جيفارا رمز شجاعة الإنسان بوجه الظلم والاستغلال - بمناسبة ميلاده التسعين
    الأحد 17 يونيو / حزيران 2018 - 05:16
    صائب خليل
    مرت الإنسانية بعصور تغيرت فيها التركيبة الاجتماعية مرات عديدة، فبدأت بالمشاعية حيث كان الجميع يعمل بشكل مشترك من اجل الجميع. بعد ذلك جاءت مرحلة العبودية، ثم مرحلة الاقطاع، لتنتهي بالرأسمالية فالاشتراكية التي تراجعت وحوصرت مؤخراً، رغم انها مازالت تقاوم الاندثار. لكن هذه الانتقالات ليست متساوية في أهميتها، ويمكننا ان نقسمها إلى ثلاث مراحل من الناحية المبدئية. فالعبودية والإقطاعية والرأسمالية يمكن تسميتها بمرحلة واحدة تتميز بالاستغلال الاقتصادي للإنسان. ومن السهولة ان نرى مدى التشابه بين العبودية والإقطاع. فيمكن النظر الى الفلاح كعبد يعمل في الحقل لصالح سيده مقابل حصة ما. كذلك يعمل العامل بالأجر لصالح الرأسمالي. لكننا لا نجد شخصاً يعمل من اجل آخر في المرحلة المشاعية، لماذا؟ 

    ليست القضية أخلاقية أو تعاون انساني، بل هي مسألة اقتصادية بحتة. فأدوات الإنتاج التي كانت متوفرة لذلك الإنسان في ذلك الزمان، لم تكن تتيح للفرد أن ينتج ما يزيد كثيراً عن حاجته للبقاء على قيد الحياة. ولا فائدة من عبد لا ينتج إلا ما يكفي لإدامة حياته. ولكن ما أن تطورت تلك الأدوات والمهارة، واصبح إنتاج الفرد يجعل منه شيئا قابلا للاستغلال، حتى بدأ عصر الاستغلال. 
    ومرت القرون الطويلة، واخذ الاستغلال اشكالا مختلفة، ولم يتم الاعتراض عليه حتى وصل الانسان الى الأخلاقية التي تتيح له ان يرى حقيقة ان لا افضلية لأحد على أحد، فعاد ليضع علامات الاستفهام ويرى الاستغلال ظلماً مرفوضاً، ويطرح الأسئلة حول النظام الاقتصادي الذي يعتمد عليه وما يسببه من آلام للبشرية. 

    ماركس بين هذا الظلم بشكل حسابي بسيط واعطاه اسما رياضياً هو: "فائض القيمة". أما جيفاراً فأعطاه الرمز حين قال: "حيثما يكون الظلم، سأكون موجوداً" معلناً ولادة الانسان الذي يشعر بألم المظلوم ويشعر بالمهانة لأي ظلم يسلط على أي شخص، ويبدي الاستعداد التام للسفر إلى حيث يكون هذا المظلوم ليقف معه وكأن الظلم يمسه هو ويجرحه في كرامته. 

    لم يكن جيفارا أول من شعر بذلك بالتأكيد ولم يكن أول من اعلن تلك المبادئ، لكنه ربما كان اكثر من تفرغ لهذه المهمة النبيلة وارتبط اسمه بها على نطاق العالم. فصارت صورة وجهه دعوة للإنسان بجميع لغات الأرض إلى رفض الظلم، والى الشجاعة اللازمة لذلك، وقد قدم حياته لتكون شهادة صدق على ما كان يقول. 

    جيفارا.. هدية الارجنتين إلى البشرية.. كان يمكن ان نحتفل بعيد ميلاده التسعين (1461928) لولا عصابات مرتزقة السي آي أي التي اغتالته غدراً. لكنها لم تستطع اغتيال الرمز في نفس البشرية. الرمز الذي يحفزها فتتطلع إلى عالم سعيد يخلو من الاستغلال. 
    لنحتفل به مع الموسيقى، رغم كل شيء:


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media