الحسين عشق .. تماهى معه الجسد
    الجمعة 21 سبتمبر / أيلول 2018 - 06:11
    محمد علي مزهر شعبان
    أمس وسط التزاحم المليوني . وهذا السخاء العجيب الذي أمتد مائدة تنوعت وتشكلت بما جادت الانفس . أنى كانت وجهتك في الازقة والميادين، إكتحلت السماء بغيمة من دخان القدور، والايدي تتوسمك ان تمنح الأجر بأن تكون ضيفها لتقدم لك ما لذ وطاب . تسائلت كم كان يزيد غبيا، حينما قتل الحسين ؟ إنه قرأ المقدمات ولم يدرك ما ستؤول إليه النتائج، بل الاغبى حسين كامل حينما تصدى برعونة للتحدي، بينه وبين منارة وقبه . الاول لم يجدوا من جسده الا جزء من ساق، والثاني رفعوه قتيلا من على المزبلة في في السيديه . هل علاقة الجزاء طردية، وكانها عقوبة السماء، أم ان الاحرار ورفاق النضال لهم الاثر البالغ في سجل التاريخ الذي لا يترك اللافتات الكبيرة عند مفترق النسيان في الذاكرة الجمعية .
    هل خرج الحسين طلبا لاستيزار، أم باتت في خوالجه دوامة الثأر ؟ أم أنه قرأ أن الموت في مسالك الحرية، هو الابقى في أن يموت الانسان دون موقف وربما جسد يتهالك في عالم النسيان . هل الموقف تجسد في العقيدة التي تأسس الحياة قبل الموت ؟ ما هذا العشق الجنوني الذي يؤسسه رجل في أنفس وأبدان وتطلعات الناس الى حيث تؤدي بعض طقوسه الى تهلكة الجسد، وفيضان الدموع والاسى الذي يتفجر لمصيبة، ربما مرت من هي أكثر دموية منها في تاريخ الشعوب . هل هو العنوان الاولي لمسك السلطة ؟ وهو أمر مشروع لمن أقيمت عليه الحجة، وبلغ من الافساد في الدولة ما يوجب إصلاحه . وهذا شأن المتصدين لمن "يروا الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما " وهنا استحضر الشيخ "حبيب بن مظاهر" والعجوز"هوشي منه" والا كيف تؤسس لدولة العدل دون ان تمسك القدرة والسلطة على تفعيلها .
    اما العنوان الثاني ما يتناوله من ادعوا أنهم أصحاب تحليل وتعليل، بأنه الثأر لمقاتل استمرت بين عشير منذ هاشم وعبد شمس، وعبد المطلب وأمية، ومحمد وابو سفيان، وعلي ومعاوية . لا بأس لنأخذ هذه الجنبة على مأخذ الجد، ولكن ما طبيعة المتصارعين، من يمثل التيار الاول ومن يمثل الاخر؟ دون شك هو صراع إرادة المظلومين والمهمشين والعبيد والاغلبية وفقراء الشعب، قصاد  الارستقراطية ورؤوسها القبلية التي انتهكت كل معايير الوجود الانساني . المسئلة ليست في حيز الدين فحسب، بل في ثوابت العقيده الصالحة لبناء أمة . فكان صراع ارادات على وتر الصالح من الطالح . ومن يمضي مع الحق دون قوة، لابد ان يخسر المعركة التي موئلها الجيوش والمال والرشى والأنفس التي تجري في خوالجها الحقد الاعمى على من تقشف فيها وتجرد من مطامعها وإغواءها وملذاتها الخارجة عن الحكم بالعدل . وسوق الرعية، كأمعات لمن إدعوا أنهم تبؤوا سلطة الرب، وأضحوا أمراء سلب الارواح والحقوق .
    بين السلطة والثأر، هل كان الحسين يقع تحت تأثير تينيك الافتراضين ؟ حينما أدرك الحسين في استحالة مسك السلطة وهي أمر مشروع للاصلاح، بعد قراءة الواقع الكوفي، وتنامي الجيش الاموي، وما رسمته خريطة المتغيرات . كان بإمكانه تغير مسار الرحلة، بأتجاه اخر، كان له ولابيه فيه حظوة حيث "النهروان" وفيها أربعين ألف من " الحمر" من أهل فارس . لازالت تتذكر عدالة أبيه، دون تلك الشوفينة المقيته التي مورست ضدهم، منذ زمن . فهم غير إيواء له .
    أما الثأر فهذه النطفة من أل هاشم لم يخالجها هذا الاحساس، لانهم من سجية ارتقت وسمت، دون أن تمارس تلك النوازع التي يمارسها الطغاة ومعركة الجمل خير دليل . كذب من قال أن الحسين طلب من رذائل تلك الامة، الذهاب في أرض الله العريضه، أو ان يضع يده بيد يزيد أليس هو القائل " مثلي لا يبايع مثلك " هو لم يقع تحت خيار واختبار الحظوة في أن ينجو، بل قدم للسجل التاريخي الموقف من حياة الاباة إزاء الزناة . بناء على ذلك، وجدت الناس تمارس ذلك العشق، لامرين أولهما نكوصهم ان يقفوا ذلك الموقف . وثانيهما السقوط المروع لجريمة قتل ذلك القائد والاحداث بما حملت من تبعات بعد مصرعه . ولكي يقف المرء، موقف الولاء والوفاء، تنوعت وسائل سلوكه،وعلى قدر مساحة العقل، بين الرؤى المدركة التي ارتقت بهذا المثال العالي في الحياة وكيف تمثله المناضلون عبر التاريخ، وبين من انحصرت رؤاه في مؤديات قد تخرج عن المألوف، لكنه العشق اذا توغل في الاحاسيس، ينتهي مفعول الجسد .
    مع الاعتذار والتقدير....  فرويد يقول : التماهي هو التعبير المبكر عن الرابطة العاطفية مع شخص أخر.... والتماهي هو: التمازج أو الترابط أو الانصهار بين شيئين وجعلهما واحد .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media