التحليل المنطقي
    الأثنين 18 يونيو / حزيران 2018 - 10:42
    د. جواد بشارة
    في بداية القرن العشرين، عندما نشر آينشتين نظريته النسبية الخاصة عام 1905 وبعدها بعشر سنوات نشر النسبية العامة سنة 1915، كان مضطراً لمجاراة الاعتقاد السائد آنذاك بأن الكون غير مخلوق، وثابت، وليس له عمر ، لا بداية له ولا نهاية، بيد أن معادلاته أثبتت عكس ذلك فاضطر أن يضيف إليها عامل آخر أسماه " الثابت الكوني constante cosmologique"، الذي اعتبره آينشتين فيما بعد أفدح خطأ علمي ارتكبه في حياته. ولكن التقدم والتطور العلمي وعمليات الرصد والمشاهدة والتجارب العلمية المختبرية أثبتت أن للكون تاريخ وبداية تعود إلى 13.8 مليار سنة وتبدأ بحدث الانفجار العظيم وأن هذا الكون" المرئي" في حالة تمدد وتوسع مثلما هو حال المكان والزمن اللذان يتأثران بالكتلة والحركة وبالتالي يتمددان ويتقلصان ويتسارعان ويتباطآن، بل ويتداخلان في وحدة سميت " الزمكان". من هنا نشأت المفارقة الوجودية والفلسفية، فإما أن نتبنى فرضية أن الكون موجود من الأزل وإلى الأبد، وبالتالي فهو ليس مخلوق، أي لايوجد له خالق تسميه الأديان " الله" وهذا يناقض الواقع العلمي الخاضع للتجربة والدليل العملي والمختبري والمشاهدة والرصد والذي يقول العكس، أي أن للكون " المرئي" بداية وتاريخ وستكون له نهاية مفترضة وهناك عدة سيناريوهات لتلك النهاية المتوقعة، ومن هنا ينشأ التساؤول التالي : ماذا كان هناك قبل بداية الكون المرئي؟ أي قبل البغ بانغ أو الانفجار العظيم؟ وما الذي تسبب في حدوث الانفجار العظيم ومن أوجد مادته الأساسية وجوهره؟ وهذا يقودنا بدوره إلى عدم اعتبار الكون المرئي " الكينونة الأولى المطلقة" لأننا صرنا نعرف الآن مراحل نشوئه وتاريخه وتطوره وأن هنالك تاريخاً محدداً للمادة التي تكونه، ومن أهداف الفيزياء هو دراسة ومعرفة تاريخ هذه المادة وتطورها ومكوناتها، ولكن علينا أن نجد تفسيراً لمبدأ حفظ المادة وحفظ الطاقة، الذي يقول : أن المادة " والطاقة" لا تفنى ولا تستحدث من العدم"، وهي المقولة التي تناقض المبدأ الثيولوجي الديني الذي يقول " خلق الله الكون " أي المادة " من العدم. وفي نفس الوقت علينا سبر أغوار سر الحياة ومن الذي خلقها أو أـوجدها؟ وهل يمكن للحياة أن تنشأ من الجماد؟ وهو الأمر الذي اهتمت به علوم البيولوجيا " علم الأحياء" والكيمياء الحيوية أو " البيوشيمي biochimi " ونظرية التطور والانتخاب الطبيعي التي جاء بها تشارلس داروين وعدد آخر من العلماء في زمنه ومن بعده. وأكدتها العديد من الأبحاث والتجارب العلمية في مجال علم الجينات والهندسة الوراثية. والاستنتاج المنطقي الناجم عن ذلك هو أن " الكون المرئي" هو بمثابة " نظام " تتزايد وتتراكم فيه " المعرفة" و " المعلومة"، وهو نظام في طور التكون منذ مليارات السنين وما يزال يتطور، وهو غني بالمعلومات، بل وأكثر غنى مما كان عليه قبل بضعة مليارات من السنين، وهو كينونة لم تكن موجودة منذ الأزل ، أي إنه نظام في طور التكوين المستمر منذ 13.8 مليار سنة، منذ لحظة " الفرادة الكونية singularité cosmique إلى يوم الناس هذا في نهاية العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين. وإذا أردنا أن تدخل في نقاشٍ علميٍ فعلينا نأخذ بالحسبان أن مجرد الرأي ليس بدليلٍ، بل التجارب والدراسات والأبحاث التي أثبتت صحتها هي التي يجب أن تكون الدليل. فلا يمكننا القول مثلاً أننا لا نصدق بأن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء فلا خيار أمامنا سوى تقبل ذلك لأن التجربة العلمية أثبتت صحتها والتطبيقات عليها أنتجت لنا القنبلة الذرية، استناداً إلى هذه المعادلة التي وضعها آينشتين. وللخروج من مأزق أو مفارقة " من أوجد من ومن كان قبل من"، لا بد من تقبل فرضية علمية أخرى أكثر " ثورية " وميتافيزيقية " ألا وهي فرضية الكون المطلق المتعدد الأكوان، والذي يتكون من عدد لانهائي من الأكوان ، وما كوننا المرئي سوى واحد منها. وإن هذا الكون المطلق هو " الله" الذي دعت إليه الأديان السماوية والوضعية ، فهو الكائن المطلق الوحيد الأزلي والأبدي الذي لم يخلقه أحد وهو حي وبالتالي فإن الحياة صفة ذاتية فيه وكل مكوناته تحمل " في جيناتها" معلومة الحياة الرقمية الافتراضية وهو دائم الحركة والخلق والتجدد الذاتي، وبالتالي فهو الوجود الوحيد الحقيقي و لاوجود غيره وكل الموجودات هي جزء منه ومن مكوناته من أصغر كينونة في اللامتناهي في الصغر إلى أكبر كينونة في اللامتناهي في الكبر، وهذه هي فكرة " وحدة الوجود " الصوفية الموجودة في كافة الأديان، والتي سوف يعمل العلم على إثبات صحتها مع تقدم العلم والتكنولوجيا بعد بضعة ملايين من السنين. 

    د. جواد بشارة
    jawadbashara@yahoo.fr
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media