الأمام موسى الكاظم (عليه السلام) نظرة وتأمل (1)
    السبت 7 أبريل / نيسان 2018 - 18:37
    عبود مزهر الكرخي
    الأمام موسى بن جعفر هو سابع أئمة اهل البيت وهو من الأعلام الشاخصة في حياة أهل اليت حيث كانت حياته محط اهتمام الكثير من الباحثين والعلماء لأنه لم تكن مجرد حياة عادية لأي ولي صالح او عابد بل كانت حياة ملؤها التفاعل والنبض الإنساني في التاريخ الإنساني للبشرية فكانت حياته محطة وسفر خالد في ركب الحضارة الإنسانية بكل معانها العظيمة والسامية. فهو " وأحد أعلام الهداية الربّانية في دنيا الإسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود... إنه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الأعظم (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم) بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لأولي الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد... إنه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم الله ".(1)

    وكان  باب النجاة إلى الله ولو تتعبنا مسيرة حياته لوجدناها مسيرة حافلة بالعلم والتقى والورع مضاف إليها السماحة والعلم ولهذا كان احد القابه كاظم الغيظ. وكان بحق راهب أهل البيت لما كان معروف عن شدة وتعبده ورضاء هذا الأمام(روحي له الفداء) بقضاء الله وقدره ليكون امتداد لأجداده العظام ممثلة بالرسول الأعظم محمد(ص)وبعد مالقيه من صنوف على يد العذاب على كفار قريش ومشركيهم من الاعراب الأخرى ليقول في دعاؤه المأثور{ اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على النّاس،يا أرحم الرّاحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الّذي أشرقت له الظّلمات، وصلح عليه أمر الدّنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلّا بك }.(2)

    وهنا احب ان اشير الى مسألة مهمة وحين تتبعي لمصادر حديث الرسول الأعظم محمد(ص) وجدت أن هناك من يضعف هذا الحديث وفي مقدمتهم الالباني ويعتبرونه حديث ضعيف وهذا مما يثير السخرية على من يضعف هذا الحديث العظيم لنبي الرحمة محمد(ص) ومع العلم أن كل كتب التاريخ وحتى فيلم الرسالة يشير الى حادثة الطائف ما جرى فيه من تنكيل لنبينا الأكرم محمد(ص) وهذا يدلل على الهوى الأموي في تدليس وتكذيب احاديث الرسول والانتقاص من مكانته من قبل هؤلاء من وعاظ السلاطين.

    ونرجع الى موضوعنا ونكمل حيث يقول أمير المؤمنين وسيّد الموحدين صلوات الله عليه { ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولاطمعاً في جنتك ، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك..}.(3)

    وليعود سبط الرسول(ص) الأمام الحسين ليقول في صبيحة يوم عاشوراء بعد ان نظر إلى جمع بني أمية كأنّه السيل ليقول {  اللهمّ، أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً منّي إليك عمَّن سواك فكشفته وفرّجته، فأنت ولي كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة }. وهو أيضاً دعاء من ادعية الرسول(ص).(4)

    ويضيف الأمام الشهيد الحسين وهو في لحظاته الأخيره من عمره الشريف ليقول { هون مانزل بي فانه بعين الله}.(5)

    ولما اشتد الحال بالإمام (عليه السلام) وهو مطروح على الأرض بعد إصابته وسقوطه عن ظهر جواده { رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت، شكور إذا شكرت، ذكور إذا ذكرت، أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً، وأتوكل عليك كافياً، اللهم أحكم بيننا وبين قومنا، فانهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اصطفيته بالرسالة، وأئتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً، يا أرحم الراحمين صبراً على قضائك يا رب، لا إله سواك يا غياث المستغيثين...)).(6)

    وفي موقف العقيلة زينب سلام الله عليها وفي اشد لحظة من لحظاتها عندما انحدرت ناحية الميدان لا تلوي على شيء وأثنت ركبتيها عند جثمان أخيها المضمخ في صمت وسكون لم تنبس ببنة شف لتقول: { إلهي تقبل منا هذا القربان...إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى }.(7)

    فهذا الرضا بقضاء الله سبحانه والاستسلام لمشيئته كان الصفة الغالبة لائمتنا المعصومين(سلام الله عليهم اجمعين) وكان هذا يتجسد بصورة واضحة في الأمام سابع اهل البيت موسى الكاظم حيث كان امتداد لتلك العترة الهاشمية الطاهرة وليجسد نفس العذاب والتنكيل الذي مارسوه من كفار قريش والامويين في اجداده الطيبين الطاهرين.

    وفي السجن حيث تفرغ الإمام (عليه السلام) للعبادة، انقطع الإمام (عليه السلام) في السجن إلى العبادة المطلقة، يصوم في النهار ويقوم بالليل، يقضي كل أوقاته في الصلاة والسجود والدعاء.

    لقد أدهش العقول وحير الألباب بعبادته المتواصلة، وانقطاعه إلى الله عزّ وجلّ: وقد اعتبر وجوده في السجن نعمة من أعظم النعم التي منحها الله له، وذلك لتفرغه للعبادة، فكان يشكر ربه تعالى على ذلك ويدعو بهذا الدعاء الروحاني قائلاً:

    (اللهم، إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد).(8)

    ويبدو لنا من هذا الدعاء رضى الإمام (عليه السلام) بقضاء الله تعالى وصبره الجميل وكظمه الغيظ بانتظار الفرج إن شاء الله، كما يدل هذا الدعاء من جهة أخرى على مدى حب الإمام الخالص وشوقه الزائد لعبادة الله وطاعته. وهو يعيد سيرة اجداده في الرضا بقضاء الله والورع الذي يمثله هذا الامام الزاهد والعابد والذي في زيارته المأثورة تقول { اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاْمامُ الزّاهِدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الاْمامُ الْعابِدُ...} ليتم السلام ويوصف بالقول { السلام عليك يا حليف السجدة الطويلة } دلالة على طول السجدة التي يسجد ها لربه ويناجي بها ربه.

    القبض على الإمام (عليه السلام)

    كان الأمام الكاظم (ع) قد ذاع صيته في الأمصار لشدة ورعه وعلمه وكان الناس يتحدثون عن مآثره وفضائله التي لاتعد ولا تحصى. وكان أزلام هارون العباسي قد نقلوا ذلك إلى الطاغية هارون فامتلأ قلبه غيظاً وحقداً عند ذلك ذهب هذا الدكتاتور إلى قبر الرسول(صلى الله عليه وآله) فسلم عليه حاله حال الزوار ، وخاطبه قائلاً:

    (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني اعتذر إليك من أمر عزمت عليه، إني أريد أن آخذ موسى بن جعفر (عليه السلام) فأحبسه لأني قد خشيت أن يُلقي بين أمتك حرباً يسفك فيها دماءهم)(9). وكان يريد من هذا القول وأمام حاشيته هو خلق المبرر لعمله الإجرامي والفظيع امام المجتمع ولتخفيف الاستنكار والاستياء الذي سيواجه به وخصوصاً من قبل العلماء الذين سيستنكرون هذا العمل الإجرامي ، وبعد الاعتذار في اليوم الثاني أصدر الطاغية أوامره بإلقاء القبض على الإمام، فجاءت الشرطة وألقت القبض عليه وهو في طاعة الله يصلي لربه عند رأس جده النبي (صلّى الله عليه وآله). فقطع المجرمون الآثمون عليه صلاته ولم يمهلوه من إتمامها. لكنهم نسوا أن الله يمهل ولا يهمل. ثم حمل الإمام من ذلك المكان الشريف وقيّد بالحديد وقد توجّه إلى جدّه الرسول الأكرم: (إليك أشكو يا رسول الله)(10). فأين احترام قداسة القبر الشريف، قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأين احترام أبنائه، الأئمة المعصومين التي هي أولى بالرعاية والمحبة والمودة من كل شيء؟ ثم أين احترام الصلاة التي هي أقدس عبادة في الإسلام؟

    لم يحترم هارون قداسة القبر الشريف فهتك حرمته وحرمة أبنائه، وقطع صلاة الإمام (عليه السلام) وأمر بتقييده، وحمل إليه في ذل القيود، ولما مثل الطاهر الكريم أمام الفاجر اللئيم أغلظ له في القول، وكان اعتقاله سنة 179هـ في شهر شوال لعشر بقين منه.(11)

    ليكون هناك مسلسل طويل من التنكيل للأمام موسى الكاظم والحبس في ظلم المطامير وقعر السجون ومن قبل أعتى ازلام الطاغية هارون العباسي. لنكمل ذلك ي أجزائنا القادمة إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    المصادر :

    1 ـ المصدر / إعلام الهداية ج9.

    2 ـ رواه الطبراني في " الدعاء " (ص/315) واللفظ له – وعزاه بعض أهل العلم إلى " المعجم الكبير " للطبراني-، ومن طريقه الضياء المقدسي في " المختار " (9/179) ، ورواه ابن عدي في " الكامل " (6/111) ، ومن طريقه ابن عساكر (49/152) ، ورواه الخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي " (2/275) وغيرهم : وله طريق آخر من رواية محمد بن إسحاق عن يزيد بن رزمان ذكره ابن هشام في السيرة(1/260) عن ابن إسحاق في سيرته وابن جرير في التاريخ(1/554) وذكره الثعلبي في تفسيره(9/19) عن ابن إسحاق كذلك وابن كثير في البداية والنهاية ابن كثير في تفسيره ج 4 ص 176 :

     وغيرهم.

    3 ـ الكافي 2/84. منازل الآخرة: 31. عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي ج2 ص11.

    4 ـ تاريخ البداية والنهاية: ج 8 ص 178، طبعة دار الفكر.

    5 ـ اللهوف في قتلى الطفوف ص69. ـ الإرشاد : 2 / 96. أعلام الهداية كتاب الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام)المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)قم المقدسة ص 191. 5 ـ  الملهوف ص 103 .الإرشاد ج2ص108 . قال ثم جلس الحسين أمام الفسطاط ، فأتى بابنه عبد الله وهو طفل ....  ، مثير الأحزان ص70 . في كتاب بحار الأنوار 45 / 46 .

    6 ـ مع خطب وأحاديث الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء يوسف فخر الدين مجلة نور الإسلام  شبكة الإمامين الحسنين ص 299.

    7 ـ مقتل الحسين للمقرم.289.

    8 ـ المناقب، ج2، ص379.

    9- البحار، ج17، ص296.

    10- المناقب، ج2، ص385.

    11- البحار، ج17، ص296.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media