هل في العراق حكومة أم شركة متعددة الجنسيات؟
    الجمعة 18 مايو / أيار 2018 - 13:29
    وداد عبد الزهرة فاخر*
    كاتب ومحلل سياسي ناشط في مجال مكافحة الإرهاب
    السؤال ليس جديدا ، أو غريبا ، لكنه واقع حقيقي يعيشه وطن ابتلى باحتلال أمريكي خرب فيه كل شئ ابتداء من قمة السلطة لقاعدتها من الجماهير ، علاوة ما قام به النظام الفاشي البعثي المنهار من خراب ودمار.

    ففي العراق هناك سلطة تحكم وليس حكومة ، لان الحكومة هي مجموعة مؤسسات تدير البلد ، وتنظم كل شئ فيه ، وهذا معدوم أصلا في " العراق الجديد " ، فالسلطة هي التي تقود الجماهير التابعة ، بينما دولة المؤسسات تقودها الجماهير ومجلس نوابها المنتخب الذي يراقب كل تحركاتها وتصرفاتها ، إضافة لمنظمات المجتمع المدني .

    فنحن لم نر منذ سقوط نظام البعث يوم 9 نيسان 2003 ، لحد الآن سوى خليط غير متجانس من متعددي الجنسيات ، يتصارعون فيما بينهم على الغنائم لا أكثر ولا اقل. 

    والبعض من العراقيين استبشروا خيرا بعملية انقلاب القصر التي جاءت بالضد من العملية الانتخابية للعام 2014 ، بشخصية أخرى من نفس حزب الدعوة لقيادة السلطة ، ووفق مؤامرة معدة سلفا وتسويات إقليمية ودولية شاركت فيها دول إقليمية ودولية ، وقوى وأحزاب محلية من اجل عملية التغيير الانقلابية المنشودة . لكن لم يحصدوا سوى العاصفة من عملهم ذاك ، وسجلوا نتائج من الإحباط والخسران برجل السلطة الجديد الذي زاد الطين بله كما يقال. 

    فالمتحاصصون هم .. هم أنفسهم ، وكتلهم " البرلمانية " هي .. هي لم تتغير ، لكن غير الكثير منهم ، وخاصة من داخل حزب الدعوة الحاكم ، ولائهم وتحولوا من هذا الطرف للطرف الآخر وعلى نمط مقولة " الناس على دين ملوكهم" . إذن ما الذي غيره تغيير رئيس مجلس الوزراء الذي عاد أيضا للمحاصصة المقيتة ، وشكل وزارة لا يستطيع أن يوجه التنبيه لأحد من أعضائها ؟ .. ولكون الجميع مشارك بالسلطة ، وليس هناك أي طرف أو كتلة معارضة ، بموجب اتفاق تقاسم الفساد الغير معلن في العراق " الجديد" ..

    ولم يتوانى " السيد الرئيس " عن إعادة تكرار تصريحاته البهلوانية عن محاربة الفساد ، و " الضرب بيد من حديد على الفساد " ، رغم إن الناس لم تسمع سوى " جعجعة ولم تر طحينا " .. 

    وجاءت الطامة الكبرى مهزلة ما سمي بانتخابات العام 2018 ، لتزيد الطين بله ، من خلال ما رصد من أموال فاقت الخيال لاستيراد أجهزة للعد والفرز من شركات وبتوسط أشخاص منتفعين ، وليس من الشركة المصنعة ، وهذه أولى فضائح ما تسمى بـ " المفوضية العليا المستقلة للانتخابات " ، وهي أصلا غير مستقلة ، كونها خليط من ممثلي المتحاصصين ، وضمن افرازاتهم السامة .

    فالشركة المتعددة الجنسيات التي يحكم ممثلوها العراق ، لا زالت تتخبط كما يقال " خبط عشواء " ، لان أي من الممثلين لا يلتفت إلا لجهة مصالح الدولة الإقليمية ، أو الدولية ، التي يمثلها ، ويتلقى الدعم منها. 

    والمشكلة إن الكل يتهم الكل بالفساد والعمالة والخيانة ، والسرقات ، بحيث اخذ الشعب يدور بعينيه بين الجميع وينصت بأذنيه عله يتلقف الحقيقة الغائبة !!.
     
    وجاءت نتيجة انتخابات " العصر " الجديدة مخيبة لآمال الجميع ، بعد أن غابت أصوات كثيرة عن صناديق الاقتراع ، وتدنت نسبة التصويت بحيث لم تصل وفق تصريح " الخبير الاستراتيجي هشام الهاشمي، الاثنين، ان نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، لم تتجاوز الـ20%. " ، وهي نتيجة أكدتها العديد من الأطراف الدولية والمحلية ، لكنها وبقدرة قادر ارتفعت من قبل مفوضية الانتخابات من 35% ، الى 44% .. وبعد زيارة لسفير الدولة المحتلة لمركز العد والفرز ببغداد ..

    كذلك تحدثت معظم أطراف العملية الانتخابية ، وأصدرت البيانات عن حدوث تلاعب ، وتزوير في مراكز انتخابية ، خاصة في كركوك ، ومدن الإقليم الثلاثة ، ورجحان كفة البعض في العديد من المدن .. وقد أكدت هذه الحقيقة:
     " صحيفة الأخبار اللبنانية، في تقرير لها نشرته اليوم الثلاثاء 15 . 05 . 2018، بوجود حالات تزوير مؤكدة في انتخابات محافظة كركوك النيابية، لصالح الحزبين الحاكمين في كردستان، الديمقراطي، والاتحاد الوطني الكردستانيين، فيما أشارت إلى أن أجهزة في مناطق عربية وُجدت مبرمجة على التصويت لصالح حزب طالباني، مهما كانت الجهة المصوت لها.". 

    بينما ضاعت صيحات إياد علاوي وكتلته الوطنية أدراج الرياح وبح صوته وهو ينبه على حالات التجاوز والتزوير : (وأضاف الشمري، أننا "نراقب وعن كثب مايحصل في مركز إدخال بيانات النتائج للانتخابات البرلمانية، حيث انه لدينا معلومات مؤكدة بوجود ضغوط يتم ممارستها من قبل بعض الأطراف الخاسرة للتلاعب بنتائج ائتلاف الوطنية في بغداد وتغيير بعض الأرقام") .

    ورغم كل هذا الضجيج العالي الذي يشبه تلاطم أمواج البحر ، ينشغل البعض الأخر من " الفائزين " بالتخطيط لكيفية تحالفات الكتل الكبيرة ، ويحضر نفسه أو أشخاص من كتلته " الفائزة " لتسلم الحكومة ، مع تغريدات سفير السعودية السابق في العراق والمطرود منه بقوة وإرادة وضغط الجماهير " ثامر السبهان " ، تعقبها تغريدة من راع الغنم السابق والإرهاب اللاحق خميس الخنجر الذي دخل العملية " الديمقراطية " بقدرة قادر بالتهاني والتبريكات !!!!!!. 

    ولأن الجماهير في واد ، والمتحاصصين من الكتل الانتخابية في واد آخر ، يبقى السؤال إلى متى يستمر الحال هكذا ، ومتى يتم حل " مجلس إدارة الشركة المتعددة الجنسيات " التي تدير الأمور في العراق نيابة عن دول ومحاور ، وأطراف خارجية ؟.

    ولان الإصلاح يجب أن لا يكون من خلال عملية ديمقراطية عرجاء تعتمد أساسا على قانون خط رؤاه وخطوطه العريضة المحتل الأمريكي ، ومن بعد سن قانونا لصالح أعضاء مجلس إدارة الشركة المتعددة الجنسيات التي تدير العراق ، فلن يكون هناك حل البتة .. لان الحل الوحيد هو العودة لفترة انتقالية تكون فيها السلطة للدولة المركزية وبدستور جديد ، وتخليص العراق من عملية النهب المنظم و " القانوني " من خلال أعضاء مجلس إدارة الشركة المتعددة الجنسيات الحاكم ، وتابعهم من جمهرة مخيفة العدد ممن يسمون بالنواب ، والذين يعدون بـ 329 نائب ، وجمهرة من المسؤولين الكبار ممن يستنزفون خزينة الدولة بما يتقاضونه من رواتب وامتيازات ، كذلك المتقاعدين منهم مع النواب السابقين . وإعلان حالة الطوارئ ، وسن قانون من أين لك هذا ، وملاحقة كل الفارين من لصوص المال العام أي كانوا وبأي بلد يقيمون من خلال الضغط بموجب العلاقات والاتفاقات التجارية والاقتصادية ، وتجارة الترانزيت وغيرها من الضغوطات التي تلجا إليها الدول لاسترداد حقوقها المنهوبة أو الضائعة.

    ننتظر أن تجري هكذا عملية اصلاح ، ويتم فيها التخلص من المتحاصصين وأعوانهم وازلامهم ، وداعميهم .. 
    لكن هل يجرأ العراقيون على القيام بعملية التغيير ؟ .. يمكن أن يكون ذلك ولكن وفق حدوث معجزة ، رغم إن زمن المعجزات قد ذهب وولى .....


    * شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج 

    www.saymar.org
    alsaymarnews@gmail.com

    17 . 05 . 2018 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media