التظاهرات الشعبية العراقية وما يصاحبها، تثير تحفزاً وتوجساً فكريا فيرؤوس العراقيين في الداخل ومن يتابعها في الخارج، بما لا يقل عما تثيره في الداخلمن حراك فعلي. وينعكس هذا التحفز في الرؤوس بشكل مواقف في غاية التصلب والاستعدادللعنف اللفظي، يكاد يشمل الجميع. الجميع انقسم الى خندقين يتبادلان التهم بالخيانةالعظمى والخطر على البلاد. خندق يرى في التظاهرات أمله المنشود الذي طال انتظاره،وهو ليس مستعداً للتخلي عنه ابدا، والآخر الذي يرى فيها تكرار لتظاهرات الربيعالعربي والثورات الملونة التي اجتاحت العالم بتوجيه أميركي إسرائيلي، لما فيها منتشابه شديد معها، حتى في بعض اساليبها التكتيكية الصغيرة وكأن بعض قيادات الجانبينقد دربا من قبل جهة واحدة.
لكن ألم يكن هذا هو الحال في تظاهرات مصر وليبيا وحتى بداية تظاهرات سورياكما يؤكد الكثيرون؟ ألم تنته كل واحدة منها بمأساة ابعد ما تكون عن أسوأ ما يمكنللشعب ان يتخيله؟
هل حالتنا مختلفة؟ وهل لنا ما يبرر التفاؤل بنتائج إيجابية؟
للأسف فأن كل المؤشرات تشير إلى أن حالنا هو الأخطر على الإطلاق. فلم يكنأي من تلك الدول تحت الاحتلال المباشر لدولة تستهدف تحطيمه كما اثبتت التجارب فيالعلاقة بين اميركا والعراق، رغم ان الأمر قريب من ذلك في حالة مصر.
إضافة إلى الاحتلال، هناك نقطة أخرى أساسية تجعل من أوراقنا اضعف حتى منمتظاهري هذه الدول وهي الانعدام شبه التام لأية قيادات للتظاهرات، على العكس من كلتلك الدول! وهذا يعني بالطبع تشويش شديد في الأهداف والمطالب.
الشديدو الحماس للتظاهرات يرون أنه لا يجب مطالبة المتظاهرين بأكثر ممايجب. وان التظاهرات "العفوية" قد تنتج شيئا إيجابيا، كما يشير التاريخ.بل ذهب البعض إلى أن "عفوية" التظاهرات وانعدام قيادتها السياسية، امرإيجابي!
قلنا ان الجميع يتفق على عفوية الغالبية الساحقة من المتظاهرين، ويتفقون علىوجود المندسين بينهم بنسبة أو أخرى، فأيهما اقوى ولمن سيكون التوجيه في نهايةالأمر؟
إنه سؤال لا يمكن الإجابة عليه ابداً، وفي الرياضيات يقولون: إن عسرتالإجابة عن سؤال، فلنبحث عن سؤال آخر يمكن الإجابة عنه، ويقود الى ذات النتيجة. وهنايمكننا ان نطرح السؤال البديل: ما هي فرصة تظاهرات غير محددة القيادة والأهداف، فيالنجاح في تحقيق نتائج إيجابية في العراق؟
انا اعتقد أنها: صفر!
لماذا؟ لأن العراق محتل، ولأن هذا الاحتلال يملأ كل الفراغات المتروكة، وهوعبقري ويستميت في توجيه كل ما يمكن توجيهه في البلاد، نحو تحطيم البلاد، وليس هناكاسهل عليه من توجيه الضائعين إلى الوجهة التي يريدها. لقد درس ذلك زمنا طويلاواسماه "الفوضى الخلاقة" حيث يتكفل الشعب بخلق وإدامة الفوضى ويقوم هوبتوجيهها بشكل "خلاق". وقد صقل معرفته النظرية المدروسة هذه بالكثير منالتجارب والخبرة خلال العقود الماضية، وقامت معاهده بتخريج "الكفاءات"المتخصصة بقيادة الجماهير وبمنهج علمي محدد.
هذا ما يجب ان يدركه حتى المكتفون بالشعارات المطلبية الخدمية من كهرباءوعمل الخ. ويجب ان يعرفوا ان انتفاء هذه الخدمات لم يكن إلا بتأثير الاحتلالالمتعمد تخريب كل شيء! لذلك يجب أن يكون التخلص من الاحتلال واتباعه ومشاريعه، فيمركز الأهداف، للوصول إلى المطالب الخدمية وغيرها.
خريجو المعاهد الامريكية يدركون هذا ايضاً، ويوجهون للالتفاف عليه، دونتخريب مرحلة "خلق الفوضى" والزخم اللازم لها. وبالفعل، تجد شعارات لـ"التحرير" مثلاً، لكنك حين تقرا التعليقات، تفهم ان المقصود منها"التحرير من إيران"! وليس اميركا او تركيا اللتان تحتلان البلاد بالفعل.كما حذر الصديق بسيم محمد بوجود توجيه قوي لتظاهرات البصرة إلى نفس الجهة التي تمتوجيه العميل الأمريكي الدكتور محمد الطائي لها منذ بداية الاحتلال وتم تسليمهمحطة تلفزيونية خصصت تقريباً لذلك الهدف وهو: إقليم البصرة!
وما إقليم البصرة (أو أي إقليم آخر) إلا خطوة (نفسية) لتفتيت العراقوالقضاء عليه في نهاية الأمر. لأن الدستور ينص ان للأقاليم والمحافظات ذات الحقوقحيث تذكر الكلمات معاً في تلك النصوص. وقد حاولت بعض الجهات السياسية الأقرب إلىاميركا في الماضي العمل على تحقيق إقليم البصرة أو "إقليم الجنوب" مثلماحاول غيرهم في المناطق الغربية.
لذلك كله أقول: بدون العقل – البوصلة الموجهة للتظاهرات والمحددة لأهدافها،فالمعركة خاسرة لا محالة! وقد اقترح الزميل علاء اللامي توجيه المتظاهرين إلى تكوين"لجان شعبية" واعية، في المدن والأحياء، لتكون كل منها نواة في قيادةالتظاهرات. فبدون جهة وطنية تمتلك الحد الأدنى من الوعي اللازم لمعرفة من يقودالخراب في البلاد، والإرادة اللازمة لتوجيه تلك التظاهرات، فأن الذين دربهمالاحتلال ويشرف عليهم، سوف يستلمون القيادة!
هل لنا من هؤلاء؟ قرأت هذا الصباح تعليقا من الصديق أحمد آل عودة يدعو عددامن الكتاب كنت احدهم، إلى تحديد المطالب التي يرون ان التظاهرات يجب ان توجه لهاوتسترشد بها. وقد كتب هو بالفعل ورقة تحمل مطالباً استندت إلى مقالة للزميلوالصديق علاء اللامي، كانت أولها المطالبة بإخراج الجيشين الأمريكي والتركي منالبلاد، فاستبشرت خيراً.
هذه المقالة استجابة لطلب الصديق العزيز أحمد آل عودة في العمل على تحديدالمطالب المناسبة، والتي اضع قائمة لها ادناه أملا ان بقية الزملاءالزميلات ممنيودتود اضافة أو إبداء ملاحظة على اية نقطة، المبادرة إلى ذلك بشكل مقالة مستقلةأو تعليق، لتكون مسوّدة مناقشة بناءة بين الجميع، كتاباً وقراءاً، وصولا إلى قائمةللمطالب الأهم والممكنة التحقيق بالفعل، والتي يمكن أن تشتق منها الشعارات المبسطةالمناسبة للتظاهرات.
هناك بالطبع "مطالب" لها شعبيتها دون ان تستند إلى شيء حقيقي،مثل المطالب بتغيير النظام الانتخابي إلى فردي أو التمثيل النسبي إلى رئاسي اوالغاء العمل بقانون سانت ليغو وغيرها من المطالب التي وضعت اما خطأً في الفهم أوأدخلت للتشويش على المشكلة الحقيقية، وسوف نكتفي بعدم الإشارة إليها.
وهكذا، وتأكيداً لمبدأ استحالة النصر في معركة التظاهرات بدون العقلوالتوجيه المحدد والأهداف المحددة، فإنني اضع هذه القائمة من المطالب حسب تسلسلأهميتها وفق رؤيتي للموضوع، لتكون خاتمة هذه المقالة وفاتحة للمناقشة والبناءوصولا إلى اهداف "مقترحة" للمتظاهرين. ففي النهاية هم من يبذل الجهدويتعرض للخطر، وهم من يقرر على الأرض، صلاحية أي هدف، وصيغة كتابته.
1- السيادة على البلاد وتلاحمهما ووحدتها ومركزيتها: لا أقاليم جديدة ولا صلاحياتإضافية للمحافظات، ولا اية خطوة نحو التفتت القانوني أو السياسي او العسكري أوالمعنوي، مهما كان اسمها ومهما كانت الحجة لها!
2- إخراج الجيش الأمريكي المحتل
3- اخراج الجيش التركي المحتل
4- الغاء نتائج الانتخابات واعادتها، لما تم كشفه من تزييف واسع النطاقومنع استعمال الأجهزة الالكترونية والحاسبات في عمليات العد وإدخال البياناتمستقبلا، ومحاكمة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتهمة التآمر على البلاد.
5- "حصر السلاح بيد العراقيين" بتنفيذ النقطتين 1 و 2 وتنظيفالبلاد من داعش أولاً، ثم "حصر السلاح بيد الدولة" لإكمال السيادة على البلاد،ومحاكمة المسؤولين عن سقوط الموصل وتكريت ومدن الانبار وغيرها بتهم الخيانةالعظمى، والتحقيق في كيفية وصول الخونة إلى المواقع المناسبة في اللحظة المناسبةلإسقاط تلك المدن بيد داعش. وكذلك فتح التحقيق بقصف القوات الامريكية للجيشالعراقي والحشد والقاء المساعدات لداعش ودعمها في مناسبات عديدة.
6- كشف ونشر نصوص العقود السرية والتي تمنع التعيينات ودعم السلع الأساسيةوتفرض الخصخصة على البلد، والتي وقعتها حكومة العبادي مع صندوق النقد الدولي وغيرهمن المؤسسات المالية، والعمل على تسديد ديونه والتخلص من شروطه فوراً. كذلك يجبمراجعة القوانين التي وضعها الاحتلال للبنك المركزي والمؤسسات المالية وتغييرهابما يناسب أمن البلاد المالي والاقتصادي وليس أمن المنظمات المالية الامريكية.
7- الغاء خصخصة الكهرباء والصناعة وغيرها، وكتابة قانون يمنع خصخصة الخدماتالأساسية لحياة الشعب في: الكهرباء والماء والتعليم والصحة والاتصالات والمواصلاتوالمالية والأمن بمختلف جهاته، وتغيير أي قانون يمنع ذلك.
8- الغاء المؤامرة الكبرى لخصخصة النفط العراقي وتحويل ملكية النفط منالعراق الى شركة، والمتمثلة بتمرير ما يسمى قانون شركة النفط الوطنية في غفلة منالناس، وكتابة قانون حقيقي يليق بالإسم، ومراجعة الاتفاقات النفطية التي وقعتهاوزارة النفط مؤخرا مستغلة نهاية موسم مجلس النواب والحكومة والتي تمس سيادة العراقعلى نفطه.
9- الغاء الجزية النفطية المهينة التي تقدم للأردن منذ زمن المقبور وتوجيهأموالها لتغطية حاجات الشعب العراقي، وإلغاء اعفاء البضاعة الداخلة من الرسومالجمركية التي تخدم دول الجوار وغيرها وتضر بالاقتصاد والصناعة والزراعة العراقية،وتسبب انخفاضاً كبيرا في فرص العمل الإنتاجي في العراق، وبالتالي هي مسؤولة عن زيادةالبطالة بشكل كبير.
10- منع التصويت السري في البرلمان وإقرار قانون بضرورة نقل كل الجلساتمباشرة ليفهم الشعب من يصوت له ومن يصوت للفساد. فلدى كل الجهات الأجنبية ممثلينينقلون لها ما يجري في البرلمان إلا الشعب، الذي توجه السرية اليه.
11- نظرا لخطورة ما يبثه الاعلام من سموم أكاذيب، تشريع قانون لمحاسبة شديدةعلى الكذب المتعمد لوسائل الإعلام والعاملين فيها، واعتبارها جريمة مخلة بالشرف.
12- الغاء قانون العشائر والعمل على ان تكون القوانين منسقة لتتجه بالبلدالى دولة مواطنة حديثة تحترم القانون.
13- احتساب تقاعد النواب والوزراء وغيرهم، وفق مدة خدمتهم، كما في بقيةالوظائف، والغاء مخصصات "المساجين السياسيين" والاكتفاء بدعم المعونةالاجتماعية لمن يستحق منهم، ضمن القانون العام، وإلغاء منصب "وزيرالدولة" و "مستشار رئيس الجمهورية" وإلغاء مكاتب المفتشين العامين وهيئة النزاهة.
14- الوعد بالعمل على تغيير الدستور بإزالة كل ما يدفع بالبلاد الىالتقسيمات الطائفية أو الإيحاء بها، وكذلك كل ما يحدد خيارات البلاد الاقتصادية أويضع دساتير الأقاليم فوق الدستور العراقي أو يعرقل تغيير الدستور بشكل تعسفي بربطهبموافقة سكان عدد من المحافظات.
15- الغاء "المخصصات الاجتماعية" المخصصة للوزراء ورئيس الحكومةورئيس الجمهورية ونوابهما، وإلغاء حق رئيس الجمهورية بالعفو أو تخفيف الحكم لأنهاعتداء على سلطة القضاء لا يخدم الا المجرمين الكبار والتآمر على القانون من قبلالحيتان الكبيرة ولا مبرر له على الإطلاق.