مصر.. الضيعة
    الخميس 17 مايو / أيار 2018 - 19:49
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    والضيعة فى المعجم الجامع، تعنى الأرض المغلة المثمرة المنتجة، وافرة الثمرة، وارفة الظلال، الغنية الثرية، الرابحة المربحة. أما عند العامة فالضيعة تعنى الضائعة والمفقودة والخاسرة. وهذه الضيعة الخصيب، كانت يوما عطية وهدية الخلفاء للولاة، ومنحة ومكافأة وملكا وسلطانا مقابل ما يقدمونه من خدمات وولاءات، أو ردا للجميل، فكان الوالى منهم مالكا لمالها وأرضها وناسها، وكأنه قد ورثها عن أبيه، أو آلت إليه وصية واجبة، يتصرف فى الزرع كما يتصرف فى البشر، ويتملك البهائم والعباد، فكانت مصر الضيعة يوما تحت ملك عمرو بن العاص مكافأة من الخليفة معاوية بن أبى سفيان، وكانت يوما تحت ملك عبدالله بن أبى السرح، ردا لجميل صنعه للخليفة عثمان بن عفان، وكانت بين معاوية وعمرو شرطا واتفاقا مسبقا، وعهدا والتزاما بينهما، إذا وقف عمرو مع معاوية فى حربه ضد على بن أبى طالب، ودانت له البلاد، وخضعت له رقاب العباد، تحت سلطانه وسطوته وامرته، أن يوليه أمر مصر الضيعة.

    وكانت فى الثانية، ردا لجميل من عثمان بن عفان إلى بن أبى السرح، حين دعى لخلافته بين الناس، وفضله عن على بن أبى طالب، ودار بها مؤيدا ونصيرا بين الناس وبين أهله، فلما كانت وأناخت الخلافة لعثمان ولاه أمر مصر الضيعة، وكانت الضيعة فى الحالتين مغنما ومربحا لهما وليس لغيرهما يحلبانها لصالحهما، وكان مطلب عمرو بن العاص فى تولى مصر رد اعتبار لعزله من الخليفة عثمان، واستجاب له معاوية، ونفذ الطرفان الشرطين وما تعاهدا عليه، هذا وقف شريكا ومعاونا ونصيرا فى حربه مع على، وخدع الصحابى الطيب أبا موسى الأشعرى فى واقعة التحكيم فى «دومة الجندل»، وذاك استجاب لما عاهده عليه وقطعه على نفسه وولاه أمر مصر ورد له كرامته.. (هذا ما أعطى معاوية بن أبى سفيان عمرو بن العاص أعطاه أهلها فهم له حياته والأنفس طاعته شرطا)، وأصبحت مصر الخضراء الضيعة المثمرة لقمة هنية وشربة مرية هى وأهلها فى فم بن العاص، حتى مكث واليا عليها أربع سنوات، ومات فيها عند التسعين عاما، يقول بعض المؤرخين أن عمرو بن العاص لا يعرف له قبرا، والبعض يقول دفن فى المقطم، وآخرون يؤكدون أن المدفون فى مسجده ابنه عبدالله.

    ويستدعى الأمر إلقاء الضوء على من تولى أمر هذه الضيعة قبله، وهو عبدالله بن سعد بن أبى السرح، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، وقد أدناه الرسول منه وضمه إلى كتبة الوحى، لمعرفته بالقراءة والكتابة، وارتد لسبب غير معروف، وعاد إلى مكة، وتقول كثيرا على الرسول، وأشاع بين الناس أنه كان يكتب الوحى عكس ما يملى عليه، يكذب فيما يكتبه عن الرسول، ولهذا أهدر الرسول دمه، وفى فتح مكة أمر بقتله حتى لو تمسك بأستار الكعبة، ووقع فى حمى أخيه عثمان، يؤكد الرواة أن الرسول مات ولم يعف عنه، ولم ينس ما قاله وتقول عليه، ولم يسامحه، وكان يتمنى أن يقتله أحد من الصحابة.

    ابن أبى السرح كان مشاركا عمرو بن العاص فى فتح مصر، ولقد رفض اختيار على بن أبى طالب خليفة للمسلمين، بعد مقتل عمر بن الخطاب، وفضل عليه عثمان، وحفظ له عثمان جميله، ونسى أن الرسول مات غاضبا عليه، مهدرا دمه، وكان يتمنى قتله، وولاه أمر مصر الضيعة، وعزل عمرو بن العاص، الذى ألب عليه ثوار مصر وقتلوه، ولقد خير عمرو أن يكون قائدا للجيش تحت أمر بن أبى السرح، إلا أنه رفض وتهكم وسخر، وقال: «أنا أمسك البقرة الحلوب من قرونها، وابن أبى السرح يحلبها»، أفصح عمرو وأصاب، مصر الحلوب الطيبة الضائعة لم تعد ملكا لأهلها يحلبها عمرو، وابن أبى السرح، ويدميا ضرعها لصالحهما ولصالح بدو الجزيرة.. عن ثروات ولاة الضيعة.. الأسبوع المقبل.

    adelnoman52@yahoo.com
    "المصري اليوم" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media