وحدة الوجود وحقيقة الكون المتسامي
    الأربعاء 9 يناير / كانون الثاني 2019 - 22:34
    د. جواد بشارة
    ماهو عمر الكون وكيف يتم حسابه 
    تسائل العديد من علماء الفلك ، منذ القرن  الثامن عشر، عن عمر مختلف الأجسام والأجرام السماوية كالأرض والشمس والنجوم والمذنبات، التي يشاهدوها بالعين المجردة في السماء ، ولكن مع مرور الوقت، صار العلماء يتساءلون عن عمر الكون المرئي نفسه وتوصلوا إلى قيمة محددة لعمر الكون بفضل مختلف عمليات الرصد والمشاهدة والحسابات الرياضياتية والتجارب المختبرية ونتائج الرصد التلسكوبية الأرضية والفضائية.
      تحدد عمر الكون المرئي وفق النموذج الكوني المعياري  
    le modèle Λ-CDM (prononcé lambda-CDM),     أعتدم هذا النموذج باعتباره المدة المنصرمة منذ وقوع حدث الإنفجار  العظيم ولقد ساهمت بعثات فضائية وتجارب رصد عديدة بتقديم قيمة رقمية علمية للعلماء وتقدر اليوم بــ13،82 مليار سنةـ   
    ظهور وتطور مفهوم عمر الكون والزمن الكوني
    تبنى العلماء إبان القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نموذج الكون الثابت الساكن أو اللامتغير، الأبدي والأزلي، أي غير قابل لأي تغيير أو تطور، ولا يتحلى بأية تنويعات أو متغيرات على المستوى الكوسمولوجي. ولقد تطلب الأمر انتظار ظهور وتطور مفاهيم فيزيائية علمية جديدة كقانون الديناميك الحراري الثرموديناميكا الثاني  والأنتروبي ، حتى يتقبل العلماء تدريجياً إمكانية وجود عمر محدد للكون المرئي. فوفق قانون الديناميكا الحرارية الثاني ، لو كان الكون أزلياً وأبدياً فإن نفس درجة الحرارة سوف تتولد في كل نقطة فيه وبالتالي لن يكون بوسع أي جسم سماوي أن يتشكل .  
    في العام 1917 ، بعد أن نشر العالم الفذ البرت آينشتين أبحاثة في النسبية العامة  والخاصة في سنوات 1905 و 1915، عدل آينشتين معادلاته ليضيف ليها ما عرف بالثابت ي لكي يبقى نموذجه الكوني متلائماً ومنسجماً مع نموذج الكون الثابت والساكن . ولكن أبحاث العالمين الكسندر فريدمان و جورج لوميتر،الكوسمولوجية بين 1922 و 1927 ،المستندة إلى حلولهما لمعادلات آينشتين أظهرت خطأ صاحب النسبية الخاصة والعامة  بفرضه قسراً الثابت الكوني  الذي اعتبره بأنه أكبر خطأ ارتكبه في حياته واثبت العالمان أن الكون المرئي حتما في حالة تقلص وتوسع ولقد وضع العالم آرثر إديننتغون رصاصة الرحمة في نعش نموذج الكون الساكن والثابت بعد أن أثبت بأبحاثه أن الكون المرئي غير مستقر . 
    ولمواجهة معضلة الجاذبية وخلق قوة مضادة ومساوية لها للحصول على نموذج الكون الساكن، أضاف آينشتين إلى معادلته الثابت الكوني لكنه تخلى عنه بعد ان ثبت له حقيقة التوسع الكوني. واليوم يعود الثابت الكوني بقوة إلى واجهة المشهد كأفضل مرشح ممكن لمعضلة الطاقة السوداء أو المعتمة أو الداكنة
    أول المؤشرات جاءت من مشاهدات ورصد علماء الفلك فيستو سليفر وإدوين هابل سنة 1929 حيث اثبتا بما لايقبل الدحض وعلى نحو بديهي أن المجرات تبتعد عن بعضها حسب ظاهرة دوبللر وانها تنحو نحو اللون الأحمر أي أن هناك توسع في الكون عكس التصور السائد آنذاك عن الكون الثابت والساكن، فكل الأشياء والأجسام بدأت تبتعد عن بعضها البعض انطلاقاً من نفس النقطة وبناءاً على ذلك بدأت حسابات المسافات بين النجوم المنظورة والمجرات  البعيدة جداً، ومن ذلك ظهر مفهوم جديد في المعادلات الكونية عرف باسم ثابت هابل وأول من فعل ذلك هو العالم آلان سينداج سنة 1958 وفق المعادلة التالية وكانت النتيجة قريبة من القيمة المعروفة والمتداولة اليوم            H = 75 km/s/Mpc 
    كان عالم الفلك  الأمريكي آلان سانداج  أول من قدم تقييما أولياً دقيقة نسبياً لثابت هابل سنة 1958 وهو الأمر الذي أتاح لسانداج تقدير عمر الكون المرئي وقدره بــ 13 مليار سنة  حسب معادةته الرياضياتية H = 75 km/s/Mpc    وجاءت قيمته أقرب لما  هو معروف اليوم 
    في عام 1965 نشر العلماء بنزياس وويلسون وبييبلس وويلكنسون أبحاثهم عن الخلفية الأحفورية الكونية المنتشرة الميكروية مما وضع حدا لأي اعتراض أو تشكيك بخصوص توسع الكون مؤكدين على نحو قطعي نتائج العالم سانداج مع بعض التحسينات للوصول إلى العمر الحقيقي للكون المرئي وثبت ذلك مهمة التلسكوبين الفضائيين دبليو ماب سنة 2001 و بلانك سنة 2009 اللذين أعطيا نتائج في غاية الدقة لثابت هابل ولعمر  الكون.
    Λ-CDM — « Λ »     هذا هو النموذج الذي  يستند الى الثابت الكوني المعاصر والذي يعني به المادة السوداء أو الداكنة أو المظلمة وهي مادة باردة، ويعد في  الوقت الحاضر باعتباره  النموذج المعياري الذي يصف الكون المرئي منذ مرحلته البدئية الكثيفة والساخنة إلى اليوم. فمعادلات آينشتين  تشير إلى أن إن بداية الكون كانت على هيئة فرادة أولية بدئية فريدة حتى لو لم يكن لمثل هذه الفرادة الكونية وجود أو  مثال سابق معروف لأن المقصود هو تعبير رياضياتي محدد للنسبية العامة ومن المتعارف عليه أن الانفجار العظيم  البغ بانغ بدأ بعد هذه المرحلة أي بعد أو انطلاقاً من الفرادة الكونية.   
    لايوجد فرق عن نسبية الزمن  فعمر الكون يقاس بالزمن الكوني والسنوات الضوئية أي الزمن الخاص بمراقب متحرك مع الحركة الكونية لكون متسق  ومتناغم ومنسجم وإيزوتروب.  فكل المراقبين يراقبون كوناً متماثلاً ومتناظراً مهما كانت  الزاوية التي يرصدونه منها فعمر الكون بهذا المعنى هو الزمن الكوني الذي يجري منذ البغ بانغ الانفجار العظيم ما يعني أنه بدأ معه ولم يكون موجوداً قبله ومستقلاً عنه 
    فوفق النموذج أدناه المذكور فإن عمر الكون المرئي هو المدة الزمنية المنصرمة منذ الانفجار العظيم وتطور الكون المنبثق أي منذـ8ـ13  مليار سنة  ومن أجل تحديد  نسبية الزمن في النظرية النسبية العامة فإن هذه المدة يجري التعبير عنها بالزمن الكوني  وهو الزمن الخاص بمراقب لكون متجانس ومحايد تجاه التوزيع المتناظر للمادة 13.8  13،8 Λ-CDM 
    فكل ساعات المراقبين تسير بنفس الإيقاع ويرصدون جميعهم نفس القيم فيما يتعلق بالمقاييس والإعدادات الكونية مثل كثافة المادة  والطاقة  ومعدل التوسع الخ  لذلك فإن تطور الكون متشابه ومتماثل بالنسبة لكل مراقب، لهذا فإن عمر الكون هو الزمن الكوني المنصرم منذ الانفجار العظيم.
    عمليات الرصد والمشاهدة البشرية الحالية لم تصل إلا إلى الجزء الظاهر والمنظور من الكون المرئي لذلك فإن بعض الفرضيات والنظريات الكوسمولوجية تتفق على أن عمر الكون المرئي يمكن أن يكون أقدم بكثير مما لدينا من معطيات رصدية، فالجزء الخفي عنا من الكون المرئي يمكن أن ينطوي نظرياً على تطور جوهري مهم أطول بكثير مما توصلت إليه أجهزة الرصد والتكنولوجيا المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر فالاتحاد الدولي لعلماء الفلك يؤكد أن تعبير عمر الكون لا يتوافق بالضرورة مع الفترة الزمنية الممتدة من الانفجار العظيم البغ بانغ إلى اليوم في الكون المرئي.  
    يحتوي الكون المرئي على بعض المكونات الغريبة التي تستدعي دراسات معمقة كالاعدادات والمعايير الكوسمولوجية والثوابت الكوسمولوجية والأقزام البيضاء وغير ذلك كنماذج غير حصرية. فمعادلات فريدمان تصف تطور الكون المرئي باعتباره كينونة منسجمة متسقة متجانسة  وإيزوتروب وفق عدد من المعطيات والمعايير والإعدادات   البارامترات المسماة المعايير او البارامترات الكونية أو الكوسموزولوجية والتي يحددها الراصد والمراقب الكوني الذي يقوم بمهمة وصف الكون وتقديم النموذج الكوسمولوجي والحال أن معادلات فريدمان ونموذج  آ - سي دي أم  Λ-CDM   يستندان إلى مساهمة المادة الباريونية السوداء والأشعة الكونية الأحفورية الماكروية المنتشرة  والثابت الكوسمولوجي الذي يعتقد حالياً أنه الطاقة السوداء أو المظلمة أو المعتمة أو الداكنة مما يشكل بمجموعه كثافة الطاقة الكلية للكون المرئي والتي يفترض أن تكون مساوية لكثافة المادة/الطاقة الحرجة.
    تلسكوبين فضائيين يمثلان قمة التقدم التكنولوجي في مجال قياس عمر الكون على نحو دقيق هما: 
    Planck et WMAP    بلانك و دبليو  أم أ ب 
    وركزت مهمتهما الفضائية على تحديد قيم لمختلف المعايير او البارامترات الكوسمولوجية  وتحديد قيمة ثابت هابل la mission WMAP (pour Wilkinson Microwave Anisotropy Probe) 
    فبارامترات الكثافة تسمح بتحديد عمر الكون المرئي بفضل عامل زمن هابل  ho  والذي تحدده المعادلة التالية ويعطي قيمة يتم تعديلها فيما بعد وفقاً لمعايير أو بارامترات كوسمولوجية تم حسابها بدقة متاهية t0 = ho  وبالتالي كلما كانت القياسات والحسابات دقيقة لهذه العوامل الكوسمولوجية يغدو عمر الكون المرئي أكثر دقة وأكبر مما يتوفر لدينا من         معطيات كما في المثال التاليpour H0 = 68 km/s/Mpc, 1/H0    الذي يعطي عمرا أكبر للكون المرئي يقدر بأربعة عشر مليار سنة وأربعمائة مليون 14.4 milliards d’années 

    يتبع
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media