قانون شركة النفط الوطنية العراقية يشرعن تفكيك العراق ويقضي على الشركة ذاتها
    الأحد 25 مارس / أذار 2018 - 09:58
    Ahmad Mousa Jiyad أحمد موسى جياد
    Iraq/ Development Consultancy and Research, Norway

    تتناول هذهالمداخلة  تحليل اخطر ما ورد في هذا القانون من نصوص تقود في المحصلةالنهائية الى تفكيك العراق والقضاء على الشركة ذاتها وتقديم الحسابات الاقتصادية الخاصة بذلك.

    يجب الغاء هذاالقانون فورا.

    فيمداخلتي  السابقة قدمت "تقييم اولي" لهذا القانون وقد استخلصتبانه "يعاني من فجوات خطيرة وعدم التناسق بين مهام الشركة وتشكيل مجلسأدارتها وخطورة تشكيل كيانين متنافسين لادارة القطاع الاستخراجي البترولي وتعارضهالسافر للدستور وتحويله العوائد السيادية الى عوائد شركة عامة مما يفقدها الحمايةالسيادية تحت القانون الدولي ويحمل الشركة مهام لاتتعلق مطلقا بطبيعتها كشركةنفطية."

    انني احذر بقوةوحزم من الخطر الحتمي المدمر القادم واكرر دعوتي الى " السلطة التنفيذية(مجلس الوزراء) بالتحرك الفوري لايقاف اجراءات ادخال القانون حيز التنفيذ والطلبمن مجلس شورى الدولة تدقيق مشروعية القانون والطعن بدستورية القانون امام المحكمةالدستورية العليا."

    وقبل البدء بتحليلتلك النصوص الملغومة (عن قصد اوقصر نظر) لابد من التاكيد بان نفس العقلية التي"حشرت الصناديق الاربعة" في هذا القانون هي نفسها التي "حشرت سلةالأربعة" في مسودة قانون النفط والغاز قبل احد عشر عام ؛ والتي ساهمت في جعلذلك القانون غير قابل للتطبيق مطلقا رغم المسودات العديدة التي قدمت منذ شباط 2007ولحد ألأن.

    والسؤال المحير هو:ألم تتعض تلك العقلية من تجربة اخطاء احد عشر عام، ام انها تحاول دائما تحقيق نفسالهدف؟ لا استطيع الأجابة!!

    ان اخطر ماورد فيقانون شركة النفط الوطنية من "تهديدات وجودية" هي المادة 12 وخاصة الفقرات (ثانيا: ب؛ج).

    تنص الفقرة ب"نسبة منالأرباح لـ (صندوق المواطن) حيث توزع على أسهم متساوية القيمة لجميعالمواطنين المقيمين في العراق،وحسب الاولوية لشرائح المجتمع، ولا يجوز بيع وشراء او توريث الأسهم وتسقط عندالوفاة."

    وتنص الفقرة ج "اسهم العراقيين المقيميين في الأقاليموالمحافظات غير المنتظمة بإقليم التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز المنتجالى الشركة تحرم من الأرباح ويضاف استحقاقها الى باقي المساهمين."

    ولتاكيد التصور اعلاه نورد فيما يلي نصالتفسير الذي صرح به  النائب الدكتور ابراهيم بحر العلوم عضو لجنة النفطوالطاقة النيابية والذي يبدو بانه لعب دورا رئيسيا في اعداد وتمرير هذا القانونحيث قال في مقابلة مع تقريرنفط العراق بتاريخ 7 اذار 2018 مايلي:

    "If Basra decides for tomorrow tobe independent and sell their oil and gas without INOC. INOC is a window forupstream and marketing, okay? If they decide that fine, it's your decision, butyou will not get your share in that fund. Basra people will not [receive] it,because you are not delivering oil and gas to INOC.”

    "إذا قررت البصرة أن تكون مستقلة غداوأن تبيع نفطها وغازها بدون شركة النفط الوطنية العراقية،وهي نافذةللتنقيب والإنتاج ، حسناً؟ إذا قرروا ذلك جيد ، فهذا قراركم ، لكنك لن تحصل علىحصتك في هذا الصندوق. لن يتلقى سكان البصرة ذلك ، لأنك لا تقدم النفط والغاز إلىشركة النفط الوطنية العراقية."

     لماذا تشكل هذهالنصوص في هذا القانون و تفسير من عمل على تشريعه خطرا وجوديا على العراق وعلىشركة النفط ذاتها؟

    اولا: ان تعبير "المقيمين" تمييز واضح بين العراقيين حيث تم استثناءغير المقيمين من شمولهم بصندوق "المواطن" وهذا يعني ان هذا القانون منالناحية الفعلية والعملية والقانونية "يجرد غير المقيم من صفة المواطنة اوعراقيته".

    انهذا  التعبير ومدلولاته وما يترتب عليه يتعارض كليا وبشكل صارخ مع الدستور في اكثر من موقع: فالمادة18-ثانيا  من الدستور تنص " العراقي هو كل من ولد لأبٍ عراقي أولاُمٍ عراقية" ولم تحدد "ألاقامة" كشرط لان يكون المواطن عراقيا.اما المادة 14 فتنص "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ " ثمتضمن المادة 16 " تكافؤ الفرصحقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين" وتنص المادة 44: اولا " للعراقي حريةالتنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه" .

    ثانيا: ان نص " تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز المنتج" يعني ان هذا القانونيسمح لسلطات " الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم" ببيع وتصديرالنفط والغاز المنتج فيها. ان هذا القانونيشرعن تصرفا خطيرا يتعارض بشكل واضح مع المادة 111  من الدستور والتيتؤكد ان "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليموالمحافظات." ويبدو ان الذين عملوا على تشريع هذا القانون قد اغفلوا او لميفهموا اهمية ومدلول ومركزية تكرار كلمة "كل" في المادة اعلاه. ان كلمة"كل" تعني الملكية التشاركية الجماعية لكل الشعبالعراقي لكل الثروات النفطية والغازية في كل المحافظاتالعراقية سواء كانت منتظمة او غير منتظمة باقليم.

    ثالثا: ان الامتناع عن تسليم العوائد المذكورة فيالنص اعلاه يشكل مخالفة من قبل سلطات "الأقاليم والمحافظات غير المنتظمةبإقليم" لهذا القانون. ولكن هذا القانون لم يذكر أي اجراءات قانونية تتخذ ضدتلك السلطات مما يعني ان بامكان تلك السلطات الاحتفاظ واستخدام جميع العوائد دون ان تكون ملزمة بدفع دولار واحد لشركة النفط الوطنية العراقية.وهنا يتجاهل هذا القانون مدلولات الضوابط التي يتم اعتمادها سنويا في قوانينالموازنة العامة وخاصة مايتعلق بعدم تسليم اقليم كردستان العوائد النفطية المحددةفي تلك القوانين. 

    وفي حالة الامتناع عن تسليم العوائدوالاحتفاظ بها او استخدامها يتم "معاقبة" العراقيين المقيمين في تلكالاقاليم والمحافظات وذلك بحرمانهم من حصصهم في صندوق المواطن!!

    رابعا: ويترتب على هذا السماح"القانوني" اولا انتهاء دور شركة تسويق النفط ( سومو) باعتبارها الجهةالوحيدة المخولة لتصدير النفط والغاز استنادا للقانون رقم 101 لسنة 1976 والقرار272 لسنة 1987 وثاتيا القضاء كلياعلى شركة النفط الوطنية العراقية!!!.

    خامسا: وفي حالة حصول الاقاليم والمحافظاتالمنتجة على "الأستقلال النفطي" المشرعن بموجب القانون اعلاه وتفسير منعمل على تشريعه ستنعدم عوائد النفط والغاز المتاحة لشركة النفط الوطنية العراقية؛ويترتب على ذلك انعدام الموارد المالية التي ستخصصها شركن النفط الوطنية العراقيةلخزينة الدولة (المادة 12-ثانيا-1 ) وكذلك انعدام الموارد المالية التي ستخصصللصناديق الاربعة (المادة 12-ثانيا-2 )

    ستكون المحصلة النهائية تفكيك ونهاية العراق(حسب ماتوقعه بيتر كالبريت- مستشار حكومة الاقليم ابان مناقشات الدستور العراقيبعد احتلال 2003 في كتابه "نهاية العراق"!!!!) ويبدو ان التخطيط لنهايةالعراق يتواص باستمرار وهذه المرة من خلال قانون شركة النفط الوطنية العراقية بعدفشل تمرير قانون النفط والغاز الاتحادي منذ شباط 2007 وبعد فشل مقترحات تعديل بعضفقرات قانون المحافظات غير المنتظمة باقليم رقم 21 لسنة 2008 وتعديلاته التي توفرللمحافظات المنتجة الاستقلالية النفطية!!!

    الحسابات ألأقتصادية لجدوى "صندوقالمواطن" في قانون شركة النفط الوطنية العراقية

    تم اعداد الحسابات ألأقتصادية التالية بهدفتحديد مدى صواب او خطأ وخطورة ماتظمنه قانون شركة النفط الوطنية العراقية وتصريحاتالنواب الذين عملوا على تمرير القانون وخاصة مايتعلق بالمادة 12 من القانون.

    وقد تم لاعداد هذه الحسابات اعتمادالمعلومات الاحصائية الرسمية لشهر كانون ثاني 2018 الخاصة بانتاج وتصدير النفطالتي اعلنتها وزارة النفط واعتماد الاهمية النسبية لعدد سكان المحافظات حسب اخرالارقام المذكورة في قانون الموازنة والمتعلقة بتخصيصات برنامجتنمية  الاقاليم والمحافظات.

    لقد تم التركيز على المحافظات المنتجة:البصرة وميسان و ذي قار وواسط وذلك لتوفر المعلومات الرسمية والمنشورة بشان انتاجالنفط وتصديره في هذه المحافظات ولم يتم شمول الغاز او صادرات المنتجات النفطيةلعدم توفر المعلومات التفصيلية عنها. كما لم تشمل الحسابات محافظة كركوك لانعدامالصادرات ولم تشمل الاقليم لانعدام قيمة عوائد الصادرات.

    الاستنتاجات الرئيسية تتلخص بما يلي:

    اولا: ان اقصى مايمكن ان يحصل عليه المواطنوعلى اساس بيانات شهر كانون ثاني 2018 هو 5.76 دولار شهريا وعلى افتراض تخصيص 3%من عوائد الصادرات النفطية لصندوق المواطن؛ وفي حالة تخفيض هذه النسبة فسينجم عنهاتخفيض متناسب في حصة المواطن.

    ثانيا: في حالة احتفاظ اية محافظة منتجةبعوائدها النفطية فان ذلك يقود الى تخفيض حصة المواطن في المحافظات الاخرى بمايتناسب واهمية نفط المحافظة الممتنعة عن تسليم العوائد. وتشير الحسابات ان امتناعالبصرة مثلا عن تسديد العوائد ، والتي استخدمها بحر العلوم كمثال، فان حصة المواطنفي المحافظات المتبقية (ميسان وذي قار وواسط) ستنخفض من 5.76  دولار الى1.2 دولار (أي انخفاض بنسبة 79.2% والذي يعادل نسبة اهمية مساهمة نفط البصرة فياجمالي انتاج المحافظات المشمولة في التقييم ) .

    وهذا يثبت اولا خطأ الاسس التي بني عليهاصندوق المواطن وثانيا عدم صواب راي النائب بحر العلوم في تفسيره للقانون الذي عملجاهدا على تمريره.

    ثالثا: انالحسابات توضح بما لايقبل الشك مطلقا ان احتفاظ المحافظات المنتجة بعوائدها النفطيةيؤدي الى تقليل العوائد المالية المتاحة لشركة النفط الوطنية لان قانون الشركةبصيغته التي صوت عليها البرلمان تفتقر لاية اجراءات رادععة وتعويضية؛ بل على العكسحيث ان وجود امكانية حرمان المواطن في المحافظات الممتنعة من الاستفادة من صندوقالمواطن سيشكل حافزا "قانونيا" للاستقلال النفطي مضمونا بموجب هذاالقانون.

    [[article_title_text]]

    لنعد الىمثال البصرة لتوضيح هذه المسألة. فلو احتفظت البصرة بعوائد"نفطها" ثم قامت بتخصيص 3% من العوائد التي لم تسلمها للشركةالى "صندوق المواطن البصراوي" فان ذلك يقود الى ان تصبح حصة المواطن فيالبصرة 50.45 دولار في الشهر مقابل 1.2 دولار في محافظات ميسان و ذيقار وواسط. ومن الطبيعي والمتوقع ان يترتب عن هذا التباين المرعب نتائج كارثية تتمثل اولا بافلاس شركة النفط الوطنية وثانيا افلاسالخزينة العامة للدولة وثالثا تفتيت العراق والقضاء عليه.

    ولذا يجب الغاء هذا القانون فورا.    

    في ضوء هذه القراءةألأظافية فانني اكرر وبشدة دعوتي الى:

    1-    السلطة التنفيذية(مجلس الوزراء) بالتحرك الفوري لايقاف اجراءات ادخال هذا القانون حيز التنفيذ؛

    2-    قيام مجلس الوزراءبالطلب من مجلس شورى الدولة تدقيق مشروعية القانون؛

    3-    قيام مجلس الوزراءبالطعن بدستورية القانون امام المحكمة الدستورية العليا. 


    احمد موسى جياد

    استشارية التنمية وألأبحاث/ العراق

    النرويج

    15اذار 2018

    Ahmed Mousa Jiyad,

    Iraq/ DevelopmentConsultancy & Research,

    Norway

    15 March2018

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media