"رموزنا الوطنية"... ماذا فعلت بشعبنا ؟؟!!
    السبت 16 يونيو / حزيران 2018 - 06:32
    أ. د. حسين حامد حسين
    كاتب ومحلل سياسي/ مؤلف روايات أمريكية
    لم يعد الكلام عما جرى ويجري في عراقنا يجدي نفعا ، ولم يعد نقد الاحداث المرعبة التي تحصل في العراق مجديا امام استمرار هذه المسرحية الكوميدية – التراجيدية لحياة رخيصة محاطة بالرعب وسلسة مستمرة من نكبات ومأسي وقتل جماعي الى درجة ان الخبر عن موت جماعي جديد لم يعد له الوقع الذي يستحقه عن موت الانسان ، هذا المخلوق الذي كرمه الخالق تعالى وفضله على كثير من خلقه. ولكن ، على ما يبدوا أن هذه الاحداث الرهيبة التي يعيشها العراقي من خلال التجاوز على حرماته والاستهزاء بوجوده وغمط ابسط حقوقه وفي بلد كالعراق يسمي نفسه ديمقراطيا  ، فانه باعتقادنا لا يستطيع أن يتحمل كل ذلك الهوان سوى جيل مسطول غارق في اتون المخدرات ومستمتع بلذة تعذيب الذات والتماهي مع ضغوط الفوضى وفقدان الأمل وضياع ارادة الحياة. فترك الامور تسير على عواهينها لا يوصل شعبنا لاي شيئ أبدا اذا بقي قانعا بما يجري. وعلى شعبنا الضغط على السلطات الثلاث من  اجل فرض حقوقه المشروعة وتأديب الانذال واللصوص والفاسدين. إذ ليس في نية احد من العراقيين ان يثأر من اجل معانات شعبنا .
    من جانب اخر، لقد لقد برهنت الاحداث المريرة وبشكل جلي لا لبس فيه ، ان الانسان العراقي لم يعد يهمه الموت كثيرا ، فلقد سئم هذه الحياة المرة ، واعتاد على زيارات الموت المفاجئة والدمار والنكبات والاذلال في عمق حياة سوداوية . فلقد اصبح منتهى الامل لدى العراقي ، أن يستمر بلامبالاته وغير عابئ لما يجري ، ففي اجتنابه لما يجري حوله، قد يستطيع ان يجلب له متعة من لامبالات لموت قريب مفاجئ ، قد لا يشعره بألم اكبر من ألم الاضطهاد الذي يعيشه طويلا.
    العراقي كره الحياة ، تماما مثلما كره السياسة والسياسيين والاحزاب ، فهؤلاء وحدهم كانوا قادرون على بث الرعب في اوصاله وخنق طمأنينته واجهاض حماسه ونسف احلامه . لقد حاصروه وخنقوه ليعيش في بؤرة مشلولة  تقطر دما لاكثر من خمسة وثلاثين عاما ، ثم لم يلبث جاء هؤلاء السياسيين المجانين ، فقذفوا به في يم "غيبوبة" طويلة منذ 2003 . لقد جعلوه يحيا من خلال سفالتهم وخياناتهم ، معتقدا أنه سيستعيد وعيه من خلال وعودهم. ولكن الذي حصل ، ان مثل الانسان العراقي ، كمثل الذي استعاد وعيه توا من عملية جراحية كبرى فاشلة ، لم تضف له سوى شللا لقدراته على التفكير السليم وجعلته يمقت الحياة.
    لقد اصبح الحديث عن العراق ليس سوى "مطعنا" في كبرياءه . فليس في هذا الوطن من رجال قادرون على مجابهة ما يجري من موت بطيئ للحياة العراقية من خلال ضرب مواقع سياسة المحاصصات القذرة فيما بينهم. والافضع من ذلك ، ان الجميع قد تظاهروا وكأن "الديمقراطية" هي الحل السحري الوحيد ، وتناسوا نتيجة لضياع ارادة الجميع ، ان كل الماسي هذه التي يعيشها العراق هي نتيجة هذه الديمقراطية الخائبة. فها فقد مضى على سقوط الصنم اكثر من خمسة عشر عاما، ولكن ، الذي حصل فعلا، هو ان العراق ، لا يمتلك أي نوع من الديمقراطية سوى عملية اجراء الانتخابات . ولكن الفضيع في ذلك ، ان هذه الانتخابات قد شبعت تزويرا وتشويها وحرقا فاستحالت الى رماد، ومع ذلك ، فان العراقيين "فرحانين" انهم يعيشون "ديمقراطية" تفرضها عليهم وسائل الاعلام الحكومية، بينما ان شعبنا وحده في الحقيقة من لا يزال "يبلع الخازوق" .  
    فلنضرب مثلا بسيطا عن هذه الديمقراطية العراقية "المجيدة" لهذا الخبر الذي تم نشره في الاسبوع الماضي ، وكما يقول المثل "من فمك ادينك":

    "قررت مديرية القناة الإخبارية "العراقية"، الاربعاء، منع استضافة أية شخصية برلمانية أو حكومية أم محلل سياسي يسيء للـ"رموز الوطنية" . جاء ذلك بحسب وثيقة صادرة عن مديرية القناة الإخبارية "العراقية" . 

    وأضافت الوثيقة أنه "بناء على ما عرض في حلقة (استوديو النصر) يوم الإثنين الماضي، التي استضافت عددا من المحللين السياسيين وتضمنت إساءة لشخصية زعيم التيار الصدري من قبل أحد الضيوف، فقد تقرر حجب مقدم البرنامج، عزيز علي رحيم لمدة شهر"....(هذا برهان الديمقراطية العراقية)!!!"

    "وأشارت الى منع استضافة أية شخصية برلمانية أو حكومية أم محلل سياسي يسيء للرموز الوطنية 
    وكان المحلل والاستاذ في كلية الاعلام، كاظم المقدادي، هاجم من خلال البرنامج، زيارة زعيم التيار الصدري.)...أنتهى .

    لقد حمدت الله كثيرا وشكرته انني اعيش في دولة نعيش ويعيش بقية الشعب هنا كل ليلة مستغرقا في الضحك على البرامج الفكاهية التي تقدمها وسائل الاعلام الكبرى من خلال "الضحك والاستهتزاء والتنكيل" بشخصية الرئيس الامريكي ترامب!!!. والعجيب ان الرئيس ترامب ، لا يعب~ لذلك على الاطلاق....!!!

    والغريب والمؤسف ان في كلا الدولتين ، الولايات المتحدة والعراق، يستخدمون مصطلح الديمقراطية لوصف بلديهما .!!! وقد قرأت قبل فترة من خلال الصحف العراقية قيام الحكومة العراقية بالحكم على احد الصحافيين العراقيين بعد قيامه بانتقاد "مسؤولا" عراقيا.  فلو كان ذلك المسؤل العراقي يتسم "بالاصالة والنبل والثقة بالنفس ،  لتنازل عن حقه ، وعغى عن ذلك الصحفي الشجاع. 

    فهذه ديمقراطية العراق.....!!!!

    الحديث عن العراق أمسى باعثا على اشد حالات الحزن والرثاء من اجل العراقيين ، لقد استطاع الصلف واللاأخلاقيات وفقدان الشرف والضمير لبعض الكتل السياسية ان تعمد الى العبث بمصير شعبنا وتحدي الارادة الشعبية وتتفيه دور السلطات الثلاث ، الى درجة انها قامت بحرق صناديق الاقتراع بلا أدنى خوف أو وجل من اي شيئ يمكن ان يكون رادعا في كل الوجود العراقي.  فكيف يمكن ان نسمي ما يعيشه العراقيون "وطنا ديمقراطيا" ، ان كانت الدولة العراقية يستطيع هز كيانها بعضا من شذاذ الافاق ، بينما لا يستطيع فيه الانسان ان ينام ليلته بأمان .
    لقد كان الاعتماد الاكبر في الماضي على الله وشعبنا لدفع النوائب عن هذا الوطن المضرج بدماءه ، ولكن، اليوم ، لم يبقى لنا سوى الله القوي العزيز ، للوذ تحت رحمته الواسعة.

    حماك الله يا عراقنا السامق .

    6/15/2018
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media