الأوضاع الداخلية في أيران هي التي شجعت ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي
    الأثنين 21 مايو / أيار 2018 - 18:01
    ترجمة: عادل حبه
     ترجمة: عادل حبة عن موقع "راه توده" الإيراني
    انتهكت إدارة ترامب تعهداتها حول الاتفاق النووي الموقع من قبل الدول الست مع إيران، حيث أعلنت أمريكا الانسحاب منه. إن نقض هذا التعهد من قبل الولايات المتحدة تم بعد الانتخابات البرلمانية الإيرانية في عام 2017 ، والتي أسفرت عن فشل التيار المتشدد في الانتخابات، وما أعقبها من عدم استقرار في الوضع السياسي الداخلي في إيران. ومما وفر الأرضية لتنفيذ قرار ترامب هو إصرار حكام ايران على التمسك بالسياسة الاقتصادية المدمرة وإفلاس خزينة الدولة والصراعات بين أجنحة الحكم وتدخل الحرس الثوري والمؤسسات العسكرية والأمنية في الشؤون الاقتصادية والسياسية والصراع بين أطراف الحكم والتخريب المستمر في شؤون الحكم والسلطة التنفيذية، والمواجهة بين الحكم والشعب، إضافة إلى المحاولات المستمرة للإطاحة بحكومة روحاني وخاصة أثناء ما حدث في شتاء نفس العام من حراك واسع للشعب الإيراني في أكثر من 100 مدينة إيرانية. لقد شعرت الحكومة الأمريكية في الأسابيع والأشهر الماضية إن تهديداتها بالخروج  من الاتفاق النووي قد أدى إلى هروب أكثر من 30 مليار دولار من إيران إلى الغرب، وأصبحت أمريكا على قناعة بأن الاستمرار في الضغط على إيران سيؤدي إلى هروب ما تبقى من الدولارات في أيران إلى أوربا وأمريكا، وهو ما يحل جزءاً من مشاكلها الاقتصادية من ناحية، ومن ناحية أخرى توجيه لطمة شديدة إلى الاقتصاد الإيراني. ولذا فإن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي ينطوي على جانب اقتصادي يهدف إلى توجيه ضربة لرأسماليي الحرس الثوري والمؤسسة العسكرية وأقطاب الغرفة التجارية الإيرانية والمستوردين والمتعاملين بالعملة الصعبة.
    إن انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية ومع كل الحسابات المستقبلية هو بدون شك لا يمكن أن يتحقق بدون خلفية داخلية في إيران. فلو لم يلجأ الحرس الثوري إلى ملاحقة واعتقال الصحفيين والسطو على الدولارات وممارسة تهريب البضائع ومنافسة المقاولين ونهب قطاع الدولة والدخول في تنافس مع أجنحة الحكم الأخرى، ولو كان الحكميتمتع بدعم وطني، فإن ترامب سيتأمل كثيراً قبل أن يتخذ قراراته. وإضافة إلى ذلك، فلو لم تربط عجلة الاقتصاد الايراني بعربة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وسعت الحكومة إلى تشجيع وتعزيز الانتاج الوطني ولم تضعف الصناعة الوطنية عن طريق اجراءات الخصخصة، ولم ترتبط البلاد بحمى البحث عن الربح في التجارة ولم يُرهن الاقتصاد بحاجات وتذببات السوق الدولية ولم تغرق في دوامة الفساد، فسوف لا تراهن أمريكا بهذا القدر على فاعلية الحصار الاقتصادي ونجاحه. وفي هذا السياق، لو لم يعترف الجناح اليميني بحدوده كأقلية في البلاد، ويسعى إلى ممارسة النشاط الحزبي ويفتح الطريق أمام الحريات وتشكيل الأحزاب والقبول بالحوار الوطني ووضع حد للتهميش والسجن، وتعزيز الانسجام والوحدة الوطنية، فعندها سينتبه المسؤولون الأمريكان إلى أنهم يواجهون مجتمعاً موحداً وسيتترددوا في اتخاذ قرارهم بالانسجاب من الاتفاقية النووية. 
    وأخيراً، لو أقدم السيد خامنئي على التخلي عن دوره كحامي جناح سياسي محدد عوضاً أن يكون زعيماً للبلاد، وتخلى عن توزيع المنصب الرسمية على الوجوه السياسية والعسكرية الكريهة والفاشلة والمكروهة من قبل الشعب، وسعى إلى الاستماع إلى صوت الشعب والقبول بمطاليبه، والحد من هيمنة المرشد على مؤسسات الدولة والكف عن الاعتماد على حراب العسكريين وسجون السلطة القضائية في إدارة شؤون الدولة، والكف عن التمسك بالبرنامج الفاشل في هندسة العملية الانتخابية دون الأخذ بوجهة نظر 40 مليون ناخب إيراني. 
    إذن فإن قرار ترامب هو ليس حصيلة هوس مجنون تربع على أريكة القصر الأبيض، بل هو حصيلة ما يجري داخل إيران. لقد وصلنا الآن إلى مفترق طرق، فأما السير على نفس المسار السابق الذي ينتهي بالكارثة الحالية واستغلال انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية لتبرير السير على نفس المسار السابق والأمعان أكثر في قمع الشعب، وقمع كل الأصوات بذريعة وحدة الحكم لمواجهة أمريكا وإلصاق تهمة الجاسوسية وملئ السجون كممارسة رائجة؛ والطلب من الجميع أظهار الولاء وإلصاق تهمة الخيانة بكل من يرفض ذلك..... أي دفع البلاد إلى حافة الهلاك. وأما السير في طريق آخر هو التخلي عن كل ما أدى حتى اليوم إلى خلق هوة بين الحكم والشعب، والإذعان لإرادة الشعب في جميع الميادين. وهذا لا يعني فقط الابتعاد عن السياسات السابقة التي زرعت الفُرقة السياسية والقومية، بل والتخلي عن السياسات الاقتصادية السابقة التي عادت على الشعب بالفقر والفساد والريعية وتولي مجموعة فاسدة وطفيلية التحكم برقاب اناس، وعندها يمكن واجهة الاخطار التي تهدد البلاد. إن أي حكم لا يخضع لرقابة الشعب لا يؤدي إلاّ إلى استمرار الفساد الاقتصادي، وإن إنعدام الحرية في أي مجتمع فلا يمكن إرساء قيم العدالة وانهاء مظاهر الفجوة الطبقية بشكل فعال. إن القرار هو ليس قرار الحكم فحسب، فالقرار هو قرار الشعب والقوى التي تعبر عن مصالحه، وخاصة انصار الاصلاحات والتحولات التي يقع على عاتقها مسؤولية خاصة. فهل يريد القائمون بالحكم أن يصبحوا ممثلون عن أكثرية أبناء الشعب أم ممثلو فئة محدودة من المجتمع؟ إن الفئات المحرومة في مجتمعنا تشعر اليوم بعدم وجود أية قوة سياسية تدافع عن همومها ومطاليبها، وهو أمر يعد بالغ الخطورة مقارنة بالأوضاع السابقة. فهو سيدفع أنصار الاصلاح والتغيير في داخل البلاد إلى إعادة النظر بالأساليب السابقة. فهذه الجماهير المحرومة والتي تعاني من الفاقة والتي تشكل أكثرية السكان، وليس هناك من يمثلها ولا تجد من أيصال مطاليبها في داخل البلاد، فإنها أما  تتجه صوب اليمين الديماغوغي وأضرابه أو أن تبحث عن ناطقين لها في خارج البلاد والذين يسير بغالبيتهم على سكة الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا سيجد البرنامج الأمريكي سنداً له في المجتمع بحيث لا يمكن أو من الصعوبة بمكان التصدي له.    
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media