أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١٠)
    السبت 26 مايو / أيار 2018 - 05:31
    نزار حيدر
      {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
       فانَّ أَمراً ليس لَكَ بهِ معرفةٌ ولا تعرف عَنْهُ شيئاً ولا تسمع بهِ إِلَّا من طرفٍ واحدٍ، تجهل أَوَّليَّاتهُ ولا تفهم بخلفيَّاتهِ لماذا تحشر نفسكَ فِيهِ؟! تتناقلهُ وكأَنَّهُ شُغلُك الشَّاغل! فتتحمَّل وِزرهُ ولا تنتفعَ بآخرهِ؟!. 
       هل نسيتَ قولَ الله تعالى مُحذِّراً {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.
       لماذا لا تنشغِل بنفسِكَ عن الآخرينَ وانتَ أَعرفُ بنفسِكَ ومشاكلِكَ ورُبما فضائحكَ التي منَّ الله عليكَ بسترِها حتَّى حين؟!.
       تجنَّب الخَوضَ فيما تجهلهُ، وتذكَّر قولَ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فِيهِ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ}.
       إِحبس لسانكَ عمَّا ليسَ لَكَ بهِ عِلمٌ، ولا تتَّبع عثرات النَّاس بلسانِكَ الذي يصفهُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بقولهِ {اللِّسَانُ سَبُعٌ إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ} فقد يصدُق عليكَ قولَ الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وانتَ لا تدري!.
       يجب أَن نتعلَّم كيفَ نتعاملُ مع الخبرِ بالطريقةِ التي قال عنها أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لَا عَقْلَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ}.
       وإِذا كانَ أَحدُنا يظنُّ أَنَّ كثرةَ الكلامِ وتناقُلِ الأَخبارِ والأَسرارِ تكسبهُ هيبةً فهو على خطأ، فأَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يدلُّنا على طريق الهَيبةِ بقولهِ {بِكَثْرَةِ الصَّمْتِ تَكُونُ الْهَيْبَةُ}.  
       والبائسُ هو الذي يتدخَّل فيما لا يعنيهِ وهو يظنُّ أَنَّهُ يُحسنُ صُنعاً كما يصفهُم القرآن الكريم {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} وقولهُ تعالى {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
       إِنّْها الصِّفات النفسيَّة السيِّئة والبذيئة التي تقلِب الحقائق فتضلِّل صاحبَها!.
       وأَنَّ الذين يصدِّقُون كلَّ ما يسمعُون أَو يقرأُون هم أَحدُ أَربعةِ أَنواعٍ من النَّاسِ؛
       ١/ فإِمَّا أَن يكونُوا جاهلينَ لا يقدِرونَ على تمييز الصَّحيح من السَّقيمِ من الكلامِ.
       ٢/ أَو أَنَّهم ممَّن يتهرَّبُونَ من المسؤُوليَّة فيصدِّقُونَ الغِثَّ والسَّمين على طريقة [يقُولونَ].
       ٣/ أَو أَنَّهم من المُغرضِينَ الذين يتصيَّدونَ في الماءِ العكِرِ لإِشاعةِ الفاحِشة في المُجتمعِ ليختلطَ على النَّاسِ الصَّحيحَ مع السَّقيمِ من الأَخبارِ فتضيعَ الحقائقَ عليهِم! هؤلاء الذين يعترفونَ على أَنفسهِم بالوصفِ {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}.
       ٤/ أَو أَنَّهم ممَّن لا يُحبُّون إِذا سُئِلُوا أَن يقولُوا لا ندري فمِن أَجلِ أَن يُجيبُوا إِذا سُئِلوا يتتبَّعونَ كلَّ غثٍّ وسمينٍ من الأَخبارِ! وهذا النَّوعُ من النَّاسِ هُم أَراذل المُجتمع الذين يتناقلُون الأَخبارَ بِلا رويَّةٍ! ولذلكَ وصفهُم أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بقولهِ {مَنْ تَرَكَ قَوْلَ (لاَ أَدْري) أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ}. 
       إِنَّهم يتناقلُون [أَوضع] العلمِ وأَتفههُ على حدِّ وصفِ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {أَوْضَعُ الْعِلْمِ مَا وُقِفَ عَلَى اللِّسَانِ وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِِ}.
       لقد اهتمَّ القرآن الكريم كثيراً بموضُوعِ السَّماع والقِراءة والمُشاهدة حاثّاً على عدمِ التسرُّع في التَّصديق، مُعتبراً العقل هُوَ الفِلتر الوحيد الذي يجب أَن تمرَّ من خلالهِ المعلُومات قبل الرَّفض أَو التَّصديق.
       فالآيةُ الكريمةُ {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} تشرح المفهُوم بشكَلٍ عميقٍ عندما تتحدَّث عن تعطيلِ القلبِ والأُذنِ والعينِ عن أَداءِ وظائفِها الأَساسيَّة.
       أَمَّا العاقلُ فمِن صفاتهِ {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} فهو لا يصدِّق كلَّ ما يسمع أَو يقرأ، لأَنَّهُ يزِنُ الكلامَ بعقلهِ ويُفلترَهُ بوعيهِ ومعرفتهِ قَبْلَ أَن يصدِّقهُ!.
       وَمِنَ الَّلغوِ تدخُّل المرءِ بما لا يعنيهِ!. 
       وإِنَّما أَصبحنا الْيَوْم نصدِّق الأَكاذيب التي تنتشرُ في وسائِل التَّواصل الإِجتماعي لأَنَّنا لم نعُد نُمرِّرها على عقولِنا قبل التَّعامل معها! حتى لقد باتت الأَكاذيب مُسلَّمات نتداولها ونتناقلها بلا وعيٍ وكأَنَّنا سُكارى حتّى أَنَّنا لا نعرف في أَحيانَ كثيرةٍ ما الذي كُتبَ في المنشُورِ الذي تسرَّعنا بنشرهِ وتوزيعهِ!.
       وصدقَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الذي يَقُولُ {لَيْسَتِ الرَّوِيَّةُ كَالْمُعَايَنَةِ مَعَ الْإِبْصَارِ فَقَدْ تَكْذِبُ الْعُيُونُ أَهْلَهَا وَلَا يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ}. 
       ٢٥ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
                                لِلتَّواصُل؛
    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
    ‏Face Book: Nazar Haidar
    ‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media