يا وزير المالية.. فحص ملفات الدعاة أيضاً
    الجمعة 23 مارس / أذار 2018 - 19:17
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    وزراء المالية أو الخزانة العامة لا يُقنعون ولا يُشبعون الناس من جوع، فمهما كان صدقهم وأمانة علمهم ونبل أهدافهم، فهم مخاصمون من العامة والخاصة إذا قرروا ونطقوا وتكلموا، فليس يُعجب الناس حديثهم أو منطقهم، فإذا تحدّث وزير المالية أو الخزانة قوبل بالرفض والنفور والإعراض من أول كلمة، فهو لا يتحدث إلا لأمرين لا ثالث لهما، إما أن يجبى ويستولى على أموال الناس، أو يمنع ويمسك أموالاً كانت فى الطريق إليهم، ولن تقبل أو ترضى الناس فى الحالتين. كان الله فى عونهم، وكان الله فى عوننا عليهم.

    ندخل فى الموضوع، فالسيد وزير المالية فى وزارته قطاع للتهرب الضريبى، وهو قطاع مسئول عن المتهربين من سداد االضريبة، أو عدم إدراج الممولين البيانات الصحيحة عن نشاطهم فى الإقرار الضريبى، أو إخفاء حقيقة الإيرادات التى تحصّلوا عليها. ولقد أعلن الوزير أنه قد «بدأ هذا القطاع فى فحص ملفات ضريبة الدخل الخاصة بالفنانين والإعلاميين والمذيعين من أصحاب المهن الحرة، للتأكد من عدم إخفاء أرباح وإيرادات خاصة بهم وبنشاطهم». وإلى السيد الوزير، أوافقك تماماً فى تتبع كل من يتهرب من سداد الضريبة المستحقة عليه كبيراً كان أو صغيراً، فناناً أو إعلامياً، ولا تنسَ الأطباء الذين يتعاملون مع المرضى خارج المستشفيات، ويتحصلون على الملايين من العمليات الجراحية يداً بيد، ولا تُدرج غالباً فى الإقرار الضريبى، وتتغافل وزارة االصحة والمستشفيات عن هذا النشاط، وتتركه لشطارة الطبيب من ناحية ولهفة ووجع المريض من ناحية أخرى دون ضابط أو رابط، وذلك لتداخل وتشابك المصالح بين السادة المسئولين فى وزارة الصحة والمستشفيات والمتهربين من الأطباء، وهذه النقطة على الماشى فقط، و إن كنت جاداً فى تطبيق مبدأ العدالة فى تحصيل الضريبة فعليك بهذا إن استطعت.

    أصل المقال والهدف منه ليس نشاط الجراحين من الأطباء، لكن حديثى عن قطاع ومجال ونشاط آخر لم يمد وزير مالية من قبل يده فيه خوفاً من الدعاء عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وسترى بعينك ما تحويه مغارة على بابا من الذهب والياقوت والمرجان والأموال، فتحمّل الجمال منها على قدر ما تحمل، وتحمد الله على الغنيمة، وتعود من غزوتك محملاً بما يكفينا لسنوات مقبلة بلا جهد أو عرق، (ولو كنت مكانك لحاسبتهم عليه حساب الملكين، وتركت لهم منه ما يسد رمقهم فقط، ويصل بهم إلى حد الزهد والتقشف والكفاف، فكما كانوا وما زالوا ينصحون الأغنياء بألا يبسطوا أيديهم كل البسط، فليربطوا أيديهم إلى أعناقهم ما تبقى لهم من العمر)، وكما يغنون للفقراء على ستر الفقر فليجربوا هذا الستر قليلاً، وكما يحببون الناس فى الزهد فليزهدوا ما بقى من أعمارهم. هؤلاء هم الدعاة والمشايخ الذين يملكون ويشاركون فى القنوات الفضائية، ودعاة البرامج التليفزيونية، ودعاة الحج والعمرة، ومشايخ القراء فى التعازى والمآتم، وكل هؤلاء معروفون بالاسم، وتستطيع بسهولة ويسر الوصول إلى أرباحهم ودخولهم السنوية، ولو كان فى النية صدق فهؤلاء يتفوقون على الممثلين والإعلاميين بمراحل. أما كيف يتهربون فهذا أمر متروك لرجالك من الذين يكشفون المستور. مطلوب أولاً حصر الدعاة على النحو السابق ذكره، وهو أمر سهل وميسور، وتحقيقه مضمون، ثانياً إلزامهم بتقديم الإقرار الضريبى، وحصر أنشطتهم ودخولهم، وهى بالملايين، وأهم هؤلاء مشايخ الدعاة للحج والعمرة، ولا تظن أن حرصهم على الحج مرة فى العام، والعمرة مرتين، إفراط فى الورع أو زيادة فى التقوى، بل هو ترويج للسياحة الدينية، ودعاية مدفوعة القيمة، ويتقاضون من ورائها الملايين، وذلك تحت عنوان قيادة قوافل الحجيج والمعتمرين، وإرشاد الحجاج لمناسك الحج، وإمامتهم فى الدعاء، وإن ما يتقاضاه الداعية من أموال يكون حسب مكانته وشهرته التى تجذب السياح إلى قوافل الحجاج والمعتمرين، وشهرته هذه أحد حسابات تكلفة الحج والعمرة، إن لم تكن أولها، وأهم مكوناتها، وبها تقاس وجاهة الرحلة وقيمتها، وكل الأطراف تتعامل على هذه الحقيقة ووزنها وتكلفتها ومكسبها. أما مشايخ القراء فقل ما شئت فيهم، فهم معروفون بالاسم، وكم يتقاضون، ومنتشرون فى أنحاء المعمورة، أما دعاة القنوات التليفزيونية فمنهم من يتقاضى بالدولار ويقسم أنه لم يتقاضَ مليماً واحداً وهو صادق على منهج «معاريض السلفية»، ومنهم من يتقاضى خمسين ألف جنيه مصرى فى الحلقة الواحدة، بل يصل الأمر إلى أن يكون الداعية الشريك هو نفسه الداعية المحاضر فيكون الخير خيرين، ويكون زيتها فى دقيقها. السيد الوزير، عليك بعش الدبابير هذا، ففى نهاية الممر ستجد مغارة على بابا، عامرة وزاخرة بما لذ وطاب من أموال الخليج، فقط طالبهم بتقديم الإقرار الضريبى، وعاملهم كما تعامل الممول العادى دون خوف أو رهبة، فليسوا من طينة وعجينة أخرى، افتح هذا الملف وسترى وتسمع ما لم تسمعه أو تره من قبل.

    adelnoman52@yahoo.com
    "الوطن" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media