتاج ضوئه إلى أكثر من ثمان سنوات ضوئية 8.58 لكي يصل إلينا، ويقطع النجم القطبي l étoile polaire مسافة 440.500 مليار كلم ولمدة 46.55 سنة التي تفصله عنا. وكان العالم الفرنسي الشهير هنري بوانكاريه قد قاس نصف قطر مجرتنا درب التبانة la voie Lactée وقدره بأنه أكبر ألف مرة من أقرب نجم إلينا وهو آلفادوسونتور. وبالتالي فإن عدد النجوم المكتشفة في هذه المجرة يتجاوز الـمائتي مليار نجم، ناهيك عن النجوم المحتملة التي تتواجد خارج نطاق الرؤية الرصدية لتلسكوباتنا الأرضية والفضائية، فما هي قيمتنا وسط هذا العمق الكوني اللامتناهي؟

        أمام هذا المشهد المذهل يقف الإنسان عاجزاً عن التصور والإدراك الحقيقي لهذا الواقع الكوني الذي لا يعرف عنه شيئاً يذكر فيلجأ إلى الخرافات والماوراءيات عندما يتساءل مع نفسه من أوجد كل هذا وكيف؟ فتخيل كائناً يتمتع بقدرات لا محدودة لا يمكن إدراكه أو معرفة حقيقته وصفاته وماهيته، فهو خارج المكان والزمان النسبيين اللذين يألفهما هذا الإنسان اللامتناهي في الصغر بالنسبة إلى الكون المرئي كما رأينا أعلاه، وبالتالي لا يمكن لهذا الكائن الخارق والخالق إلا أن يكون أزلياً وأبدياً وسرمدياً و لا نهائياً، خالداً لا يموت، يعلم كل شيء ، يعلم ما في السماوات وما في الأرض، هو الذي خلق كل شيء، أعطته الأديان عدة أسماء مختلفة، أشهرها الله إله المسلمين، فيما سماه الوضعيون واللاأدريون المهندس الأول والأعظم المصمم للكون le grand architecte de l Univers. ما هي السمة الأساسية والجوهرية لهذا الكائن الخالق للحياة والوجود؟ هل هو إله خير وإله طيب ومصدر للخير في الكون فقط؟ إذا كان الرد بالإيجاب فما هو مصدر وأصل الشر إذاً؟ فإذا لم يكن هو أصل الشر وخالقه فلماذا سمح به وبوجوده ينخر في مخلوقاته التي خلقها، وهل هو عادل وتصدر عنه العدالة الإلهية؟ فإذا كان كذلك فلماذا توجد تباينات وفوارق بين المخلوقات وتوجد كوارث وأمراض وأوبئة وفقراء وأغنياء وضعفاء وأقوياء وتعساء وسعداء وجرائم وعذاب وألم وحزن وفراق وموت الخ، فلو كان قادراً على كل شيء لماذا لا يضع حداً لهذه المفارقات؟ حاول الفلاسفة القدماء والمعاصرين ومعهم الأنبياء والرسل والمفكرين والقادة الفكريين أن يبحثوا عن إجابات عن هذه الأسئلة الوجودية الجوهرية لكنهم أخفقوا فصعوبة الموضوع وتعقيده هي كصعوبة وتعقيد فكرة اللانهاية والخلود l infini et l éternité. حاول البعض الاحتماء و التمترس خلف ذريعة حرية الخيار والاختيار التي منحها الله للبشر ، لكنه إذا كان يعلم كل شيء فهو يعلم بالضرورة حتماً ما سوف يفعله البشر سلباً أو إيجاباً عندما يمنحهم حرية الاختيار وسيكون هو المسئول عن أفعالهم وبالتالي عن فعل اختيارهم، لأنه هو الذي خلقهم ومنحهم العقل الذي يقوم بعملية الاختيار. فإما أن يكون خلقه متقناً كاملاً، وبالتالي لا يمكن للشر أن يمسهم، أو أن يكون ناقصاً أو قاصراً، غير مكتمل وغير متقن ، وهذا مس بالذات الإلهية وبالكمال الإلهي وبالقدرة الكلية الإلهية، مما أتاح للشر، أياً كان مصدره، أن يتحداه ويشكل قوة موازية ومعادلة لقدرته وسلطته. كان ألفيلسوف الإغريقي أبيقور يعرف ذلك ويعيشه بكيانه كله ويشكل تحدياً لنظامه الفلسفي والاعتقادي خاصة فيما يتعلق بمسألة القضاء والقدر والمصير المحتوم والمكتوب سلفاً على البشر الذي كان يقض مضجع مفكر المسيحية الشهير القديس أوغسطين أيضاً و الذي حرم طرح مثل هذه التساؤلات وتوعد من يمارسها بنار جهنم ومأواه الجحيم ، فعندما سأله أحدهم ماذا كان الله يفعل قبل أن يخلق البشر أجاب" كان يعد الجحيم ليضع فيها من يطرحون مثل هذا السؤال".

        لنعد قليلا لما بدءنا به لنقول إن شمسنا لم تخلق هكذا فجأة بإرادة ربانية لوحدها وإنما جراء سيرورة كونية نجمت عن تجمع أغبرة وغازات ومواد أولية كونية نجمت ربما عن انهيار نجم عملاق أو سوبر نوفا، وولدت من ذلك شمسنا قبل 4.6 مليار سنة ، أي بعد 9.2 مليار سنة من حدوث الإنفجار العظيم البغ بانغ، قبل 13.85 مليار سنة وهو العمر التقديري للكون المرئي حسب آخر المعطيات العلمية إلا أن عمره قطعاً أقدم من ذلك بكثير. وبعد ذلك بفترة قليلة تكونت أرضنا في مدار الشمس وبفعل تجمع العناصر الثقيلة والصلدة وبفعل الجاذبية والتجاذب الكهرومغناطيسي والحركة المغزلية ودوران الشمس والأرض البدائية حولها، وليس في ستة أيام كما تشير التوراة العبرية إلى ذلك في سفر التكوين وعنها أخذ القرآن قصة الخلق. إذن بات عمر الأرض معروفا ويقدر بأربعة مليارات ونصف من السنين وهو زمن قصير بالنسبة لعمر الكون المرئي التقديري وليس الافتراضي والذي يتجاوزه بكثير، فالأول ثبت على 13.85 مليار سنة أما الثاني فيعتقد أنه يتجاوز الــ 40 مليار سنة على أقل تقدير. يعود تاريخ أقدم حضارة معروفة على الأرض ، وهي السومرية ، إلى 5000 سنة قبل الميلاد ولكن ماذا كان يوجد قبلها منذ ظهور الحياة والإنسان والحيوان على الأرض؟ في كتاب محاورات الفيلسوف الإغريقي أفلاطون نجد إشارة تفصيلية لحضارة قديمة اندثرت في زمنه كانت تعرف بحضارة " الأطلنتيك" Les Atlantes، لا أحد يعرف على وجه التحديد تاريخ نشؤها ويقال أن قصورهم ومعابدهم شيدت من الصدف والمرمر والبرونز ويتمتعون بالرهافة، عندما كان أسلافنا يمشون على أربع. وفي حقبة أقرب إلينا، شيد المصريون حضارة متطورة وأنيقة وتمتعوا بثقافة فكرية ومعمارية متقدمة ما زلنا نستمد منها لحد الآن منابع الحكمة ونناقش بفضلها مساءل الوجود والخلود، كما كانت في تلك الأزمان شعوب أخرى تعيش في الأدغال والغابات المظلمة هي شعوب السيلت les Celtes التي كانت تقطن في أوروبا ، وبالذات فرنسا الحالية، وهي عبارة عن قبائل نصف متوحشة نجح قياصرة روما بعد قرون قليلة في قهرهم واستعبادهم، بقوات قليلة رغم شجاعتهم الأسطورية واستبسالهم في القتال التي اعترف لهم بها خصومهم وأعدائهم. وما تزال إلى يوم الناس هذا، ونحن في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين، شعوب عارية تعيش في الغابات والجبال مقطوعة عن الحضارة والمدينة وتعيش بطريقة بدائية، بل وبعضها من أكلة لحوم البشر. وقبل بضعة عقود تم اكتشاف مغارات مزينة جدرانها بالرسوم الملونة وأشهرها مغارة مونتنياك التي قدر عمر رسومها بثلاثين ألف سنة وربما أكثر. في حين ما يزال سر التماثيل الضخمة المنحوتة في الطبيعة خافياً في جزيرة الباك ولا أحد يعرف عمرها وقدمها ومن الذي نقلها إلى هناك وكيف نقلت؟ مثلما ما يزال التساؤل حول من بنى الإهرامات وأبو الهول وما حولها من معابد ضخمة، هناك نصوص من الأسرة الفرعونية الرابعة تعود إلى 2500 سنة قبل الميلاد وجدت بالقرب من تمثال أبو الهول. ما نجهله الآن هو كم مضى من الزمن بين ولادة الإنسان والفترة الزمنية التي وصل فيها تطوره لكي يترك لنا آثاراً وبقايا حفريات عنه. وكيف ظهرت اللغة وتنوعت ولماذا، وكم من الوقت انصرم بين التوصل إلى تقنية صقل حجر الصوان وصنع الأدوات منه ، لكننا نعرف الزمن الذي استغرقه البشر تطورياً بين اختراع المطبعة وفلق الذرة. ومنذ ظهور الكتابة وصلت إلينا أخبار وتواريخ بعض الشعوب القديمة ، في الفيدا الهندية والكتب الصينية والنصوص السومرية والآشورية والكلدانية والبابلية. تستغرق عملية التحضر أو التمدن لدى الشعوب زمنا ، يطول أو يقصر، حسب المؤثرات والظروف المحيطة ووجود أو عدم وجود عامل أو جهة توجه الشعوب البدائية نحو التطور والانتقال من المرحلة البدائية إلى المرحلة الحضارية . يروي لنا المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت في سنة 450 قبل الميلاد كيف أنه شاهد بنفسه في زيارته لمصر تماثيل ضخمة لــ 345 كاهناً مصرياً كبيراً يعود تاريخها إلى 11340 سنة قبل تاريخ رؤيته لها والحال أن وجود التماثيل يشير إلى وجود حضارة أقدم من 11345 سنة، وبالمناسبة يعتقد أن أغلب فلاسفة الإغريق زار أو مكث ودرس في وادي الرافدين وفي مصر وبلاد فارس والهند والصين وكانوا على إطلاع ومعرفة بتلك الحضارات وكان فيثاغورس معاصراً لبوذا. في كتاب محاورات أفلاطون وزمنه Timée de Platon، أخبر كاهن مصري عجوز محاوره الإغريقي بقصة قائلاً له :" ما هو حقيقي بما سأخبرك به هو أن ثورات عظمى تعاقبت وتراكمت في الفضاء الذي يحيط بالأرض وفي السماء، أحدثت في فترات طويلة متباعد فيما بينها، حرائق مهولة، أحرقت سطح الأرض. وقد انقرض سكان الجبال والمرتفعات بصورة أبكر من السكان القاطنين بمحاذاة الأنهر والبحر. ونحن المصريون كان النيل هو منقذنا في كل مرة." وفي الأساطير القديمة نجد أن الآلهة الغاضبة تقوم بتطهير الأرض بالمياه والفيضانات والطوفان، وإذا كانت الماشية و الرعاة بمنأى من هذا السيل الجارف فإن سكان المدن والجماعات البشرية التي تعيش بالقرب من الأنهار والبحار جرت إلى الغرق. عدا ما حصل في مصر فلم تنهمر المياه من الأعالي على السهول والأرياف بل على العكس، كانت تبدو وكأنها تنبثق من أعماق الأرض لذلك بقينا محافظين على إرثنا وآثارنا وتقاليدنا القديمة من الهلاك حيث احتوت معابدنا على قصص وتفاصيل من عرفناهم عن طريق الكتابة والتدوين للتفاصيل ". ويواصل الكاهن روايته قائلاً : "أما عنكم أنتم وعند شعوب أخرى، فبالكاد بعد نشأة الكتابة وتكون البنيات الأولى للحضارة جاءت الفيضانات والطوفان لاكتساحكم ولم تترك إلا بضعة أنفار من البشر، جهلة وأميين لا وجود للجمال والفن والموسيقى في حياتهم، مما يضطركم في كل مرة إلى أن تبدءوا من جديد من الصفر دون أن تعرفوا ما حدث وما وقع من أحداث لأسلافكم في هذه البلدان". من هذا النص نستشف أن لدى المصريين تدوينات ومدونات وتقاليد مكتوبة عن باقي الحضارات التي سبقتهم. وقاموا بدور حلقة الوصل والتواصل ونقل الأحداث والتواريخ بين الحضارات. كانت نينوى الكبرى، على سبيل المثال، تملك جداراً بارتفاع 30 متراً ومحيطه 45 كلم وأبراج بارتفاع 70 متر ويبلغ عدد سكانها أكثر من 600.0000 نسمة حيث شيدت المدينة في 2680 سنة قبل الميلاد وكانت واحدة من أقوى المدن في العالم وأكثرها وفرة وثراءاً آنذاك، لكنها دمرت وأزيلت عن بكرة أيها ولم يبق منها شيء يذكر كما لو أنها محيت من الخارطة، وتطلب الأمر أبحاث وتنقيبات آثارية أو آركيولوجية كبيرة ومضنية وجهود جبارة وأعمال ضخمة من أجل العثور على بعض البقايا من آثارها . وبابل العظيمة عاصمة وادي الرافدين الشهيرة، وأغلب الحضارات البابلية الأخرى، مدينة سمير آميس المرهفة التي عشقها الأسكندر المقدوني، ، المدينة التي احتوت برجاً بلغ ارتفاعه 40 كلم و 100 باب من البرونز وجنائن معلقة التي أعتبرت من عجائب الدنيا السبع وجدران وأسوار ضخمة تحيطها مرتفعة جداً لحمايتها وبسمك مذهل وعدد من القصور الفارهة، وكانت أولى مدن العالم بالشهرة والجمال في زمن المؤرخ هيرودوت ، هاهي اليوم مدفونة تحت الرمال والتراب و لا يعرفها إلى حفنة من علماء الآثار رغم أنها شهدت عهوداً من القوة والعظمة تفوق حتى أهمية باريس العالمية حالياً والتي لا يعود تاريخها إلا لبضعة قرون قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة. كما كتب أفلاطون أن بابل هي أم القوانين ومع ذلك غرقت ودمرت .

        كل تلك المدن والحضارات المندثرة عرفت أدياناً وآلهة متعددة ، ولكن من أين جاء الدين للبشر؟ على امتداد تاريخها كان لدى الأطلنتيك طقوس وشعائر دينية وتقاليد ومعارف ورؤى فكرية ونظريات للخلق ونظرة للكون، كانت هناك سلطة سماوية على اٍلأرض أو سلطة ما فوق أرضية supra terrestre، ممتدة من الأرض إلى الفضاء الخارجي ومتصلة به وبرز أشخاص يتمتعون بموهبة بعد النظر أو الرؤية المستقبلية والتكهن والتنبؤ، ومن هؤلاء جاءت النصوص والكتب المقدسة البدائية شكلت كنوزاً ومصادراً تاريخية داخل المعابد القديمة وبلاديومات أو قاعات العروش في المدن القديمة التي هي بمثابة مآثر باقية لحضارات قديمة سبقت حضارتنا بكثير. واعتقد بعض العلماء أن كل حضارة كانت تختص بجنس معين من البشر وأعطوها أسماء مثل الحضارة الصفراء والحضارة الحمراء والحضارة السوداء والحضارة البيضاء. ولكل واحدة من هذه الحضارات تطورها الثقافي والفكري ولها دينها الخاص وتقاليد أورثوها لمن أعقبهم من الحضارات والأجناس والأعراق، كما عرفت مدارس استهلالية لتعليم السكان مباديء الدين والمعتقدات الروحية. لا تتوفر بين أيدينا وثائق ومراجع كثيرة عن الحضارتين الصفراء والحمراء، مما جعل بعض العلماء يشككون بمصداقية وجودها المفترض، لذا سيقتصر الحديث عن الحضارة السوداء والعرق السود ، ولنشير مبدئياً أن الجنس الأسود الحالي ليس سوى انعكاس باهت لما كان عليه العرق السود الأول على الأرض حتى الأثوبيين الذين عرف أسلافهم القدماء عظمة الحضارة السوداء وكبرياء الكائن الذي كان يتربع على قمة الجنس البشري المتطور والعاقل، لا يمثلون سوى أحفاد متأخرين بقوا على قيد الحياة بعد فناء مئات الأجيال من العرق السود الأول. قبل آلاف السنين من تاريخنا المعاصر، وقبل الحضارة السومرية بكثير، كانت هناك إمبراطورية كبيرة وشاسعة تقع وسط المحيط الأطلسي الحالي وهي حضارة الأطلنتيك ATLANTIDE وهي بعيدة كل البعد عن مخيلة كتاب الروايات العلمية وأفلام الخيال العلمي ، كما جاء في وصفها على لسان أفلاطون في محاوراته مع الكاهن المصري. ولقد ذكر الكاهن المصري لأفلاطون قائلاً :" تروي كتبنا كيف أن الأثنيين ــ نسبة لأثنيا Athènes ــ القدماء قبلكم بكثير قهروا ودمروا قوة عسكرية هائلة كانت جزءاً من المحيط الأطلسي كانت قد غزت أوروبا وآسيا. ففي ذلك الوقت كانت اليابسة متصلة وكان بوسعنا عبور المحيط " ويواصل القول ": كانت هناك في الحقيقة جزيرة عامرة تقع مقابل ما تسمونه بلغتكم ــ أعمدة هرقل colonnes d Herculeـ وهي جزيرة تزيد مساحتها على مساحة ليبيا وآىسيا مجتمعتين. وكان البحارة يمرون من هنا إلى الجزر الأخرى ومن تلك الجزر إلى هذه الجزيرة شبه القارة التي تحدها شواطيء البحر وتستحق هذه التسمية وفيها مدخل هو عبارة عن مضيق يؤدي إلى بحر حقيقي وميناء كبير فهي في الواقع قارة حقيقية . وفي هذه الجزيرة ــ القارة الأطلنتيك كان هناك ملوك عظماء ذوي قوة مذهلة ومدهشة يسيطرون على الجزيرة ـ القارة ، بأكملها ويهيمنون على باقي الجزر المجاورة وفيما يتعدى المضيق كانوا أسياداً على ليبيا ولغاية الأراضي المصرية وأوروبا لغاية ترهيني Tyrhénie" ثم يقدم أفلاطون شرحاً وافياً ومطولاً ووصفاً دقيقياً للأطلنتيك والجزر التابعة لها ولمدنها الرائعة الجمال splendides، ولمآثرها وصروحها الضخمة وقصورها ذات الجدران المغطاة أو المطلية بالذهب والفضة والعاج والصدف orichalque، ومبانيها ومنشآتها الضخمة ومعمارها الجميل المدهش . كما حدثنا عن ملوكها وأصولهم وقوتهم الهائلة وعظمتهم منذ الملك أطلس ، الذي تحول إلى ملك خرافي. في سنة 1678 كتب أحد رجال الدين المسيحيين وهو الأب كيريشر père Kircher، أن أفلاطون كان يجهد في التقليل من أهمية ما سمعه واختزال وصفه إلى الحد الأدنى من الروعة والإشادة والتركيز على الحقائق التاريخية التي لا يمكنه إنكارها من خلال الوصف الجغرافي والفيزيائي للمكان وللوضع الاقتصادي والسياسي السائد في جزيرة ـ قارة الأطلنتيك ووجودها الجغرافي يمكن أن يكون محصوراً بين جزر الكناري وجزر الآزور ils d Açores، وجزر الفلاندر ــ هولندا ونصف بلجيكا حالياً باعتبارها آخر الآثار المتبقية من إمبراطورية الأتلنتيك.

        وفي عام 1924 نشر كاتب فرنسي يدعى روجيه دفين Roger Dévigne مجلداً ضخماً مزوداً بالصور والخرائط الموثقة عن " الأطلنتيك الجزء السادس من العالم الأرضي" ، كما جاء في عنوان الكتاب، وقدم ما توفر بين يديه من أدلة وبراهين علمية عن وجود تلك القارة المختفية عن الوجود اليوم وأشار في كتابه إلى وجود تقارب بين حضارة الأطلنتيك والحضارة المصرية الفرعونية في بواكيرها وما يجمعهما من مشتركات وكذلك المشتركات مع الحضارتين الصينية والبيروفية، ووصف معمارها وتماثيلها ومنحوتاتها وآثارها الفنية النحتية التي بدت وكأنها من إبداع نفس الفنانين من أصل إتروسكاني origine étrusque، ولديهم نفس الميل نحو بناء الإهرامات ، ولقد عثر مؤخراً على إهرامات غارقة في عمق المحيط، ووجود شعارات وإيقونات ومنمنمات دينية emblèmes religieux متشابهة مثل الصليب المعكوف la croix anséeأو صليب الحياة وكذلك التاو Tau على شكل قطعة نقدية أو كرسي أو أي شيء آخر.فكل شيء يشير إلى أن مصر القديمة جداً كانت مستعمرة أطلنتيكية أو على الأقل متأثرة جداً بالحضارة الأطلنتيكية وعلى الأخص منطقة مصر العليا وأثيوبيا. جلب الأنطلنتيكيون إلى أوروبا وأفريقيا سر طريقة صهر المعادن وصناعة الصلب والحديد وصنع أسلحة منها وطريقة تبريد النحاس كما دلت على ذلك حفريات حديثة في فرنسا وانجلترا واسبانيا وألمانيا والدول الاسكندنافية فهذا الشعب كان هو القوة العظمى الأكبر على الأرض في حقبة ما قبل الطوفان وقبل الحضارات القديمة التي نعرفها أي السومرية والآشورية والبابلية والفرعونية بألف وستمتائة عام، 1600 سنة. والفرضية الوحيدة التي تفسر تطورهم العلمي والتكنولوجي هي أنهم على اتصال بحضارات فضائية متطورة ومتقدمة جداً تكنولوجياً وعلمياً وتعلموا منها الكثير من الأسرار الصناعية والعلمية. ويقال أن ديانة عبادة الشمس أخذها المصريون من سكان الأطلنتيك الذين كانوا على اتصال بهم في أواخر حياتهم قبل اختفائهم في أعماق المحيط ، وعبدوا إله الشمس رع الذي هو في الحقيقة مخلوق فضائي كان على اتصال بالأطلنتيكيين الذي أتخذوه إلهاً لهم وقلدهم المصريون في ذلك . كما عثر الإسبان على آثار لعبادة الشمس ومعابد مأهولة عندما نزلوا من سفنهم واستعمروا البيرو والمكسيك . عثرت بمحض الصدفة أثناء بحثي عن المصادر القديمة، على ثلاث كتب قديمة جداً باللغة الفرنسية لكاتب فرنسي مغمور إعلامياً لكن تأثيره كبير على بعض الباحثين وهو أنطوان فابر د أوليفية Antoine Fabre d’oliviet، في إحدى أسواق بيع الكتب القديمة، تعالج العلوم الراقية أو العلوم الغامضة والخفية Sciences Occultes، وعناوينها هي :" اللغة العبرية المستعادة " و " التاريخ الفلسفي للنوع الإنساني" و" الأشعار الذهبية لفيثاغور". يقول أوليفية في كتابه التاريخ الفلسفي للنوع الإنساني أن العرق الأبيض كان متخلفاً وموجوداً في شمال أوروبا وكان يقاوم بضراوة هجمات العرق الأسود الأكثر قوة وتسلحاً وعدة وعدداً ويقود العالم آنذاك. ثم حدث اتصال مع بعض المتمردين داخل معسكر العدو وتعلموا منهم طريقة صناعة الأسلحة المعدنية وتمكنوا من دحر العرق السود الغازي ومن ثم سيطر العرق البيض على كامل أوروبا وقسمها إلى ثلاث مقاطعات أو مناطق رئيسية . المنطقة المركزية وسماها توتس لاند Teuts- land، أي الأرض المرتفعة الراقية أو الرفيعة الشأن، وفي الغرب منطقة سماها هولاند Holl- land أو الأرض المنخفضة أو الغولاند Ghol -land أي الأرض الأدنى ، وفي الشرق منطقة سماها بولاند Pol- land أو الأرض المتفوقة أو الأرقى أما المنطقة الواقعة شمال هذه المقاطعات الثلاثة فسماها داهن مارك D’ahn-mark، أي حدود الأرواح ومايزال بقايا هذه التسميات موجوداً فروسيا هي في الأصل روس لاند Ross – land، أي أرض الجياد ، وبلاد الغال هي في الأصل الغول لاند Ghol –land، ولقد أطلق المؤرخون على هذا العرق الأبيض إسم شعوب السيلت Celtes. وكانت تلك الشعوب تقيم احتفالاً في ذكرى اكتشاف الدبق gui ــ وهو نبات طفيلي ، ويحمل الاحتفال الطقسي إسم الليلة – الأم، Nuit-mère وبلغة السيلت نيوهيل أو هيل الجديد New- heyl، ومن هذه الكلمة جاء اشتقاق نويل Noel، ويتم الاحتفال بهذا النيوهيل في الليلة الأولى solstice لانقلاب الشمس في الصيف. وكان سكان السيلت يمتلكون معرفة فلكية متقدمة والشهر عندهم مقسم إلى ثلاثين يوماً والسنة مقسمة إلى 365 يوماً وست ساعات والقرن مكون من 30 و 60 سنة وبالتالي فإن الاحتفال بالنيوهيل أو نويل كان يجب أن يحدث في الليلة الأولى لبدء الشتاء وانتهاء الصيف لكنهم يرجعوه إلى الوارء 45 يوماً بسبب أن السنة السلتية أطول من دورة الشمس السنوية وتحدث خطأ في الحساب بيوم واحد كل 132 سنة وبعد حسابات معقدة بالحاسوب تبين أن عصر السيلت يعود إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد . كانت قبائل السيلت منقسمة على نفسها ومتناحرة فيما بينها بعنف وشراسة لكنها توحدت أمام الخطر المحدق بها جميعها والمتمثل بالنزعة العدوانية والنزوع للهيمنة للعرق الأسود واضطروا إلى إيجاد نوع من التنظيم السياسي والديني للحفاظ على تماسكهم. ويصف الكاتب الفرنسي دوليفية كيفية تكوينهم لجمعيات الكهنة والقائمين على المعابد من رجال ونساء، ومن ثم نجحت هذه الفئة الدينية تدريجياً في فرض هيمنتها وسلطتها المطلقة على كافة القبائل والشعوب السلتية، وهي نتيجة طبيعية لمسلمة تقول أن أية سلطة لا يوجد عليها أية رقابة أو سيطرة ولا كوابح ستتجه حتماُ نحو الطغيان وهو حال كافة الأديان على الأرض عندما يهيمن عليها رجال الدين والأكليروس ومن ثم ينحرفون بالأديان عن نقاوتها الأولية وكانت الطبقة الدينية الحاكم مكونة من الكاهنات النساء الطاغيات druidesses. هاجر عدد من أبناء السيلت قبل عشرة آلاف سنة قبل الميلاد هرباً من الطغيان والاستبداد الذي مارسه الكهنة ورجال الدين على القبائل والشعوب السلتية، وكانوا عبارة عن مجموعات رحل تنتقل باستمرار طلباً للكلأ والماء والمأوى ، واتخذوا إسم البودهون les bodhones، ضد الكهنة المعروفين باسم الدرويديسيات druidesses، ومن هؤلاء البدهون اشتق اسم البدو الرحل bédoins والتي تعني التائهين والمتجولين errant، وكان هؤلاء قد أنزلوا المرأة في مجتمعاتهم من مكانة القيادة إلى أدنى موقع ممكن وهو العبودية وجعلها عبدة خادمة وخاضعة لسلطة الرجل كردة فعل على قيادة وسلطة الــ druidesses، وهذا ما يفسر مكانة المرأة المتدنية عند الشعوب اليهودية والعبرية والعربية المنحدرون من البدهون. من بين الدرويديات كاهن شاب يدعى رام RAM، أو راما. تمكن رام ، بعد تجارب عديدة، من معالجة نبات الدبق بطريقة سرية خاصة به ، ونجح في استخلاص علاج ضد مرض عضال ضرب شعوب السلت وتعاظمت قوة وشهرة ومكانة رام مما أثار مخاوف مجمع الكاهنات الدرويدييات إلا أن رام تخلى عن مشروع إطاحة سلطة الكاهنات وشعر بأنه مكلف بمهمة أسمى من قبل قوى فوق طبيعية خارقة surnaturelles اتصلت به تخاطرياً عن طريق الإلهام، ولتفادي نشوب حرب أهلية، جمع حوله بعض الأتباع المخلصين ، بضعة آلاف من السيلت المؤمنين به وبقواه الخارقة واتجه بهم نحو الجنوب الشرقي . سار بمحاذاة بحر قزوين وتوقف لشهور طويلة عند جبال الأورال عندما عثر على قبائل بدائية خاضعة لسلطة وهيمنة العرق الأسود ويرغبون بالتحرر والانعتاق من قاهريهم الشرسين والقساة، فنظم منهم ومن أتباعه المخلصين قوة عسكرية واجتاز بهم جبال الأورال وبنى قاعدة له بين بحر قزوين وبحر آرال . ومع تعاظم قوة رام التي دحرت العرق الأسود في تلك المنطقة ولاحقتهم إلى جزيرة لانكا وهي جزيرة سيلان اليوم، عاد جيش راما لإحكام سيطرته التامة على كافة المناطق الآسيوية خاصة الوسطى منها والجنوبية ثم اجتازت قواته إيران ثم وصلت إلى شبه الجزيرة العربية حيث لقيت استقبالاً باهراً وتكريماً يليق بها وبقائدها الأسطوري وبعد زيارة بلد الكلدان توجه رام بجيوشه لمصر فخاف الفرعون من قوة جيش رام وبأسه وشعر بعدم جدوى المقاومة فقدم البيعة وقبل بالانضواء تحت لواء رام وقام حاكم أثيوبيا بنفس الشيء مما أخضع ضفاف النيل كاملة ونهر الغانج المقدس وجزيرة لانكا أو سيلان لغاية جبال القوقاز لحكمه. خلدت الكتب المقدسة الهندوسية حروب وفتوحات وإنجازات رام العظيمة وبالغت بها إلى درجة أنها لايمكن أن تحدث في حياة إنسان واحد لكي يقوم بكل هذه الأحداث والمنجزات لذلك تبنوا فكرة أن روح رام تعود إلى إنسان آخر بعد موته في ما يعرف اليوم بتناسخ الأرواح . فبعد اختفاء إمبراطورية الأطلنتيك برزت سطوة العرق الأسود وهيمنت على العالم مقابل عرق ابيض ضعيف ومشتت في شمال أوروبا لكنه كان شعباً شاباً ويتمتع بذكاء فطري وبطموحات تجسدت برام. إنهار العرق السود أمام العرق الأبيض المتنامي. تعود حقبة رام إلى فترة تمتد من 6000 إلى 10000 سنة قبل الميلاد. فلقد تمركز في ما يسمى اليوم بشبه القارة الهندية وتحول إلى إله يعبد وهو الدين الذي وجده الاسكندر المقدوني عندما غزا الهند في 326 قبل الميلاد. عندما وصل رام إلى الهند كانت تلك المنطقة تخضع لسلالتين نصبهما الأطلنتيك هناك وهما السلالة الشمسية Dynastie Solaire والسلالة القمرية Dynastie Solaire، في الأولى كان هناك ذرية إكشوكو Ikshaukou وفي الثانية ذرية أول بوذا Boudha،. طبقة البراهميين الهندوس Brahmes يقولون أن إكشوكو هو زعيم سلالة الشمس الأول وهو إبن سابع مينو Menou وهذا الأخير هو إبن فيفاسواتا Vaivasouata الناجي الوحيد من الطوفان حسب الأسطورة الهندوسية عن الطوفان، وهي الأسطورة الموجود في كافة الحضارات والأديان والمعتقدات. أطاح رام بالملك راهون Rawhon الذي كان الملك الخامس والخمسون من سلالة الشمس منذ إكشوكو ويسمى داساراثا Daçaratha. عندما غزا راما الهند عثر على التقويم الأطلنتيكي وتبناه بعد دراسته بتمعن وكان على اطلاع على المؤلفات الفلكية التي كانت عند الأطلنتيك وعلى معرفة معمقة بأفكارهم وديانتهم وقال عنه المقربون منه أنه ملهم من الإله الأعلى. وكان هناك تشابه بين دين رام وديانة المصريين ونزوعهما للمعابد الفخمة والضخمة مثلما هو حال الأديان الشرقية مما يلمح إلى مصدرها وأصلها المشترك الأطلنتيكي. كان رام مشرعاً كبيراً وقائداً صارماً وكان بمثابة الشعلة الأطلنتيكية التي خبت ثم تأججت تحت إسمه ، ورام هو الذي يسميه الهندوس في الهند اليوم " راما" RAMA وفي التبيت يسمونه لاما Lama وفي الصين فو Fo وفي اليابان با pa وفي شمال آسيا با با Pa-pa أو با دي شاه Pa-di-shah أو با سي با Pa-si-pa والفرس يسمونه جيام شيد Giam-shyd والآريين يسمونه ديونيسوس Dionysos. وفي 2100 قبل الميلاد كان انهيار السلالة الشمسية قد أدى إلى السقوط السياسي لإمبراطورية رام فكرس رام نفسه للوجود الروحي وللنشاط الديني ونصب مقعده الديني في التبيت الذي ما يزال قائماً إلى اليوم، بالرغم من كبر سنه حسب معتقدات اللاميين culte Lamique فالعبادة اللامية تقول أنه حي لا يموت إنما تتناسخ روحه الخالدة وتنتقل من جسد إلى آخر. دامت إمبراطورية رام في الهند 35 قرناً ساد فيها السلام والطمأنينة عند الشعوب الهندية وانتشر أثره الديني بتنظيم محكم وانضباط منقطع النظير وكانت الحضارتين الهندية والصينية قد دونتا كل شيء وبكافة التفاصيل وحافظوا على تلك النصوص وهي الكتب المقدسة الأقدم في العالم اليوم. ملحمة راما يانا Ramayana تروي لنا جزءاً من تاريخ رام، والفيدا Les Vidasهي الأكمل والأقدم ربما بين النصوص الهندية وتليها ملحمة المهابهاراتا Mahabharata التي يحتل فيها بهاغافاد جيتا Bhagavad-Gita حيزاً كبيراً ومهماً ، فهي أثر أدبي وملحمي عظيم ما يزال يستخدم كدليل منذ قرون عديدة لملايين من الناس. فمصدر إلهام رام هو الأطلنتيكيين كما كانوا كذلك مصدر إلهام العبادات والديانات المصرية والعبرانية ولا سيما الكابالا وأسس الفلسفة المحكمة والغامضة أو السرية والرمزية أو المرمزة والتي عبرت لبقية الشعوب عبر المدرسة الفيثاغورية ومدرسة الإسكندرية ووصلت إلى الإغريق وتلقفها العرفانيون والكاباليون اليهود ، وهناك مصدر آخر هو الفلسفة الطاوية والبراهمانية والبوذية وغيرها التي شكلت منهلاً خصباً للأفكار والمعتقدات الدينية والفلسفية المعاصرة. لا بد أن نعرج قليلاً لنتحدث عن شخصية مهمة ثبت وجودها تاريخياً وخلقت تياراً روحانياً مهماً تحول إلى ديانة منتشرة اليوم في جميع أرجاء العالم لا سيما في الهند وأفغانستان والصين واليابان ، وهي شخصية بوذا. عندما توفي بوذا عن عمر الثمانين ، أعلن الحداد لمدة سبعة أيام من قبل أتباعه ثم أحرقت جثته وكان شهرته قد طفقت الآفاق وانتشرت رسالته وأقواله وتفاصيل حياته بين المؤمنين به والسائرين على خطاه. وكان هذا المعلم الروحي المستيقظ والمستنير l éveillé قد حذرمن مغبة تقديس شخصيته وقال بالحرف الواحد:" عندما أموت كونوا أنتم كما أنتم كونوا جزيرتكم الخاصة بكم ومأواكم وملجأكم ولا يجب أن يكون لديكم ملاذ آخر غير أنفسكم ولا تلجئوا أو تعودوا لي". ومع ذلك تنازع الأتباع في تقاسم رماد بوذا وبقاياه ، وجمعوا أقواله وأفعاله وسنته وشهادات المقربين منه وصحابته. حدثت بينهم انشقاقات وهرطقات وتأويلات وخلافات أدت إلى نشوء عدة مدارس بوذية، بشأن الطريق الواجب إتباعه لبلوغ الغاية القصوى التي وصلها المعلم الأول بوذا ذاته أي الــ "آرشات archat" وهي الرؤية الإختراقية المؤدية للصحوة واليقظة الدائمة والتسامي. وهذا الطريق صعب وشبه مستحيل، مقصور على عدد ضئيل جداً من المختارين لاجتيازه وبلوغ نهايته كما فعل بوذا. وقد عقدت مجالس عقائدية وفكرية بهذا الخصوص في القرن الرابع قبل الميلاد من قبل كهنة الديانة البوذية لتحديد معالم الطريق واعترافهم بأن الوصول إلى "آرشات archat" كامل وتام ومتقن ومثالي أمر غير قابل للتحقيق ووهم لا يمكن لأحد غير بوذا تحقيقه وتحويله إلى واقع وكانت إحدى المدارس قد اعترضت على ذلك وقالت بأنه من الممكن السير على خطى " طريق القدماء la voie des Anciens بغية امتلاك الرؤية الإختراقية vision pénétrante et l éveil وبلوغ اليقظة والديمومة الروحية theravada الذرافادا للتحرر من سلطة الجسد المادي والانعتاق منه وتحرير الروح . ويصف هؤلاء بوذا بأنه إنسان ، بشر، حكيم بلغ مرحلة اليقظة الروحية l éveil spirituelle، وهو معلم من الطراز الأول عرف كيف يكيف خطابه لمختلف المستويات من الأتباع والمتلقين إلى درجة إعطائهم ما يربو على 84000 باباً للولوج ووضع خطواتهم مطابقة لخطواته واتباع تجربته وبذلك يمكنهم التحرر من السامسارا samsara، وهناك سبل معقدة لبلوغ هذه الغاية تمر عبر الصلاة والتأمل والترحم méditation et compassion والتقشف austérité. ويمكن إتباع التعليمات التي أعطاها بوذا نفسه ليس من خلال الـ "آرشات archat"، بل من خلال بوذيساتفا bodhisattva، أي أسلوب الكائن الاستثنائي الذي لا يبغي بلوغ النرفانا nirvana، بل اليقظة التامة والكاملة أو الصحوة المثالية éveil parfait. وبوذا ليس هو المعلم الوحيد بل هناك آلاف النسخ من بوذا بعدد حبات الغبار على شواطيء نهر الغانج Gange المقدس وعلى مختلف مستويات الوجود فكل كائن عليه أن يبذل ما في وسعه لكي يغدو بوذا آخر. والسؤال هو : من هو بوذا الحقيقي، بوذا التاريخي؟ حسب نص المهايانا mahayana فإن شخص غوتاما Gautama، وهو إسم بوذا البشري الحقيقي ، ليس مجرد كائن بشري، وهذا التأكيد يعتبر من الهرطقة في نظر البوذيين التقليديين الــ theravada الثيرافاديين. فهو في نظر التجديديين " ظهور أو تجلي فيزيائي مادي في جسد ممسوخ أو ناقص، لبوذا الكوني الروحاني. ولمعرفة سر هذا " الجسد" ينبغي الركون إلى عقيدة التريكايا trikaya، أي بعبارة أخرى عقيدة الأجساد الثلاثة لبوذا المتعايشة في نفس الوقت والمتواجدة في آن واحد أي بوذا الذي وصفته عقيدة المهايانا البوذية. فهذا الوجود الثلاثي متجسد في جسد بوذا وفي كل بوذا آخر يأتي بالتناسخ . الجسد الأول هو الجسد الخفي الخالي من أي شكل وهو المسمى ذرماكايا dharmakaya، أي جسد ذرما، وهو جسد خالد لا يموت ، فريد من نوعه وكوني، وهو جسد بوذا الأصيل الأولي قبل تجسده المادي والذي يمثل البعد الكوني في خواء الصحوة الدائمة vacuité de l éveil ، والوحيد القادر على تقبل الكائن الكامل المتحرر كلياً من السامسرا samsara. الجسد الثاني هو المعروف بإسم سامبوغاكايا أو جسد القصاص le corp de rétribution، وهو مجرد انعكاس للذرماكايا dharmakaya، وهو يظهر بفضل تراكم الاستحقاقات والسجايا والمزايا الجدير بها، وبالتالي فهو جسد شبه مثالي يتسم بخمس سمات ومكلل بخمس هبات من الكمال من شأنها أن تنقذه من دورة التناسخات المضنية. والجسد الثالث هو النيرماناكايا nirmanakaya أو جسد الانبثاق émanation، الذي اختاره البوذا الروحي لكي يتجسد مادياً في جسد كائن بشري هو غوتاما Gautama والذي هو في الأصل جسد الأمير سيدهارتا Siddharta . الجسدين الأخيرين هما تجلي صارخ للجسم المدرك corps perceptible لبوذا الأصيل الأولي غير المادي أو بوذا الكوني. ولكن التقديس الموجه لبوذا اليوم يأخذ الطابع التأليهي divinisé رغم أن الديانة البوذية لا تعترف بوجود إله خالق، ولا تعتقد بوجود جنة ونار وجحيم وفردوس وعقاب وثواب كما نصت عليه الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام. الحياة من وجهة نظر بوذا ليست سوى دورة من المعاناة والعذاب تبدأ من الولادة ومحفوفة بالنواقص البشرية كالشيخوخة والمرض والموت والحزن والتلوث والنجاسة. ولقد أخذ بوذا ثلاث خصال من الديانة الهندوسية الفيدية ــ نسبة إلى فيدا ــ ومنصوصة باللغة السنسكريتية وهي " الكارما karma، والسامسارا samsara ، والنيرفانا nirvana " وكيفها وفق مفهومه للذات الفردية فالهندوسية تعتقد بوجود الذات الدائمة الخالدة المعادلة للروح في التقاليد والمعتقدات الدينية الغربية، والتي تتناسخ مرات ومرات إلى أن تتخلص وتتحرر نهائياً من عقوبة الانبعاث وعودة الميلاد المتكررة ، بينما يرفض بوذا وجود الذات ويقول بأن كل كائن حي هو بمثابة تجمع لخمسة عناصر مكونة للتقلبات fluctuations، كما في الفيزياء الكمومية أو الكوانتية، وهذه العناصر الخمسة هي :" الجسد أو المادة، المشاعر والأحاسيس، الإدراكات، التشكيلات النفسية أو الروحية ، والوعي". فالذات إذن في حالة تغير من ثانية لأخرى ودائماً مؤقتة .

    تبين لنا أعلاه أن الحضارات القديمة، أنتجت أديانها الخاصة بها، ولهذه الحقيقة دلالة عميقة ومؤثرة على حياتنا لأن ثقل الماضي على الحاضر أمر لا مراء منه ولا جدال في أن الحاضر ما هو إلا تراكم للماضي، الذي إن تمكنا من فك طلاسمه وأسراره وسبر أغواره وفتح شيفرته ورموزه، سيتكون عندنا سبيل مهم لتلمس طريق المعرفة، علماً بأن المنهجية المعرفية الوحيدة المقبولة والمعترف بها هي تلك المبنية على التجربة والنقد والتقدم العلمي واستبعاد كل معرفة ماورائية غيبية مغلفة بالخرافة، كما ولا بد من التصدي لكل من يقف حجر عثرة من المدعين بأنهم يدافعون عن المعرفة الإلهية أو الحفاظ على المصدر الإلهي للمعرفة، لأن فضحهم سيكشف زيف وسطحية وسخافة المعطيات التي يتشبثون بها والتي كانت تعتبر مقدسة كما كانوا يريدون إقناع شعوب الأرض بذلك، ولقد نجحوا في نشر جرثومة ، أو فيروس التقديس في صلب الكثير من الشعوب والحضارات التي كانت متألقة ومقرونة بالقوة والعنف والجبروت رغم أنها كانت تستسلم بدعة إلى الخرافات والأساطير والقيم الفكرية القديمة المهيمنة آنذاك، و التي عفى عليها الزمن اليوم. فآفة البشرية هي التقديس والقداسة والمقدس للأشخاص والأحداث، وإن كل مظهر من مظاهر المقدس إن هو إلا محصلة ، وكل طقس ، وكل أسطورة ، وكل معتقد إن هو إلا صورة إلهية ماورائية وغيبية تعكس تجربة المقدس كما أشار إلى ذلك عالم ومؤرخ الأديان الشهير إليا ميرساد في كتابه الموسوعي" تأريخ المعتقدات والأفكار الدينية". وكان العديد من الفلاسفة قد سلكوا طريق الدين واللاهوت للوصول إلى الفلسفة كهيجل وفيورباخ وغيرهم، فكان الدين دائماً وظيفة جوهرية وأبدية للروح الإنسانية. وكان فيورباخ، على سبيل المثال يقول في محاضراته عن جوهر الدين:" لقد كان شغلي دائماً وقبل كل شيء أن أنير المناطق المظلمة للدين بمصابيح العلم حتى يمكن للإنسان أن لا يقع ضحية للقوى المعادية التي تستفيد من غموض الدين لتقهر الجنس البشري" ويقصد بها هنا المؤسسات الدينية وطبقة الأكليروس ورجال الدين والكهنة التي تريد التحكم بــ ، والسيطرة على، الجنس البشري وتسيره وفق أهدافها ومصالحها وأهواءها للحفاظ على سلطتها بإسم الدين. وكان السلاح بيد المفكرين والفلاسفة ورجال الدين المتنورين والمتمردين على المؤسسة الدينية وظلاميتها، هو الفلسفة في باديء الأمر والعلم فيما بعد، ابتداءاً من القرن السابع عشر. إذن كان الدين سلاحاً بيد القائمين عليه وحراسه الدنيويون لقهر الشعوب وتجهليها وإخضاعها بإسم الإرادة الربانية العليا. ولكن كيف نشأ التفكير والشعور الديني؟ وماهي الأديان الأولى للبشرية البدائية؟ كيف ظهرت مفاهيم المقدس والقداسة والأضاحي والقرابين والخلاص والمخلص والتضحية والفادي والفداء والخطيئة والشعائر والطقوس والعبادات وطبقة رجال الدين؟ وكيف انتقلت البشرية الأولى من عبادة الآلهة المتعددة إلى عبادة الإله الواحد؟ ولماذا ارتبط العنف بالمقدس؟ ولماذا تعددت الأديان بدلاً من دين واحد إذا كان منبعها مصدراً واحداً هو الله؟ وماهي نقاط الاشتراك والتقارب ونقاط الاختلاف والتباعد بين الأديان ومؤسسيها. وأخيراً هل سيقع تصادم وصراع حضاري بين الأديان؟ سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات في سياق هذه الدراسة مستندين في ذلك على كل ما يتوفر لدينا من معطيات ووثائق ومصادر علمية وتاريخية موثوقة. تخبرنا الاكتشافات الآركيويولجية الحديثة وعلماء الأنثروبولوجيا الكبار أن التجمعات البشرية البدائية كانت تمارس نوعاً من العلاقة الغامضة مع قوى وأرواح خفية غير مرئية تخيلتها وهي تسير وتتحكم بالطبيعة وتلاحقها بالموت لا سيما في مرحلة إنسان الكرومانيون Cro-Magnons، وحقبة الهوموسابيان أو الإنسان الواعيHomo sapiens،حيث كان البشر في تلك الفترة يعيشون تحت رحمة الطبيعة وتقلباتها المناخية وظواهرها الطبيعية الغامضة بالنسبة لهم وكانوا مرعوبين من لغز الموت وما بعد الموت ومأساة الفراق. وكانوا يدفنون مع موتاهم أدوات وأغذية لاعتقادهم أن موتاهم سيواصلون رحلة الحياة ولكن بطريقة أخرى بعد الموت، وبالتالي كان ما في داخل تلك القبور التي يعود تاريخها إلى أكثر من مائة ألف سنة ، أول مظاهر لحظات التدين لدى الإنسان البدائي قبل ظهور الأديان المنظمة والمبرمجة. وكانوا يرسمون عالمهم وما يحيط بهم من مخلوقات وحيوانات على جدران الكهوف التي تأويهم، لا سيما في عصر الصيد والتقاط مايوجد في الطبيعة Chasseurs – Cueilleurs، وفيما بعد في العصر الحجري paléolithique حيث كان هناك مايشبه التدين العفوي الفطري، يشبه طقوس الشامان والديانة الشامانية، وهي ديانة تقديس الطبيعة الحية المتطورة التي تمتلك القدرة والوعي وتتحكم بحياة الإنسان البدائي. وما تزال بقايا تلك الاعتقادات موجودة لدى الشعوب البدائية الأصلية في استراليا قبل دخول الإنسان العصري الأبيض إليها واستعمارها وكذلك في سبيريا وغابات الآمازون وأعماق أفريقيا. كان إنسان تلك الفترة يريد أن يضفي ملمحاً جوهرياً لعالم خفي غير مرئي ومجهول لا يعرف عنه شيئاً . كان هناك شعور مبهم لدى إنسان العصر الحجري لا يمكن اعتباره ديناً ذو طقوس وشعائر وأساطير وخرافات ومعجزات كما نلمسه اليوم، بل مجرد معتقدات مبنية على مسلمة واحدة هي محاولة إنقاذ الروح ووجود أرواح للطبيعة يحاول ذلك الإنسان البدائي أن يتفاوض معها ويتقرب إليها باعتبارها المسبب الخارق، أو ما فوق- طبيعي، للأحداث الطبيعية وهذا ما نصفه علمياً أو أكاديمياً، بالديانة الشامانية le chamanisme. هناك أطروحة تقول أن الأصل الأفريقي هو الذي انحدرت منه كافة التشعبات والأعراق البشرية الأخرى ولذا فهي تتحلى بذاكرة جمعية نجمت عنها كافة الميثولوجيات اللاحقة ، فكل دين موجود اليوم له جذر يعود لدين أولي بدائي انتشر بفعل الهجرة والتنقل الدائم بحثاً عن الماء والكلأ عندما كانت اليابسة متصلة، سيما في حقبة الهومو هابيليس Homo habilis أي الإنسان الماهر حيث تمكن بعد مليوني سنة من صقل الحجر والصوان وصناعة الأدوات والأسلحة البدائية التي تساعده في الصيد ، أما موجة الهجرة الكبرى فقد حدثت في حقبة الإنسان المنتصب Homo erectus قبل ستمائة ألف سنة وعنه نشأ الإنسان الذي يعرف أو الإنسان الواعي الذي انحدرنا نحن منه . وكان عالم اللغويات الألماني فلهيلم شميد Wilhelm Schmidt 1868-1954، قد أكد في كتابه المعنون" أصل فكرة الله L’origine de l’idée de Dieu" الصادر عام 1912، أن التوحيد هو الفكر الديني الأولي لدى الشعوب البدائية حيث استنتج ذلك من خلال معايشته لقبائل بدائية تعيش في جنوب شرقي آسيا لفترة طويلة وتعلم لغاتهم وعاداتهم وتراثهم الشفوي ، لكنه رأي متحيز بقدر كونه قاطع ، ولو بدون دليل علمي، إذ لم يكن سوى استنتاج مبني على الملاحظة والمعايشة اليومية لأنه كان مبشراً دينياً كاثوليكياً في نفس الوقت. إلا أن ذلك الإله الواحد ، صار يبتعد تدريجياً مع مرور الوقت كما ابتعدت الإلهة آن An، أكبر الآلهة السومرية في حضارة وادي الرافدين كما تخبرنا أسطورة رافدينية قديمة بذلك. ومن ثم نشوء مفهوم المقدس الأصلي numineux الذي تطرق له عالم الأديان الشهير ميرسيا إلياد Mirciea Eliade في كتابه المقدس والمدنس Le Sacré et le Profane. لنعد مرة أخرى للتسلسل التاريخي ولما أخبرتنا به فرضية حضارة الأطلنتيك، حيث كان المصريون القدماء آخر معاقل الفكر والتنظير الأطلنتيكي الحضاري ولقد احتفظت مصر الفرعونية بذكريات ومنجزات الشعوب الأطلنتيكية المندثرة عندما خضعت لسلطة الكهنة الفينيقيين وكانت متشبثة بتقليدين جوهريين الأول يأتيها من العرق الــعابد للآلهة الجنوبية sudéenne، والثاني من العرق الــعابد للآلهة الشمالية boréenne، واستلهمت منها طرق العبادة والقوانين. حافظ المجمع المقدس المصري على تقاليد قديمة منحته شعوراً بالتفوق على الآخرين. فكهنة طيبة Thèbes، يسخرون من إدعاءات الإغريق، بعد مرور قرون عديدة، بأنهم أصليون ويتحدثون عن طوفانات محدودة ويقدمونها باعتبارها الطوفان الأكبر وشخصيات خرافية مثل أوجيجيس Ogygès، و ديوكاليون Deucalion، باعتبارهم الأسلاف الأوائل للبشرية وللنوع الإنساني. ويتناسون أو يتجاهلون ما يدينون به لشعوب السيلت والكلدانيين والفينيقيين وللمصريين أنفسهم الذين نهلوا من علومهم ووضعوا في كريت قبر زيوس الإله الحي وجعلوا ولادة ديونيسوس في قرية نائية من الفيوتيا الــ Béotie، ذو الذكاء الإلهي وفي جزيرة صغيرة من الجزر الإغريقية وضعوا أبولو Appollon، الأب الكوني ما جعل الكاهن المصري يقول لسولون Solon، :" أنتم أيها الإغريق مثل الأطفال الذين يضربون مرضعتهم، تعتقدون أنكم علماء وعارفون في حين أنكم لا تعرفون شيئاً من تاريخ العالم والبشر". وهكذا كانت مصر آخر محطة رست فيها قوارب الفكر الحضاري الأطلنتيكي أو ما تبقى منه على أية حال. فشعوب السيلت التي هجرت أرضها وهاجرت من مناطقها تحولت إلى قبائل تائهة وجوالة بلا وطن ثابت ولا مأوى مستقر وهم الذين عرفوا بإسم البدهون، ومنهم جاءت تسمية البدو الرحل ، من هؤلاء انحدر الشعب العبري العدو اللدود للكهنة القادمون من الهند كغزاة والذين أرغموا العبرانيين على الهرب في الصحراء لكي لا يقعوا عبيداً بأيدي الكهنة. لذا بوسعنا أن نؤكد أن العبرانيين ليسوا من بقايا الكهنة الفينيقيين كما أعتقد بذلك بعض الكتاب. فهذا الشعب نتج عن اختلاط فئة من الــ sudéenne، و الــ boréenne في شبه الجزيرة العربية . وإن معارضتهم للعقيدة الإيونية ionnienne ، أجبرتهم على التخلي عن أرضهم، ولقد تعرضوا للإضطهاد في مصر وأثيوبيا ما جعلهم متعصبين ومتشددين واعتبروا بمثابة جماعات غير قابلة للتآلف وغير إجتماعيين وانعزاليين لا يمكن قهر العند الذي يميزهم وطردوا للصحراء باعتبارهم نوع من المنبوذين المشردين الأنجاس والملوثين أو المدنسين impurs parias، وهؤلاء هم الذين وجدهم موسى في مصر كما تقول مصادر التاريخ الديني العبري والتوراتي. لا أحد يعرف على وجه التحديد ما هو أصل موسى وهل هو شخصية تاريخية حقيقية. تقول الرواية العبرية التي ينقلها الإسلام بحرفيتها تقريباً، أن أمه وضعته في قفة ورمته في النهر خوفاً عليه من القتل إثر إعلان الفرعون المصري قتل كل الأطفال الذكور عند العبريين لكنه أنقذ على يد إبنة الفرعون التي ربته كأنه إبنها ، لكنه عندما كبر في البلاط الملكي وعلم بأصله الوضيع باعتباره من العبرانيين ترك البلاط والتحق بشعبه. بينما تقول رواية أخرى أنه إبن حقيقي لإبنة الفرعون أي حفيد الملك الفرعون الحاكم أي هو من دم ملوكي ولكي تتفادى الأميرة إبنة الملك الفضيحة أختلقت هذه القصة المسرحية والمخرجة باتقان لكي تحافظ على إبنها وتربيه دون أي اعتراض , وفي كلتا الحالتين فإن موسى تربى في أحضان إبنة الفرعون وفي البلاط الملكي، وكان العلم آنذاك محتكراً من قبل كهنة المعابد وإن الملكية كانت دينية أكثر منها مدنية أي أن الفرعون هو رأس الهرم الديني أي الإله على الأرض، وبالتالي فإن موسى كان من المطلعين والمعدين إعداداً عقائدياً متقدماً ومتقناً للعقيدة الدينية المصرية ومطلعاً على الأسرار العليا بسبب ذكاءه الحاد، لكنه لم يتمالك غضبه عندما رأى قائداً عسكرياً مصرياً يضرب عبداً عبرياً بقسوة فقام بقتل الضابط المصري بيده ثم هرب خوفاً من غضب الملك الفرعون. أمضى بعض الوقت في أثيوبيا وأطلع هناك أيضاً على مآثر وعقائد وتقاليد الأطلنتيكيين الأصلية خاصة فيما يتعلق بمسألة التوحيد والوحدة الإلهية وعثر على بقايا التجمعات البشرية العربية التي طردها الكهنة الفينيقيون من اليمن ما يعني أنه استكمل تعليمه الديني الذي حصل عليه من الكهنة المصريين حراس التقاليد الأطلنتيكية الأصيلة ، ولكن هذه المرة على يد الكهنة الأثيوبيين. وهؤلاء العرب هم نتاج اختلاط بقايا الأطلنتيكيين وأحفادهم مع السيلت البدهون أو البدو وكانوا يحقدون على أولئك الكهنة الذين كانوا يحملون إسم الفلستينيين philistins، وكانوا مشتتين في مصر وأثيوبيا وكانوا تعساء ، وعاش موسى بينهم وكان رحالة متجولاً وراعي غنم عند جيثرو Jéthro وتزوج من إبنة هذا الأخير وهي زيفورا Zéphora، وكان جيثرو أحد الكهنة من عرق العرب المشردين بلا وطن ولكن من الجزء المسمى العبرانيين وكان مطلعاً على أسرار الأسلاف وعلمها لموسى بدوره وربما كان يمتلك بعض المصادر أو الكتب والصحف الأطلنتيكية التي أعطاها لموسى ليطلع عليها ويتعلم منها مثل كتاب:" أجيال آدم Le Livre des Générations d’Adam، وكتاب حروب إيهوا les Guerres de Ihôa، وكتاب التنبؤات أو النبؤات Prophéties، التي ذكرها موسى كمصادر لمعلوماته ومعارفه الروحية وادعى أنه تلقى في الصحراء أولى الإلهامات الربانية أو الإلهية باعتباره المختار من قبل إله أجداده والذي سماه إيهوا أو يهوه Ihôa أي الكائن بذاته l Etre-étant، مصدر الحياة والرفاه، ومجري النعم، والذي أسمعه صوته من خلال الدغل المحترق أو الشجرة المتوهجة buisson ardent. ثم تحمل موسى مهمة نشر أسطورة الإلوهيم Aelohim، كائن الكائنات جميعاً وموجدها، ورب نوح الذي أنقذه من الطوفان وأبراهام ــ إبراهيم ــ الذي أنقذه من النار عندما أراد الملك النمرود حرقه حياً ،وهذا الأخير هو الجد العظيم المشترك للعرب والعبرانيين ، وأخيراً موسى المنقذ من القتل وهو رضيع، ومنه إلى جوشوا Josué ، الذي واصل رسالته ــ وليس هارون شقيقه كما يقول المسلمون ــ ومن الطبيعي الاستنتاج أن كل ما عرضه موسى كان مجازيا أو استعارياً فيما يخص أصله وحكايته والأساطير المرتبطة به وهي موصولة بجذور كونية ضاربة في القدم تعود إلى حقب غائرة في الماضي العميق للوجود، حسب الطريقة التي ينتهجها الحكماء القدماء التي تعود أصولها إلى ما قبل حقبة الأطلنتيكيين ومعطيات الكارثة التي أدت إلى اندثارهم بل وإلى ابعد من ذلك ألا وهو المبدأ الأول للأشياء كما صاغته الحكمة الخالدة التي احتفظ بها القباليون ــ الكابالا ــ أي العبرانيين، عبر العصور كأسرار ورموز تأتينا من حقب ما قبل موسى إلى يوم الناس هذا. وبين موسى وعيسى أو يسوع المسيح يتمركز الفلاسفة الإغريق الكبار الذين استنشقوا من نبع المعرفة البشري القديم جداً ، من خلال تجوالهم واتصالاتهم بالحضارات الرافدينية والمصرية القديمة ، ومن هؤلاء فيثاغورس الذي ولد في ساموس Samos ، سنة 608 ، ويقال سنة 570، قبل الميلاد وزار صور وهو شاب لدراسة علوم الفينيقيين ثم زار مصر وشبه جزيرة العرب ومن ثم ذهب إلى بابل وأقام فيها إثني عشر عاماً ونهل من أسرارها وعلومها الكثير وأطلع على الديانة الزرادشتية عندما زار بلاد الفرس، وكان قد تعرف على أولياتها في بابل. ومن ثم عاد وأسس مدرسة فكرية وفلسفية وعلمية في كروتون في إيطاليا ولقد أثرت مدرسته وآثاره على مستقبل البشرية جمعاء. بفضل كتابات تلامذته وأتباعه ومريديه . وأخيراً وليس آخراً، لا بد من أن نعرج ولو قليلاً لنتحدث عن مصدر آخر للتوحيد الأ وهو الصابئة، وهي من الديانات القديمة جداً في بلاد الرافدين " والصابئة " يسمون في بعض الأحيان "المندائيين"ويشكلون مجموعة بشرية متميزة وقديمة جداً يتسمون بطابع الكتمان والإنزواء وعدم التدخل في شؤون الديانات الأخرى. عدهم البعض من بقايا الديانات الآشورية والبابلية ونعتهم البعض خطئاً بأنهم وثنيون يكتمون إيمانهم، وهم من عبدة الكواكب والنجوم وطقوسهم وشعائرهم تتصل بديانات بابل القديمة وهم قطعاً ليسوا مسيحيين لأنهم لا يؤمنون بالسيد المسيح ولا بإلوهيته وآخر نبي مقدس عندهم هو " يوحنا المعمدان أو يحيى بن زكريا" ، فأعتبروه هو المخلص وهو النبي المجدد والمنقذ أو المنتظر فأجلوه وعظموه لأنهم يعتقدون أنه هو النبي المرسل إليهم خصيصاً. ودمغهم آخرون بأنهم من عبدة الملائكة ولديهم كتاب مقدس هو " كنزا ربا" أو الكنز العظيم، وكتاب آخر هو " السيدرا" ، وهم في واقع الأمر من أوائل الموحدين إن لم يكونوا أول الموحدين ولديهم تراث ديني وفلسفي وفكري وعلمي عريق بل ونظرية خاصة في الخلق والكون تضرب عميقاً في جذورها في العصور الغابرة، لذلك فهي من أقدم الديانات التي عرفها البشر وطقوسهم ترتبط بالماء وبالطهارة لذلك تراهم يتجمعون بالقرب من الأنهر، كما أنهم تأثروا فيما بعد بالفلسفة اليونانية واقتبسوا الكثير من مفاهيمها ومسائلها وأدخلوها إلى معتقداتهم. وهكذا فإن الدين الصابئي دين توحيدي يؤمن بإله واحد إنبعث من ذاته لم يخلقه أحد، وبالطبع يؤمنون بالثواب والعقاب وبيوم الحساب والآخرة. ويعتقدون أن الجسد فاني والروح أو النفس خالدة وهي التي سيعاد بعثها من جديد وهي جزء من روح عليا جماعية موجودة في الملكوت الأعلى ويمارسون التعميد في الماء الجاري كما فعل نبيهم يوحنا المعمدان حين عمد السيد المسيح يسوع أو عيسى بن مريم. 

    يتبع

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media