قصفٌ متعدد الأهداف
    الأربعاء 18 أبريل / نيسان 2018 - 06:50
    سالم مشكور
    إعلامي ومحلل سياسي
    ليس ترامب بل أن مَنْ وراءه من التيار المحافظ الميّال للحروب والتدخلات، أرادوا من القصف الصاروخي الثلاثي لمواقع سوريّة، تحقيق أكثر من هدف ربما في مقدمتها منع تحول الإيرانيين والروس الى أصحاب اليد الطولى في سوريا، خصوصاً بعد التقدم الذي حققته القوات السورية مدعومة بحلفائها في مناطق الغوطة الشرقية ذات الموقع الاستراتيجي بالنسبة للعاصمة السورية. من هنا فان القصف الأميركي - الثلاثي لقي ترحيب أنقرة التي لا يروق لها صعود الدور الإيراني - الروسي، وتقدم القوات السورية. الهدف الأميركي الآخر للخطوة العسكرية ضد سوريا هو إعادة فرنسا وبريطانيا كقوتين تابعتين لواشنطن، وهو ما قد يمهّد لتطويع موقفهما الممانع لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، الذي يبدو انه الملف الساخن الاخر الذي تنوي الجهات التي وراء ترامب تسخينه قريباً.

    أقول ليس ترامب بل أن من وراءه يقوم بالتصعيد الحاصل إقليميا سواء على الصعيد السوري أو الإيراني أو غيرهما. فالرئيس الأميركي يوقع أمر العمليات لكن هذا الأمر نتاج تفاعلات وتجاذبات داخلية سواء بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أو بين تيارين داخل الجمهوريين أنفسهم أو بين الإدارة والمؤسسة العسكرية. فالعملية الأخيرة جاءت حصيلة نقاش بين هذه المؤسسة وحسابات المؤسسة العسكرية، والمحافظين المتشددين الذين يشكلون إدارة ترامب، وهم ينتهجون سياسة متشددة تعتمد المغامرات العسكرية، وعلى رأس هؤلاء مستشار الأمن القومي الجديد جون بولوتون المعروف بتشدده ونزوعه نحو التصعيد ضد ايران وروسيا. التوافق تم على عملية محدودة تحقق الأهداف المذكورة آنفاً، يساعد في ذلك أن بريطانيا متوترة في علاقاتها مع روسيا وكلاهما - هي وفرنسا- تسعيان الى «إعادة الوصل» مع الولايات المتحدة بعد مواقف ترامب حيال الأوروبيين التي وصفت بغير الودية .

    قرروا الضربة لكنّ مبرراتها كانت من الوهن بحيث انها باتت محل سخرية الكثيرين دون أن يوقف ذلك منطق القوة وتجاهل القوانين ومعايير التعاطي الدولي وأولها تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة حظر استخدام القوة خارج إطار المنظمة الدولية. فبدون تحقيق ولا أدلّة دامغة قاموا بالقصف، فيما كان خبراء منظمات دولية متخصصة يقومون بالتحقيق في مواقع القصف الذي جرى الحديث عنه والذي ربما تم، لكن السؤال هو عن المصدر الحقيقي للقصف. ربما يكون بين أهداف القصف الصاروخي الثلاثي لمواقع سورية جسّ نبض المواقف الروسية والايرانية والعالمية لتحديد طبيعة الخطوة القادمة، وهي حلقة في سلسلة سياسات متواصلة منذ عقود أوصلت المنطقة الى كل هذا الدمار الذي تعيشه.

    "الصباح"

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media