الراحل علي الوردي في ميزان 2-6
    الخميس 24 مايو / أيار 2018 - 20:08
    عبد الرضا حمد جاسم
    عبد الرضا حمد جاسمأحياناً يقتبس البعض مما تركه الراحل الدكتور علي الوردي بقوله: "قال المفكر او العلامة أو عالم الاجتماع أو الدكتور علي الوردي" ليسند بها ما يريد تقديمه وبالذات عن المجتمع العراقي وشخصية الفرد العراقي وينسى أولم ينتبه هذا البعض مع احترامي لهم ان الراحل الوردي ربما اكثر كاتب نهى عن الاقتباس منه وعنه ولو بشكل غير مباشر عندما ردد وكرر في العديد من كتبه عبارات مثل التالية او القريبة منها أو المتطابقة معها في المعنى: [في كتابه / دراسة في طبيعة المجتمع العراقي / الصادر عام 1965 المقدمة / ص18: (الواقع اني، خلال دراستي الطويلة للمجتمع العراقي، قد ناقضت نفسي كثيراً. وربما أخذت برأي اليوم، وتركته غداً، ثم رجعت إليه بعد غد. وقد لاحظ الطلاب ذلك مني، حيث وجدوني أغير منهج الدراسة في موضوع المجتمع العراقي عاماً بعد عام ولست استبعد بعد صدور هذا الكتاب أن أغير كثيراً من الآراء التي وردت فيه وربما شهد القارئ في كتبي القادمة آراء مناقضة لها)] انتهى

    أقول: هذا الراي للراحل الوردي صدر بعد عشرين عاماً قضاها في دراسة" المجتمع العراقي كما قال وسيرد لاحقاً وهو عراقي عاش عمرة او غالبه في ذلك المجتمع. وهذا يعني ان هذا القول الموَّثق جاء بعد اصدر الكثير من الكتب والمقالات واطلق التصريحات وشارك في ندوات داخل العراق وخارجه ... ومن اهم تلك الإصدارات هي الكتب التالية التي اثارة ضجة في وقتها ولا تزال وهي:

    1. دراسة في شخصية الفرد العراقي 1951

    2. خوارق اللاشعور1952        

    3. وعاظ السلاطين 1954        

    4. مهزلة العقل البشري1955      

    5. اسطورة الادب الرفيع 1957

    6.الاخلاق / الضائع من الموارد الخلقية. بحث نُشر عام حزيران عام 1958 / مجلة الأبحاث الصادرة عن الجامعة الامريكية / بيروت السنة (11)ج2

    7. الأحلام بين العقيدة والعلم 1959

    وغيرها من مقالات وتعليقات ولقاءات صحفية ومحاضرات.

    لكن الراحل له الذكر الطيب كان قد ذكر في ص17 أي قبل الصفحة السابقة التالي: [في صفحة 17 / المقدمة من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي / كتب الراحل الوردي التالي: (أن هذا الكتاب الذي اُقدمه بين يدي القارئ والكتب التالية له هي خلاصة دراسة طويلة شاقة فقد بدأت بدراسة المجتمع العراقي منذ أكثر من عشرين عاماً وازدادت هذه الدراسة تركيزاً منذ عام 1950 وهو العام الذي عينت فيه مدرساً لعلم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم ببغداد..) انتهى

    ولكنه يأتي في خاتمة هذا الكتاب وفي ص401 ليكتب التالي: [أعترف بأن هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ لا يكفي لإعطاء صورة متكاملة عن المجتمع العراقي وقد كان القصد من تأليفه أن أجعله مقدمة عامة لكتب اخرى تأتي بعده فالمجتمع العراقي كغيره من المجتمعات البشرية له جوانب شتى وكل جانب منها يستحق أن يُخصص له بحث قائم بذاته. حاولت في هذا الكتاب شرح الفرضية التي أخذت بها في دراسة المجتمع العراقي وهذه الفرضية قد تصح او قد لا تصح إنما هي على كل حال محاولة ابتدائية ربما كانت حافز لغيري على خوض هذا الموضوع المعقد وعلى الوصول به الى نتائج مجزية. أما الكتب التالية فسوف احاول بها دراسة جوانب من المجتمع العراقي هي في نظري ضرورية لفهم هذا المجتمع والواقع إني في الكتاب الحالي قد مررت ببعض تلك الجوانب مراً سريعاً دون أن أدرسها دراسة وافية ولابد اذن من العودة الى دراستها بتفصيل أكثر) انتهى

    وعند الربط بين تلك المقاطع أخْلُصْ أنا شخصياً الى القول: ان الراحل الوردي يعني ويعلن ان كل ما صدر له وعنه قبل سنة اصدار هذا الكتاب / 1965 هو في عِداد ("حاولتُ شرح ""تصح او لا تصح ""محاولة ابتدائية" و"مروراً سريعاً"" دون ان ادرسها دراسة وافية").هذا يعني انه يجب الانتباه الى كل ما ورد في تلك المطبوعات وعدم الاعتماد عليها والاستشهاد بما ورد فيها أو اعتبارها احكام قاطعة صدرت عن الراحل الوردي ...عليه ادعو الأساتذة الافاضل أن لا يُربكوا ويُؤلموا الراحل الوردي وهو في قبره له الذكر الطيب بالاستعارة من كتبه والتقديم لتلك الاستعارات ب"قال الدكتورعلي الوردي" او غير ذلك من المقدمات لأن في مثل هذا التقديم معنى الجزم والرجل لم يجزم بشيء ولم يحسم امره في أي قول. وهذا ما يجب أن يُفهم من قول الراحل "ناقضت نفسي" فهو ربما يعني انه ينفي ما كتب او يعيبه او يرفضه أو يحذر منه ويمنع تداوله وتناوله في البحوث والدراسات والمقالات. طبعاً إلا من يتمكن من إثبات ما يستعير علمياً وعليه الإشارة الى ذلك بالصيغة التي يفهمها القارئ.

    ...........................

    ثم نُقل عن الراحل الوردي التالي:

    1. وفي مقابلة صحفية اجراها معه الصحفي احمد شبيب ونشرتها صحيفة العراق / النافذة الفكرية / بتاريخ 07 / 12 / 1983واعيد نشرها "الرابط" قال الراحل الوردي التالي: [إنَّ ندمِي ناشِئٌ في الحقيقة من كونِي قد تغيَّرْتُ في كثير من آرائي ونهجي الفكري ، وهذا أمرٌ طبيعي في البشر ، لأنَّ الإنسان عند تقدُّمه في السنِّ قد يتغيَّر كثيرٌ من أفكاره التي كان يتبناها في شبابه ؛ قلتُ مرارا ، وأعيدُ القول الآن : إنَّ الهزَّة الاجتماعية التي شهدها العراق في 14 / تموز / 1958 م ، قلبَتْ كثيرا من مفاهيمي ونظريَّتي إلى الحياة والمجتمع ، فقد كنتُ قبل ذلك أنظر إلى الناس والمجتمع نظرة معيَّنة ، ثمَّ شَهدْتُ الأحداث الصاخبة التي حدَثتْ في تموز 1958م ، وما بعده ، وأدركتُ عند ذاك أني مخطِئ في نظريَّتي القديمة في طبيعة البشر بوجهٍ عام وطبيعة المجتمع العراقي بوجه خاص]انتهى

    http: / / www.alnoor.se / article.asp?id=137910

    2.أكد هذا القول السيد محمد عيسى الخاقاني في كتابه (مئة عام مع الوردي) قول الوردي ذاك : [أن ندمي ناشئ في الحقيقة من كوني قد تغَّيرت في كثير من آرائي ونهجي الفكري، وهذا أمرٌ طبيعي في البشر / لأن الانسان عند تقدمه في السن قد يتغير كثيراً من افكاره التي كان يتبناها في شبابه، قلتُ مراراً وأُعيد القول الان : ان الهزة الاجتماعية التي شهدها العراق في 14 تموز 1958 م قلبت كثيراً من مفاهيمي ونظريتي الى الحياة والمجتمع فقد كنت قبل ذلك انظر الى الناس والمجتمع نظرة معينه ثم شهدت الاحداث الصاخبة التي حدثت في تموز1958وما بعده وأدركت عند ذاك أني مخطئ في نظريتي القديمة في طبيعة البشر بوجه عام وطبيعة المجتمع العراقي بوجه خاص ]انتهى

    3.كتب سلام الشماع في: من وحي الثمانين ص56 / هامش1: [اعترف المرحوم الوردي في اللقاء التلفزيوني الأخير الذي أجريته له في التلفزيون الثقافية بأنه يعد نفسه مخطئاً ولومُد في عمره لحاول التراجع عن كثير مما أثبته في كتبه] انتهى

    .................

    هذا الكتاب / دراسة في طبيعة المجتمع العراقي / الصادر عام 1965 من (415) صفحة كانت على (13) فصلاً ضمت (192) عنواناً فرعياً...جاء بعد تغيير مفاهيم الوردي وبعد "هزة "او "صدمة" 14 تموز1958 كانت مقدمته ما ذكرته أعلاه مقتبساً من ص17 وكانت خلاصته ما نقلته من ص(415 ) وذكرته في: الراحل علي الوردي في ميزان (2): علي الوردي والديمقراطية في العراق...الرابط

    http: / / www.almothaqaf.com / a / b1d / 925682

    ......................

    أعود للمقدمة"ص17" مقدمة / دراسة في طبيعة المجتمع العراقي / 1965 "التي ذكر فيها الراحل انه درس المجتمع العراقي دراسة شاقة بدأت منذ عشرين عاماً (1945 الى 1965) من تلك العشرين عاماً خمسة أعوام (1945 الى 1950) قضاها مبتعثاً لدراسة الماجستير والدكتوراه في الولايات المتحدة الامريكية وهي نفس الأعوام التي خَلَصَ فيها الى فرضيته عن الفرد والمجتمع العراقي حيث أصدر كراسته الأولى عام 1951 حيث كانت "فرضيته المؤكدة" هي ما ورد في ص46 من تلك الكراسة وهي: [وأني لا أنكر بأن ازدواج الشخصية ظاهرة عامة توجد بشكل مخفف في كل انسان حيث وجد الإنسان، ولكني أُؤكد لكم بأن الازدواج فينا مُرَّكز ومتغلغل في أعماق نفوسنا...الخ] انتهى.

    تطرقتُ لذلك في: الراحل علي الوردي في ميزان / ج6ح1...الرابط

    http: / / www.almothaqaf.com / a / b1d / 927593

    أما الخمسة عشر عاماً الأخرى، تلك التي كرسها لإصدار كتبه المشار اليها أعلاه ومقالاته وبرنامجه التلفزيوني وغيرها ومنها كتابه موضوع البحث "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي / 1965".

    الحقيقة استغرب كيف درس الراحل المجتمع العراقي وخلص الى فرضيته المشهورة وهو يعيش في الولايات المتحدة الامريكية وهو لم يتخصص بعد بعلم الاجتماع وكان قبلها عدة أعوام لدراسة البكالوريوس في الجامعة الامريكية في بيروت بتخصص بعيد عن علم الاجتماع وهو يعرف ان تلك سنوات ما بعد اهم وأكبر حدث في تاريخ البشرية وأقصد الحرب العالمية الثانية التي كان العراق دائراً في فلك تأثيرها.

    احتوت صفحات هذا الكتاب "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي / 1965" ال (415) وفصوله ال(13) وعناوينه الفرعية ال(192) على الكثير من التفسيرات والتحليلات والشروحات والاستنتاجات التي لم تكن جديدة في جوهرها عما ورد في كتبه السابقة وبالذات ما ورد في كراستيه الصغيرتين الأساس في منهجه وتفكيره وكتاباته حيث حملت أسس كل ما انتجه ونشره وحكاه الوردي وبالذات عن المجتمع العراقي معتمداً فيها على نفس المصادر التي اعتمد عليها في كتابه موضوع البحث والإشارة وبالمناسبة ان الراحل الوردي لم ينفي او يرفض او يعترض او يصحح أي جملة او عبارة وردت في هاتين الكراستين في كل ما صدر عنه حتى عام 1965 عام اصدار هذا الكتاب الذي ادعى فيه انه غَيَّرَ الكثير من مفاهيمه وفرضياته عن المجتمع والفرد العراقي هاتين الكراستين هما:

    1.كراسة شخصية الفرد العراقي / بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث / 1951 والمكونة من (80)صفحة من القطع الصغير "كراسة جيب".

    2.كراسة الاخلاق / الضائع من الموارد الخلقية / 1958" بحث نُشر في مجلة الأبحاث الصادرة عن الجامعة الأمريكية / بيروت / السنة11 ج2 حزيران 1958".

    ضم هذا الكتاب "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي" / 1965 الكثير من الحكايات والقصص والامثال تلك التي أَّلَفَ منها الراحل القسط المهم وحَّرَفَ منها الكثير من الأقوال والأمثال.

    رغم ان هذا التحريف والتشويه غير مرغوب فيه "علمياً" كما أتصور... لكن الأصعب والاغرب من ذلك هو أن الدكتور له الذكر الطيب صاغها "تأليفاً وتحريفاً وتشويهاً" ليستند اليها معتبراً إياها "حقيقة "أو "صحيحة" بني عليها حيث يقول عنها او يذَّكرنا بها بعد حين بعبارته الشهيرة: "كما رأينا"... وهو لم يبين لنا اين ومتى وكيف رأينا؟

    واليكم بعض النماذج عن التشويه والتحريف:

    1. في ص39 من مهزلة العقل البشري كتب التالي: ["إن المتمدن إذا جاع سرق وإذا شبع فسق "وهو في كلتا الحالتين شقي لا يقف شقاؤه عند حد انه يرض وراء هدف فإذا وصل اليه نسيه وابتكر له هدفا اخر يركض وراءه فهو يركض ويركض وراء سراب...الخ].

    وفي ص92 وعاظ السلاطين كتب: [يُقال عن "الانسان إنه إذا افتقر سرق وإذا اغتنى فسق" ونحن لا نستطيع أن نُغير طبيعة الانسان هذه بالنصيحة والموعظة]. وفي دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص170 كتب: [ ان القبائل البدوية تحتقر الحضارة بشتى مظاهرها وقد جاء في احد امثالهم قولهم البدوي إذا تحضر فسد].

    2. في ص36 من كراسة / الاخلاق كتب: [و من المعروف عن اهل الريف في العراق أنهم من أكثر الناس مماطلة وتسويفاً في أداء الديون على خلاف ما هو معروف عن بدو الصحراء وكثيراً ما نراهم ينكثون بعهودهم او ينكرون ديونهم كلما وجدوا الى ذلك سبيلا] الى أن يصل ليقول: [ومن الامثال الشائعة في الريف العراقي قولهم: "الدين رزق" واحسب في هذا القول إشارة الى انهم يستسهلون اخذ الدين ويستصعبون وفاءه، فالدين رزق ساقه الله إليهم وهو قد أصبح ملكاً لهم وليس من الهين عليهم ان يرجعوه من تلقاء أنفسهم وهم في الوقت ذاته يشعرون بالغبن حين يأكل احد الناس ديناً لهم عليه....حتى يقول في نفس الصفحة: [يخيل لي أن العلاقة بين الدائن والمدين صارت تعد في الريف كالعلاقة بين الغالب والمغلوب في الصحراء حيث يختزي الرجل أن يكون مغلوباً ويفخر ان يكون غالباً ...و قد لاحظت أن هذه الصفة قد انتقلت عن طريق العدوى الى بعض سكان المدينة....الخ].انتهى

    وفي ص228 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب: [لقد ورث الفلاح من سلفه البدوي صفة تجعله يفكر في يومه ولا يحب حساب غده حسب المثل القائل "ابذل ما في اليد يأتيك ما في الغد". إنه يأمل أن يسدد جميع ديونه في موسم الحصاد وهو واثق بأن الله وأولياءه سيساعدونه في ذلك على أي حال. من الامثال الشائعة في الريف العراقي قولهم "الدين زرف" ولهذا تجد الديون تتراكم على الفلاح في أكثر الأحيان حتى إذا حل موعد الوفاء وجد نفسه عاجزاً عن الأداء وهو عندئذ يضطر الى إعادة تسجيل الدين عليه مع إضافة ربا جديد إليه أو هو يعمد الى الاستدانة من شخص آخر لكي يوفي دينه القديم وهذا هو ما يعبرون عنه في الريف أنه "يلبس كلاو بكلاو"...حتى يصل ليقول: [يقول السيد عبد الجبار فارس / عامان في الفرات الأوسط ص102 و103 إنه شهد بنفسه فلاحاً في قرية البدير كان قد استدان ثلاثة دجاجات ليقدمها طعاما لضيف حل عنده فتراكم الدين عليه مرة بعد مرة حتى اضطر أخيرا الى بيع ثور ليسدد بثمنه دين الدجاجات الثلاثة]انتهى

    أقول: لاحظ عزيزي القارئ ما ورد في (1) عن "إن المتمدن" و"عن الانسان "و"البدوي" ولكل من هذه الاوصاف او المفاهيم معنى كبير في علم الاجتماع وفي طروحات الوردي. وارجو الانتباه الى كيف ان الراحل الوردي حَّرف فيها ليستفيد منها ويبني عليها وهذا الأسلوب يتكرر في كل كتب الوردي.

    والانتباه الى ما ورد في (2) الى انه في الريف العراقي هناك مثل شائع مرة "الدَّين زرف" ومرة "الدَّين رزق ". والفرق بين ال "زرف" وال "رزق" كبير...أرى ان هذا التحريف المتعمد هو "عدم دقة" و"عدم انتباه" و"عدم فهم" و"عدم امانة" و"عدم...الخ" ف "زرف" تعني ضياع وخسارة وقلق و"رزق" تعني نعمة وربح واطمئنان. انظر كيف استغل الراحل هذا التحريف لإسناد ما يريد

    ولابد لي من القول هنا أني لا اصدق رواية "الثلاث دجاجات"...فهل يُعقل إن فلاحاً في الفرات الأوسط وفي تلك الحقبة / الفترة لا يوجد في بيته ثلاث دجاجات او لم يربي في بيته دجاج...يملك ثور بمعنى يملك ابقار ولا يملك دجاجات!!! وهنا اسأل هل حقاً أن هناك فلاح في كل العالم يفكر في يومه؟ إذن لماذا يخزن الغلال ولماذا يُربي الماشية؟ هل ان هناك من يعقل هذا القول: [لقد ورث الفلاح من سلفه البدوي صفة تجعله يفكر في يومه ولا يحب حساب غده حسب المثل القائل "ابذل ما في اليد يأتيك ما في الغد"].

    3.في ص168 وتحت عنوان فرعي هو : نماذج قبلية حديثة / كتب: [في العراق الان ثلاثة قبائل كانت قد جاءت اليه من الصحراء في عهد متأخر وكان مجيئها متتابعا واحدة تلو الأخرى وهي : (تميم وشَّمر وعنزة)....... "الى ان يصل ليقول" أن أقدم تلك القبائل الثلاثة عهداً بالمجيء الى العراق هي قبيلة تميم فهي كانت قبل منتصف القرن الثامن عشر قبيلة بدوية تتجول وراء المراعي في الصحراء المتاخمة للعراق ثم جاءت فحلت شمال بغداد في منطقة عقرقوف منذ عام 1150 هجرية "منقول عن فاضل الجمالي" وبعد هذا بمدة غير طويلة أي في بداية القرن التاسع عشر جاءت قبيلة شمر فسكنت في منطقة الجزيرة الى الشمال من عقرقوف "منقول عن دائرة الاستخبارات البريطانية"...الخ.

    حتى يصل الى ص168 حيث كتب التالي: [الملاحظ على أي حال أن تميم قفزت من طور البداوة الى طور الحضارة خلال مدة قصيرة نسبياً والسبب في ذلك ان تميم جاءت الى العراق في عهد متأخر وهو العهد الذي بدأت فيه بواكير الحضارة الحديثة تدخل العراق وتؤثر فيه شيئاً فشيئاً اما القبائل التي جاءت في عهود سابقة فقد وجدت في العراق حكومة ضعيفة وحضارة منحطة ولهذا كانت تخطو نحو التحضر بتلكأ شديد].

    أقول: انظروا لطفاً الى تاريخ مجيء "قبيلة تميم "الى العراق: "عام 1150 هجرية" في حين قبلها ذكر التقويم الميلادي عندما ذكر انها في "منتصف القرن الثامن عشر" كانت تتجول في الصحراء المتاخمة للعراق" ثم يعود لاعتماد التقويم الميلادي بخصوص مجيء قبيلة عنزه في "بداية القرن التاسع عشر". قد يقول قائل انها هفوة بسيطة. اقول لا انها الكتابة بدون تمعن وتدقيق ودراسة وحرص وصدق.... انما هي نقل فقط.

    نأتي الى ما ورد في ص168 حيث ميَّزَ الراحل "قبيلة تميم" بانها قفزت الى الحضارة أسرع من "عنزة وشَّمر" لسبب غريب وهو انها جاءت العراق بوقت "متأخر "أي بعد قبيلتي "شَّمر وعنزة" وهذا يتناقض مع ما ذكره في البداية من ان "تميم" جاءت قبل"أقدم" من "عنزه وشَّمر".

    لماذا هذا الارتباك وعدم الدقة؟ الجواب هو ان الراحل أراد تمييز "تميم" في حضارتها عن "عنزة وشَّمر" التي لا تزال البداوة فيهما. ويعزي عدم تحضرهما الى سبب غريب اخر وهو ضعف الحكومة وانحطاط الحضارة وكأن تميم جاءت عندما كانت هناك حكومة عظيمة وحضارة أعظم. ربما الدكتور وقع في سهو التفسير لكلمة "متأخر" وهنا تقع "كارثة اجتماعية".

    .....................

    في ص19 من نفس الكتاب ولبيان كيفية "دراسته للمجتمع العراقي"...كتب الراحل الوردي التالي:

    [اعتمدت في تأليف هذا الكتاب والكتب التالية على مراجع شتى يمكن تصنيفها على المنوال التالي:

    1.الكتب والمقالات والنشرات وهذه توافر منها في الآونة الأخيرة عدد لا يستهان به واود ان أخص بالذكر تلك الرسائل العلمية التي قدمها أصحابها لنيل شهادة الدكتوراه وقد طبع بعضها ككتاب الدكتور فاضل الجمالي وكتاب الدكتور متي عقراوي وكتاب الدكتور شاكر سليم وكتاب الدكتور محمد سلمان حسن وغيرها وهي كلها تبحث في المجتمع العراقي على وجه من الوجوه.

    2.تقارير الطلاب: فقد كنت اطلبها من الطلاب في موضوع المجتمع العراقي كل عام فتراكم عندي منها على توالي الأعوام عدد كبير، لا أنكر ان بعض هذه التقارير كان تافهاً وليس فيه قيمة علمية كبيرة ولكن البعض منها وهو قليل طبعاً يحتوي على ملاحظات واستقرأت اجتماعية نافعة.. لقد اتاحت لي هذه التقارير على أي حال أن أزداد تبصراً في المجتمع العراقي عاما بعد عام فالطلاب يأتون الى الجامعة من شتى انحاء العراق القريبة والبعيدة ومنهم من جاء من البلاد العربية المختلفة. فكانت تقاريرهم عن تقاليد مناطقهم وقيمها الاجتماعية تنَّور الذهن قليلا او كثيرا ...الخ]

    3.الندوة التلفازية: وهذه كنت أقوم بها في محطة تلفزة بغداد عام 1960 وكان عنوانها "انت تسأل ونحن نناقش". وقد وصلتني من جراء ذلك رسائل كثيرة يسألني فيها أصحابها حول بعض مشاكلهم الاجتماعية وقد استفدت من هذه الرسائل فائدة غير قليلة ولا أزال احتفظ بها، إذ اعتبرها مرجعاً لدراسة المجتمع العراقي فهي تمثل نوع المشاكل التي يشكو منها بعض اهل العراق لا سيما الجيل الجديد منهم وما هو الصراع النفسي الذي يعانونه تحت وطأة تلك المشاكل.

    4.ملاحظاتي الشخصية: فقد اعتدت منذ زمن غير قصير ان اتجول في نواحي المجتمع العراقي واصغي الى أحاديث العامة ولا سيما المعمرين منهم وولعت بذلك ولعاً شديدا.] انتهى

    .............................

    في الجزء القادم سأناقش النقاط الأربعة أعلاه

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media