صباع بطاطس «بهاء»
    السبت 22 سبتمبر / أيلول 2018 - 07:10
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    أغلى صباع بطاطس على مر التاريخ البشرى. لم يدفع فيه أحد من البشر كل هذا الثمن، وكل هذا العمر، إلا صاحبنا بهاء المصرى هذا، قالوا: سيدفع خمس سنوات من عمره خلف القضبان محبوساً فى غربة بلا زيارة من الأهل أو الأحباب، ويدفع غرامة يقال إنها بالآلاف، ولو دفعهما معاً لاقتحم موسوعة جينيس بجدارة واستحقاق، ولتجاوز هذا الصباع فى تكلفته طبق أصابع النساء اليابانيات الطرى المحمر فى مطاعم لحوم البشر المسموح بها هناك، والتى تتجاوز الوجبة منها الألف دولار، وهى أغلى من أصابع الرجال الناشفة الجافة التى لا تصل إلى نصف هذا الثمن. صاحبنا المصرى بهاء ظهر فى فيديو على «اليوتيوب» برفقة زميلته السعودية فى العمل يتناولان طعام الإفطار معاً فى أحد فنادق جدة، ولا يخلو الإفطار من قليل من الدلع والهزار والوصال، ولا مانع لدينا هنا أو هناك فى هذا، لكن المانع هناك أن يكون هذا الدلال فى العلن، وألا يكون هذا الوصال مستوراً ومنتقباً!! حتى حانت اللحظة الفاصلة التى قصمت ظهر بهاء، وهى «صباع البطاطس» الذى وضعته الزميلة السعودية المنتقبة فى فمه، وناولته إياه فى غفلة منه (ونحط تحت فى غفلة منه مائة خط للقيادة وللمسئولين هنا وهناك).

    فكرتنى يا بهاء بأغلى «جدر» بطاطا فى تاريخ السينما المصرية، وأعظم أفلام الراحل هنرى بركات، وفيلم «الحرام» للعبقرى يوسف إدريس، وفاتن حمامة «صاحبة الجدر» وعبدالله غيث الزوج العليل المريض الذى سأل زوجته المسكينة «هذا الجدر» الذى تاقت نفسه إليه، ولم يكن يعلم أن هذا الجدر سيجر عليه العار والفضيحة ويختم نهايته بالموت، وأما صاحب «الجدر» المعتدى والمغتصب، فلم نتشرف به طوال الفيلم إلا لحظة التشليح والاغتصاب. هذان المشهدان العبقريان يفضحان الفقر والاستكانة والخضوع والاستسلام لقوة المال ونفوذه وسطوته وسلطانه. مصير «صباعك يا بهاء وجدر عزيزة» واحد، فهل يا ترى لو كان هذا الصباع فى فم أمريكى أو إنجليزى هل كان مصيرهما سيكون كمصيرك؟ ولو كان جدر البطاطا لغير عزيزة الفقيرة المحتاجة المنهكة، هل كان الاعتداء الوحشى عليها سيكون مجاباً ومباحاً ومسموحاً به، وتدفع ثمنه المغتصبة وحدها؟ وربما تدفع أنت ثمن صباع البطاطس الخلسة وحدك؟

    الحاجة ملعونة فى كل كتاب. فى الفيلم -يا سيد بهاء- لم نسمع عن الرجل الذى استقوى على المسكينة فى أرض «الجدر» وخلع ملابسه واعتدى عليها بعد أن وهنت وضعفت وخارت قواها، ودفعت المسكينة الفقيرة الثمن بمفردها، حمل حرام، ثم عار، ثم موت، إلا أن حكايتك ربما تختلف، فقد سمعنا وقرأنا عن صاحبتك هذه التى وضعت صباع البطاطس فى فمك بإرادتها دون تدخل منك، أنها مثلت أمام جهات التحقيق. وأظن، والعهدة علىّ بمفردى، أنها ستخرج منها ومن المشهد كما خرج صاحب الجدر المعتدى، وأنك ستواجه الحبس والغرامة بمفردك، لا جريمة من طرف واحد سوى فى فيلم الحرام، وفى بلاد الحرمين. وحتى أزيدك معرفة بتفاهة الأمر وضآلته، وخيبتنا القوية اللى راكبة جمال الجزيرة كلها، أعرّفك ما هو جدر البطاطا وما قيمته، هو بقايا ثمرة البطاطا أو حامل الثمرة الذى يظل فى الأرض بعد جمعها، يجف وينشف فى التربة، وكان فى بعض الأحيان هدفاً للفقراء، تعفف الفقراء والمساكين عن ذلك الآن، ولا يعرفه أحد من الجيل الحالى، كما لا تعرفه زميلتك المنتقبة الدلوعة التى ورطتك، فإذا حوكمت بجوارك، على الجريمة ذاتها، والتى لا تمت لعلم الإجرام بصلة، وتافهة تفاهة جدر البطاطا وضآلته، ستخرجان منها كما خرج صاحب الجدر سليماً معافى.

    يا بهاء، أظن أن الوزارات المعنية لن تتركك إلى هذا المصير، ولن تخجل من التدخل من أجل تبرئتك من جريمة صباع البطاطس، فليست مناولته فى الفم من الأفعال الفاضحة، ولا هى دعوة للفجور، أو تحريض على الفسق، أو خدش لحياء ربات الخدور. وإذا كان فى الأمر ما يستحق العقاب فليس أكثر من قرصة ودن، أو الترحيل وهذا أخف الضررين. ولا أتصور أن يؤخذ الأمر على أن هذا تلاعب بشرف أمة أو دولة، وترتفع فيها عنجهية البداوة إلى عنان السماء، فلو كان الأمر كذلك لحاكمنا كل من جاء إلى بلادنا للهو واللعب وأكل أصابع البطاطس، فليس عندنا فى تناولها جريمة باليد أو بالفم، ولكانوا قد حاكموا كل الوافدين إلى بلاد الخليج، فلا يخلو الأمر من هذا الصباع فى السر أو فى العلن.

    اللهم ارحم كاتبنا الطبيب يوسف إدريس، الذى لم ينتبه طوال الفيلم لصاحب مصيبة الجدر ومغتصب المسكينة الفقيرة، وتركه يُفلت من جريمته، وإلا لكان أمر الحرام مختلفاً فيه فى بلادنا وفى بلاد أخرى.


    adelnoman52@yahoo.com

    "الوطن" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media