المتباكون
    الأحد 27 مايو / أيار 2018 - 07:55
    أحمد الشحماني
    من خلال رصدي ومتابعتي لمواقع السوشيال ميديا بأعتبارها اصبحت واحدا من اهم مواقع التواصل الاجتماعي للمجتمع المتعدد الولاءات والأتجاهات والميول, المجتمع الذي عزف عن مزاولة وممارسة التواصل الاجتماعي المتعارف عليه اجتماعيا بأطره التقليدية بعدما اربكته العولمه والحروب وارهاصات الحياة, وبعدما غزته الثورة الانترنيتية واكتسحت بطوفانها واعاصيرها كل الحواجز الكونكريتية التي وضعتها تركيبة المجتمع العشائري المنحاز للتقاليد والعادات والأعراف البالية, وافرزتها ورسمتها العقود الماضية التي أجهضت بآلياتها القمعية من إيجاد وتبني وسائل معرفية لتقريب وجهات النظر ثقافيا وسياسيا وفكريا بين ابناء المجتمع الواحد للوصول الى مشتركات وقواسم وطنية بعدما تم اقصاء وتهميش دور المثقف الواعي في التثقيف لتلك المشتركات والهموم الوطنية.       

    اعود واقول من خلال رصدي في مواقع السوشيال ميديا لاحظت بأن الكثيرين يتباكون على المرشحين الذين لم يحققوا فوزا في الإنتخابات البرلمانية التي جرت احداثها في الثاني عشر من شهر مايو/ آيار, المتزامن مع تصفيات ذافويس لموسمها الرابع. وما بين اصوات الطرب الذافويسي الحاصد لأصوات الملايين العاشقة للفن الطربي الجميل, وبين اصوات الناخبين العراقيين الشحيحين نسبياً في تلك الإنتخابات البرلمانية المحبطة لدرجة ان عواصف التزوير والترغيب لم يؤتي اكلها بالشكل المخطط له لسبغ الصورة القانوية لبعض المرشحين «المتجذرين ديموقراطيا» ليتمنكوا من الوصول الى ادراج البرلمان الذي بات يمثل بيتهم وممتلكهم وحصتهم المرقمة لهم لإستكمال مرحلة الانفراد بغنائم الوطن المسروق.

    البعض من العراقيين نساءً ورجالا يتباكون في مواقع السوشيال ميديا على خسارة بعض المرشحين المتجذرين ديموقراطيا ولا اعرف لماذا يتباكون, وما هو السّر وراء بكاءهم وتباكيهم؟  هل هم يتباكون على وطنٍ سرقته عصابات ومافيات باسم الديموقراطية, ام يتباكون على أطفال العراق وهم يموتون قهراً وبؤساً وعوزا؟ هل يتباكون على وطنٍ لم يعد الفقير يجد فيه لقمته بكرامة وشرف؟ هل يتباكون على وطن لم يعد التلاميد, أبناء الوطن, وفقراء الوطن يجدون فيه مدرسة نموذجية تمنحهم الدروس والكتب ومواد الدراسة مجاناً, مقارنة بأجيال التلاميذ في العقود الماضية في فترة السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات رغم الحصار الذي ضرب اسوار الوطن ومزق نسيجه الأجتماعي؟ هل يتباكون على جثث الأطفال المتطايرة في الهواء بلا سبب, سوى انهم ولدوا في وطنٍ أسمه العراق, وطنٌ مزقته الحروب والحصار والطائفية, ونخره الفساد والفاسدين؟ هل يتباكون على خزينة البلد التي نهبها الفاسدون وهم يتشدقون بالوطنية والنزاهة والأخلاص ومخافة الله وحب الوطن؟ هل هم يتباكون على وطنٍ اصبح شعار خدماته الخصخصة في كل شيء, خصخصة الكهرباء, خصخصة الماء, خصخصة التعليم, خصخصة النفايات؟ هل يتباكون على وطن تتقاسمه حكومة لسنوات بأسم التوافقية الطائفية والمناطقية والحزبية, مقسمين البلد الى ثلاثة تركيبات سنة ستان, شيعة ستان, كردستان؟ هل يتباكون على وطن ركبته موجة فقدان القرار السيادي المستقل حيث لا تتشكل حكومتنا الوطنية إلا بموافقة الجهات الأقليمية والدولية المتنفذة والمتحكمة بالقرار السياسي رغم انف من يدعي استقلالية القرار السياسي؟

    اذا كان بكاءهم وتباكيهم من اجل الوطن فسأذرف انا دمعاً قبلهم واصرخ قبلهم لماذا لم يفوز النائب الفلاني من القائمة الفلانية من الحزب الفلاني المتجذر ديموقراطيا والذي كان لسانا ناطقا وصادقا للمواطن والوطن؟ّ!.

    أحمد الشحماني
    land.of.ishtar@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media