يا عراقنا ... لقد باعوك وتركوك جريحا...في خضم تسويات مهينة... !!!
    الأحد 8 يوليو / تموز 2018 - 22:26
    أ. د. حسين حامد حسين
    كاتب ومحلل سياسي/ مؤلف روايات أمريكية
    الانسان هو القائد في اختيار انتماءه للخير أوالشر . وبين انسان الخير السوي ووطنه ميثاق شرف عفوي يجسد حالات انتماءه لقيم الحياة الانسائية فيمنحه شعورا عميقا برضا ذلك الانتماء . وميثاق هذا الشرف العفوي للانسان عادة ما يكون من خلال استعداده الفطري لحب وطنه حيث يبقي هذا الاستعداد راقدا في الذات حتى تفجره النوائب والكوارث والحروب، عندها لا يبالي الانسان حينذاك بافتداء وطنه بالنفس بعد ان تصبح صورة الذود عن الوطن في الذات وحدها، الصورة المثالية الجليلة . 

    ولكننا اليوم في العراق ، ولسوء الحظ ، نجد أن أعمق المشاعر الوطنية لدى العراقيين ان وجدت ، فانها لا تعدوا سوى مجرد حنين الى الماضي ورفض الحاضر وكراهية ولا مبالات لكل شيئ قائم . فحينما نلتقي بعراقي قادم توا من الوطن، يبادرنا بالحديث عن عراق لا عهد لنا به نحن ابناءه الوطنيين القدامى وقد افتدينا عراقنا باعز ما نملكه من سنوات العمر . يحدثنا عن عراق مهدم ومقلوب رأسا على عقب . عراق بقيادات واحزاب وكتل سياسية من الغباء والسوء والفساد ، انهم سرقوا حوالي 47 ملياردولار ولم يستطيعوا اصلاح الكهرباء من اجل شعب لا تزال تذوب اجساد وارواح ابناءه في الصيف من حرارة كالسعير. عراق بلا ماء ويخضع لمزاجات جيرانه "المسلمين" لفتح وغلق منافذهم المائية من اجله. عراق يبعث على الاسى ، يهدده الارهاب ويتأمر على قتله عراقيون أنذال من كتل واحزاب سياسية لا تزال تتصارع على الحكم والنفوذ والثروة. عراق تنمحي حلاوة وسمر لياليه الماضية وتتحول الى ذنوب واثام تتصاعد من اجلها الدعوات لله تعالى لمن كان ولا يزال سببا في ذلك الخراب. عراق ، حيث الانسان فيه اليوم يتبرأ ويلعن علانية مصائب لا علاقة له بها ويعيش كراهيته العلنية للاخرين. عراق فقد الامال بأنه سيوفر له يوما وطنه أمانا وكرامة ومستقبلا واعدا وأنه سيستطيع العيش مع عائلته بكرامة وبلا أرق او خوف من عواصف تسقط على رؤوس الناس خلال لحظات .  

    فحكومة الدكتور العبادي لا تخلوا من مواقف وطنية ، لكنها مغلوبة على امرها ، وتعوزها الجرأة والشجاعة من اجل الحسم المطلوب، ومع ذلك ، فالعبادي يطمح جدا من اجل ولاية ثانية ... لكنه يدرك جيدا أن الحل والربط بيد مافيات داخل السلطة . وأن الامور السياسية ومستقبلها الوطني بيد احزاب وكتل سياسية تعاني من وحام عشق السلطة والثراء. اما الانسان الوطني في العراق فلا دور له ولا وجود، وهو محرم عليه نقد السلطة او الحديث عن اللصوص من رؤساء الاحزاب والكتل ، ومن يفعل فالويل له ، والسجن بانتظاره. 

    لقد استعاد نظام المقبور صدام وجوده بحلة جديدة ، حيث لا فرق كثير بين هذا النظام القائم الان والنظام الساقط  بالامس. فالشرف الانساني للذات العراقية قد تم اجهاضه وسقط الى الحضيض . انه مهيأ فقط لارتكاب الجرائم وجميع المعاصي والاثام ضد ابناء جنسه!!؟؟ حيث نجد الواقع الان يؤكد لنا أن الانسان العراقي اليوم هو الاقل قيمة وشأنا في المجتمع مقارنة بجميع الحقب السياسية منذ العهد الملكي، فوأسفا عليك يا شعبنا العظيم.   
    ففي زمن الطاغية المقبور ، عندما كان الخلل فضيعا في تطبيقات القيم والمباديئ الانسانية في الحياة كنتيجة لأهواء الغرور والاستخفاف المسلط على قيم الشرف والدين والايمان من خلال تكرار الاساءات الكبرى للقيم الانسانية المتداولة من خلال التهور والاستكبارنتيجة لتوجهات الدولة التي كانت تعتبر ذلك جزءا من نهجها "الثوري" ، أن كانت النتيجة اليوم ، أن اصبحت نفس تلك الاساءات تنعكس على حياة المواطن الان، فأنهت بذلك مباديئ ميثاق الشرف العفوي بين الانسان ووطنه بسبب الاستخدامات القسرية الفظيعة الجديدة من اجل تحقيق احلام الكتل السياسية كبديل عن "احلام الحاكم المطلق" بالامس، الامر الذي لم يعد هناك ما يمكن ان نجده من معايير التوافقات والتوازنات التي لم تتوفر لدى الحاكم الطاغية بالامس وحاكم اليوم "الاحزاب والكتل" . فقد وجدنا وللاسف الشديد، ان الكثير من تلك المباديئ اللاأخلاقية قد عادت ثانية على مسرح الحياة في "العهد " الديمقراطي  هذا، بل وبشكل أسوأ بكثير!!

    انه التوجه نفسه لماضي يعيد نفسه من خلال أننا نجد الانسان العراقي في الخارج اليوم، لا يعيش اي حالة من الاعتراف له بالانتماء لعراق الحاضر. فمن خلال التجربة العملية وبعد هذه السنين العجاف، نكتشف يوما بعد يوم ، ان العراقي الذي يعيش خارج وطنه ، قد اصيب بخيبة امل كبرى كنتيجة لعدم توفر من يستجيب لمشاكله ان واجهها  في داخل العراق من قبل بعض مؤسسات الدولة . فعلى الصعيد الشخصي مثلا، لقد عانينا من قيام البعض "بتزوير" سندات بعض من املاكنا الشخصية وقد تم بيعها من خلال التزوير وضد القانون. لكن الطامة الكبرى ، ان المحامي الذي قمنا بتوكيله لاسترداد بعضا من حقوقنا لم نجده امينا على العهود هو الاخر كما كنا نتوقع . فقد قام المحامي هذا باستغلالنا لكوننا بعيدين عن الوطن ، وفرض علينا اجورا واجراءا والتزامات اعطتنا فكرة واضحة عما يجري من "لاأخلاق" مهنية من قبل هؤلاء "حماة القانون" !!! والنتيجة التي خرجنا بها ، اننا عندما كتبنا الى الجهات الحكومية، لنجدتنا ، زادت قناعاتنا ان العراقي بالخارج لا يبدوا ان له حقوقا على الاطلاق حيث لا أحد في مؤسسات الدولة من يعد يهمه امتلاكه شرف المهنة وبالشكل الانساني الطبيعي، الامر الذي من شأنه أن يلغي لدى العراقي في الخارج كل اثر لاحترام سلطة تتبرأ هكذا من قوانينها ودستورها نتيجة لضعف وخوار مؤسساتها. 

    كما ولا اعتقد ان أي عراقي اليوم يستطيع اقناع نفسه ، ان بقاءه في الوطن العراقي متسم "بالسعادة". أو أن الامر الذي يجعلهم يستمرون في البقاء في العراق ناتج عن توفر "أمال" سيوفرها لهم "القادمون" من هؤلاء المنتخبون الجدد والذين سقط بايديهم وتفاجؤا ب"قوى" عنيفة تنافس نهجهم السياسي ، حيث تبنت تحديا لا يمكن ان يتبناه سوى من أمن العقاب، فأعدو لهم "مقلبا " من خلال تزوير الانتخابات منذ بداياتها والتي كانت تمثل امالا من اجل التغيير!! ولا ندري كيف أن الامر سيمرر بسلام كغيره كما كان الذي من قبله. 

    الحياة في العراق تبدوا وكأن الاغلبية المطلقة قد "اعتادوا" على درجة من "التشبع"بنمط حياة تتسم بالشؤم والسلبية ومشاكل كبرى وموت مفاجئ ومداهمات لعصابات مختلفة وتدمير للحريات والممتلكات الشخصية والحكومية. فلقد أدركنا أن العراقي وهو يعيش مضطرا هناك ، قد اعتاد على أن تفرض عليه مواجهات يومية من خوف ورعب وتعرض للموت ومشاكل اخرى كثيرة لا عد ولا حصر لها وعلى كافة الاصعدة ، فكرامة الانسان تحت هذا النوع من الضغوط ، لم تعد لها معنى حقيقي متميز وخاضع لارادة العراقي ولا لارادة السلطة ايضا. فمثل الانسان العراقي اليوم في الوطن ، كمثل الذي اضطرته ظروف حياته ان يعيش تحت ظروف محيط كيمياوي أو محيط أسن تفوح منه روائح كريهة ، ألامر الذي تضطر معه الحواس للتكيف مع الواقع القائم . ومع مرور الزمن اصبح المحيط  ومناخه امرا طبيعيا بالنسبة للشخص على الرغم من نتائج معاناته من أمراض ومشاكل الصحية متفاقمة. ولكننا ننسى هنا ، أن الحواس البشرية المعطلة ليست فقط سببا للامراض ، لكنها أيضا وسيلة لتعطل النعمة الراقية التي خلقها الله تعالى ووهبها لعباده لاستنشاق عبير الحياة الطبيعي الزاهي. فهي مشكلة اخرى تسلب من الانسان اعظم ما يتمناه ، وهو العافية، وكذلك الحياة في عراقنا .

    حماك الله يا عراقنا السامق ... 

    7/8/2018  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media