اُمْدُدْ يَدَيْك فَكُلُّ شعبي بايعك
    الأحد 13 مايو / أيار 2018 - 17:41
    أبو تراب كرار العاملي
    قال له "هل لفتَتْك أجواء ونتائج الانتخابات النيابية في لبنان؟"، فأجابه "نعم، كانت مُلفِتة ومُعَبِّرة وذات مضامين مهمة تحتاج لقراءة وتأمّل يجعلان أحدَنا على بصيرة من توازنات وملابسات المجريات السياسية في شِقَّيْها المحلي والإقليمي". فعاد "الأول" ليقول "حبَّذا لو تُفَنِّد لي العناوين الأساسية التي استوقفتك خلال هذا العرس الانتخابي الباهر"، ليندفع "الثاني" مُسْهِباً بالكلام ومُقَسِّماً الحديث وغارقاً بالتوصيف الذي يفرضانه سياق المناسبة وأهمية الحدث.
    :
    "فَلْنُقَسِّم الاستحقاق الى ثلاثة أقسام: قبل، خلال وبعد الانتخابات.

    أما الشق الأول، فقد استشفَّيْتُ أنَّ أعداءً يحاولون الاستغلال و"الاصطياد بالماء العكر" للولوج الى البيئة الحاضنة للمقاومة ومحاولة إغرائها بشتى السبل المتاحة لدفعها لعدم التصويت في الاتجاه الذي يَصُب في صالح المقاومة، وتالياً الاستفادة من هذا العزل الخبيث - بين المقاومة وحاضنتها - وتحويله كذخيرة في أسلحتهم الصَّدِئة التي باتت بلا رصاص وبلا فاعلية وبلا جدوى، بل أنها باتت وَكَأنَّها تطلق الرصاص على أصحابها وحامليها الذين لا يُجيدون الرماية والذين أضاعوا البوصلة وأهدروا الهدف.

    ورأيتُ "حزب المقاومة" يُدير المعركة بصلابةٍ وثبات وقوة وعزيمة، وأخلاق راقية ومسلكية مرموقة وثقة عالية بشعبه وجمهوره وقاعدته وحاضنته، مع ماكينة انتخابية نَشِطة وفعّالة تعمل بجدٍّ واجتهاد ومثابرة وإخلاص وَهِمّةٍ عالية وكفاءة مشهودة. كما لفتني أنه من بين المهرجانات الانتخابية التي أقامها، أقام واحداً - في إحدى الدوائر - حيث لا يوجد له مرشح من كوادره المُنتمين مباشرة الى تشكيلاته التنظيمية وإن كان يوجد مَنْ ينتمي الى حليفه الراسخ والاستراتيجي، وهذا له دلالته في الحياة السياسية المتنوعة الطوائف والانتماءات.

    كما لاحظتُ تحالفاً راسخاً قَلَّ نظيره بين "حِزْبَيْن مُتحالِفَيْن" أَيّما تحالف، وَيْكَأَنَّهما حزبٌ واحدٌ حيث أفراده وكوادره يتفاهمون بِأسْلَسِ ما يكون، ويتفقون ويخططون فَيُشَكِّلون ثُنائيّاً يُضرَب به المثال في عالم الأحزاب السياسية والتحالفات المشتركة، الاستراتيجية منها وصولاً الى الأضيق فالأضيق.

    كان مُلفتاً الوضع بالنسبة لدائرة "بعلبك - الهرمل" يا صديقي، حيث اكتسبت وَقْعاً خاصّاً ومميزاً، لما ظهر من اهتمام – لدى بعض المناوئين لبيئة المقاومة - كي يخطفوا مقعداً "شيعيّاً" من هذه المنطقة التي تُعتَبر "خزّان المقاومة"، ولكن هيهات يا صاح هيهات، وألف هيهات وهيهات، فأهل هذه المنطقة الشرفاء والأوفياء كانوا على موعد جديد من الوعي ومحطة متجددة من الإدراك والمسؤولية، ولك أن ترى الترنيمة الرائعة التي رُوِّج لها قبل المهرجان الانتخابي في هذه المنطقة، حيث انتشرت بعض الصور التي تُظهِر معاني رائعة - تخاطب سماحة "الأمين العام" قبل ٳطلالته الكريمة في المهرجان - ومفادها أنَّ "الدار دارك"، فيا له من تعاطف وجدانيّ يخرق الأفئدة ويثقب فيها شلالات من دموع المحبة لهذا الإبداع الرائع في الوفاء وإيصال الرسائل الى الأعداء المتربصين بنا سوءا.

    توقَّفَ قليلاً عن السَّرد ليتأكد من صديقه إذا أصابه مللٌ جرّاء هذا الإسهاب، ليأتيه الرد واضحاً وحازماً "أبداً أبدا، فأنا متشوق لمعرفة الشّقَّيْن الآخَرَيْن، فَهَلّا تفضّلتَ عليَّ بالمزيد؟"، لِيُعاود "الثاني" مُكْمِلاً "أما الشق الثاني، خلال الانتخابات، فلاحظتُ إقبالاً شديداً للاقتراع ورغبة ملحوظة ومُحتَرَمة لإيصال الصوت والكلمة، وحماساً مُعَبِّراً ذا رسائل مهمة توحي بأننا في ساحة من سوح المواجهة والنزال، وحيث لا وجود لمنافسٍ حقيقي يمكن له الصمود فضلاً عن الانتصار في وجه إبداعات هذه البيئة المباركة. ومن أهم ما تصدّر المشهد خلال فترة الاقتراع، هو الإقبال الملحوظ من قِبَل الجرحى لِيُدلوا بأصواتهم، فهذا يمشي على كرسي متحرك، وذاك يستعين ب"عكّازتَيْن" وبعض الإخوة الكرام. كما لوحِظَ متقدمون في السّنّ يأتون ليقترعوا، وفي هذا السياق شَدّني منظرٌ مهم حيث تظهر عجوزة مُستلقية على فراش المرض - أو ما شابه - آتية بمعونة أصحاب الخير كي تُثبِت حضورها ولسان حالها أن الشَّيْب والعَجْز البدني لن يحولا دون إثبات وجودنا وإعلاء كلمتنا بأننا حاضرون جاهزون وبمختلف الفئات العمرية.

    وها نحن نصل الى مِسْك الختام، الى الشق الثالث - فترة ما بعد الانتخابات، حيث النتائج الباهرة التي حققها "الثنائي الشيعي الوطني"، والفوز الكاسح والشامل للمقاعد الشيعية. فأثبت "الجنوب" أنه راسخ كجباله العاتية، وعَصِيٌّ على أن يُخرَق، وأنه على أتم الجهوزية للمواجهة بِوَجْهَيْها العسكري والسياسي، وأنه عنوان للصمود والانتصار والتألق والارتقاء، فطوبى لهذه الأرض المقدسة - جبل عامل - وجميع أهلها المقاومين الشجعان، الثابتين كثبوت أشجارها والبرّاقين كلمعان ثمارها. وأظهرت "العاصمة" أنها في خندقنا، خندق العروبة والمقاومة، تُرَتِّل على ذات ألحانٍ قادمةٍ من جبال "الجنوب" ونفحاته وتنسيماته. وتحية الى "البقاع الغربي" الذي لم يتوانَ بإثبات وجوده المقاوم وحضوره الشريف، فكان على الموعد وأوصل الرسالة لِمَن يعنيهم الأمر وأكّد ماهيّة انتمائه وهواه.

     واسمح لي يا صديقي، وأنا ابن الجنوب وجبل عامل، أن أتوقف قليلاً عند أهلنا وأحبَّتنا وأعزّائنا في "بعلبك - الهرمل"، حيث المعركة هناك أخذت منحى معين، إلا أن أهلنا هناك لم يترددوا عن عزف معزوفة عابرة القلوب لتخترق أفئدة الأوفياء في كل مكان فتعطي دروساً في ترانيم الثبات والولاء وعدم الانجرار، وليُثبِتوا بحق أنهم خزان المقاومة وحاملو لوائها. فتحية لهم، من أرض الجنوب ومروراً بجبال لبنان وهضابه وسهوله، وألف سلام وسلام وسلام". 

    جرت دموع "الأول" على خدَّيْه مُتأثراً تأثّر المسرورين، قبل أن يعود "الثاني" - الذي بدوره تبللت وَجنتاه - ليُكمل ويقول "بِقيَت نقطتان لا بأس بالإشارة إليهما:

    - الإطلالة الهادئة والموزونة لسماحة "الأمين العام"، مع ما حققه وشعبُه ومحبوه من انتصار ساحق وملفت، ليتناول الأمور - كعادته - من منطار الحريص على وطنه وشعبه بالأجمع، وليستفيد من الانتصار بما فيه الخير والصلاح للجميع، وهذه بعض من مواصفات ومسلكيات القائد الشجاع والمخلص.

    - المتابعة المُعتبَرة مِنْ قِبَل أوساط العدو لانتخاباتنا المحلية، وهو شيء طبيعي ومُتَوَقَّع، فَنُقِل عن مستشرق ٳسرائيلي قوله «إنّ حزب الله حقق انتصارًا كبيرًا، لم يكُن يتوقعّه أحدٌ في الانتخابات، فيما خسر تيّار المُستقبل، بقيادة رئيس الوزراء سعد الحريري، خسارةً مؤلمةً وقاسيّة، عندما فقد أكثر من 13 مقعدًا في مجلس النوّاب، مُقارنةً مع العدد الذي حصل عليه في انتخابات العام 2009».

    كما نُقِلَ عن جهة صحفية غربية قولها «إن حزب الله المدعوم من إيران حاز أغلبية الأصوات في البرلمان بعدما خاض الانتخابات ضمن تحالف مع الحزب المسيحي الذي يتزعمه الرئيس ميشيل عون وحركة أمل الشيعية أمنت لهذا التكتل 67 من بين مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 مقعدا».

    ها قد أفَضْتُ عليك يا صديقي ما رأيتُه ولاحظتُه على هامش المتابعات لهذا الاستحقاق المهم والمؤثر، فما تعليقك؟".

    لِيُجيب "الأول" برؤية واضحة وطمأنينة مُطلقة "ماذا عسانا نقول غير أننا كنا أمام عرس انتخابي رائع بصورته العامة، ورائع لأنه زَفَّ لنا عِرِّيساً اسمه "مقاومة"، التي تصدّرت المشهد كبطل لا يُقهَر، وَكًأنّي بلسان حال أهلنا الشرفاء، أهل الثبات والوفاء، يُرَدِّد قول الراحل "عمر الفرّا" قائلاً لسيد المقاومة «اُمْدُدْ يَدَيْك فَكُلُّ شعبي بايعك»".
     
    [ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون].

    أبو تراب كرار العاملي 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media