صلاة الصبح وفريق برشلونة
    الأثنين 2 أبريل / نيسان 2018 - 07:32
    أبو تراب كرار العاملي
    سهرةٌ شبابية، أجواء من المرح والحماس، يشاهدون مباراة أو أكثر لكرة القدم، وربما لفريق برشلونة الإسباني المعروف، أخذٌ ورَدّ، طرحٌ ورأيٌ يقابله، تحليلٌ قبل، خلال وبعد المباراة، دخولٌ في جو المنافسة والتحدي الى حدودٍ قصوى ومستوى متعمق بحيث قد تشعر أن علاقة الواحد منهم أبعد من مجرد مشجع يتابع فريقه ويؤازره ويواكبه في مختلف محطاته الكروية.

    انتهى اللقاء بِشِقَّيه: المواجهة في أرض الملعب والتجمع التشجيعي المُشاهِد للأول، فاز الفريق الكاتالوني (أَي برشلونة) وتابع تألقه واستمر في أدائه المُلفِت (تيكي تاكا) وبتحقيق نتائج باهرة وبرصيدٍ خالٍ من الهزائم على قمة ترتيب الدوري، كما أنه سبق وحجز مقعده في المباراة النهائية في بطولة الكأس، إضافةً لتأهله الى الدور القادم من بطولة دوري أبطال أوروبا.

    افترق الإخوة المشجعون في وقت متأخر من الليل، هذا الى منزل أهله وذلك الى بيته الزوجي، وضعوا رؤوسهم وسحبوا الى ما بعد طلوع الشمس دفعة واحدة دون أن يحرك أحدهم ساكناً، ودون الإلتفات - عمداً أو قهراً - بأن لهم  محطة لقاء - واجبة – يبدأ وقتها الأدائي من الفجر و يستمر الى طلوع الشمس، لا بد من الحضور فيها وحسن التفاعل معها لكي لا يُكتَبوا من الخاسرين.

    لعله بات واضحاً أن محور الحديث المقصود هو صلاة الصبح، ولا بأس بالإشارة الى نقطتَيْن في البَيْن:

    أولاهما، أن كاتب هذه السطور من مُحبّي لعبة كرة القدم، ممارسةً ومشاهدة، لكنني لستُ من مشجعي الفريق المذكور في العنوان وفي صدر المقالة (أي برشلونة)، إلا أنني اخترته كمثال لوضعيته الجيدة والمتقدمة على غير صعيد: أداء، نتائج وتواجد في غير بطولة. وعليه، أدخل الى الموضوع المعني - والمهم جدّاً - من هذه البوابة الرياضية وأنا من مُحبي هذه الأخيرة ومتابعيها وليس خلاف ذلك. 
                                                     
    ثانيتهما، يكفي أن الله (عز وجل) قد فرض علينا القيام لصلاة الصبح ليكون هذا حافزاً ودافعاً للتوجه الى ما أمرنا الله به. لكن هذا لا يمنع من أن نحاول إغراء بعضنا البعض بشتى السبل المباحة - وبالاستفادة من الأمور التي تشاركنا حياتنا اليومية - بغية الوصول الى الأهداف المرموقة والمنضوية تحت لواء طاعة الله (جلَّ وعلا) ونيل رضاه بامتثال أوامره وتجنب معاصيه.

    وعليه، لا بأس بالتوجه الى الشباب وغيرهم، المتقاعسين منهم عن القيام لصلاة الصبح و المهملين لها والخاسرين للنفحات المباركة الناجمة عن هذا القيام الإلهي، وبالتحديد مَنْ يتابع منهم كرة القدم ويشجع فريق برشلونة أو أي فريق آخر، ولمحاولة إغرائهم وانتشالهم من هذا المستنقع المُخسِر في الدنيا والآخرة، فنقول لهم: كما أنكم تحبون لفريقكم أن يستمر بالانتصارات وحصد النقاط وعدم تضييعها والتفريط بها، وربما تنفعلون في هذا السياق وتعيشون جوّاً من الإنسيابية الفائقة التحمس، فعليكم أن تواكبوا انتصارات فريقكم المُفَضَّل من خلال السعي لعدم هدر أي نقطة في موازين أعمالكم فيما يتعلق بالقيام لصلاة الصبح. فكما أن فريقك برشلونة - أو غيره - يفوز، عليك "القيام للصلاة" والفوز بأدائها في وقتها.
     
    ولا بأس في هذا المضمار، وعلى سبيل المثال، أن يُعيِّن هذا "المُشجِّع الغير موفق للقيام" يوماً ما هو يحدده (أول يوم في الشهر – مثلاً - أو غيره)، ويبدأ بتعداد النقاط لنفسه، فمع كل "قيام" يحصد ثلاث نقاط، ومع عدم التوفيق لا يحصد شيئاً، حيث لا تعادل في البَيْن، ليقارن وضعه مع وضع فريق برشلونة. فإن كان غير مؤيد له، فلا يسمح له أن يسبقه ويتفوق عليه، وإن كان يشجعه فعليه مواكبته في انتصاراته ومناغمته على نفس الموجة المكللة برصيدٍ خالٍ من الهزائم في الدوري في العام الرياضي الحالي (حتى كتابة هذه السطور). وعند الفشل - لا سمح الله - عليه بمعاقبة نفسه كما يُعاقَب اللاعب لتناوله المنشطات أو لاقترافه مخالفة أخلاقية مسلكية في أرض الملعب.
    إلا أن عقاب نفسه يختلف عن ذاك العقاب: فذاك عقاب يضر بصاحبه دون منفعة ظاهرية تُذكَر، وأما عقاب النفس يمكن أن يكون صوماً أو دفع صدقةٍ أو تكريس نفسه لإتعابها في خدمة طرف ما، وكل ذلك يعود عليه بالمنفعة الأخروية والثواب الجزيل.

    "روايةٌ لطيفةٌ" مع عِبرةٍ مهمة تفيدنا في هذا السياق: (جاء الى الأب كي يخطب ابنته للزواج، فسأله والدها "أي ساعة صلاة الصبح؟"، فأجابه «العريس المفترض» "وما أدراني أي ساعة؟!"، ليأتيه الرد المُحْكَم "معذرة، لا نصيب لك عندنا فبضاعتنا ليست رخيصة").

    وجاء في "تفسير الصافي" (وهو كتاب لتفسير القرآن): "وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر فقال مع طلوع الفجر إن الله يقول وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا يعني صلاة الفجر يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها له ملائكة الليل وملائكة النهار.".
    .[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون] 

    خادم أهل البيت: أبو تراب كرار العاملي  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media