أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١١)
    الأحد 27 مايو / أيار 2018 - 07:54
    نزار حيدر
       {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.
       هل سأَلَ أَحدُنا نَفْسَهُ عندما يصلهُ منشوراً أَو خبراً أَو صورةً أَو مقطع فيديو على وسائل التَّواصل الإِجتماعي وقبلَ أَن يُعيدُ نشرهُ ما إِذا كان ذلك صحيحٌ أَم لا؟!.
       هل سأَلَ نَفْسَهُ {سَنَنظُرُ} قَبْلَ أَن يتصرَّف؟! أَم بادرَ فوراً إِلى نشرهِ ليبوءَ بالإِثمِ؟!. 
       إِنَّ أَعظمَ درسٍ نتعلَّمهُ من هَذِهِ الآية المُباركة ملخَّصهُ أَنَّ العقل والمنطِق والإِنصاف والمصلحة العامَّة يُحتِّم علينا أَن نتثبَّتَ قبل التَّعامل مَعَ المنشورات بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال!.
       فعلى الرَّغمِ من أَنَّ نبيَّ الله سُليمان (ع) كان على يقينٍ من أَنَّ الهُدهدَ لا يكذِب وأَنَّ خبرهُ صحيحٌ [١٠٠٪؜] فهو لا يجرُؤ على نقلِ خبرٍ لَهُ ما لم يكُن دقيقاً لعلمهِ ويقينهِ بأَنَّ عقُوبة الكذِب القتل والذَّبح خاصَّةً إِذا كانَ الخبرُ حسَّاساً ويعني الكثير بالنِّسبةِ لسُليمان (ع) ولذلك قَالَ الهُدهُدُ لَهُ {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} مع كلِّ ذَلِكَ لم يتلقَّى سُليمان (ع) الخبرَ على عِلَّاتهِ وإِنَّما قرَّر أَن يتعاملَ معهُ بدقَّةٍ مُتناهيَةٍ ليتثبَّتَ منهُ بطريقتهِ الخاصَّة قَبْلَ أَن يتَّخذَ قرارهُ فقالَ {سَنَنظُرُ} أَي سنتأَكَّد ما إِذا كُنتَ صادقاً في نقلِ الخبر أَم كُنتَ مِن الكاذِبين!.
       لِماذا؟!.
       لقد كانَ النبيُّ سُليمان (ع) بصددِ إِتِّخاذِ قرارٍ إِستراتيجيٍّ خطيرٍ بناءً على الخبر الذي جَاءَ بهِ الهُدهد، فهل من المعقولِ أَنَّهُ يتسرَّع فيتَّخذ القرار قَبْلَ أَن يتأَكَّد من صحَّة الخبر ودقَّتهِ؟!.
       وتتضاعف الحاجة إِلى التَّدقيقِ في المعلُومةِ قبل التَّعامل معها عندما تتعلَّق بمصيرِ أُمَّةٍ أَو جماعةٍ! فقالَ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
       للأَسف الشَّديد فلقد بِتنا نتداول كلَّ ما يصلَنا عِبر وسائل التَّواصل الإِجتماعي حتَّى من دونِ أَن نقرأَ المادَّة فضلاً عن التثبُّت منها والتأَكُّد ممَّا تحملهُ من معلوماتٍ أَو آراء! كأَنَّنا {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} أَو {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
       لم نفكِّر أَبداً في أَن نكونَ فِلتراً للمادَّةِ التي تصلنا لتقفَ عندنا إِذا كانت خطيرةً أَو نُحذِّر منها إِذا كانت تُصيبُ أَمننا الإِجتماعي والثَّقافي مثلاً في مقتلٍ! والآيةُ تقولُ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلً}.
       يكفي المُتلقِّي جهلاً وحمقاً أَن ينشرَ كلَّ ما يصلهُ! أَمَّا العاقلُ فيتوقَّف ليتثبَّت قَبْلَ أَن يتعاملَ مع المنشورِ فقد يرتأي أَن يرميهِ في سلَّة المُهمَلات ليسَ لأَنَّهُ كذِب وإِنَّما لأَنَّهُ مُضِرٌّ ولا ينفع السَّاحة!.
       لقد قلتُ وأُكرِّرُ القَولَ بأَنَّ العاقلَ هو الذي يميِّز المنشُور ما إِذا كانَ من الصَّالحِ نشرهُ أَم لا؟! وليس هُوَ الذي يُميِّز بينَ المنشورِ السَّليمِ والآخر السَّقيمِ فذلكَ من المُسلَّماتِ! أَمَّا الأَحمق فهو الذي ينشرُ ثمَّ يسأَل ما إِذا كانَ صحيحاً أَم لا؟! وصدقَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الذي قَالَ {لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ} وكذلك في صيغة اخرى {قَلْبُ الْأَحْمَقِ فِي فِيهِ وَلِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ}.
       ويشرح الشَّريف الرَّضي هذا الكلام بقولهِ [وهذا مِن المعاني العجيبةِ الشَّريفةِ، والمرادُ بهِ أَنَّ العاقلَ لا يُطلقُ لسانهُ إِلَّا بعدَ مُشاورةِ الرويَّة و مُؤامرةِ الفكرةِ، و الأَحمقُ تسبِقُ حذفاتُ لسانهِ [وهوَ ما يُلقيهِ من العِباراتِ العَجلى بدونِ رويَّةٍ ولا تفكيرٍ] و فلتاتُ كلامهِ مُراجعةَ فكرهِ و مُماخضةِ رأيهِ فكأَنَّ لسانَ العاقلِ تابعٌ لقلبهِ و كأَنَّ قلبَ الأَحمقِ تابعٌ للسانهِ].
       إِنَّ الذين يستعجلُونَ النَّشر قَبْلَ التثبُّت والرَّويَّة هم الحمقى الذين حذَّرَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ولدهُ الحسن المُجتبى السِّبط (ع) من مصاحبتهِم بقولهِ {يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ} فرُبما يتصوَّر [المُتسابقُونَ والمُستَعجِلونَ على النَّشر] أَنَّهم يظفُرُون برِضا الله تعالى وأَنَّهم ينفعُون النَّاسَ بذلكَ! إِلَّا أَنَّهم في الحقيقةِ يضرُّون ولا ينفعون لأَنَّهم وبكلِّ بساطةٍ.....حمقى!.
       والآن، أَسأَل؛ هل صادفَ أَن إِعتذرتَ عن منشورٍ ثبُت لَكَ أَنَّهُ كذِبٌ بعدَ أَن تسرَّعتَ بنشرهِ؟! إِذا كان الجوابُ لا فأَنتَ الأَحمق الذي تأخذكَ العزَّةُ بالإِثمِ! لأَنَّك مُستعِدٌّ لِأَن تنشُر الأَكاذيب على أَن تعتذِرَ  عن وَاحِدَةٍ منها فيَقِلَّ قدَركَ!.
       هكذا تتصَّور! أَما الحقيقةُ فبالعكسِ تماماً فالإِعتذارُ عن الخطأ قِمَّةُ الفَضائلِ!.
       ٢٦ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
                                لِلتَّواصُل؛
    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
    ‏Face Book: Nazar Haidar
    ‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media