بلاء الكتابة!!
    الأحد 13 يناير / كانون الثاني 2019 - 22:41
    د. صادق السامرائي
    الكتابة بلاء مبين , وقوة تهيمن على وعي الكاتب , وإرادة حاضرة في كيانه الواعي واللاواعي وتستعبده وتتمكن منه , ولا يمكنه أن يتحرر من قبضتها وما تفرضه عليه من الواجبات والسلوكيات التي لا يستريح إلا بالقيام بها.
    الكتابة عادة يومية قاهرة تصل إلى حد الوسوسة , فالكاتب مصاب بوسواس الكتابة , ومحكوم بالكلمة التي تعصف في خياله , وقد إستعانت بما يتصل بها من الأفكار والعبارات والتفاعلات والرؤى والتصورات.
    ولا يمكن للكاتب أن يُسمى كاتبا إن لم يكن مصابا بمرض الكتابة المزمن المستعصي الذي لايمكنه أن يشفى منه , مهما حاول وعالج ومانع , فالكتابة كمرض الربو الذي ينتاب المريض ويجبره على تعاطي الدواء , فهي نوبات تعصف بالكاتب وتضطره أن يمسك بالقلم ويكتب , أو هي نوبات صرعية متكررة لا تتوقف إلا بعد أن يُفرغ الكاتب طاقته الفكرية والإبداعية , ويضعها في شكل معبر عنها ويحتويها ويطلقها ككائن حي مشارك في الحياة؟
    بل أن الكتابة ولادة كأية ولادة , والفكرة كالجنين الذي يحبل به الكاتب وينمو في رحم خياله وظلمات رأسه , ثم تحين لحظة ولادته وعليه أن يعاني آلام المخاض لكي يلد الفكرة بشكلها الذي تكونت فيه , وبعض الولادات قد تتعسر وبعضها ربما تحتاج لعملية قيصرية أو تداخلات أخرى للوصول إلى حالة الولادة والصياغة القادرة على ممارسة الحياة.
    والمبتلون بإضطراب الكتابة مرضى بحق , ودواؤهم الشافي هو الكتابة نفسها , وينطبق عليهم القول        " وداوني بالتي كانت هي الداء" , أي أن الكتابة إضطراب إدماني راسخ وأكيد , ولكي تكون كاتبا حقا , عليك أن تصاب بالإدمان على الكتابة , وبدون هذا الإدمان المزمن , لا يمكنك أن تسمي نفسك كاتبا.
    ذلك أنك ستبحث وتستجمع مفردات وعبارات وتكنز ملاحظات ورؤى وتصورات , وتجدّ وتجتهد بإدمانية متميزة ومتكررة حتى يمتلئ كأس ما فيك ويفيض على جوانبه , فتأخذ بالإندفاع الإبداعي والتسطيري لما تكاثف وتآلف في رأسك أو عقلك أو فضاءات رؤاك الإدراكية.
    وهكذا عندما تصبح الكتابة إضطرابا سلوكيا إدمانيا مزمنا وعصيا على الدواء , فعندها فقط يمكن أن يُقال للمصاب بها بأنه كاتب!!
    نعم إن الكتابة بلاء , وإدمان تنوير وجلاء!!
    والكتابة أفياض أنوارٍ في قدحٍ ينير!!
    فهل أنت مدمن على الكتابة , أم أنك من الطارئين؟!!
    *البلاء: الجهد الشديد في الأمر , المحنة التي تنزل بالمرء ليُختبر بها.

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media