هل ينجح ذيل الذيل في تحقيق هدف امريكا؟
    الخميس 24 مايو / أيار 2018 - 08:29
    د. فخري مشكور
    بعيداً عن المقاربة العقائدية في النظر الى ايران الاسلامية، لابد من تقييم جمهورية ايران الاسلامية بموضوعية وشجاعة. موضوعيةٍ تقطع كل صلة مع الايديولوجيا، وشجاعةٍ تتخطى كل عقد الخوف التي زرعتها الحقبة الصدامية من كل ما هو ايراني، ولا ترهبها اتهامات الاعلام الامريكي وحليفته الوهابية لكل من لا يرى ان ايران شر مطلق بأنه ايراني طائفي صفوي..الخ

    لقد سئمنا التحليلات المقولبة لوجود ايران ودورها في المنطقة، وهي التحليلات التي تصدر من الاعلام الخليجي الذي اشترى الجسم الثقاقي العربي لعقود طويلة ليصل به اخيرا الى الهدف النهائي: (ايران هي العدو وليست اسرائيل)... هذا الهدف الذي كشف اللعبة وكشف العورات وأحرج الاسماء الكبيرة من المثقفين والاعلاميين الذين يديرون كبرى الفضائيات العربية وكبرى الصحف العربية.

    ***

    دعونا نبدأ من المسلمات التي لا يختلف عليها اثنان:-

    ·      الغرب (اوربا وامريكا) يتعامل مع شعوبنا (العربية والاسلامية) تعامل السادة مع العبيد، ويرى ان السيطرة على بلداننا ونهب خيراتنا هو حقه المشروع، وان خضوعنا له والتبعية لسياساته من واجبنا. هذا التعامل يقوم على اعتبارنا مخلوقات من الدرجة الثانية عليها ان تخدم شعوب الغرب لانهم مخلوقات الدرجة الاولى.

    ·      في ظل تلك النظرة قامت اوربا ولقرون عديدة بالسيطرة على بلداننا ونهبث ثرواتها وقمع ثوراتها وقتل وتشريد الملايين من شعوبها. وبعد ان عجزت اوربا عن مواصلة دورها حلت محلها امريكا للقيام بنفس الدور واختفت اوربا(الاستعمار القديم) وراء امريكا(الاستعمار الحديث)، وسار الاثنان معاً في نفس الطريق: (استعمار بلداننا ونهب ثرواتنا)، باساليب اخرى، واطر اخرى.

    ·      يُحكم الغرب سيطرته على بلداننا باستعمال القوة الناعمة (الاقتصاد، الاعلام، الثقافة) ان امكن، فان لم يمكن فبالقوة الخشنة (الاحتلال او الحرب بالوكالة، والوكلاء هم دول وظيفية او داعش واخواتها)

    ·      أبرز ادوات الغرب في المنطقة في الوقت الحاضر: اسرائيل والسعودية. هاتان الدولتان هما أداة تحقيق اهداف الغرب في السيطرة وإخضاع دولنا للارادة الغربية.

    ·      يستخدم الغرب القوانين الدولية وقرارات الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ضد الدول والقيادات والمؤسسات التي ترفض الخضوع للهيمنة الغربية، بينما يعفي اسرائيل والسعودية من الخضوع للقوانين الدولية وقرارات الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان....هذه اسرائيل تتمتع بالحماية من اي قانون دولي ومن اي قرار اممي وهي تمارس ابشع الجرائم امام الكاميرات وتفتخر بذلك وتبول على القوانين الدولية وتتغوط على قرارات الامم المتحدة، وهذه السعودية ترتكب ابشع المجازر في اليمن، ويصدر بحقها قرار اممي بانتهاكها حقوق الاطفال في اليمن فتدفع اموالا ويتم سحب القرار، وتواصل امريكا امدادها بالسلاح.

    ·      "المثقفون العرب"! يروجون لمقولة : (ان من حق امريكا ان تفعل ما تفعل؛ لأنها تبحث عن مصالحها!) وهذا ما قاله غسان سلامة على الفضائيات، وهم بهذا يعبرون عن انحطاط اخلاقي وايمان بأن الحق يقوم على القوة، أي ان القوي له الحق ان يفعل ما يشاء بحق الضعيف الذي يجب عليه ان يستسلم.

    ***

    بعد الحرب العالمية الاولى اصبح المشهد العالمي (عدا استثناءات معدودة) كالتالي:

    -        دول كبرى تمارس الهيمنة

    -        ودول صغرى تخضع للهيمنة.

    -         اما الدول المستقلة فلا خيار لها الا التبعية او الموت.

    بعد الحرب العالمية الثانية اصبحت المعادلة (عدا استثناءات معدودة): الغرب يمارس الهيمنة، ودول صغرى تخضع للهيمنة.

    وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي اصبح المعادلة (عدا استثناءات معدودة):امريكا تمارس الهيمنة، ودول صغرى تخضع للهيمنة.

    باختصار لم تعد في منطقتنا دول مستقلة عن الارادة الامريكية، فجميع دول المنطقة تخضع لامريكا طوعاً أو كرهاً، في السر او في العلن.

    ***

    ابرز الدول الاسلامية التي كانت تخضع للارادة الامريكية وتنفذ السياسات الامريكية قبل عام 1979 هما: المملكة العربية السعودية والامبراطورية الشاهنشاهية الايرانية. والدولتان كانتا تمثلان ساقي امريكا: الساق الايمن على الساحل الشمالي لخليج الخنازير العربي، والساق الأيسر على ساحله الجنوبي...ونفط الشرق الاوسط يمر من بين الساقين الى الولايات المتحدة بسلام واستقرار ورخص مضمون.

    ذاكرة الذين يقرأون تزخر بالعلاقات الودية بين هذين الساقين اللذين يلتقيان في الاعلى عند ....السيد الامريكي. (كوثيقة حية يمكن مراجعة اليوتيوب ومشاهدة فديو الملك سلمان يرقص في حفل استقبال شاه ايران الشيعي الصفوي المجوسي، دون اي حرج).

    لكن سقوط شاه ايران قلب الموازين، لأن امريكا فقدت احد ساقيها فبقيت منطقة التقاء الساقين معرضة لعملية جراحية تُسقط لحيتها وتُفقدها هيتبها.. اصبحت ايران مستقلة لا تخضع للهيمنة الامريكية، بل وتدعو المسلمين وتحرض العرب على الخروج من هذه الهيمنة، بل وتعمل على القضاء على اسرائيل، واخيرا اصبح حزب الله الدليل المادي على ذلك.

    هذا هو لب الصراع وجوهر المشكلة وكبد الحقيقة.

    هذه هي الخلفية الحقيقية للصراع الايراني الامريكي الذي هو صراع رأس لا يعترف برأس غيره، بل يريد الاخرين – كل الاخرين – ذيولا له، وايران ترفض ان تكون ذيلا، فلابد من القضاء عليها.

    ***

    وكعادة الرأس عندما يريد ان يضرب فانه لا يستخدم قرونه اولاً بل يستخدم ذيله في ضرب من يؤذيه، وقد استخدمت امريكا ذيلها العراقي القائد الضرورة فشنت على ايران حربا لثمان سنوات على امل ان تتخلى ايران عن استقلالها وتعود الى الخضوع الى الارادة الامريكية، لكنها لم تنجح، انقطع الذيل وبقيت ايران جريحة حرب لكنها مرفوعة الرأس.

    شنت امريكا عليها حرب المقاطعة الاقتصادية املاً في اعادتها الى القرون الوسطى فتحولت ايران الى دولة صناعة ثم الى دولة نووية.

    منعت عنها السلاح وأغرقت المنطقة حولها بالاسلحة الامريكية التي باعتها لذيولها، فاذا بايران تستعيض عن سلاح الطيران المتطور المشترى  بصواريخ متطورة تصنعها هي وتصون بها امنها واستقلالها

    الاخطر في الامر ان ايران اصبحت تهدد اسرائيل التي تمتع بحماية الذيول الامريكية الخليجية والذيول التطبيعية المجاورة.

    اصبح لابد من القضاء على ايران بأي ثمن.

    لكن الذيول عجزت، والقرون يخشى عليها من ان تنكسر اذا تناطحت مع ايران، فماذا تفعل امريكا امام عجز الذيول والخوف على القرون؟

    اين انت يا صدام؟ امريكا تشعر بالاسى على فقدك

    ليس لها غيرك يا ابا عدي

    ***

    بعد فشل الذيول اكتشفت امريكا البديل..انه ذيول الذيول...
    بقايا البعث الصدامي، 
    مضبوطةً بالخطة الامريكية، 
    ممولةً بالمال السعودي (العمق العربي!)، 
    مغطاةً بالاعلام العربي، 
    معضدةً بأيتام كارل ماركس، 
    ترفع شعارات الاصلاح (وهي التي سرقت العراق بواسطة خمس وزارات) 
    وشعارت العروبة التي تتحس من ايران ولا تتحسس من تركيا، 
    تنتسب لآل البيت وتوالي آل سعود، 
    تكره داعش وتعادي من حارب داعش! 
    تشترط عدم اللقاء مع سليماني ولا تشترط عدم اللقاء مع الامريكي، 
    تحارب الامريكان باللسان وتسكت على قواتهم في الميدان.

    ايران برا برا
    امريكا  فينا حرة
    ***

    هل ستنجح ذيول الذيول فيما عجزت عنه الذيول؟
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media